القاهرة 03 ابريل 2018 الساعة 11:31 ص
لماذا باتت اللغة العربية غريبة في الأوطان التي تحمل اسمها.. الأوطان العربية؟
كيف نعيد للعربية بهاءها ووجودها الذي تستحقه ،وننهض بها في مواجهة التحديات الحالية؟
. صالح زيّاد الغامدي: قوة اللغة ونهوضها يكون بنهضة الأمة الناطقة بها واستيعابها لها، وتطويعها في مجريات حياتها كافة وسريان شعور الاعتزاز بها
د. ربيحة الرفاعي: المحتل سيّد يفرض ثقافته ويجعل من لغته بهرجاً يباهي به المتحدث بها
ياسر عبداللطيف: لن تنتهي الهيمنة الغربية على الصعيد اللغوي على الأقل، ما لم تنطق العربية بما تستطيع أن تخاطب به العالم، وتُجبره على الإنصات
د. فايزة سعد: يجب تضافر أنشطة كافة المؤسسات المعنية لتعليم العربية بوسائل جاذبة للنشء، مع الاهتمام بضبط اللغة الإعلامية لخطورة تأثيرها على المتلقى
إعداد ـ أحمد مصطفى الغـر
لغةٌ إذا وقعت على أسماعنا .. كانت لنا برداً على الأكباد
ستظل رابطة تؤّلف بيننا .. فهي الرجاء لناطق بالضاد
هل حقاً مازالت لغة الضاد تمثل رجاءاً لناطقها، و برداً على كبد سامعها؟، الملاحظ لمعظم مسميات الشركات والمحال التجارية وحتى المدارس والجامعات العربية أنها قد باتت تحمل تسميات اجنبية غريبة على أوطاننا، فإلى أين يسير واقع الحال بلغة القرآن؟، مجلة (مصر المحروسة) تفتح هذا الملف، وتبحث أراء الكتاب والأدباء والشعراء، وتسأل: لماذا باتت اللغة العربية غريبة في الأوطان التي تحمل اسمها .. (الأوطان العربية)؟، وهل لغة الضاد صعبة أو عصية على الفهم؟ ؛ أم أن زمّار الحي لا يطرب.. لذا يلجأ معظمنا إلى إستخدام اللغات الأجنبية بدلاً من العربية؟، وكيف نعيد للعربية بهاءها ووجودها الذي تستحقه ،وننهض بها في مواجهة التحديات الحالية ؟
ليست غريبة ، ولكن.. !
في البداية.. تقول الشاعرة الأردنية (د. ربيحة الرفاعي) نائب رئيس الاتحاد العالمي للإبداع الفكري والأدبي : (لعل من التشاؤم أن نقول بأن اللغة العربية باتت غريبة في وطنها العربي، فحسبها اقترانها بالنصّ القرآنيّ وتلازمهما منذ البدء عنصر قوّة لا يفارقها، يفرض صلتها بكل من له صلة بالإسلام، فرداً كان أو أمة، فكيف به في وطنها وفي الأمة التي تشاركها اسمها، لكنها أصابها ما أصاب الأمة من ضعف وتقهقر منذ القرن الرابع عشر، فقد خضعت الأمة للحكم العثماني الذي كانت اللغة التركية في ظله هي لغة أجهزة الحكم، ومنه انتقلت للاحتلال الغربي بصرف النظر عما اتخذ من تسميات، والمحتل سيّد يفرض ثقافته ويجعل بالتالي من لغته بهرجاً يباهي به المتحدث بها، فيحرص على تشريب حديثه إذا تحدث بمفرداتها ويستعرض في كل سانحة تمكنه منها، وإذا كانت الأمة تحررت - إلا في فلسطين من الاحتلال - فهي ما تزال تصارع فلوله ثقافياً، وطبيعي أن ينعكس ذلك على تعامل أفرادها مع لغته، فلا يتحرر من توهمه رفعتها حتى يتحرر ثقافياً من مستعمره تحرراً تاماً. لكن هذا لا يجعل من اللغة العربية غريبة وإن أدى لتقليص تمكن أهلها منها، سيما بوجود ما هو قائم من تباين اللهجات المحكية، وما كان من حملة لتضييع اللغة العربية الفصحى في عقود ما يسمى بعصر النهضة بحجة تبسيطها، مع أنها في حقيقة الأمر لغة الأمة التي يعرفون، يقرأونها في القرآن بقواعدها ونحوها، لا يستعصي عليهم فهمها ولا تقصر عقولهم عن إدراك معانيها ودلالات مفرداتها وجملها، وهي إلى ذلك إحدى اللّغات الستّ المعتمدة في الأمم المتّحدة، ويتزايد الطلب على تعلمّهما من غير الناطقين بها، ولو كانت صعبة عصية على الفهم لما كان ذلك).
