القاهرة 24 ابريل 2018 الساعة 11:37 ص
بقلم: د. هـنـاء زيــادة
لم يهتد الإنسان إلى البحث عن رفاهية معيشية أفضل إلا مع التحول الذي شهده عصرنا الحديث، وما يفرضه هذا التحول من مشكلات خطيرة باتت تواجهها البشرية، بدءاً من التغيرات المناخية والانفجار السكاني وصولا إلى الأزمات الاقتصادية واحتمالية نضوب مصادر الطاقة، هذه المشكلات بعضها يهدد وجودنا، بعض العلماء يؤكدون أن عجز البشر عن حل مشاكلهم على الأرض، يدفعهم للتفكير في ملاذ آخر خارج كوكبهم، فيما يرى البعض أن الأرض مازالت صالحة لإنشاء مجتمعات أكثر مثالية، لذا فإن عدداً من الشركات العالمية قد بدأت في التنافس لابتكار منازل ذكية متطورة، منها على سبيل المثال شركة (تسلا)، والتي عرضت مؤخراً لمحات من المنازل الذكية التي يتوقع إطلاقها عام 2040م، فالمنزل بشكل عام سيكون تفاعلي، مزود بوحدة تكنولوجية مركزية تدعى “موذرهين”؛ وستقوم هذه الوحدة بتوصيل جميع الغرف والمشغلات بوحدتها المسؤولة عن جميع العمليات الجارية في المنزل، سيعمل المنزل على مراقبة مستويات الطاقة، ودرجات حرارة الغرف، والجدول الزمني لجميع الأفراد، والأمن، وأكثر من ذلك بكثير. وبخلاف تسلا، فإن العديد من الشركات الكبيرة الأخرى مثل: آبل وسامسونج وجوجل، دخلت بالفعل الى هذا المجال، فقد أصدرت أبل HomeKit، التي تتيح للمطورين ربط الاجهزة بنظام ابل التشغيلي IOS بطريقة تضمن الأمان، فيما ترى سامسونج أن كل منزل في المستقبل سيكون مصممًا بشكل يناسب الاحتياجات المختلفة لهؤلاء الذين يعيشون فيه، وتتضمن مجموعة الحلول المتطورة للمنزل الذكي، الذي طورته سامسونج Samsung Smart Home نظام متطور يراقب كمية الكهرباء المستهلكة والأجهزة التي تستهلك أكبر قدر من الطاقة في المنزل مثل تكييف الهواء، وعرض التكلفة المتوقعة لها. بالإضافة إلى نظام تشغيل إدارة الموقع، الذي سيسمح بتشغيل أجهزة تكييف الهواء أوالأنوار تلقائيًّا عند اقتراب المستخدمين من المنزل.
التقنيات التي تطورها سامسونج أيضا ستسمح للمستخدم من تشغيل تكييف الهواء أو المكنسة الكهربائية أو التلفزيون أو الإضاءة المنزلية، من أي مكان وفي أي وقت، من خلال تطبيق S Voice أو خدمة التعرف على الصوت الموجودة في سوار Gear S وهواتف سامسونج جالاكسي الذكية، كما الأبواب سوف تزود بأقفال رقمية، هذا بخلاف كاميرات المراقبة المتصلة بالإنترنت والتي تدعى "هوم فيو" Home View، حيث تسمح لتطبيق مصاحب على أجهزة الهاتف الجوال بالوصول إلى ما تسجله الكاميرا عن بعد، كما يمكن للثلاجات في منازل المستقبل إبلاغ صاحب المنزل بالوصفات الغذائية التي يمكن إعدادها من خلال أنواع الطعام الموجودة داخلها، وأن تحذره من وجود أطعمة فاسدة بداخلها، عن طريق التمكن من قراءة تاريخ صلاحية هذه المنتجات، أو تذكر متى تم حفظ الأطعمة في الثلاجة. أما المرآة في غرفة النوم فستنظم جدول أعمال المرء وتساعده على اختيار الملابس وإطلاعه على حالة الطقس وحالة الطرق في الخارج، كما سيوفر الراحة والمتابعة لكبار السن داخل المنزل بشكل مريح وأمان، بدلاً من الانتقال إلى دار تمريض أو دارة العجزة و توفير الرعاية المنزلية لهم من خلال ريبوتات مخصصة لخدمتهم.
