القاهرة 24 نوفمبر 2017 الساعة 04:12 ص
د. هويدا صالح
في مصر ثمة أطعمة ترتبط بطبقة اجتماعية بعينها، يطلق عليها الناس "طعام الفقراء" مثل العدس والكشري والفول بمشتقاته، وقد ارتبطت هذه الأطعمة بالهوية المصرية، بل قام صراع هوياتي على " الطعمية" أو ما يُسمّى بالـ " فلافل" بين مصر وإسرائيل، فإسرائيل تحاول تسجيل " الفلافل" في اليونسكو باعتبارها "أكلة" إسرائلية. لكن هل ارتباط هذه الأطعمة بالطبقة الشعبية المهمشة في مصر اختيار أم إجبار؟ في حقيقة اِلأمر إن إقبال الفقراء والمهمشين على هذه الأطعمة إن هو إلا إجبار وسداد للحاجة، فسعرها القليل نسبيا مقارنة بأطعمة تعتمد على البروتين الحيواني ( دجاج ولحوم وأسماك) جعل هؤلاء المهمشين والفقراء يُقبلون مجبرين على هذه الأطعمة!. وقد زاد الإقبال عليهاـ حيث تحتوي على الكثير من البروتين النباتي الذي يعوض عدم القدرة على شراء البروتين الحيواني ـ بعد أن وصلت أسعار اللحوم والدواجن والأسماك إلى أسعار شديدة الارتفاع مما جعل شراءها مستحيلا على هذه الطبقة العريضة من الشعب المصري. وقد أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن عدد من الإحصائيات التي تخص حال الفقراء من طبقات الشعب، حيث أكد القائمون على الجهاز أن نسبة الفقراء فى مصر وصلت إلى 27.8% من السكان، حيث لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغيره، وأن 57% من سكان ريف الوجه القبلى فقراء مقابل 19.7% من ريف الوجه البحرى.كما وصلت نسبة الفقر 27.4% فى حضر الوجه القبلى، وتقل النسبة إلى 9.7% فى حضر الوجه البحرى. كما بلغت نسبة الفقراء إلى أعلى مستوياتها فى محافظتى سوهاج وأسيوط بنسبة بلغت 66%، تليهما محافظة قنا بنسبة 58%، وأن أقل نسبة للفقراء فى مصر فى محافظة بورسعيد بنسبة 6.7%، تليها محافظة الإسكندرية بنسبة 11.6%، وأن 18% من سكان القاهرة من الفقراء. المفارقة التي تدعو إلى التأمل أن رئيس الدولة حين اجتمع بالمثقفين والمفكرين قال لهم في انفعال زائد" أنتوا جايين تتفلسفوا علي، نزلتوا الشارع وعرفتوا حال الناس؟". وهذا يطرح تساؤلا هاما هل يعي الرئيس ما يعانيه الناس، ليس فقط من الطبقة المهمشة، بل حتى من الطبقة الوسطى الدنيا، طبقة معظم موظفي الدولة، من معاناة شديدة، مما جعل هذه الطبقة تتآكل، وتكاد تقترب في معاناتها من طبقة الفقراء؟ وهل ما يقدمه جهاز الخدمة المدنية في القوات المسلحة المصرية من نشر الكثير من السيارات في الميادين العامة لبيع اللحوم والزيوت والسكر واللحوم والأجبان كافٍ لحل مشاكل هذه الطبقات الأكثر فقرا؟ نعرف أن الرئيس السيسي يدرك حقيقة ما يجري في الشارع المصري، ويعرف معاناة المصريين، لكن هذه الحلول المؤقتة والمسكنة للمشكلات غير كافية لحل هذه المشكلة الكبيرة. صحيح أن مشروع المزارع السمكية" غليون" الذي تمّ افتتاحه في كفر الشيخ مؤخرا يمثل نقلة نوعية في محاولات الدولة لحل مشكلات الفقر الغذائي في مصر، لأن هذه المزارع الصناعية لاستزراع الأسماك لا تقتصر فقط على توفير الأسماك وطرحها في منافذ بيع القوات المسلحة للجمهور، بل تعدى الأمر إلى إقامة مصانع لتعليب وتجفيف وتجميد الأسماك، حيث تضم المدينة السمكية الصناعية "غليون" أكبر مصنع تجهيز الأسماك والجمبرى فى الشرق الأوسط على مساحة (19695 م2) ويشتمل على مصنع منتجات الأسماك: مبردة – مجمدة – فيليه – مطهية – نصف مطهية – مصنع ، مصنع منتجات الجمبرى: مبرد – مجمد – مقشر – مصنع – مطهية – نصف مطهية، وذلك بطاقة إنتاجية (100) طن / يوم. كل هذا يُبشّر بتغير رؤية الدولة لطرق الحلول، فنحن لا نريد منافذ بيع متحركة لا تخدم إلا نسبة قليلة من سكان المدن، بل نريد صناعة توفر فرص عمل من ناحية، وتوفر السلع بشكل دائم، وتقلل من نسبة تكلفتها التي يتحملها المواطن المصري، مما يؤدي إلى القضاء على البطالة والاستمرار في تقديم الخدمة للجمهور. ماذا لو أن الرئيس أمر بعمل مزارع لتربية المواشي والعجول، وقلل من استيراد اللحوم من السودان وأثيوبيا؟ ماذا لو أن الرئيس أمر بإعادة تشغيل المصانع المعطلة؟ ماذا لو أمر الرئيس بتقليل أو بمنع الاستيراد من الصين والتوجيه بتصنيع كل احتياجات السوق المصري من الإبرة وحتى للصاروخ مما يوفر فرصا للعمل ويوفر عملة صعبة من الدولارات تنفق على الاستيراد! ماذا لو أمر الرئيس وجه بأن نعيد هيكلة القطاع العام، وأن يتحول الاقتصاد من اقتصاد ريعي يعتمد على السمسرة والبورصة وغيرها إلى اقتصاد منتج يعتمد على التصنيع الوطني؟ هل نحلم حين نأمل أن يفعل رئيس الدولة هذا؟!!
|