القاهرة 28 مارس 2018 الساعة 06:03 م
د. هويدا صالح
أتصور إننا بحاجة لجهود علماء النفس وعلماء الاجتماع لتحليل ظواهر الرقص في المناسبات العامة، وخاصة ظاهرة الانتخابات، فقد أصبح من العادي أن تجد المصريين يرقصون أمام لجان الانتخابات للتعبير عن فرحهم بما دأبت الحكومات المتعاقبة على تسميته بـ " عرس الديمقراطية" وكل عرس ستدعي إيقاعات راقصة وموسيقى ورقص احتفالي. يحللها البعض أنها نوع من المكايدة السياسية لرافضي النظام من المختلفين معه سياسيا، وأن هؤلاء البسطاء والعامة مدفوعين من هذا النظام للتعبير عن الفرح بالعرس الديمقراطي ـ حسب توصيفهم لأي عملية انتخابية ـ وهذه التسمية، أقصد العرس لم يختلف في استخدامها أي نظام سابق، فاستخدمها نظام مبارك ، فلا يغيب عن الأذهان انتخابات هعام 2010 ، التي بالغ نظام مبارك ورجاله ، وخاصة أحمد عز، رجل الأعمال الشهير، وأمين عام الحزب الوطني ساعتها، وكيف أن نسبة تزوير الانتخابات كانت فجة وواضحة، ومع ذلك وصف أحمد عز الانتخابات ساعتئذن بأنها" عرس للديمقراطية" وكذلك فعل نظام الإخوان، الذي أقصى كل القوى السياسية واستحوذ بشكل فج أيضا على السطلة، وخوّن المعارضين له، واتهمهم بالإلحاد والخروج على الدين، ومع ذلك استخدم أيضا نفس الوصف" العرس الديمقراطي" و بمجئ 30 يونيه 2013، وإزالة حكم الإخوان الذي حاول جاهدا أن يغيب الهوية الوطنية المصرية تحت دعاوى دولة الخلافة، النظام الذي حل محل الإخوان نفس التوصيف للعملية الانتخابية التي أوصلت الرئيس الحالي عبد الفتاح السياسي إلى الحكم، وأصبح ما يحدث من عملية انتخابية يوصف أيضا بأنه عرس للديمقراطية، وأي عرس يستلزم رقصا، وها هم المصريون يرقصون أمام اللجان. وبخبرتي البسيطة في تحليل الظواهر الاجتماعية أتصور أن هذه الظاهرة لا يمكن أن ندرجها ضمن النفاق السياسي؛ لأن كل ما يهم النظام نزول الناس، ولا يهمه ظاهرة الرقص، وأتصور أن هذه الظاهرة ارتحلت نفسيا من الميدان فث 25 يناير 2011، حيث رقص المصريون تعبيرا عن فرحتهم بتغليب إرادتهم التي أسقطت رأس نظام مبارك، وأجبرته على التنحي وترك الحكم لمن وثق فيهم الشعب، وأقصد أعضاء المجلس العسكري، الذين كانوا يمثلون في نظر الشعب الجيش المصرية المعروف بوطنيته ودعمه للدولة المصري.
وظلت هذه الظاهرة التي تعبر عن الفرح والبهجة ترتحل مع المصريين حتى وصلنا إلى 30 يونيه 2013، حيث تغلبت إرادتهم مرة أخرى، بدعم الجيش، الذي يمثل الوطنية في رأي المصريين، فأصبح الرقص مرة أخرى تعبيرا عن الفرح والبهجة. وأتصور أن الرقص هنا دافعه نفسي خالص، فالمصريون رجال ونساء يلهثون طوال الوقت وراء لقمة العيش. المصري من الطبقة المتوسطة، والمهمشة، مطلوب منه أن يبحث عن مصدر رزق آخر بجانب عمله الرسمي، دفعا للدروس الخصوصية، والمرتب الذي لا يكفي خمسة أيام في الشهر، والصحة التي لا ترجعها أدوية التأمين الصحي التي تفتقد للمادة المعالجة على أقل تقدير، والكهرباء التي ارتفعت فاتورتها والمياه وغيرها من أوجه الحياة، فلا يجد المصري لحظة في حياته يتوقف فيها باحثا عن سعادته، عن روحه التائهة منه وسط زحام المسؤوليات والانشغالات، لذا ينتهز المصري أي فرصة ليتحلل من من قيود العيب وضغوط الانشغالات باحثا عن لحظات يعلو فيها فوق الآلام والهموم؛ لذا لا أتصور أن هذا الرقص الصاخب أمام لجان الانتخابات مكايدة سياسية أو نفاق للنظام، لأن النظام يهمه نزول الناس والمشاركة في التصويت، ولا يهمهم ما يحدث. الناس محتاجة" تُفُك" بالتعبير العامي، الناس محتاجة للحظات خارج الزمن، وهذه الفرص القليلة التي تتكرر كل انتخابات هي ملاذهم الوحيد. فلا تزايدوا على بسطاء تحللوا في لحظة خارج الزمن من قيود العادات والتقاليد والعيب والحرام، وبعدها سيعودون بعد انتهاء موسم الانتخابات إلى طاحونة أكل العيش اليومي، فتوقفوا عن توجيه اللوم والانتقاد لهم، وتذكروا رقصنا جميعا على الأغاني الوطنية في ميدان التحرير وكل ميادين مصر أيام 25 يناير وأيام 30 يونيه.