قديماً كان هذا التفكير الطوباوي المتمثل في إنشاء بيت مثالي، متكامل الرفاهية بإمكانيات تكنولوجية متقدمة، كان يأخذ دافعيته من منطق أن البشرية قادرة على حل مشاكلها باستخدام التكنولوجيا الحديثة، كان بعض الأدباء يكتبون عنه في أدبياتهم، وكانوا لا يختلفون عن المتخيل الأسطوري في رائعة بيكت "في انتظار جودو"، فالأمر بمجمله في نظر البعض كان مجرد حلم اختزالي تمارسه الإنسانية كضربٍ من الأحلام، أما ألان فإن المستقبل سيشهد لجوء الأفراد إلى العمل من المنازل؛ بسبب التقدم المذهل في الخاصية ثلاثية الأبعاد التي ستتوفر في المكاتب المنزلية حيث ستوجد نظارات خاصة افتراضية، وعدسات لاصقة تسمح للأفراد في التواصل عبر الإنترنت عبر عيونهم، بالإضافة إلى توافر مكاتب ذات أسطح ذكية، وملفات، ولوحات مفاتيح ذكية. فعلى سبيل المثال فإن "بيل جيتس"، صاحب إمبراطورية مايكروسوفت، حين بناء بيته الجديد على ضفاف بحيرة سياتل، زوده بتقنيات متطورة وبرمجيات معقدة يصعب تقليدها، فبحكم خبرته البرمجية طغى الكمبيوتر على كل شيء في منزل الأحلام، ويكفي القول أنه يضم أكثر من 100حاسب آلي، تتحكم تلقائياً بكل صغيرة وكبيرة بالمنزل، كما يضم مجسات خاصة تشعر بقدوم الإنسان، فتضيء الأنوار وتصدح الموسيقى، وتفوح رائحة عطره المفضل!
السؤال ألان: هل من الممكن تحقيق وإقامة هذا المنزلي المستقبلي؟!، الإجابة ببساطة هى نعم!، فالأمر يقوم على أهمية تسخير التكنولوجيا مقرونة بالموارد الطبيعية، وأهمها الطاقة الشمسية المتوفرة في أغلب شهور العام، لبناء مدن تستمد طاقتها منها بالكامل، ضمن الاستعاضة عن الطاقة التقليدية، بالنظيفة والمتجددة، وكذلك مثيلتها طاقة الرياح، وبالتالي سيتم توفير كل الطاقة التي سيحتاجها المنزل المستقبلي بشكل طبيعي، وستستخدم أرضيات الجراج خاصية الرنين المغناطيسي لتحفيز المجال الكهرومغناطيسي وشحن السيارات به لاسلكياً، وفي ظل احتمالية نقص المياه العذبة فإنه سيتم إعادة استخدام المياه المستهلكة مرة أخرى، عن طريق إزالة المواد العضوية، كما سيتم تنقية المياه وإعادة وضعها في خزانات المياه، كما ستقوم الغسالات المستقبلية بتنظيف وتجديد المناشف والملابس دون استخدام للمياه، هذا المنزل لن يضم لوحات فنية عادية، بل كشافات ليزرية مخفية تعطي كل مرة لوحة مختلفة ومنظاراً متحركة بالغة الروعة والجمال، حتى الجدران تتغير ألوانها ودرجة حرارتها بما يتناسب مع ساعات النهار وفصول السنة. سيعتمد المنزل الجديد على مبدأ الأصفار الثلاثة، أي “صفر طاقة” و“صفر انبعاثات” و“صفر نفايات”، لكن هذا المنزل النموذجي، لا يزال في طورالاختبار، و فيه يجرب الخبراء معدات جديدة لمباني المستقبل. إذن لقد أصبح الحلم حقيقة .. لكن يبقى انتشاره وظهوره للعلن ، مجرد مسألة وقت.