القاهرة 20 فبراير 2018 الساعة 11:09 ص
عبير عبد العظيم
ظل مسار العائلة المقدسة في مصر حدثا تاريخيا عبر قرون طويلة ، ولكن لم يستغل سياحيا بالقدر المطلوب إلى أن تم مؤخرا إعادة فكرة إحياء مسار العائلة المقدسة بمصر، وقرر بابا الفاتيكان أن يضم جدول الحج لمسيحيي مصر وزيارة مسار العائلة المقدسة بها ، ويذكر أن رحلة العائلة المقدسة في مصر تضمنت أكثر من 25 مسار وامتدت لمسافة ألفين كيلومتر من سيناء حتى الصعيد.
وكانت وزارة السياحة بالتعاون مع الآثار قد أعدت زيارة تعريفية لمسار العائلة المقدسة بمصر لوفد مؤسسة أوبرا رومانا المسئولة عن ملف الحج بالفاتيكان ، ومن ثم تم إدراج مسار العائلة المقدسة على خريطة السياحة الدينية كمنتج سياحي واعد يجذب إليه شريحة كبيرة من السائحين حول العالم من المهتمين بهذا النمط السياحي.
ويعد إحياء مسار العائلة المقدسة بمصر رسالة حب وسلام للعالم وما يترتب على تحفيز السياحة الدينية من مردود إيجابي كأحد آليات التحرك نحو استعادة الحركة السياحية الوافدة، وإعادة مصر على الخريطة السياحية العالمية من جديد.
بداية الرحلة
شهدت الرحلة المقدسة مواقف وعِبر تستحق أن تدرس لما لها من تأثير نفسي في قلوب المصريين الذين احتفوا بالعذراء وبالسيد المسيح وقدموا لهما العون وكانوا فرحين جدا باستقبالهم ، فبعد أن أمر الله السيدة مريم العذراء بأن تهرب بوليدها من بطش هيردوس متجهة لمصر، كان هناك ثلاث طرق تجارية وحربية معروفة يمكن أن يسلكها المسافر في ذاك الوقت حتى تصل إلى الأماكن التي تريد أن تذهب إليها بوليدها ، ولكن كان لابد أن تتجنب الطرق المعروفة وتختار طرقا مجهولة، حتى لا يتتبعهم جنود الرومان ويقضون عليهم وبدأت الرحلة التي انقسمت لثلاث مراحل بالخروج من بيت لحم إلى العريش وبالتحديد من مدينة رفح
وعندما دخلت مصر عن طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية من جهة الفرما الواقعة بين مدينتي العريش وبورسعيد، توجهت إلى مدينة تل بسطا بالقرب من مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، ولكن وجدوها مليئة بالأوثان مما جعلهم لا يستطيعون المكوث فيها فقرروا التوجه إلى الجنوب حتى وصلوا إلى مسطرد ومنها إلى بلبيس شمالا وكانت هذه مسار المحطة الأولى من رحلة العائلة المقدسة في مصر.
وعبرت العائلة المقدسة نهر النيل متوجهة إلى سمنود وهنا كان استقبال أهالى سمنود لهم عظيم جدا وباركهم المسيح ، وحتى اليوم لايزال هناك آثار للعائلة المقدسة بالمنطقة، منها وعاء عجين كانت العذراء مريم عليها السلام قامت بإعداد الطعام فيه للسيد المسيح مصنوع من الجرانيت، وبئر للماء كانوا يستخدمونه فى تلك المنطقة وباركه السيد المسيح، وبعد ذلك اتجهت العائلة المقدسة إلى كفر الشيخ ومنها إلى وادي النطرون .
