القاهرة 28 مارس 2018 الساعة 04:07 م
تغطية: محمد زين العابدين
* د.أبو الفتوح عفيفي: المفكر الرقاصة هو من يزيف الحقائق للناس حرصاً على مصالحه.
* د.محمود الضبع: أيمن بكر يسعى لتجاوز النظرة الأحادية المسيطرة على الثقافة العربية.
* وليد علاء الدين: المفكر إذا وصل إلى اليقين المغلق ليس مفكراً.
* د.أيمن بكر: نواجه منظومة ثقافية تمارس ادعاء الخجل كى لا تعري سوءاتها.من أهم كتب النقد الثقافي التي صدرت في الأعوام الأخيرة كتاب جرىء في محتواه وعنوانه،وهو كتاب"المفكر الرقاصة"للناقد والمفكر الدكتور أيمن بكر الأستاذ بجامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا،حيث شهد معرض الكتاب الأخير الاحتفال بصدور وتوقيع طبعة جديدة من الكتاب،وعقد ندوة نقاشية حوله شارك فيها كل من د.محمد أبوالفتوح عفيفي أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة المنوفية،والشاعر والكاتب وليد علاء الدين،وأدارها د.محمود الضبع الأستاذ بجامعة قناة السويس.كتاب"المفكر الرقاصة"يعري واقعنا الثقافي الملىء بالإزدواجية والنفاق وإدعاء الخجل وغياب المصطلحات الدقيقة التي تنقل المعرفة نقلاً أميناً،وفيما يلي نقدم لكم ملخصاً للآراء التي طرحت بالندوة حول هذا الكتاب الجرىء:
*بدأ أ.د.محمود الضبع تقديمه بالإشارة إلى أن د.أيمن بكر دائم الانشغال بشئون المجتمع العربي،ويسعى إلى تجاوز النظرة الأحادية للأمور المسيطرة على الثقافة العربية،حيث نجد غالباً أن كل فريق من المثقفين والمفكرين العرب يتحزب لرأيه أو للتيار الذي ينتمي إليه،فالفخ الذي يقع فيه الجميع أنهم ينظرون للآخرين نظرة دونية.
*التزييف للحفاظ على المصالح الشخصية: أشار د.محمد أبو الفتوح إلى أن الكتاب يعكس شخصية مؤلفه الذي يبدو شجاعاً في مواجهة الواقع والاشتباك معه وتعرية ما فيه من سلبيات ونفاق وإزدواجية،ويبرز هذا بداية من عنوانه،والذي يحمل بين طياته مفارقة عجيبة،إذ كيف لمفكرٍ يتعامل مع الفكر والفلسفة والعلم أن يحمل صفة"الرقاصة"،ويؤكد في مفتتح الكتاب أنه يجب عدم تزييف الكلام للحفاظ على المصالح الذاتية،ويدعو للتخلي عن التكبر على ثقافتنا العامية،مؤكداً على ضرورة عدم الخلط بين الثقافة الشعبية والإبتذال،وأضاف: إذا تناولنا مفردة"الرقاصة"التي وصف بها نوعية المفكرين الذين تناولهم بالنقد لعرفنا أنه اختيار خدم الدلالات التي يقصدها،فهى تعني معجمياً الأرض التي لا تنبت وإن مُطِرت،والسرابُ الذي يُخايِلُ المسافر،وهو يؤكد على أن الخجل الثقافي الناتج عن الإلتهاب الأخلاقي في مجتمعاتنا يمنع استخدام الألفاظ ذات الدلالات الدقيقة،وإن ارتبطت في ذهن العامة بمعاني سيئة،واستعرض أهم موضوعات الكتاب،ففي فصل عن النخبة العربية أشار إلى أنها بدلاً من أن تحمل راية الريادة في المجتمع لدفعه للأمام،فإنها هى نفسها وقعت في مستنقع التخلف وأصبحت كالرقاصة،فهى تعرف الحقائق لكنها تسوقها للناس بشكل مزيف للحفاظ على مصالحها،وفي فصل بعنوان"الأنانصيون" تناول المتجمدين الذين يقفون عند حدود النص،ولا يعملون عقلهم فيه،كما تحدث عما أسماه بالناقد البلاتيني،وهو الناقد غير المتفاعل مع قضايا مجتمعه فيصبح مثل عنصر البلاتين يساعد على التفاعل دون التأثير فيه أو التأثر به،فيصبح محايداً وسلبياً.
