القاهرة 13 مارس 2018 الساعة 11:09 ص
د. حسين عبد البصير
يعتبر تمثال "أبو الهول" ذاكرة الأمة المصرية وخير ممثل ومعبر عن الحضارة المصرية القديمة ورمزها الأشهر.
بُنى هذا التمثال العظيم في عصر الأسرة الرابعة، عصر بناة الأهرام، في الدولة القديمة كي يكون دليلاً على انتشار الديانة الشمسية وربوبية المعبود "رع"، رب الشمس وصاحب السيطرة والنفوذ الممتد طوال الحضارة المصرية القديمة وإلى أفول نجمها ودخولها مرحلة النسيان.
ويربض تمثال "أبو الهول" على هضبة الجيزة كجزء أساسي من المجموعة الهرمية الخاصة بالملك خفرع كإبداع مصري أصيل وأحد التماثيل الضخمة في العالم كله؛ إذ يبلغ طوله نحو 73.5 مترًا وارتفاعه أكثر من 20 مترًا.
ونُحت هذا التمثال من كتلة واحدة، وتم تشكيل هذا التمثال بجسد أسد يمثل القوة ورأس إنسان يمثل الذكاء مما جعله يجمع في عبقرية فريدة بين قوة الحيوان وذكاء الإنسان الممثل لشخص ملك مصر الحاكم باعتباره ابنًا للمعبود "رع"، رب الشمس المقدسة.
ويغيب عن هذا التمثال ذقنه الذي يوجد بعض منه في المتحف المصريفي ميدان التحرير والمتحف البريطانيفي لندن. ويوجد أمام "أبو الهول" بقايا معمارية لمعبد كبير غير مكتمل. ويرجع هذا المعبد إلى عصر الأسرة الرابعة.
ويمثل التمثال الملك خفرع، باني الهرم الثاني بهضبة الجيزة. وهناك أحد العلماء ينسب التمثال لأبيه الملك خوفو، غير أن أغلب العلماء ينسبونه للملك خفرع.
وانتشرت التماثيل على هيئة "أبو الهول" في عصر الدولة الوسطى متأثرة بتمثال "أبو الهول" في الجيزة، فنجد الملك أمنمحات الثاني وأمنمحات الثالث ممثلين في هيئة "أبو الهول".
وفي عصر الدولة الحديثة، انتشرت تماثيل "أبو الهول" برأس الكبش أو رأس الصقر في مقدمة معابد الأقصر والكرنك. وأقام الملك تحتمس الرابع، من عصر الأسرة الثامنة عشرة في الدولة الحديثة، "لوحة الحلم" بين مخلبي تمثال "أبو الهول" في الجيزة كي يدعم صعوده لعرش مصر بناء على اختلاقه قصة تؤكد تدعيم الإله له كي يصبح حاكم مصر المقبل آنذاك.
وغزت فكرة "أبو الهول" بلاد الشرق الأدنى القديم بعد عصر الأهرام بفترة طويلة، خصوصًا في الهيئة الأنثوية، ثم دخلت إلى بلاد اليونان بعد ذلك مما ساعد على انتشار تلك الظاهرة ذات الأصل المصري.
وربما جاءت كلمة "سفنكس" اليونانية الأصل من الكلمة المصرية القديمة "شسب-عنخ" بمعنى "الصورة الحية" والتي ترتبط بإله الشمس والملك باعتباره الصورة الحية له.
ونقل الأباطرة الرومان تماثيل "أبو الهول" المصرية إلى أوروبا كي يزينوا بها معابدهم وقصورهم. واستمرت العناصر المعمارية المصرية مثل "أبو الهول" تغزو عالمنا المعاصر مما يؤكد على عظمة الحضارة المصرية وتأثيرها الشديد في البشر جميعًا قديمًا وحديثًا.
وفي النهاية، أقول، إن "أبو الهول" هو تمثال مصري عظيم يحكى قصة الحضارة المصرية القديمة عبر العصور ويوضح عظمة مصر القديمة وعظمة الإنسان المصريالذي لولاه ما تم إبداع هذه الحضارة الخالدة التي ليس لها مثيل