وتضيف(الرفاعي) أنه: (منذ القرن الثّامن ـ القرن الثّاني الهجريّ ـ صارت العربيّة لغة العلم والإدارة في العالم القديم، واستمرّ حالها في صعود إلى القرن الرّابع عشر كما تقدم، فقد اقترن مجدها إذا بمجد الأمة، كما اقترن هوانها بهوانها، ولا شك أن إذكاء وتغذية المشاعر القومية - ومن عناصرها اللغة- كفيل بيقظة تعيد للعربية كلغة مكانتها بين أهلها، كما أن الاهتمام بصحة اللغة على المنابر الإعلامية والأدبية على اختلافها شرط أكيد لإحيائها وتحقيق مردود واف في وعي العامة منها يعيده إليها، وأزعم أن هذه الأخيرة من أهم نقاط إضعافها حاليا بما نرى على شاشات التلفزة التي تحتل بيوتنا من إستهتار في هذا الشأن، وما غزا رفوف مكتباتنا من كتب مجازة ومطبوعة يتعثر كتابها في أبسط قواعد اللغة).
عامية مفصَّحة ، وفصحى معمَّمة !
تواجه لغة الضاد اليوم تحديات ضخمة، كتابةً ونطقاً، خاصة في ظل شيوع العامية، مروراً بانحسار تعليم العربية الفصحى، مقابل تمدد منافساتها من اللغات الأخرى كالإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية وغيرها، بدعوى أن العربية لا قدرة لها على تحصيل العلوم واكتساب المعارف الجديدة، وصولاً لاستحداث البعض أشكالاً أخرى من الكتابة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعى، ومنها ما بات يُعرف بـ(عربيزى) أو الــ (فرانكو آراب). يقول (د. صالح زيّاد الغامدي)، أستاذ النقد الأدبي الحديث بكلية الآداب، جامعة الملك سعود: (الحديث عن ضعف اللغة العربية وعن قوتها، هو حديث عن قوة المجتمعات والشعوب الناطقة بها، والمنتمية إليها، فليس لأي لغة وجود منفصل عن أهلها الناطقين بها. ولذلك يحسن بنا أن نتأمل، في هذا الصدد، مقدار إسهام المجتمعات العربية في إنتاج المعارف والعلوم والتقنيات والصناعة في عالم اليوم، وعن الدور المؤثر الذي تلعبه في العالم على مستوى السياسة والاقتصاد. فلم تكن اللغة الإنجليزية -مثلاً- قوية، لو كان الناطقون بها، شعوبا متخلفة، لا إسهام لهم في العالم الحديث، ولا قوة نافذة لهم ورائجة بسبب ما تحمله من أهمية علمية أو ثقافية أو اقتصادية للعالم)، ويضيف الغامدي أن : ( قوة لغتنا العربية تنبع من الماضي أكثر من الحاضر، ماضي الأمة العربية بمايزخر بها من تراث علمي وثقافي، وما يبنيه من المؤلفات والمنتجات الثقافية المختلفة، وبتاريخ الدين الإسلامي الذي ارتبطت اللغة العربية بقرآنه وحديث رسوله، ومن ثم بالمعتنقين له، على امتداد التاريخ والجغرافيا، وبما اقتضته ثقافته وخطابه الديني من معارف وعلوم مرتكزها اللغة وقوامها التجلية لمضامين القرآن والحديث، وما يستلزمانه. لذلك فإن جانبا أساسيا من قوة لغتنا العربية، هو في عاطفتنا نحوها، عاطفتنا الدينية والقومية، وهذا جانب أساسي لاشك، سواء من جهة أثره على اللغة، أم من جهة تأثير اللغة به على الثقافة والهوية والعقل العربي. لكن اللغة العربية تعاني حديثا من أثر التخلف العربي، إذ تبدو مناشط الواقع لدينا في أكثر من مستوى معززةً للغات الأجنبية، الإنجليزية في مشرق العالم العربي والفرنسية في مغربه، أكثر من أن تبدو معززة للعربية. فالشركات والوكالات والمصانع والمؤسسات التجارية والحكومية تحتاج إلى موظفين وعمال ملمِّين بلغة أجنبية أو تفضلهم على غيرهم. والعلم في مجالاته النظرية والعملية لا يقوم على أساس صلب إن لم يستند إلى مراجع بلغات أجنبية، أو يكتب –وخصوصاً في العلوم الطبيعية والبحتة وما إليها- بلغات أجنبية. وهذا الوضع للعربية هو وضع كثير من لغات العالم مع الإنجليزية في الدرجة الأولى. فهي وسيلة للحصول على وظيفة جيدة، وهي لغة للسياحة والسفر والصناعة والعلم والاتصال والصناعة).
