القاهرة 19 سبتمبر 2017 الساعة 10:29 ص
لا أستطيع العيش من مهنة الترجمة الأدبية فقط ، فمكافآت الترجمة متدنية !
الشعر في رأيي لا ينقله إلا شاعر، أو شخص لديه حساسية شعرية عالية
أن أترجم عملاً ما لأنني – ببساطة – لأنني أحببته، و إستمتعت به ،وأردت أن يشاركني آخرون هذه المتعة !
من الضروري ليس فقط مكافأة المخضرمين، بل أيضا الإلتفات إلى شبان المترجمين والمبدعين!
حوار ـ أحمد مصطفى الغـر | مجلة مصر المحروسة
مع كل عمل أدبي قام بترجمته نجد دقة ووضوحا وأسلوبا متميزا للترجمة يجعلك شغوفاً لإتمامه، فالأمر لا يقتصر على مجرد نقل العمل من لغته الأم إلى لغتنا، بل إن ثمة روحا أدبية للمترجم تظهر بين ثنايا السطور، تجعل الترجمة لا تقلّ عن جودة الأصل، ولا تخلّ في نفس الوقت بأمانة الترجمة، في عام 1984 م حصل ضيفنا لهذا الإسبوع على ليسانس الأدب الألماني من كلية الألسن، بجامعة عين شمس، قبل أن يحصل في العام 1998 م على درجة الماجستير في الترجمة من جامعة "يوهانيس جوتنبرج" بمدينة ماينتس بألمانيا، كان موضوع الرسالة "إشكالية ترجمة الأدب الألماني إلى اللغة العربية - هاينريش بـُل مثالاً". ترجم عدداً من أهم الأدبيات المعاصرة من الألمانية إلى العربية، منها "عازفة البيانو" للنمساوية إلفريده يلينك، و"الكونتراباص" للألماني باتريك زوسكيند، و"الوعد" للسويسري فريدريش دورنمات، و"صداقة" للنمساوي توماس برنهارد، و"رجل عاشق" للألماني مارتين فالزر. حصل على العديد من الجوائز والتكريمات منها في عام 2014 جائزة الترجمة الأدبية من الألمانية إلى العربية من معهد جوته بالقاهرة، كما نال في عام 1996 الجائزة الأولى في ترجمة القصة من المجلس الأعلى للثقافة في مصر. إنه الكاتب والمترجم القدير "سمير جريس" الذي التقته "مصر المحروسة" وكان هذا الحوار:
درست الألمانية في مصر، ثم انتقلت لموطن الألمانية كي تحصل على درجة الماجستير فيها، هل لنا أن نعود قليلاً للوراء لنعرف سر اختيارك للألمانية تحديداً؟ ومن ثمَّ اختيار للترجمة الأدبية؟
هو في الحقيقة لم يكن إختياراً ، بقدر ما كان قراراً عقلياً. عندما دخلت كلية الألسن، أردت دراسة لغة نادرة إلى حد ما. إخترت الألمانية لإعتقادي أن من يتقن اللغة الألمانية، يسهل عليه أن يجد عملاً بعد التخرج في إحدى الشركات الألمانية المتواجدة في مصر، أو في مجال الإرشاد السياحي. وهذا ما حدث.
إهتمامي بالترجمة الأدبية بدأ مبكراً، لا سيما وأن أستاذي "د. مصطفى ماهر" من كبار مترجمي الأدب الألماني، وكنا – نحن طلبة قسم اللغة الألمانية في كلية الألسن – ننظر إليه بإكبار وفخر، طامحين إلى السير على طريقه. بعد أن حصلت على ليسانس الألسن، أردت أن أكمل دراسة الترجمة، فإلتحقت بقسم اللغة الألمانية بكلية الآداب جامعة القاهرة، الذي كان آنذاك يقدم دراسة متخصصة في الترجمة بأنواعها المختلفة، ومنها الأدبية طبعا، مدة هذه الدارسة عامين، وفي نهايتها يحصل الطالب على دبلوم في الترجمة. وهذا ما فعلته. خلال هذه الفترة تعلمت الكثير، واستفدت من أساتذتي الكبار، وكان يدرس لنا مادة الترجمة الأدبية هناك أستاذي الدكتور كمال رضوان الذي شارك في وضع أهم قاموس من اللغة الألمانية إلى العربية (قاموس شريجله)، كما استفدت كثيرا من الدكتورة ناهد الديب التي كانت تدرس لنا مادة الترجمة الأدبية. شجعني كلاهما على مواصلة الجهد في الترجمة الأدبية. وأتذكر أن الدكتورة ناهد الديب راجعت بعض القصص القصيرة التي قمت بترجمتها، وهي التي حثتني على نشرها في مجلة "القاهرة" التي كانت تصدر شهرية آنذاك وكان يرأس تحريرها الناقد إبراهيم حمادة. وبالفعل نشرت "القاهرة" في عام 1987 أول قصة مترجمة لي، وبعدها بشهور نُشرِت ترجمتي لقصة من قصص فولفجانج بورشرت في مجلة "إبداع" التي كان يرأس تحريرها الناقد الكبير عبد القادر القط، وكان عنوانها "حكايات من كتاب المطالعة". وهكذا بدأت ترجمة بعض القصص القصيرة لبورشرت، نُشرت في مجلات متفرقة، وجمعتها بعد ذلك بسنوات طويلة وصدرت في كتابي الأول "شدو البلبل" (قصور الثقافة، سلسلة "آفاق عالمية" 1998)، كما ترجمت قصصا أخرى لهاينريش بُل نُشرت في كتاب "وكان مساء" (دار المدى، 2004). وعندما واصلت دراسة الترجمة في جامعة ماينتس، ازداد إصراري على الترجمة الأدبية برغم صعوبة النشر، وضآلة المكافآت، لا سيما لمن يعيش في أوروبا.
