القاهرة 20 مارس 2018 الساعة 11:34 ص
د. حسين عبد البصير
مقتنيات مقبرة الملك "توت عنخ أمون" لم تكن تخصه وحده
توت عنخ أمون أصبح أشهر ملوك العالم فى تسع سنوات
فى الرابع من شهر نوفمبر عام 1922، كان المغامر الإنجليزى "هوارد كارتر" على موعد مع الرمال المصرية لتمن عليه وتكشف له عن واحد من أهم أسرارها الدفينة واستطاع أن يحقق حلم حياته بعد طول عناء وتعب بالكشف عن مقبرة "توت عنخ أمون" ذلك الأثر الفريد من نوعه الذى أذهل العالم منذ وقت اكتشافه إلى هذه اللحظة، والذى طغى على كل الاكتشافات الأثرية الأخرى فى العالم أجمع، وأصبح أهم اكتشاف أثرى فى القرن العشرين دون أدنى مبالغة.
وانطلقت أسطورة الملك "توت" لتغزو أرجاء العالم كله، وأصبح الفرعون الشاب الذى لم يجلس على العرش أكثر من تسع سنوات، بين عشية وضحاها، أشهر ملك فى تاريخ الإنسانية وكتب لاسمه الخلود.
ولقد ثبت من دراسة مقتنيات مقبرة الملك "توت" التى أبهرت العالم أجمع أنها لم تكن تخص وحده، بل كان أغلبها مقتنيات سلفيه الملكين: والده "أخناتون" العظيم وشقيقه "سمنخ كارع" وتم تجميعها على عجل لإتمام مراسم دفن الملك الشاب الذى راح ضحية مؤامرة حيكت ضده من قبل أعداء القصر الملكى وكبار رجال البلاط انذاك أمثال الكاهن الحكيم "اى" وقائد الجيش "حور محب". ولقد ألهبت هذه المقتنيات والطريقة التى اكتشف بها خيال الباحثين والمولعين بالاَثار وأساطيرها على السواء فنسجوا العديد من القصص والحكايات حول حياة الملك ووفاته ومن هنا نشأت أسطورة "توت".
تعتبر مقبرة الملك "توت عنخ أمون" هى المقبرة الملكية الوحيدة التى وصلت إلى أيدينا كاملة إلى الاَن. فبعد وفاة الملك "توت" بمائتى عام قام عمال الملك "رمسيس السادس" من ملوك الأسرة السادسة والعشرين، دون قصد، برمى الأحجار والرمال المستخرجة من حفر مقبرته فوق مدخل مقبرة "توت عنخ أمون" بل وشيدوا أكواخهم فوق هذا الرديم. ولولا هذه المصادفة العجيبة لما نجحت مقبرة الفرعون الشاب من أيدى لصوص المقابر من كل زمان، ولما وجدها "كارتر" فى صبيحة الرابع من نوفمبر عام 1922 بعد بحث مضن دام خمس سنوات طوال.
فى عام 1917م حصل اللورد "هر برت إيرل كار نافون الخامس" (1866- 1923م) على موافقة مصلحة الأثار المصرية بالتنقيب فى وادى الملوك. وكان حل "هوارد كارتر" (1873- 1939) هو العثور على مقبرة الفرعون الصغير "توت عنخ أمون" بين مقابر وادى الملوك. فطلب اللورد "كارنافون" من "كارتر" أن يجرى الحفائر لحسابه فى الوادى. وكان "كارت" يتمتع بسمعة أثرية كبيرة فقد سبق له اكتشاف مقبرة الملك "تحتمس الرابع" عام 1903م بمساعدة الأمريكى "تيودور ديفيز".
وبدأت الحفائر فى العام نفسه، ومضى دون أية نتائج مشجعة. وتذكر "كارتر" كل ما قاله أسلافه علماء الأثار السابقين أمثال "جان-فرانسو شامبليون" و "جاستون ماسبيرو" و"جيوفانى بلزونى" من أن الوادى قد لفظ كل مابداخله.