ويتابع الغامدي: (لم تواجه لغتنا العربية تاريخاً يبجِّل لغة أخرى غيرها طوال ما يزيد على ألف وخمسمائة عام مثلما تواجه ذلك الآن وهي فقيرة من المتون والمصطلحات والمفاهيم والنظريات الحديثة، وفقيرة من القدرة على التفهم والتفاهم مع الصناعة والميكنة والتقنيات والتجارة إلا بما يتيحه التعريب والترجمة، وما يتيحانه يبقى في منطقة خصوص مفاهيمي ضيِّق النطاق وأحياناً مضطرباً وعصياً ومستغلقاً!، وهذا يعني أن لغتنا العربية تبدو اليوم أكثر من أي وقت مضى في حاجة إلى شيوع العامية وخفتها وحيويتها وإلى نظامية الفصحى ورصانتها وعمقها في وقت معاً. وذلك لن يكون إلا بعامية مفصَّحة وفصحى معمَّمة، وهي معادلة لا بد أن يشبه الوصول إليها في أذهان المعنيين بالعربية لغزاً مستعصياً!، إن مشكلة العربية اليوم ليست في خارج الثقافة العربية والمجتمعات العربية، بل هي في داخلها. فالعامية المتفشية – على الرغم من التبجيل الرسمي للفصحى- موضع حفاوة في قنوات فضائية ودراما مسرحية وتلفزيونية ومجلات وصحف ومسابقات. والتأليف بالفصحى أو الترجمة إليها لا يصلان سنوياً في مجموع العالم العربي إلى الأرقام الإحصائية المسجلة للتأليف والترجمة في دولة مثل أسبانيا! ومعنى ذلك أن قوة اللغة ونهوضها هو بنهضة الأمة الناطقة بها واستيعابها لها وتطويعها في مجريات حياتها كافة وسريان شعور الاعتزاز بها، وإذا كانت النهضة بهذا التصور حلماً ما زالت الأذهان، في عالمنا العربي، تحتشد به أكثر من أن تعيشه عملياً، فليس أقل لنهضة اللغة وقوتها من قرارات عملية على أعلى المستويات بشأن اللغة في الإعلام والتعليم والثقافة والتوظيف تدلل على وعي حقيقي بأهمية اللغة القومية وحفاوة بها).
القوانين لا تحمي اللغات !
