القاهرة 31 اكتوبر 2017 الساعة 09:20 ص
حسن شهاب الدين: مسابقة أمير الشعراء أخرجتنى من عزلة فرضتها على نفسى لامتلاك صوتى الخاص.
أجرى الحوار: محمد زين العابدين
هو شاعر متمكن لمع اسمه بقوة فى برنامج "أمير الشعراء" بأبى ظبى ونال جائزة لجنة التحكيم واستطاع خلال فترة قصيرة أن تكون له بصمته الخاصة ومكانته بين شعراء الوطن العربى من خلال ثقافته العميقة فى التراث والشعر الحديث وقدرته على تفجير الإمكانات الكامنة فى القصيدة العمودية وتجديدها فألبسها ثوباً حديثاً أنيقاً كما أبدع فى قصيدة التفعيلة بل وكتب أيضاً قصيدة النثر بتمكن وتميز، كتب عنه الشاعر الكبير الراحل فاروق شوشة بمجلة العربى فقال( جمال العربية فى شعر هذا الشاعر يؤكد للمراهنين على مستقبل الشعر العربى المعاصر وقدرته على تجاوز ذاته واندفاعه إلى آفاق شعرية غير معتادة والتحلى بانسكاب الشعرية فى لغة تشع بالتوهج والألق واستنبات معجم شعرى جديد وتجليات شعرية مدهشة) وهو يعبر عن نفسه بشعره فيقول( كانت يداىَ حديقتينِ لأحرُفى والناسُ تقفزُ فوقَ سورِ غنائى ففتحتُ للغرباءِ بابَ قصائدى لتذوقَ فاكهتى بغيرِ عناءِ). مع الشاعر حسن
شهاب الدين كان لى هذا الحوار :
ما المنابع التي أثرت في تكوين وجدانك الشعرى؟
أعتقد أنَّ أهم المنابع التي أثرت فيَّ و في تكوين وجدانى الشعري هي طفولتي الخصبة التي ما أزال أحملُ تفاصيلها رغم تقدم العمر كما يقول المتنبي : (و في الجسم نفسٌ لا تشيبُ بشيْبِه)،هي إذن حالة الطفولة المتجددة التي لا يتنازل عنها الشاعر لأنها هى التي تحمل له الدهشة المتجددة أمام عناصر الكون تلك الدهشة التي تولد الشرارة الأولى للقصائد فبيتُ جدي ومكتبة والدي ومسجد شارعنا ومشاوير الأصحاب والحدائق وفرحة الأعياد وليالي رمضان القاهرية الساحرة كل هذا شكَّلَ نبعاً ثرًّاً لا ينضبُ لحالة شعرية دائمة لا أنفك ولا تنفك عني.
ما ظروف اشتراكك فى مسابقة أمير الشعراء بأبى ظبى وبماذا خرجت من هذه التجربة؟
جاءت معرفتي بالمسابقة متأخرة بعد موسمين منها وهي محطة هامة في مسيرتي منحت شعري ما كنت أريده من ضوء في تلك الفترة وحملته بجناحين إلى آفاق المتلقي العربي الواعي الباحث عن شِعر جيد ربما تواريه الجغرافيا وتحجبه المجايلة وأحمد الله فقد كانت تجربة رائعة حقاً خرجت بها من عزلة فرضتها على نفسي حتى أكون ذا صوت لا يشبه إلا نفسه وقصيدة لا تشبه إلا شاعرها وأرجو أن أكون كذلك.
أنت كثير الترحال للإشتراك فى المهرجانات الأدبية فبماذا يفيدك ذلك؟
السفر وجه ثان لعملة الشِّعر حيث التحرر من قيود المكان والخروج قليلا على النص الرتيب للحياة اليومية فما بالك إذا كان السفر لمهرجان تتلاقى فيه الأرواح الشاعرة وتتواصل فيه العقول المثقفة الواعية إذ نتبادل الآراء حول الشعر والثقافة وهموم أمتنا والعالم الذي نحياه ونسابق الزمن قليلاً لنصل لأبعد مما تفرضه علينا حدود الجغرافيا ثم نعود وتبقى ذكريات عاطرة وقصائد مغردة وأصدقاء ينتظرون اللقاء في مهرجان جديد.
