القاهرة 06 مارس 2018 الساعة 12:23 م
هل آن الأوان أن تهتم المؤسسات الثقافية بمفردات التراث النوبي؟
هل تتمكن الهيئة العامة لقصور الثقافة من الحفاظ على الهوية النوبية من الاندثار؟
هل يأتي الوقت الذي تدرس فيه اللغة النوبية في جامعاتنا المختلفة؟
د. مصطفى عمر توفيق
هل الهوية المصرية هوية واحدة ممتزجة لا فروق بينها؟ هذا سؤال يطرح حينما نقارب التراث النوبي، فالنوبة جزء أصيل من الدولة المصرية ويمثل تراثها أحد مكونات الهوية المصرية وامتدادا للحضارة الفرعونية، إلا أن هذا التراث الذي يغتني بالحضارة النوبية، بما تحويه من فنون وموسيقى وعمارة وتقاليد، يتعرّض، إلى ظلم كبير؛ نظرا لإهماله على مدار عقود طويلة. وهو ما يجب أن تنبه له الدولة المصرية ومؤسساتها الثقافية المختلفة، وخاصة الهيئة العامة لقصور الثقافة أن تنتبه لهذا التراث الشعبي الفريد، وتقوم بجمعه وتوثيقه والحفاظ عليه..
ولعل العمارة التقليدية هي أحد أهم تجليات هذا التراث، حيث تتسم
بملامح جماليات نوعية، برزت معها البيوت المبنية من الطين. ولم يقتصر الأمر على ذلك، فالتشكيل اللوني هو أبرز ملامح هذه العمارة، بألوانها الزاهية الساخنة والمتداخلة، ومن حيث بروز القبب الطينية، كما يستخدم الجريد في سقف الأسطح المستوية. فالعمارة النوبية هي نتاج نهر النيل، بكل معطياته. كما أن الزخارف وتصاميم " المشربية" هي من ملامح العمارة النوبية.
,يتميز البيت النوبي بخصوصية وسمات جاذبية متنوعة، كما إنه لا يقتصر على هذه الجوانب، فهو يمثل أرفع نماذج الوحدات السكنية ذات الطابع الاقتصادي، حيث يجسد البيت النوبي نموذجا لوحدة اقتصادية متكاملة وعملية الطابع، وبذلك فهو ليس مكانًا للسكن فقط، إذ إن مساحة المنزل كبيرة جدًا، وأحيانًا تصل إلى مساحة تقدر بالفدان. ).
وكذلك هو مقسم إلى حجرات منفصلة، ومنها المخصصة للمعيشة، واخرى المطبخ، وثالثة للتخزين ( تكون في الجهة الشرقية من المنزل. وأما في الجهة الشمالية للمنزل، فتوجد حجرات عديدة، تتكون من الفناء، وكذا حجرة كبيرة تسمى الديوان، إضافة الى دورة مياه ومطبخ.
وأما في الجهة الجنوبية للمنزل، فتوجد صالة مغطاة تطل على فنائه. كما أن البيت النوبي كان يضج بالحيوية المتأتية عن النشاط الإنساني، إذ اشتمل على امكنة كثيرة: مكان لتربية الحيوانات، مكان للزرع، مكان للصناعات التقليدية التي يحتاجها المنزل (كالمشغولات اليدوية).).
لا شك أن فن العمارة في الحضارة النوبية، يعد من أرفع أشكال ومقومات خصوصيتها وتفردها، إذ انه يتمتع بمزايا غير متوافرة في اي من فنون العمارة في الحضارات الاخرى..
والبناء النوبي شكل جزءا محوريا من توليفة كونت حضارته، فالبناء باستخدام الطين يرجع إلى المصريين القدماء، إذ كانت هناك كميات كبيرة من خامة الطين، لذلك استفادو من هذه الخامات في البناء.
حيث يعتمد البناء في النوبة على الطوب اللَّبِنُ، المستقى في مادته من البيئة النوبية، إذ إن خامات هذا الطوب تتيح صنع أشكال عديدة يصعب على الخامات الحديثة، مثل الخرسانة والطوب، حيث يتم " تخمير" الطوب المستخدم، بالتبن، ذلك ليكون الاخير، عاملاً مساعدًا على توفير عامل خفة وزن الطوب وعدم تشققه.. ومما لا شك فيه، أن البناء بالطين والخامات البيئية، يمثل نوعا من التنمية المستدامة؛ لأن هذه الخامة يعاد استخدامها مرة أخرى، ومن ثم تحدث نوعا من التنمية الشاملة في البناء".
الموسيقى النوبية
إن الفن الشعبي النوبي بصفة عامة، من أكثر الفنون الإقليمية المصرية التي ظُلمت؛ نظرا إلى إهماله على مدار السنين، إلا أنه ظل مدافعًا عن نفسه من الفقدان أو الانقراض.
كما أن النوبة، هي أكثر إقليم تعرض لخسارة فادحة في فنه وثقافته الشعبية، وأطلق على التراث النوبي الذي يعد جزءا من الحضارة المصرية والتراث المصري وصف "البيئة السمراء"، التي تشتمل على ثقافة النوبة وأسوان.
و الفن الشعبي لا يمكن أن يتغير ويفقد هويته؛ لأن دورته لا تنتهي في كل بيئاته، مثل الأغاني النوبية، والتي هي في الأصل، مأخوذة من الأغاني الفرعونية. ويجب أن نحافظ على الفن الشعبي النوبي والصعيدي والبدوي.
وهنا يأتي دور الهيئة العامة لقصور الثقافة التي يجب أن تحافظ على التراث الفني والموسيقى والشعبي للبيئات الثقافية المختلفة، وخاصة النوبة، وذلك بأن يدرس قصر الثقافة التابع لكل محافظة، فنها وتراثها الشعبي، ويحافظ عليه ويحميه من ضياع الهوية. ومن ثم يجب الاهتمام بمؤسسات قصور الثقافة للارتقاء بالفن الشعبي المصري، حتى تقوم بدورها في هذا الشأن.
ليس هناك من عنصر ومقوم أهم واكثر الحاحا، في سياق حفظ الثقافة النوبية، من اللغة، فدور وقيمة اللغة النوبية، وضرورة العمل على أحيائها وتطويرها، يجب أن تعتني به الجهات المعنية، لأن اللغة النوبية أصبحت مهددة بالاندثار، فهل هناك في جامعاتنا المصرية من يدرس اللغة النوبية ضمن مناهج لسانياته؟