القاهرة 17 اكتوبر 2017 الساعة 10:55 ص
كتب: محمد علي
بالقاهرة الملكية، عام 1878 ولد محمد محمود خليل، وعاش طفولته داخل قصر محمود باشا خليل فتفتح وعيه الثقافي والسياسي، حتى إلتحق ببداية حياته بكلية الزراعة وتخرج منها، ومن ثم سافر إلي فرنسا لدراسة القانون بجامعة السوربون، وفي فرنسا عاصمة النور في ذلك الوقت إهتم بالفن فتعرف على الحركات الفنية وأنواع الفن المختلفة عن قرب، وزاد إهتمامه بالفن منذ زواجه من "إميلين" الفتاة الفرنسية التي كانت تدرس الموسيقى وتهوي إقتناء نوادر الأعمال الفنية، وظل في عملية الإقتناء حتى إستقرت حياتهم بمصر فتزين قصرهم بتلك النوادر.
خليل وزيراً للزراعة
وواصل خليل إهتمامه بالفن وإنشاء المراكز الفنية الحديثة في مصر، رغم عمله كوزير للزراعة ومن بعد ذلك رئيس لمجلس الشيوخ، إلى أن تولى منصب المراسل المسئول لأكاديمية الفنون الجميلة الفرنسية ومن خلالها أشرف على بعض المعارض بالقاهرة وفي فرنسا. حتى إنتهت حياة خليل في آخر أيام سنة 1953، موصيًا زوجته بتحويل هذا القصر إلى متحف يخلد أسمه كأحد المساهمين في إشرافه شمس الفن في مصر وإثراء الثقافة.
قصر خليل متحفاً فنياً
وفي عام 1962 كان القصر المتواجد على ضفاف النيل والمحاط بالحدائق والأشجار يستعد للإفتتاح الأول لمتحف محمد محمود خليل، يضم بين طياته 133 لوحة و82 تمثالاً، وبعض الفازات والأواني والمصنوعات الزجاجية.
وكانت قاعات المتحف ترمز كل منها إلى مدرسة وتيار فني من حياة الفن، فضمت القاعة الأولي، لوحات صغيرة الحجم، وإسكتشات لدراسات أولية في أعمال كبرى، تخص تيار الحركة الرومنتيكية لـ أوجين ديلاكروا، وأخرى لتيار الكلاسيكية الحديثة جان اوجيست.
وكانت القاعة الكبرى بالطابق الأول تحتفي بأعمال تحاكي الطبيعة، فشملت أعمال مختلفة لفناني هذا التيار، وكان يمتلك المتحف حينذاك ثلاث لوحات لأهم رسامين هذا التيار "تيودور روسو" وكان من بينهم لوحة "منظر طبيعي وقت العاصفة". وبالجوار من ذلك كانت تعرض لوحات "شارل دوبينيي" الثلاث ضمنهم لوحة "الطواحين على نهر الميزا بهولندا". كما كانت لأعمال "كوروه" النصيب الأكبر من جدران القاعة، التي ضمت أعمالًا كثيرة ومتنوعة له أمثال: "أبقار في المستنقع" و"منحدر التل". وضمت أيضا عدة لوحات للرسام "مبييه"، ولوحة "ذو الغليون" لـ جوستاف كوربيه، ولوحتان لـ دومييه، كان من ضمنهم إسكتش لوحته الأشهر "دون كيشوت".
وعرضت أعمال أقطاب وخلفاء المدرسة التأثرية في الطابق الثاني، حيث اجتمعت أعمال "بونكند"، "بودان"، "مونيه"، "بيسارد"، و"سلسلي"، "برانورا"، "ديجا"، " تولز لوتريك"، "ليو دان".
وكان لـ جوجان الفنان الأوربي الشهير، ثلاث لوحات، وللبلجيكي ساردلير لوحته "ثلوج"، ولوحة أخرى للفرنسي الشهير مونتيشيللي.
كما كانت الطرقات وبهو المتحف يحتويان على تنوعات مختلفة من اللوحات التي تخص فنانين مختلفين بأعمال مختلفة الطابع لإختلاف أصحابها بين: فرنسيين، إنجليز، إيطاليين، مصريين.
وكذلك الأعمال الفنية الصغير كالأواني والمصنوعات الزجاجية، والتماثيل المختلفة والتي كانت تحمل توقيع كبار نحاتين العالم مثل: أوجست رودان.
وكان للمتحف بعد إفتتاحه أثراً كبيراً في الحركة الفنية المصرية بشكل خاص، وعلى الثقافة بشكل عام، داعماً لهما بكونه مرجعاً لرواد الفن ودارسيه، وكذلك على العاملين به، لما كان يحتويه من أعمال نادرة. فأصبح مغذيا إلهامهم، ممتعاً للبصر.
إغلاق المتحف
وبعد عشر سنوات من إفتتاح المتحف، عام 1972 قامت الحكومة المصرية بإغلاق المتحف على مقتنياته وإلحاقه بمنزل الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وظل على ذلك مغلقاً كئيباً لا أحد يبالي إلى كونه متحف يزيد ثراء الحياة الفنية والثقافية بمصر، حتى جاء عام 1979 الذي بدأ فيه تنفيذ مشروع تطور متحف خليل بميزانية ضخمة، ومن ثم تم دمجه للمتاحف التابعة لوزارة الثقافة. وشهد عام 1995 إفتتاحه الثاني بشكل أكثر إختلافا جوهريا عن سابق ذلك في الستنيات. وفي ظل إندثار بعض الأعمال التي كانت تعرض منذ الإفتتاح الأول. وعلى الرغم جاء الإفتتاح بـ 207 لوحة كان من بينهم هذه المرة "فان جوخ"، كوربين"، "بيسرو"،وكذلك أعمال أخرى من الرخام والبرونز والذي كان أحدهما موقعاً بإسم "كوربيه" وعرض أيضا في ذلك الافتتاح تمثال: "بلزاك مرتديا الردونجون" للنحات بلزاك.
وظل المتحف على حاله هذه لفترة زمنية ليست بالطولية، حتى تم أغلاق أبوابه نهائيا أمام الدارسين والمتلقيين للفن. حتى عندما تسير الآن بالجوار منه ويرنوا إلى بصرك تتذكر البيوت القديمة التي تملأ دهاليز وسط المدينة المليئة بالتصدعات والشروخ.