في مصر صدرت حتى ألان حوالي 10 قوانين لحماية اللغة العربية، بدءاً من العام 1888 م وحتى 2008 م غير أنها لم تحفظ للعربية سلامتها، ولم تحل دون شيوع عاميتها على الألسنة، في ظل تمدد اللغات الأخرى، بدأت تلك القوانين بالقانون رقم 411 لسنة 1888م، قانون ناظر المعارف على مبارك، الذى طالب بتعليم اللغة العربية بالمدارس الأميرية، ثم تلاه صدور الأمر العالى من عباس حلمى خديوي مصر عام 1893م ملزماً بضرورة معرفة الطالب معرفة تامة باللغة العربية، شرطاً للحصول على الشهادتين الابتدائية والثانوية، ليعقبه مرسوم الملك فؤاد الصادر فى ديسمبر 1932م، بإنشاء مجمع اللغة العربية تابعاً لوزارة المعارف للحفاظ على سلامة اللغة العربية وحفظها، ثم أتى القانونان رقما 62 و132 لسنة 1942م، لنفس الأسباب السابقة، والقانون رقم 115 لسنة 1958م، القاضى بتدريس باللغة العربية وكتابة العلامات التجارية بها، ثم القانون الصادر فى العام 1960، مانحاً وزير التربية والتعليم حق إصدار ما يكفل اتباع ما ينتهى إليه مجمع اللغة العربية فى أمر اللغة، ثم القانون رقم 102 لسنة 1976 م الذى أوجب استعمال اللغة العربية فى المكاتبات واللافتات وغيرها ، ثم القانون رقم 14 لسنة 1982م الخاص بإعادة تنظيم المجمع اللغوي، وأخيراً القانون رقم 112 لسنة 2008م لإلزام جميع الجهات والهيئات بما يصدره المجمع لخدمة سلامة اللغة العربية وحمايتها وحفظها. لكن قضية تهميش اللغة العربية قضية معظم الدول العربية وليس مصر فقط، والأسباب كثيرة ومختلفة، أهمها بعض وسائل الإعلام التي أشاعت لهجة عامية انحدرت في ألفاظها وعباراتها، وركنت إلى استخدام أساليب مبتذلة في النقاش والمحاورة، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي ساهمت إلى حد كبير بتهميش اللغة العربية، وأوجدت لغات معربة ومكسرة مجهولة المصدر، وغيرها من الأسباب المختلفة، لكن مصدر القوة في اللغة العربية هو القرآن الكريم الذي تنبع منه الأساليب والمفردات، ويمثل مخزوناً لغوياً هائلاً للكلمات التي تبهر العقول بغزارة معناها، وما تحمله من موسيقى يعجز الشعر والنثر وألوان الأدب كافة عن مجاراتها، إذن فإن العربية محفوظة .. ولا تحتاج إلى قوانين بشرية لحمايتها، لكن المهم ألا يهجرها أهلها ويتخاذلون في إستخدامها أو يعملون على تهميشها في مقابل اللغات الأخرى.
قوة اللغات من قوة ناطقيها !
ترى ( د. فايزة سعد ) ، أستاذ الأدب والنقد المساعد بقسم اللغة العربية - كلية الألسن جامعة عين شمس ، أن اللغة العربية قد باتت غريبة في الأوطان التى تحمل اسمها لأن اللغة تستمد قوتها من قوة الشعوب الناطقة بها، ولأن الشعوب العربية الآن في أسوأ أحوالها سياسياً، حيث الانقسام والتشرذم الذى ألقى بظلاله على الحياة الثقافية، وبشكل عام فإن اللغة جوهر وهوية هذا الكيان قد تأثرت أيضاً. فباتت تشعر بالدونية أمام الآخرين القوى سياسيا، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تدنى مستوى التعليم في كافة مراحله وسوء اختيار استراتيجيات التعليم والمحتوى والإصرار على تعليم اللغة بأسلوب الجزر المنعزلة بدلا من الأسلوب التكاملى مما أدى إلى نفور الطلاب من اللغة، أضف إلى ذلك أثر الإعلام ودوره في تشويه الناطقين بالعربية فضلاً عن دوره بالغ الأهمية في انتشار الأخطاء الشائعة وترسيخها في ذهن المتلقي، وتضيف: العربية ليست لغة صعبة على الإطلاق، فلغة تحمل هذا الكم من البدائل والمترادفات ومرونة أبنية الجملة لا يمكن اعتبارها لغة صعبة والدليل كل هؤلاء الذين يتعلمون العربية من الناطقين بغيرها وسرعة استجابتهم لها وصولاً إلى استكمال الدراسات العليا للماجستير والدكتوراة، أما عن أسماء المتاجر والمحلات فهناك قانون بتجريم هذه الأسماء وفرض اللغة العربية ولكن للأسف الشديد هو قانون غير مفعل نتمنى تفعيله، وتؤكد: تستعيد اللغة مكانتها من خلال تضافر أنشطة كافة المؤسسات المعنية وزارات التعليم والإعلام وفرض العربية للمراحل المبكرة في مدارس اللغات وتعليم العربية بوسائل جاذبة للنشء. والاهتمام بضبط اللغة الإعلامية لخطورة تأثيرها على المتلقى. مع الاهتمام بثقافة اللغة وحضارتها في كل ما يقدم بوسائل الإعلام والكف عن السخرية من معلمى اللغة العربية والحث على استبدال هذه الصورة المزرية التى بدأت من الأستاذ حمام واستمرت حتى اليوم. مع تقديم سيرة النابغين ممن أثروا المشهد الثقافي بإسهاماتهم في الحياة الفكرية.