رفضت أن تترجم "شبق" للنمساوية إلفريده يلينك، وهي الحائزة على نوبل في 2004 م، فلماذا الرفض؟!
عندما حصلت "يلينك" على جائزة نوبل في عام 2004، أردت أن أعرّف القارئ العربي بأبرز أعمالها، وهي رواية "عازفة البيانو"، وبالفعل تفرغت لترجمة الرواية تماما، واستطعت الانتهاء منها قبل معرض القاهرة للكتاب في عام 2005، وصدرت الترجمة عن دار ميريت، ولقيت صدى نقديا جيدا للغاية، ونشرت عنها مقالات في أهم الصحف العربية.
أعمال يلينك تقوم على اللغة، والتلاعب اللغوي، والإحالات التاريخية والأدبية. هذا يجعل ترجمة نصوصها صعبة، أو مستحيلة، ليس فقط إلى ثقافة مختلفة تماماً عن الألمانية مثل الثقافة العربية، بل أيضاً إلى اللغات الأوروبية الأخرى. المترجمة الفرنسية التي ترجمت "عازفة البيانو" رفضت أن تترجم أعمالاً أخرى ليلينك بعد حصولها على نوبل، وهو ما تكرر معي عندما سألني محمد هاشم، مدير دار ميريت، أن أترجم "شبق"، وقلت له: يكفيني ما عانيته خلال ترجمة "عازفة البيانو".
وبالمناسبة، صعوبة أعمال يلينك بالنسبة للقارئ العربي تتضح أيضا من خلال استقبال القراء للروايات الأخرى المترجمة لها، مثل "العاشقات" و"المستبعدون"، إذ أنها لم تحدث أي صدى نقدي. أعتقد أن ذلك راجع أيضا إلى عدم ملائمة بعض أعمالها للترجمة. بينما رواية "عازفة البيانو"، رغم صعوبتها، تتحدث عن خبرات إنسانية عالمية ("تعذيب" الأطفال باسم الفن، والعلاقة المَرَضية الوثيقة بين أم وابنتها على سبيل المثال).
ما رأيك في الترجمة عبر لغة وسيطة؟
لي مقال نشرته في صحيفة "الحياة" بعنوان "التأويل مرتين ... عن الترجمة عبر لغة وسيطة"، فصّلت فيه وجهة نظري في الترجمة عبر لغة وسيطة، وقلت إن هذه الظاهرة المنتشرة في العالم العربي اختفت تماما من أوروبا، هذا أمر عفا عليه الزمن، ولم يعد يقوم به أحد إلا في حالات اللغات النادرة فعلا. وذكرت في المقالة ما قاله أمبرتو إيكو في كتابه القيّم "أن نقول الشيء نفسه تقريبا". اعتبر إيكو الترجمة تأويلا للنص الأصلي، وتفاوضا معه، والمتفاوض يترك عادة أشياء ليكسب أشياء أخرى. الترجمة عبر لغة وسيطة تعني، إذن، تأويل نص مؤول، وتفاوض مع متفاوض. والخطورة كبيرة في أن يفقد النص الأصلي الكثير عبر التفاوض مرتين.
السؤال المطروح في الترجمة عبر لغة وسيطة هو: هل استطاع المترجم أن ينقل النص بكافة ظلاله وإيحاءاته وإحالاته؟ هذا شيء لا يمكن الحكم عليه عبر قراءة الترجمة وحدها التي قد تكون سلسة وتترك انطباعا جيدا. لا بد هنا من الرجوع للأصل. سؤال آخر: هل بمقدور مترجم واحد نقل أعمال من الأدب التركي والصيني والألماني عن اللغة الانجليزية أو الفرنسية محافظا على كل سمات الأصل؟ بيقين كبير أستطيع القول إن الترجمة عبر لغة وسيطة ترجمة تقريبية، لأنها - بتعبير إيكو – "نتيجة تفاوض" مع متفاوض. لهذا يكاد يجمع معظم الباحثين في علم الترجمة على رفض الترجمة عن لغة وسيطة، واعتبارها، في كثير من الأحيان، تشويها مزدوجا للأصل.