نقطة فارقة
توجهت السيدة مريم العذراء ومعها المسيح عليه السلام إلى ناحية مدينة القاهرة وعبرت نهر النيل إلى الناحية الشرقية متجهة ناحية المطرية وعين شمس، وكانت عين شمس يسكنها في ذلك الوقت عدد كبير من اليهود وكان لهم معبد يسمى “بمعبد اونياس“ ، وفى المطرية ضمن معجزات المسيح ما قيل إنه أخذ بعصا يوسف النجار التي كان يتوكأ عليها وحفر بيده على الأرض ففجر نبعا من المياه بين الشجرة التي كان لها رائحة ذكية ويستخرج منها زيت البلسم، ومازالت بقايا البئر والشجرة هناك داخل متحف مفتوح باسم متحف شجرة مريم، وهناك توجد بقايا الشجرة وعليها أسماء لجنود الحملة الفرنسية الذي سجلوها بعد شفائهم من مرض الرمد الصديدى، عقب غسل وجههم من ماء البئر، وكذلك يوجد المزود الذى غسلت فيه السيد المسيح، ثم اتجهت العائلة حيث باب زويلة وكنيسة العذراء وبها بئر ماء ويحتفل بعيد كبير 20 يونيو، ثم اتجهوا لأبواب بابليون (مصر القديمة) حيث كنيسة أبى سرجة الأثرية المعروفة باسم الشهيدين سرجيوس وواخيس، ثم ركبت مركب نيلي للمعادى حيث كنيسة العذراء بها واتجهوا إلى الصعيد.
وانتقلت العائلة المقدسة فى مسار رحلتها بعد ذلك من بهنسا إلى ناحية الجنوب حتى سمالوط ومن هناك عبرت النيل حيث يقع الآن دير السيدة العذراء بجبل الطير، واستقرت بالمغارة الموجودة بالكنيسة الأثرية، والتي تعد تحفة معمارية شاهد عيان على الرحلة، ومنها عبرت النيل من الناحية الشرقية إلى الناحية الغربية واتجهت نحو الأشمونيين، ثم إلى جبل قسقام و دير المحرق وتعد هذه المنطقة من أهم المحطات التي استقرت العائلة المقدسة وأطولها زمنا، ويقال إنه سمى (ببيت لحم الثاني)، ومكثت فيها السيدة مريم العذراء وسيدنا المسيح عليهما السلام أكثر من نحو 190 يوما، وفى هذا الدير جاءت البشارة ليوسف الشيخ في المنام قائلا “قم وخذ الصبي وأمه واذهب أرض فلسطين لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي“.
جهد ومشقة
وحرصت العائلة المقدسة في طريق العودة على اتخاذ طريق مختلف زيادة في الأمان، وانحرفوا ناحية الجنوب حتى جبل أسيوط المعروف بجبل درنكة وباركته العائلة المقدسة ثم وصلوا إلى مصر القديمة ومنها إلى المطرية ومنها إلى سيناء والعودة إلى فلسطين.
استمرت رحلة العائلة المقدسة فى مصر لأكثر من ثلاث سنوات ذهابا وإيابا قطعوا فيها مسافة أكثر من ألفى كيلو متر ووسيلة مواصلاتهم الوحيدة كانت ركوبة ضعيفة إلى جوار السفن أحيانا في النيل وبذلك قطعوا معظم الطريق مشيا على الأقدام محتملين تعب السير في طرق وعرة وصحراوية أحيانا واستحملوا حر الصيف وبرد الشتاء والجوع والعطش والمطاردة في كل مكان فكانت رحلة شاقة بكل معنى الكلمة.
يقول الكاتب والمؤرخ علاء الدين رمضان أن العائلة المقدسة لم تستقر في مكان واحد وهذا ما يفسر وجود العدد الكبير من الأديرة والكنائس فى مسارها داخل مصر، وهو موثق من خلال المصادر الدينية والمخطوطات النادرة في الأديرة والكنائس كما أن رحلتهم ومكوثهم بالمكان كان يتراوح بين أسبوع إلى بضعة أيام في بعض المدن، وفي أماكن أخرى استقروا شهرا كاملا وتعد أطول مدة كانت في جبل قسقام وامتدت 185 يوما، وفى إحياء مسار العائلة بمصر إحياء للسياحة الدينية ولفت أنظار العالم الأوروبى إلى نوع من السياحة لم يكن على جداولهم من قبل وفائدة عظيمة للاقتصاد المصري.