لم ييأس وواصل العمل. فقد كانت ثقة "كارنافون" تدفعه حبه وصبره يشدان من أزره الذى لا يلين. واستمر الحفر خمس سنوات أخرى دون نتائج مرجوة. ومر صيف عام 1922 كان إيمان "كارتر" كبيرا بأنه سوف يعثر على مقبرة الملك الصغير ذات يوم. وبدأ اللورد "كارنافون" يقنط ويهمل الأمر كلية ويدعه جانبا. فطلب منه "كارتر" منه أن يمنحه فرصة أخيرة هذا الموسم الذى سيبدأ فى نوفمبر 1922م. واستمر الحفر فى مساحة صغيرة مثلثة الشكل أمام مقبرة الملك "رمسيس السادس" لم يسبق الحفر فيها. لقد كان "كارتر" فى مأزق حقيقي إن لم يعثر هذا الموسم الأخير على هذه المقبرة، فسوف يرحل اللورد إلى انجلترا ويفقد التمويل المادى وتذهب جهوده المضنية لسنوات طوال وأحلامه أدراج الرياح.
لم يكن "كارتر" يعلم أن صباح الرابع من نوفمبر هو يوم مجده الحقيقي. يقول "كارتر" فى كتابه الممتع عن مقبرة الملك "توت عنخ امون" فى معرض حديث عن ظروف الاكتشاف: "هذا هو بالتقريب الموسم الأخير لنا فى هذا الوادى بعد تنقيب دام ستة مواسم كاملة. وقف الحفارون فى الموسم الماضى عند الركن الشمالى الشرقى من مقبرة الملك "رمسيس السادس". وبدأت هذا الموسم بالحفر فى هذا الجزء متجها نحو الجنوب. كان فى هذه المساحة عدد من الأكواخ البسيطة التى استعملها كمساكن للعمال الذين كانوا يعملون فى مقبرة الملك "رمسيس السادس". واستمر الحفر حتى اكتشف أحد العمال درجة منقورة فى الصخر تحت أحد الأكواخ. وبعد فترة بسيطة من العمل، وصلنا إلى مدخل منحوت فى الصخر بعد 13 قدما أسفل مهبط المقبرة. كانت الشكوك وراء بالمرصاد من كثرة المحاولات الفاشلة، فربما كانت مقبرة لم تتم بعد، أو أنها لم تستخدم، وإن استخدمت فربما نهبت فى الأزمان الغابرة، أو يحتمل أنها مقبرة لم تمس أو تنهب بعد. كان فى يوم 4 نوفمبر 1922".
ثم أرسل "كارتر" برقية سريعة إلى اللورد "كارنافون" يقول فيها: " أخيرا، اكتشاف هائل فى الوادى، مقبرة كاملة بأختامها، كل شىء مغلق لحين وصولك. تهانينا".
وهكذا سقطت مزاعم علماء الأثار أمثال: "بلزونى" و "ماسبيرو" و "شامبليون" ممن عملوا فى وادى الملوك وزعموا أنه لم يعد هناك شىء فى بطنه، وهكذا تأكد ويتأكد للعالم أن الرمال المصرية لم تبح بكل أسرارها بعد وماتزال تحتفظ بالكثير من الأثار الرائعة فى بطنها لأجيال عديدة قادمة حتى تظل مثيرة للدهشة إلى أقصى درجة ممكنة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ثم توالت بعد ذلك مراحل الكشف الأخرى إلى أن تم نقل محتويات المقبرة إلى المتحف المصرى فى القاهرة لتظل شاهدة على حضارة لم ولن تندثر أبدا. وفى النهاية نردد مع "كارتر" قوله: "مازال الغموض فى حياة الملك "توت عنخ أمون" يلقى بظلاله علينا، فعلى الرغم من أن تلك الظلال تنقشع أحيانا، فإن الظلمة لا تختفى من الأفق أبدا". وهذا هو شأن من شئون الحضارة المصرية القديمة العريقة فى الحقيقة.