القاهرة 02 ديسمبر 2017 الساعة 01:25 م
الموت ذلك المتربص في الأنحاء .. في رثاء الروائي الكبير مكاوي سعيد
د. هويدا صالح
لماذا نتصور أن الموت بعيد؟! لماذا نُصدم حينما نجد خبرا مكتوبا على صفحة أحدهم في موقع التواصل الاجتماعي أن المبدع أو الشاعر أو الباحث الفلاني رحل وتركنا؟! هل شعورنا بالصدمة أننا نكتشف أن فلانا هذا مجرد بشر هزمه شاب طائش مسرع بسيارته أو هزمه مرض لعين تربص به سنين طويلة ونحن لم نكن نعرف؟! ثمة شعور أن المبدعين خالدون، وحينما نكتشف أن الموت تربص بهم بغتة دون أن يبدو منهم ما يشير أنه يكمن لهم في مكان مظلم في الفراغ اللانهائي نشعر بالرعب والفزع، ونظل ننفي لأنفسنا أن فلانا كان معنا بالأمس على زهرة البستان مثلا يقف يتسامر مع أحدهم بطوله المهيب وابتسامته الرائقة! ولا نصدق أنه مات ببساطة دون أن يخبرنا! فهل ساعتها نرى أنفسنا فيه؟ هل نرثيه أم نرثي أنفسنا؟ رحل الشاعر محمد أبو المجد فجأة، وفزعنا جميعا، ربما لأنه كان خلوقا طيبا يتعامل مع الناس برهافة وإنسانية، بل وصبر حينما تعرض للكثير من الظلم من القائمين على الثقافة في مصر. آلم رحيل محمد أبو المجد الكثيرين، ورأينا في عزائه صدق الحزن على هذا الإنسان المبدع الخلوق، ومن قبل العزاء تحولت صفحات التواصل الاجتماعي إلى سرادق كبير يعزي فيه بعضنا البعض لرحيل محمد أبو المجد. وها هي نفس السرادقات الكبرى تقام مجددا لرحيل مفاجئ لقاص وروائي مبدع كبير. شعر المثقفون مجددا بالصدمة الكبرى لرحيل الروائي مكاوي سعيد. واستولى على الناس الشعور بالصدمة والفجيعة، ربما لأننا لم نسمع أنه مريض أو يعاني من مرض ما، وربما لأن ابتسامته الدافئة ما تزال معلقة في فضاء أتيليه القاهرة أو زهرة البستان حيث تعود الجلوس دوما.
حفر مكاوي سعيد لنفسه مسارا سرديا مختلفا ومغايرا، نال عنه تقدير النقاد والمبدعين، كما نال عنه تقديرا رسميا بمنحه العديد من الجوائز في مصر والوطن العربي، لكن الأهم الذي جعل الناس تبكيه متألمة ومتوجعة هو الجانب الإنساني، فهو الخلوق الطيب الذي لم يدخل في معركة ضد أحد من كان.
حين رحلت المطربة والفنانة الكبيرة شادية شعرنا بالحزن في المطلق، لأنها قيمة كبيرة، لكننا كنا نعرف أنها تعاني من مرض ما طوال سنوات، لذا لم يكن رحيلها مفاجئا، كذلك حينما رحل الباحث والمحقق في التراث العربي حسين نصار، شيخ المحققين التراثيين في مصر والعالم العربي رثيناه وشعرنا بذات الحزن المطلق، لأننا نعرف أنه تخطى التسعين عاما وأنه كان يعاني من أمراض الشيخوخة، فكان رحيله مقبولا، وإن شعرنا بضياع قيمة كبيرة، ورحيلها من حياتنا، لكن حين يرحل أحد المبدعين بهذا الشكل المفاجئ يوقفنا أمام أنفسنا، فمتى سيحين علينا الدور، ليقرأ أحدهم نعينا ورثائنا على صفحات التواصل الاجتماعي؟!.
إن الموت يتجول بيننا شبحا متربصا يقطف زهرة من يحين حينه، لكن المبدعين لا يرحلون، إن الموت يقطف فقط وجودهم الفيزيقي، لكن وجودهم الحقيقي خالد خلود الدهر، فكلما قرأنا" تغريدة البجعة" أو " فئران السفينة" أو " أن تحبك جيهان" أو" البهجة تحزم حقائبها" سنظل نتذكر مكاوي سعيد، وكلما قرأنا " ورد الصمت" أو " فقط يعوزه الحزن" أو " حلية الطراز" سوف نتذكر الشاعر والباحث محمد أبو المجد، وكلما قرأنا تحقيقات حسين نصار لكتب المستشرقين عن الثقافة العربية والإسلامية ورموزها سوف نتذكر حسين نصار، وكلما سمعنا " غاب القمر يا ابن عمي" أو " يا حبيبتي يا مصر" سوف نتذكر شادية.
تجول بيننا متخفيا متربصا كما تريد أيها الموت، فنحن خالدون خلود البشرية، خالدون خلود آخر قارئ على وجه الأرض، لن نخشاك، ولن نصرخ فزعا من وطأتك الثقيلة على مبدعينا
ا.