لغة شامخة، متجذرة في التاريخ
يرى الكاتب والشاعر المصري المقيم في كندا ( ياسر عبد اللطيف )، أنه بعيدًا عن المفاهيم الدينية أو القومية حول قدسية اللغة العربية أو أهميتها، فهناك حقيقة واقعية توثِّقها الأرقام والإحصائيات لا ينبغي نسيانها أو إغفالها، وهي أن اللغة العربية هي رابع اللغات انتشارًا في العالم. بعد الإنجليزية (الأولى) ولغة الماندرين الصينية (الثانية) واللغة الهندية (الثالثة)، وهي تسبق الإسبانية التي تأتي في الترتيب الخامس والروسية في السادس والفرنسية في التاسع والألمانية في العاشر. وإذا أخذنا في الاعتبار أن الترتيب الثاني والثالث تشغلهما على التوالي لغة الماندرين في الصين ثم اللغة الهندية، وهما لغتان محليتان غير عابرتين للجنسيات، فعليه تكون العربية هي ثاني لغة عالمية بعد الإنجليزية. فلا ينبغي الحطّ من شأنها على الأقل من قبل المتحدثين بها. ويضيف عبداللطيف: لقد أنتجت اللغة العربية عبر العصور أدبًا عظيمًا، وكانت هي لغة العلم والفلسفة والرياضيات عالميًا في العصور الوسطى. ولعبت دور حلقة الوصل بين معارف العالم القديم الكلاسيكية والحداثة التي جاءت مع النهضة الأوروبية، والنظرة المتدنية للعربية وأدبها في السياق العالمي، والذي يترجم عنها غالبًا ما يرسِّخ الأفكار السائدة لديهم بطابعها الاستشراقي والكولونيالي عن مجتمعاتنا، هو جزء من الهيمنة السياسية للغرب. ولن تنتهي هذه الهيمنة، على الصعيد اللغوي على الأقل، ما لم تنطق العربية بما تستطيع أن تخاطب به العالم، وتُجبره على الانصات.
للإسف.. بتنا نرى هذه الأيام إهمالاً جثيماً من العرب بحق لغتهم العربية، فيلجأ معظمنا إلى الكتابة بطرق ولغات مهمتها أن تلق بلغتنا العربية إلى حتفها، فنحن نجهل قيمة لغتنا، بالرغم مما يكتبه عنها أهل الغرب أنفسهم الذين نذهب ـ نحن ـ لنستخدم لغاتهم على أنها لغات الحضارة والمستقبل، فالمستشرقة الألمانية د. آنا ماري شيمل، والتي ترجمت القرآن الكريم إلى الألمانية ، تقول عن لغة الضاد (اللغة العربية لغة موسيقية للغاية ولا أستطيع أن أقول إلا أنها لابد أن تكون لغة أهل الجنة)، أما المستشرق الفرنسي ارنست رينان فيقول عنها (من أغرب المدهشات أن تنبت تلك اللغة القومية وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحاري عند أمة من الرحّل ، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها،ولم يعرف لها في كل أطوار حياتها طفولة ولا شيخوخة ،ولا نكاد نعلم من شأنها إلا فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تبارى ولا نعرف شبيها بهذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملة من غير تدرج وبقيت حافظة لكيانها من كل شائبة).
وخيرُ ختام.. هى أبيات من قصيدة (اللغة العربية تنعي نفسها) ، للشّاعر الكبير (حافظ إبراهيم) حيث قال :
وسعت كتاب الله لفظاً وغــايــة * * وما ضــقت عن آيٍ به وعظــات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة * * وتنسيق أسماءٍ لـمخـتـرعــات
أنا البحر في أحشائه الدر كامن * * فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني * * ومنكم، وإن عـز الـدواء، أسـاتـي
أيطربكم من جانب الغرب ناعب * * ينادي بوأدي في ربيع حياتي؟!