عنونت أحد أبرز دواوينك باسم " أعلى بناية الخليل بن أحمد" فهل قصدت إبراز خطك الشعرى فى تجديد القصيدة الكلاسيكية ؟
الحقيقة أنَّ هذا الديوان كان أعلى بناية الخليل حقاً في مسيرتي الشعرية وقتئذ أي عندما كانت أعمالي لا تتجاوز الثلاثة دواوين وقد نال من الذيوع ما أرضاني وحصد جوائز كبرى ولكن لم تكن تلك البناية تكفيني فربما بعد ذلك ارتقيت بنايات أعلى فالشاعر الجاد يجب أن يحرص على تجديد خطابه الشعري بشكل دائم.
كيف استفدت من التراث الأدبى و كيف تستطيع الجمع بين التراث و الحداثة ؟
التراث الأدبي كنز هائل للشاعر والمثقف و ربما كنت أكثر تغلغلاً في تراثنا للبحث عن كنوزه ولكن الشاعر الجاد أيضاً هو ابن زمنه وثقافة عصره فعليه أن يجمع بين التراث والحداثة كما تفضلت في سؤالك أما كيف يجمع بينهما فهذا أمر يصعب تحديده ويكون بحسب قدرته وموهبته فالشعراء الذين مثلوا رموز الشعر في عصورهم كانوا على وعي كبير بتراثهم وعلى معرفة هائلة بثقافة عصورهم وخذ مثلاً الشاعر الإنجليزي ت.س.إليوت أو الفرنسي سان جون بيرس أو التشيلي بابلو نيرودا فهؤلاء استطاعت موهبتهم الكبيرة هضم تراثهم واحتواء واقعهم ومن ثمَّ أتاحت لهم نصاً فريداً وهذا هو ما أسميه الحداثة لا تلك الشعوذات التي يأتي بها قصار القامات.
كيف تتفاعل مع قصيدة النثر ؟
قصيدة النثر شريكٌ لي لا ينفك عني وفي مؤملي أن أصنع قصيدة تنحاز للإبداع الكبير الذي ينتظم هذه الحياة بأسرها ولذا أحب التجريب في قصيدة النثر أما كون قصيدة النثر تمثل شكلاً شعرياً أو لا فهذا سؤال ترد عليه الأجيال القادمة وهي بالنسبة لي شكل إبداعي راقِ لا يجب أن تخسره الحياة وربما كانت قصيدتي التي أكتبها الآن عليها الخروج من دائرة الصوت الواحد للقصيدة ولهذا تتعانق الأشكال والأصوات أيضا فيها وفيها مكان لكل الأشكال التعبيرية بلا انحياز.
فى رأيك ما العوامل التى تجعل الشاعر مختلفاً ؟
ربما كان النقاد أيضا أحق مني بهذا السؤال ولكن من وجهة نظري الذي يجعل الشاعر مختلفاً هو قدرته على أن يكون صوت عصره وأن يكتب نفسه في آن وكذلك أن يكون ملماً بثقافات شتى ومطلعاً على آخر ما أنجزه الإبداع العالمي شعراً ونثراً وفكراً مع الوعي العميق بتراثه ولا يكتب إلا عن تجربة ورؤية أي يكون قادراً على إعادة تشكيل الحياة بكل متناقضاتها ومرارتها وجمالها وعفويتها في قصيدة لا تشيخ مهما مر عليها من أزمان.
على أى شي ء تركز أكثر فى كتاباتك: اللغة والمجاز أم الموسيقا أم المشهدية ؟
القصيدة هي متاهة الأشكال وتيه اللفظ والمعنى حيث يتراءى المعنى فتفر الكلمة وتلوح الكلمة فيتسرب المعنى كالماء لذا فالقصيدة هي التي تكتب نفسها في أغلب الأحيان وعليها أن تختار إلى أي هذه العناصر تنحاز وإن كنت أظنُّ أنها سوف تنحاز لها جميعا وتصهرها في بوتقة الإبداع.
