القاهرة 10 ابريل 2018 الساعة 09:31 ص
كتب: أحمد مصطفى الغـر
كان يعاني من التصلب الجانبي الضموري، وهو مرض عصبي انتكاسي يصيب الخلايا العصبية الحركية لدى الشخص البالغ، وقد سبّب له الشلل، وجعله لا يستطيع التكلم إلا بواسطة جهاز كمبيوتر بصوت اصطناعي تحوّل إلى سمة مميزة له. هذه الإعاقة لم تمنعه من ان يصبح أحد أعظم العلماء المعاصرين ويتحدى التوقعات التي لم تكن تمنحه سوى بضع سنوات من الحياة بعد إصابته بالمرض العضال عام 1964م، إنه العالم الشهير "ستيفن هوكينج" المعروف بأعماله حول أسرار الكون، وحرص في عمله على التوفيق بين نظرية النسبية ونظرية الكمية في محاولة لتفسير نشوء الكون وكيفية عمله، وعلى الرغم من كيانه المؤثر علميا إلا أنه لم ينل جائزة نوبل.
وُلد هوكينج في 8 يناير عام 1942م، في مدينة أكسفورد بانجلترا، عائلته كانت تحظى بالعديد من المفكرين، وكانت والدته من قليلات درسن في جامعة أوكسفورد في الثلاثينيات من القرن الماضي، وذلك في الوقت الذي كانت فيه كثير من النساء محرومات من التعليم من الأساس، لم يكن هوكينج طالباً مميزاً في حياته الأكاديمية، أو طالبًا استثنائيًا في المراحل السابقة، فأثناء سنواته المبكرة في مدرسة سانت ألبانز كان ثالث الطلاب سوءًا. لكنه بالرغم من ذلك فقد ركز على السعي نحو العلم والمعرفة خارج نطاق المدرسة والمناهج الدراسية، فأحب ألعاب الطاولة، كما ابتدع هو وبعض أصدقاءه ألعابا خاصة بهم. وأثناء مراهقته، قام مع بعض أصدقائه بتركيب كمبيوتر من أجزاء معاد تصنيعها وذلك لحل معادلات رياضية بدائية، لم يهتم بعلم الأحياء، على الرغم من رغبة والده في دراسته للطب، فهو يجده غير دقيق وتصويري، فهو يرى أن روحه رياضية ويعترف بالخطأ، ومن الغريب أنه كان يؤمن باحتمال وجود الفضائيين.
في عام 1963م، كان هوكينج يدرس علم الكونيات في جامعة كامبريدج، وتبين أنه مصاب بمرض "التصلب الجانبي الضموري" وهو ما أدى به إلى أن يكمل حياته حتى وفاته على كرسي متحرك، في عام 1962م تخرج من جامعة أكسفورد بدرجة الشرف في العلوم الطبيعية، وتابع دراسته ليصبح طالبا في قاعة ترينيتي في جامعة كامبريدج للإعداد لشهادة الدكتوراه في علم الكونيات، وفي 1968م أصبح عضواً في معهد علم الفلك في كامبريدج. يعتقد أن أعظم إنجازاته هو اكتشاف أن الثقوب السوداء ليست سوداء بصورة كاملة، وهو أمر مهم لفهم كيفية حل التناقض بين ميكانيكا الكم ونظرية النسبية العامة، وقد حقق هوكينج شهرة واسعة عقب نشر كتابه "تاريخ مختصر للزمن" عام 1988م، حيث باع أكثر من مليون نسخة. في العام 2007م، وحين كان في عمر الخامسة والستين، خطا هوكينج خطوة هامة نحو السفر نحو الفضاء، فأثناء زيارة له إلى مركز كينيدي الفضائي في فلوريدا، سنحت له الفرصة لاختبار بيئة من دون جاذبية، وعلى مدار ساعتين فوق المحيط الأطلسي، كان هوكينغ الذي تقله طائرة بوينغ 727 معدلة، محرراً من كرسيه ذي العجلات، وذلك ليختبر دفعات من انعدام الوزن، وانتشرت صوره وهو حر عبر الصحف في جميع أنحاء العالم،وقال حينها:" كان الجزء معدوم الجاذبية رائعًا، ولم أعاني في الجزء مرتفع الجاذبية، لقد استطعت الحركة مرارًا، لقد أتيتك أيها الفضاء"، وفي العام 2011 شارك هوكينغ في اختبار جهاز جديد يلف على الرأس يحمل اسم "آي برين"، وصُمم الجهاز لقراءة أفكار من يرتديها عبر التقاط أمواج إشارات الدماغ الكهربائية.
حاول هوكينج في كتبه أن يجيب على الأسئلة التي ظلت مسار استفهامات غامضة على مدار التاريخ، مثل: من أين جاء الكون؟ وكيف بدأ ولماذا؟ وما هو مآله أو كيف سينتهي إذا كان له مصير محتوم؟، وذلك من وجهة نظر العلوم الفيزيائية الحديثة، وكان يحاول أن يصل إلى الإجابات من خلال صيغة تكون في متناول استيعاب الجميع. ومن الحين للآخر كان هوكينج يطلق تحذيراته للبشرية، منها في العام 2007م قال محذراً: "إن الحياة على الأرض هي عرضة لخطر الزوال الكلي عبر كارثة، كاحترار عالمي مفاجئ، أو حرب نووية أو فيروس معدل وراثيًا أو مخاطر أخرى. لا أعتقد أن للجنس البشري مستقبل ما لم يذهب إلى الفضاء". أما في عام 2014 أطلق هوكينغ تحذيراً جديداً ولكن هذه المرة من "الذكاء الاصطناعي" حيث تحدث عن المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي، ودعا إلى المزيد من الأبحاث حول جميع العواقب المحتملة لهذه التكنولوجيا الجديدة، وفي إطار إلقائه الضوء على التجارب الطموحة التي من شأنها أن تعطي تصورا أكثر دقة للكون قال هوكينغ: "سيكون بمقدرتنا أن نرسم خرائط لملايين المجرات باستخدام الكمبيوترات القياسية، ما يساعدنا في فهم موقعنا جيدا في الكون"، وفي 2015م شارك هوكينج في مؤتمر في السويد لمناقشة نظريات جديدة حول الثقوب السوداء والمعلومات المتضاربة المحيرة، وطرح مزيداً من الأسئلة والنظريات التي لا يزال العلماء يبحثون عن إجابات لها. في عام 2009 نال أرفع تكريم مدني في أمريكا، الميدالية الرئاسية للحرية.