*المفكر الحقيقي: أشار وليد علاء الدين إلى أن عنوان الكتاب الكتاب الذي قد يبدو صادماً للبعض كان يقصد منه المؤلف إزاحة الهالة المقدسة المحيطة بكلمة"المفكر"وليس بمضمونها،فالتفكير قد يكون إيجابياً ومثمراً،وقد يكون في المقابل مدمراً،وأضاف: أما فهمي لكلمة"الرقاصة"من خلال قراءتي للكتاب ومناقشاتي مع مؤلفه فهى ترمز للمخايلة،فالرقاصة تخايلنا ولا ننال منها سوى ما نراه،والمفكر الرقاصة بهذا المعنى هو من يستعمل أدواته لمخايلتنا دون أن ننال منه شيئاً مفيداً،كما أننا نبخل في ثقافتنا بإطلاق لقب المفكر على كل من ينشغلون بالتفكير في قضايانا الثقافية والإجتماعية،وكأنه حكر على من توصلوا لأفكار مغلقة ونهائية،لكن في ظني الآن أن المفكر هو من يجيد صياغة التساؤلات ليشاركه القارىء في التفكير،فالمفكر الذي يرى أنه وصل لنهاية الأرب في تساؤلاته لا ينطبق عليه وصف المفكر،وما يفعله أيمن بكر هو توسيع دائرة التساؤلات،بالإضافة لكونه مهتماً بابتكار ونحت مصطلحات تعبر عن أفكاره بشكل مركز مما يجعله يضيف لطاولة البحث والنقد مادة جديدة قابلة للمناقشة،وقادرة على البقاء مثل مصطلح"الأنانصية"الذي صكه باقتدار ليعبر به عن المبدع الذى لا يستطيع التفرقة بين ذاته ونصه،ويعتقد أنه عندما يتم نقد نصه فإن هذا يعني نقده شخصياً أو العكس فينغلق على نفسه،ولا يتطور.
*التعالي والخجل الثقافي: تحدث د.أيمن بكر فقال أن دور المصطلح في العلم هو اختزال الأفكار لتسهيل تداول المعرفة،لكن ما يحدث في الثقافة العربية أننا حولنا المصطلح إلى أداة للوجاهة الثقافية والإجتماعية،وإعلان التعالي الطبقي لمجموعة من المثقفين يعتقدون أن المثقف هو من يرطن بمصطلحات غريبة لا تفهمها إلا دائرة مغلقة تخصه،وهو عكس الدور الذي وضعت المصطلحات من أجله تماماً،وعن ملابسات تأليفه للكتاب أشار إلى أنه كتب فصله الذي حمل عنوان"المفكر الرقاصة"سنة 2005 ثم ذهب به إلى مجلة"وجهات نظر"التي كان يرأس مجلس إدارتها الأستاذ محمد حسنين هيكل،فتم الاعتراض على مفردة"الرقاصة"،ومن هنا إتجه تفكيره إلى كتابة باب"الخجل الثقافي"حيث تساءل عن سبب سيطرة الخجل الثقافي علينا إلى هذا الحد،فالثقافات التي تحررت من الإدعاء الأخلاقي ينظر فيها الباحث أولاً إلى محتوى الكلام،ثم تقدم بالمقال إلى مجلة"أدب ونقد"فرحبوا به ووعدوه بنشره دون أن يخبروه بأنهم سيعدلون عنوانه إلى"مفكرو الرقص على السلالم"وبالطبع هذا العنوان يشير إلى معنى مختلف تماماً عما قصده،فشعر أنه لا يواجه شخصاً بعينه بل منظومة ثقافية تمارس ادعاء الخجل حتى لا تعري سوءاتها،وأضاف بكر"دارت الأيام دورتها،وشاركت بهذا الموضوع في مؤتمر دولي كبير بجامعة برايتون الإنجليزية شاركت فيه نخبة من كبار الفلاسفة والمفكرين الأوروبيين الذين احتفوا بالموضوع أيما احتفاء،وقال لي بعضهم بعد الندوة أن نمط"المفكر الرقاصة"لا يوجد في الثقافة العربية فقط،وإنما يوجد أيضاً في الثقافة الغربية،وفي النهاية صدر الكتاب عن دار النشر الخاصة بالأديب الكبير الراحل مكاوي سعيد الذى تحمس له جداً.