رفضت جائزة الدولة التشجيعية فى الشعر عام 2014 فلماذا ؟
دعنا نتفق أولاً أن الجائزة الحقيقة للشاعر هي نصه الجيد وحب الناس له لذا فحينما نلت الجائزة عن ديوان أعلى بناية الخليل بن أحمد وكان هو الأحق بالفوز كما رأت اللجنة الكريمة كان أحد شروط اللائحة الداخلية للجائزة عدم فوز الشاعر بجائزة سابقة عن نفس الديوان وديواني سبق له الفوز بجائزة أخرى لذا فعندما علمت بذلك بادرت بالإعتذار عن قبول الجائزة ولكن بفضل الله لأنني كنت حاصلاً عليها بإجماع الأصوات فهي لم تذهب لأحد من بعدي إلا أنني في الحقيقة يا صديقي رفضت عائدها الماديِّ إحتراما لذاتي وللشعر كقيمة.
هل ترى أن الشعر يمر بأزمة ؟
علينا أن نعترف بوجود أزمة ولكن ليس كما تروج لها بعض المقولات التي أصبحت وكأنها من المسلمات مثل إنَّ الشعر ليس له جمهور وإننا في عصر الرواية وأظنُّ بأن هذه فكرة مغلوطة وإلا فكيف نفسر انتشار المهرجانات الشعرية من المحيط إلى الخليج وهذا الكمّ الكبير من الإصدارات الشعرية وهذا العدد الذي لا يحد من الشعراء الذين تحملهم إلينا وسائل التواصل المختلفة..إذن فالحقيقة أن الشِّعر موجود ولكن كيف نقيِّمه ونستخلص من ذلك الركام الهائل من الإصدارات والأصوات المختلطة أصفى الأصوات وأقدرها على بناء نسق شعري خاص بها بل إقامة عالم شعري جدير بنا، تلك هي الأزمة.
فى ظل هذه العبثية فى واقعنا العربى المأزوم ما الذى يطمح إليه الشاعر ؟
للأسف الأمة العربية التى يفترض من وجهة نظرى أن تكون مهيأة لأن تقود العالم تتخلى بسهولة عن هذا الحلم حتى إنها تتخلى عن مسئوليتها التاريخية في تقديم منجز إبداعها للعالم الذي أنا على يقين أنه يتلهف على مطالعة سِفر شعرنا الرائع وتجاربنا المتفتحة إلا أن علينا نحن أبناء الشعر أن نخط وحدنا وبجهد فردي طريق إبداعنا وأظن أن ذلك راجع إلى تراجع النظرة للإبداع عند العربيِّ المعاصر الذي طحنته همومه الشخصية وكذلك دورانه في رحى الإنهيار الاقتصادي الذي تعاني منه الأمة العربية منذ فترة وانتشار الأفكار الرجعية والتخلف تحت مسميات شتى وأخيراً عدم وجود حلم عربي واحد نسير جميعاً تحت رايته لذا فطموح الشاعر وحلمه الأول سيظل هو التغيير للأفضل حتى لو لم يكن يملك إلا بضع كلمات.
*الشاعر حسن شهاب الدين فى سطور :
- حاصل على ليسانس الآداب والتربية فى اللغة العربية والدراسات الإسلامية عام 1994 ويعمل معلماً للغة العربية.
- أصدر ديوانه الأول" شرفة للغيم المتعب" عن منشورات اتحاد الكتاب العرب بدمشق عام 2000 ثم عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2003 ثم تلته دواوين " متوجٌ بإسمى " عام 2008- " سيدُ الوقت "- " أعلى بناية الخليل بن أحمد "الذى صدر عن أكاديمية الشعر بالإمارات ونال جائزة الدولة التشجيعية بمصرعام 2014 كما فاز بجائزة حسن قرشى عام 2013- "جغرافيا الكلام"- " أثرى فى المرآة- مختارات شعرية"- "الجنة الصغيرة- ديوان شعرى للأطفال".
- حصل حسن شهاب الدين أيضاً على عدة جوائز من أهمها جائزة مؤسسة عبد العزيز البابطين عام 2001 وجائزة المجلس الأعلى للثقافة بمصر عام 1998 وجائزة المسابقة الشعرية لاختيار حلب عاصمة للثقافة العربية عام 2007 .