أثار هوكينج ضجة سياسية عام 2013م، عندما اعتذر عن حضور المؤتمر الرئاسي الذي يُقام في إسرائيل، وكان يراعاه حينها "شمعون بيريز"، حيث قال في رسالة الاعتذار المؤرخة في الثالث من مايو من العام 2013م: "كنت قد وافقت على الدعوة لحضور المؤتمر الرئاسي لأن ذلك لن يسمح لي بالتعبير عن رأيي بالنسبة لمستقبل التسوية السلمية فقط، لكنه يسمح لي أيضا بالمحاضرة في الضفة الغربية، لكن وصلني عدد من رسائل البريد الإلكتروني من أكاديميين فلسطينيين، أجمعوا كلهم بأنه يجب علي أن أحترم المقاطعة، وبناء على ذلك فإنه يجب علي الانسحاب من المؤتمر، ولو حضرت لقلت إنه في رأيي أن سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية من المحتمل أن تؤدي إلى كارثة". لكن هوكينج له أيضا مواقف أخرى جريئة، خاصة حول ما يحدث في سوريا، حيث نشرت صحيفتا واشنطن بوست والغارديان رسالة كتبها وأعرب فيها عن غضبه مما يحدث في سوريا، قال فيها: "ليس من الذكاء في شيء أن نشاهد مقتل أكثر من 100 ألف شخص أو استهداف الأطفال، بل يبدو الأمر غباءً محضاً، وحتى أسوأ من ذلك، عندما تُمنع الإمدادات الإنسانية من الوصول إلى العيادات الطبية، وعندما تُبتر أطراف أطفال بسبب الافتقار إلى معدات وأدوات طبية أساسية، ويموت رضع حديثو الولادة في الحاضنات بسبب انقطاع الكهرباء". وأضاف: "إن العدوان كانت له أفضلية أكيدة من أجل البقاء، لكن عندما تلتقي التكنولوجيا الحديثة مع العدوان القديم، فإن الجنس البشري بكامله والكثير من أشكال الحياة الأخرى على الأرض تكون مهددة، وما يحصل في سوريا هو من الفظائع، ما يجري في سوريا عمل منكر وبغيض، يراقبه العالم ببرود عن بعد، فأين ذكاؤنا العاطفي؟ أين إحساسنا بالعدالة الجماعية؟، وأنا بصفتي أبًا وجدًا أُتابع عن كثب معاناة أطفــال سوريا، عليَّ أن أقول: كفى". بعيداً عن العلم، كان لهوكينج مساهمات أخرى في الثقافة الشعبية، فقد ظهر في The Simpsons ,Star Trek: The Next Genaration ، وهي كوميديا محاكاة ساخرة مع الفنان الكوميدي "جيم كاري"، وكذلك في Late Night مع الفنان "كونان أوبرين"، كما أن له تسجيل صوتي في أغنية بينك فلويد Keep Talking. وفي عام 1992، أصدر المنتج "إيرول موريس" فيلم وثائقي عن حياة هوكينج، وكان عنوانه A Brief History of Time .
توفي ستيفن هوكينج في منزله في كامبريدج في 14 مارس عن عمر 76 عاما، و دُفِنَ في كاتدرائية ويستمنستر في لندن، إلى جانب عملاق آخر هو اسحاق نيوتن، كما تضم كاتدرائية ويستمنستر رفات ملوك وملكات فضلاً عن مشاهير آخرين من رجال ونساء، وقال أولاد هوكينج في بيان أن جنازته ستقام في كامبريدج "المدينة التي أحب كثيراً، والتي بادلته الحب" حيث كان يقيم ويدرس لأكثر من خمسين سنة، وقد قال جون هال عميد الكلية حيث كان هوكينج يدرس "من المناسب ان ترقد رفات البروفيسور هوكينغ في الكاتدرائية الى جانب زملاء له من علماء كبار"، ذاكراً نيوتن وتشارلز داروين. وقد أشادت رئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا ماي" بهوكينج، ووصفته بالعقل الاستثنائي والفذ، كما نعت وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، ووصفته بسفير العلم، وقالت ناسا على حسابها على موقع تويتر أن "نظرياته فتحت كوناً من الاحتمالات ـ نحن والعالم ـ نقوم باستكشافها"، فيما قال رائد الفضاء البريطاني "تيم بياكي" من وكالة الفضاء الأوروبية أن هوكينج قد "ألهم أجيالا لكي تستكشف لما أبعد من كوكبنا الأزرق ولكي نعمل على توسيع إدراكنا للكون". بأي حال فإن هوكينج يعدّ حالة نادرة في العصر الحديث بسبب الاسهامات التي قدمها للبشرية في مجال العلوم، فضلاً عن أنه غادر العالم تاركاً وراءه الكثير من الأسئلة العلمية التي لا يزال على المختصين أن يجدوا لها جواباً.