القاهرة 27 فبراير 2018 الساعة 10:02 ص
الإعلام أحكم سيطرته على العالم.. وتجاوز حدود المكان والزمان بالأساليب المبتكرة والتقنيات المدهشة
تضارب المصالح يجعل من التضليل الإعلامي سلاحًا فعالًا في كثير من الصراعات العالمية
انتصار عبد الخالق
لقد ظلت المدرسة المصدر الأول للمعرفة حتى بدايات القرن العشرين، وظل المعلمون هم المصادر الرئيسة لتوزيع المعرفة، وكان الناس قديمًا يعتمدون على المدرسة كمصدر "محتكر" يستمدون منه معرفتهم بالعالم من حولهم. وكانت المدرسة تعيش في نزاع مع المنزل للقيام بدورها، فتارة تتفوق المدرسة على المنزل، وتارة يحدث العكس، إلى أن برز الإعلام، وأصبح منافساً للمدرسة والمنزل معًا، ليس في السيطرة على الطفل فحسب، بل على والديه أيضًا.
فقد أحكم الإعلام سيطرته على العالم، مسليًا مربيًا معلمًا موجهًا، يظهر كل يوم بوجه جديد، وفي كل فترة بأسلوب مبتكر، وفي كل مرحلة بتقنية مدهشة، متجاوزًا حدود الزمان والمكان.
إن المصطلح الإعلامي هو الكلمة أو الجملة المركزة المصنوعة بدقة، لكي تعبر عن حالة، أو موقف، أو حدث، أو منطقة جغرافية، أو فئة معينة، وذلك لإبراز حقيقة، أو طمس أخرى، أو كسب موقف دولي أو إقليمي، أو تغيير اتجاهات وميول معينة لدى شعب أو أمة معينة، أو صناعة صورة محددة، أو سلب إرادة الآخرين والسيطرة عليها، أو تكوين رأي عام، ويكون ذلك بما يتوافق مع مصالح صانع المصطلح.
إن المادة الإعلامية ليست عرضًا بسيطا للواقع، بل هي مادة مصنعة يقوم المرسل بتشكيلها وصناعتها وفق ما يريد، ويضع فيها ما يريد، ويستبعد منها ما يريد، ثم يقوم بإرسالها إلى المتلقي لتحقيق الهدف الإعلامي المطلوب. والأمثلة التوضيحية لعملية تصنيع المادة الإعلامية هي في مجال وكالات الأنباء ونشرة الأخبار التلفزيونية والصحيفة اليومية والبرامج التسجيلية والوثائقية، وأخيرًا الدراما بتجلياتها المختلفة المسرحية والسينمائية والإذاعية والتلفزيونية.
نحن نستخدم وسائل الإعلام لأغراض عديدة ومتنوعة، تختلف من شخص إلى آخر، وكثير من هذه الأغراض تحدث أحيانًا دون وعي من الشخص، أي أنه يتابع وسائل الإعلام ولا يعرف على وجه التحديد لماذا يتابعها؟
فمثلا للحصول علي معلومة أو التسلية والترفية أو محاوله التفاعل مع مجتمعات أخري.
ومن أساليب وسائل الإعلام في إحداث التأثير أسلوب وضع الأجندة وترتيب الأولويات، حيث أن وسائل الإعلام لا تستطيع تقديم جميع الموضوعات وجميع القضايا، وإنما تختار بعض الموضوعات والقضايا التي يتم التركيز عليها بشدة، والتحكم في طبيعتها ومحتواها. وهناك مقولة شهيرة "إن وسائل الإعلام لا تنجح دائمًا في إبلاغ الجماهير كيف يفكرون؟ ولكنها تنجح في إبلاغهم عما يجب أن يفكروا فيه".
إن عالمنا ليس عالمًا خياليًا مثاليًا يعمه العدل والسلام والمحبة، بل إن تضارب المصالح واختلافها وتضادها يجعل من التضليل الإعلامي سلاح فعال في كثير من الصراعات في العالم. وفي وقتنا هذا نعاني الكثير من تلك النوعية؛ فالتضليل والكذب ومحاولة تنفيذ أجندات خاصة تعصف بالبلد وتهدمها علي من فيها.
إن الوعي الإعلامي بجوانبه المختلفة، وطرقه المتعددة، يبني لدى المتلقي مهارة حسن الاختيار، ويساعده على اتخاذ قرار الاختيار الناجح، للمضمون الإعلامي الذي يناسبه، وللوسيلة الإعلامية التي يتابعها، ويتأثر بها، ويتفاعل معها.
لذلك نقول للمتلقي: أرجوك، كن واعيًا، وافهم الرسالة الإعلامية كما ترسل لك، وابحث عن مضمونها الحقيقي حتى لا تكون وسيلة لتحقيق أغراض مشبوهة. نحن نراهن هنا علي المتلقي المصري، وهو وبكل ثقة رهان غير خاسر.