القاهرة 17 ابريل 2018 الساعة 11:01 ص
هـنـاء زيــادة
في روسيا عام 2013م، ظهرت لعبة ـ كانت محدودة الانتشار ـ تحت اسم "الحوت الأزرق"، ابتكرها شاب روسي يدعى "فيليب بوديكين" وكان يبلغ من العمر حينها 21 عاما، حتى عام 2016م لم يكن كثيرون يعرفون عنها شئ إلا في نطاق محدود، لكن بعد ذلك وقعت حالات انتحار تم ربطها باللعبة، وهو ما خلق حالة من الذعر في روسيا، بعدها بدأت حالة من الانتشار تحظى بها تلك اللعبة المميتة، حيث انتشرت بين الشباب والمراهقين على نطاق واسع حول العالم، وقد وصلت إلى دول عربية، تم اتهام مخترع اللعبة "بوديكين" بتحريض نحو 16 مراهقة على الانتحار، فألقت السلطات القبض عليه، ومثُل أمام القضاء الذي أدانه وحكم عليه بالسجن. كان "بوديكين" يجيد التلاعب بضحاياه عبر هذه اللعبة، ففى لقاء تلفزيوني نادر له أجرته قناة محلية روسية معه قبل القبض عليه، قال "بوديكين" أن ما فعله كان إنقاذاً لضحاياه من التعاسة التى كانوا يعيشون فيها بالفعل، وجعل حياتهم أكثر سعادة، ويجعلهم يدركون مشكلتهم الحقيقية أنهم يجب أن يغادروا حياتهم، كان "بوديكين" يعد من يلعبون اللعبة بالسعادة الأبدية فى الجنة، حيث أخبر ضحاياه بقوله: "سأجمعكم جميعا فى مكان واحد فى السماء". يُقال أن "بوديكين" قد استوحى اسم اللعبة من إقدام الحوت الأزرق في بعض الحالات على "الانتحار"، وذلك باتجاهه إلى الشاطئ. أما اللعبة نفسها، فببساطة ـ ودون الخوض في تفاصيلها ـ تتكون من 50 مهمة، تستهدف المراهقين بين 12 و16 عاماً. وبعد أن يقوم الشخص بالتسجيل لخوض هذا التحدي المميت ، يُطلب منه رسم حوت على ذراعه بأداة حادة، ثم تتوالى المهمات التي يتم تكليف اللاعبين بها، بعدها يدخل اللاعب في عملية انصياع لتوجيهات تصدر من اللعبة، مثل القيام فجراً ومشاهدة أفلام الرعب والاستماع لموسيقى حزينة والصعود إلى مناطق عالية مثل الأسطح والجسور. وتسمح أطوار اللعبة للمسؤول بجمع معلومات خاصة عن اللاعب وعائلته وتنتهي اللعبة في اليوم الخمسين، بدفع اللاعب إلى الانتحار وفي حال رفض تلك الخطوة يكون عرضة للابتزاز وخطر إيذاء العائلة.
كان "بوديكين" يطلب من الذين يقدمون على قتل نفسهم، أن يتخلصوا من جميع الوسائل التى يمكن من خلالها للمحققين الوصول لسر انتحارهم، وهو ما جعله بعيداً عن أعين العدالة لسنوات، لكن إحدى الفتيات ذات عمر 15 عاما لم تمسح حسابها على أحد مواقع التواصل الاجتماعى، كان هذا أول خيط قاد المحققين فى النهاية للوصول إليه. مما يثير الاستغراب أن "بوديكين" قد نفى أن تكون لعبته قد قتلت 130 شخصاً، قائلا: "لم أقتل سوى 17 شخصا فقط، أما الآخرون فقد انتحروا دون أن أتدخل شخصياً"، مما يُعرف عن هذا القاتل المجنون أنه كان فى المدرسة معروفاً بأنه شخص بلا أصدقاء ومنعزل، وأن والدته لم تكن ترعاه بسبب ارتباطها بالعمل حيث لم يكن تقريباً يراها، كان لديه أيضاً مشاكل دراسية، كما كان مدمناً على الإنترنت بعد أن ترك المدرسة. لكن أفكاره الشيطانية لاحقاً قد تسببت في لعبة قاتلة أودت بحياة الكثيرين حول العالم، بعض التقارير رصدت حالات انتحار في صفوف مراهقين أثناء تتبعهم مراحل هذه اللعبة في عدد من الدول العربية، مصر والجزائر وتونس والكويت والمغرب، ففي تونس تلقى اللعبة رواجاً متزايداً بين الأطفال والمراهقين وتسببت بحسب إحصاءات غير حكومية، في انتحار 10 أطفال، و 5 من الجزائر وطفلة سعودية لم تتجاوز 12 عاما، هذا بخلاف الدول الأخرى التي لا توجد إحصائيات رسمية حول عدد ضحايا تلك الألعاب.
