القاهرة 13 نوفمبر 2017 الساعة 03:32 ص
كمن يملأ إناءً يصب في بحر لا يرتوي ولا يمتلئ!!
.
هويدا صالح
لا أحد يمكنه أن يُنكر حجم الجهد المبذول سواء من قبل الرئيس أو حكومته للخروج مما سُمّي مجازا بـ " عنق الزجاجة" سواء كان هذا العنق متمثلا في أزمات اقتصادية أو اجتماعية تنموية، لكن كل هذا الجهد يضيع هباء، فنحن كمن يملأ في إناء لا يعرف أنه مفتوح على بحر عميق، لا الإناء يمتلئ ، ولا البحر يرتوي! نعم إن أزمة مصر الراهنة هي هذا الإناء "المخروم" أما البحر الذي لن يمتلئ ولن يرتوي، فهو الفساد الإداري الذي تخطّى مرحلة أنه فساد لرشوة هنا أو سرقة هناك؛ ليصير ومنذ عصر مبارك بداية من نصفه الثاني فسادا منظما، وله دواليبه التي تديره بقوة وتجذر ومهارة، تخفيه عن كل أجهزة الرقابة في مصر، سواء كانت الرقابة الإدارية أو الجهاز المركزي للمحاسبات. ويشير كمّ القضايا التي كشفها جهاز الرقابة الإدارية في الفترة السابقة حجم جبل الجليد الذي يختفي أسفل البحر ولا تظهر إلا بعض قممه.
وقد عقد نادى رئيس الجمهورية كثيرا بأهيمة وضع خطة تطوير الهيكل الإداري والتشريعي للدولة، و تحديات الوضع الراهن على صعيد الإصلاح الإدارى، لكن ما هي الإجرءات التي يمكن أن تتخذها الدولة لمحاربة هذا الفساد المتجذر الذي يعطل المسيرة التنموية للدولة،
إن رغبة الرئيس في إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة ومواجهة الفساد أمر جيد، ولكن نريد خطة واضحة ومعلنة وعاجلة لمجابهة هذا الأمر، فهذه الهيكلة تحتاج إلى تدريب وتأهيل الموظفين أنفسهم، ووضع خطط ولوائح جديدة لمكافحة الفساد والبيروقراطية، وإنشاء لجنة مشرفة على تطوير وهيكلة الجهاز الإداري،كذلك يجب أن نقضي على تلك الثقافة الموغلة في القدم التي تتخذ من البيروقراطية ذريعة ليبقى الحال على ما هو عليه، فلن يحدث أي تطوير أو تحديث دون نقض وهدم تلك الثقافة، فلا يتصور أحد أننا يمكن لنا أن نحارب الفساد بذات العقليات التي إن لم تكن فاسدة، فسوف تكون متحجرة، يقف وعيها عند فترة زمنية من التاريخ، ولا تريد أن تتطور أو تنجو بنفسها أمام كل هذا العطن. إن المتأمل لحال الحكومات المتعاقبة منذ تولّي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم هم وزراء تكنوقراط، فلا نستطيع أن نطلق عليهم أنهم سياسيون، وهؤلاء الوزراء من المفترض بحكم أنهم تكنوقراط أبناء الجهاز الإداري ومطلعين على عمق الفساد فيه، فهل يستطيع هؤلاء الذين ربوا في الجهاز الإداري في الدولة أن يعرفوا المختفي من جبل الجليد؟ أم أنهم لا يمتلكون الخيال والقوة والشجاعة على شن هذه الحرب على منظومة الفساد والفاسدين؟!
إذا أراد الرئيس أن يحارب هذا الفساد، فعليه أن يضع خطة تنموية يكون لها أهداف على المستوى
القريب(ديلكتيك) يمكن تنفيذها على مدى زمني قريب، وهذه الخطة تتمثل في الحسم التام مع من يتهم بأنه يمارس هذا الفساد، يتساوى الجميع في الحكم عليهم، فلا يُجامَل أحد أو يتم استثناء أحد لقرابة ما من السلطة. أما المستوى أو الهدف البعيد المدى، فهو يتمثل فيما يمكن أن نطلق عليه(الاستراتيجية) وهي يجب أن تتسم بالرؤية والتخطيط الجيد لتقليب التربة، ونزع ما فيها من فساد يشبه الحشائش الضارة التي لن تفيد أحدـ فربما هي تضر أكثر من كونها تفيد.
لابد أن تقوم خطة التنمية على نمط اقتصادي مختلف يعتمد على منظومة تصنيع جبارة تسهم فيها الدولة بشكل كبير، فإذا لم يكن لديك منظومة اقتصادية متكاملة مختلفة جذرياً عما هو حادث حالياً فلن تكون هناك أي إصلاحات حقيقية بل ربما تكون آثارها الاجتماعية كارثية. كما أن هذا المستوى أو ذاك يجب أن يصاحبه تطبيق حاسم للقانون يشمل الجميع، ولا يستثنى منه ابن الفقراء عن ابن الأغنياء، فغياب الرؤية وغياب المعايير غيب أحلام البسطاء، فلم يعد الشباب يحلم بغد أفضل، فالجميع يردد معزوفة واحدة ودالة، من لديه واسطة أو لديه نفوذ يصل لما يريد.نريد أن يطبق القانون على الجميع وتختفي نغمة الواسطة والنفوذ، ولنستشهد من تاريخنا القريب بعهد عبد الناصر الذي يؤخذ عليه غياب الحريات والممارسات الديمقراطية، لكن لا يؤخذ عليه أبدا أي فساد أو رشوة أو واسطة، فلم يثبت في التاريخ على أحد المسؤولين في هذا العصر أنه تقاضى رشوة أو مارس فسادا.