المشكلة الكبرى هى أن هناك عديد من الألعاب الخطيرة الأخرى، التى تشبه الحوت الأزرق، والحماية ليست في منع التطبيقات لأنه يصعب ذلك في ظل انتشار الإنترنت لكن يجب تطوير الوعي الحديث مع الأطفال والشباب والمراهقين وإعطائهم الفرصة للتعبير عن أفكارهم وأحلامهم وطموحاتهم دون خوف، من تلك الألعاب الاخرى لعبة تسمى "مريم"، والتي حققت انتشاراً ملحوظاً مؤخراً، والتي تدور حول فتاة صغيرة تبدو مخيفة الشكل تدعى مريم، والتي تتوه في الغابة عن منزلها، فتستنجد بالمستخدم (اللاعب) كي يساعدها للعودة إلى المنزل، وخلال رحلة وصولها تبدأ بطرح الأسئلة، وعلى المستخدم أن يجيب على كل سؤال يتم طرحه، وهذه الأسئلة تكون في بدايتها بسيطة إلا أنها تتطور إلى أكثر من ذلك حيث تصل إلى انتهاك خصوصية المستخدم، وبين كل مرحلة وأخرى تخبر الفتاة المستخدم بأنها ستكمل الجولة الجديدة في اليوم التالي، فيضطر اللاعب إلى الانتظار يوم كامل ليستأنف رحلة البحث عن منزل الفتاة عبر الإجابة عن الأسئلة والمثول إلى أوامر الفتاة، وسط مؤثرات صوتية ومرئية لمزيدٍ من الإثارة وبث الرعب في نفوس المستخدمين، اللعبة تخطف عقول اللاعبين، وثمة تقارير تفيد بأن لها أبعاد تجسسية واستخباراتية،و ان البيانات والمعلومات التي يوفرها اللاعب يتم استخدامها ضده لاحقا، ويتم ابتزازه بها.
خطورة هذه الألعاب تتمثل في أن أصحابها يستهدفون فئة المراهقين والأطفال، وهى فئة مازالت شخصيات المنتمين لها في طور التكوين، وغالبا يكون من السهل التأثير عليهم واستدراجهم بعيداً عن أعين الأسرة ومراقبة الأهل، لأن مصممي تلك الألعاب يعتمدون على الفضول الذي يتملكه الأطفال والمراهقين حتى تسهل عملية التحكم فيهم واستدراجهم والدفع بهم الى الموت. والأسوأ فيما يخص هذه الألعاب أنه من الصعب تقنياً حجب هذه الألعاب، فبالرغم من أن التطبيقات التي كانت موجودة تم سحبها، وتم توقيف وحبس بعض مصمميها، مثل مصمم لعبة الحوت الأزرق، لكن تلك الألعاب كفكرة بقيت موجودة على الإنترنت وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات أخرى مثل فايبر وواتساب، وبالتالي لا يوجد موقع محدد يمكن حجبه، ومن المؤسف أيضا أنه إذا دخلنا محركات البحث سنجد الكلمة الاستدلالية الأكثر بحثا هذه الأيام هي: لعبة الحوت الأزرق!
في تطورات متسارعة لحالات الانتحار الأخيرة، والتي كان آخرها نجل نائب برلماني سابق من مدينة المحلة الكبرى، وسبقه شاب آخر من مدينة طنطا القريبة منها، أصدرت دار الإفتاء المصرية، فتوى بتحريم المشاركة في لعبة "الحوت الأزرق"، كما ناشدت الآباء بمراقبة سلوك أبنائهم وتوعيتهم بخطورة هذه الألعاب القاتلة، وأهابت بالجهات المعنية تجريم هذه اللعبة، ومَنْعها بكل الوسائل الممكنة، لما تمثله من خطورة على الأطفال والمراهقين. كما صدرت مطالبات عاجلة من البرلمان لوزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بضرورة وجود رقابة على هذه التطبيقات، وعدم السماح باستخدامها في مصر. أما مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، فقد تابع عن كثب ما يُنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعى من ألعاب تخطف عقول الأطفال والمراهقين والشباب، وتجعلهم يعيشون عالما افتراضيّا يعزلهم عن الواقع، وتدفعهم إلى ما لا تُحمد عاقبته، لذا فقد ذكر فى بيانه المعلق على الأمر، عددا من النصائح المهمة للوقاية من الوقوع فى هذا المنزلق الخطير، وهى 11 نصيحة، سنذكرها في ختام هذا المقال، لما لها من أهمية وفائدة:
1- متابعة الطفل بصفة مستمرة وعلى مدار الساعة.
2- مراقبة تطبيقات الهاتف بالنسبة للأبناء، وعدم ترك الهواتف بين أيديهم لفترات طويلة.
3- شغل أوقات فراغ الأطفال بما ينفعهم من تحصيل العلوم النافعة والأنشطة الرياضية المختلفة.
4- تأكيد أهمية الوقت بالنسبة للطفل.
5- مشاركة الطفل فى كل جوانب حياته مع توجيه النصح وتقديم القدوة الصالحة له.
6- تنمية مهارات الطفل، وتوظيف هذه المهارات فيما ينفعه والاستفادة من إبداعاته.
7- التشجيع الدائم للطفل على ما يقدمه من أعمال إيجابية ولو كانت بسيطة من وجهة نظر الآباء.
8- منح الأبناء مساحة لتحقيق الذات وتعزيز القدرات وكسب الثقة.
9- تدريب الأبناء على تحديد أهدافهم، واختيار الأفضل لرسم مستقبلهم، والحث على المشاركة الفعالة والواقعية فى محيط الأسرة والمجتمع.
10- تخير الرفقة الصالحة للأبناء ومتابعتهم فى الدراسة من خلال التواصل المستمر مع المعلمين وإدارة المدرسة.
11- تنبيه الطفل على حرمة استخدام آلات حادة تصيبه بأى ضرر جسدى، وصونه عن كل ما يؤذيه؛ وذلك لقول الرسول: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ...».