وتتفاقم إشكاليات الترجمة عبر لغة وسيطة في الأعمال التي تقوم أساسا على اللغة، لا على "الحدوتة" والحدث. ولعل المثال الأبرز في ذلك هي ترجمة الأستاذ الجبيلي لرواية الكاتبة النمسوية إلفريده يلينك التي صدرت في عام 2013 عن دار "طوى" تحت عنوان "معلمة البيانو"؛ ولقد بيّنت في مقالتي بالأمثلة كم الأخطاء – الجسيمة في بعض الأحيان - التي يقع فيها المترجم الذي يستخدم لغة وسيطة، ويستطيع القارئ المهتم الرجوع إلى هذه المقالة.
قلت ذات مرة أنك تحاول أن تنقل للعربية أعمالاً مميزة من كافة إتجاهات الأدب الألماني المعاصر، هذا يدفعني لسؤالك عن معايير اختيارك للأعمال التي تترجمها؟
نعم، هناك معايير شخصية بالطبع. أحاول البحث عن أعمال تخاطب القارئ العربي، أعمال ذات صبغة إنسانية عامة (مثل مسرحية "مدرسة الطغاة" لإيريش كستنر، وقصص فولفجانج بورشرت "سن الأسد" وكذلك قصص هاينريش بُل في مجموعته "وكان مساء")، أو أعمال لها أهميتها أو شهرتها في السياق الألماني، وأراها جديرة بأن يتعرف إليها القارئ العربي (مثل رواية "قصص بسيطة" لإنجو شولتسه و"عازفة البيانو" للحائزة على نوبل إلفريده يلينك)، أو لأنها حققت نقلة فنية أو أسلوبية وبالتالي كانت لها أهمية نقدية (مثل "مونتاوك" لماكس فريش)، أو لأنني أرى أن هذا العمل يثير اهتمام القارئ العربي (مثلاً "الحيوان الباكي" لميشائيل كليبرغ والذي يتحدث فيه عن رحلته إلى لبنان وعلاقته بالشاعر عباس بيضون). وأحياناً أود أن أنقل عملاً لكاتب لا يعرفه القارئ العربي (مثل توماس برنهارد وكتابه "صداقة")، وأخيراً فأنا أترجم عملاً ما لأنني – ببساطة – أحببته، واستمتعت به وأردت أن يشاركني آخرون هذه المتعة (مثل "الكونتراباص" لزوسكيند، وكل أعمال دورنمات التي ترجمتها حتى الآن، وخاصة "الوعد").
هل يمكن للمترجم أن يعيش من مهنة الترجمة؟ أتحدث هنا تحديداً عن المترجمين إلى العربية دون سواهم.
عن نفسي لا أستطيع العيش من مهنة الترجمة الأدبية فقط . مكافآت الترجمة متدنية، وخاصة لمن يعيش في بلد أوروبي مثلي. وأنا في الحقيقة سعيد
لأنني لا أعتمد على الترجمة الأدبية، وإلا لكنت مضطرا للعمل تحت رحمة الناشرين العرب (وظروف العمل لديهم ليست وردية). لست مضطرا لقبول كل ما يُعرض علي، أو العمل بسرعة للحصول على المكافأة (إنْ دفعها الناشر في موعدها كاملة)، لأن كل هذا يؤثر في رأيي على جودة الترجمة.
كيف تقيم واقع الأدب العربي المترجم إلى الألمانية؟ هل زادت أهميته خاصةً في ضوء تدفق اللاجئين العرب إلى ألمانيا، وأوروبا عموماً؟
حتى فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل لم يكن هناك حضور يُذكر للأدب العربى فى ألمانيا. فوز عميد الرواية العربية بنوبل فتح الطريق، ليس فقط أمام ترجمة أعماله (وقد تُرجمت حتى الآن أكثر من عشرين عملا له، منها الثلاثية)، ولكن أمام الأدب العربى عموما. حصل الأدب العربى على دَفعَة ثانية عندما حلّ ضيفا على معرض فرانكفورت للكتاب عام 2004. هناك أعمال كثيرة تُرجمت خلال السنوات الماضية - ولكن هل يمكن الحديث عن «حضور» للأدب العربى فى ألمانيا؟ لا أعلم. المترجم الكبير هارتموت فيندريش قال ذات مرة في حوار صحفي إنه يفتقد الاهتمام المتواصل بالأدب العربي. وهو محق فى ذلك. حضور الأدب العربى مرتبط بظواهر معينة، أو بأحداث عالمية أو محلية، مثل الاهتمام حاليا بترجمة الأدب السوري بسبب موجة الهجرة والنزوح التي شهدتها ألمانية في الآونة الأخيرة. أتمنى أن يسفر هذا الاهتمام الآني عن إهتمام دائم بالأدب السوري، والعربي عموما.
يقول فولتير أن "الشعر لا يترجم، وهل يمكن أن تترجم الموسيقي؟" هل تتفق أم تختلف مع هذا الرأي؟ ولماذا لم يترجم "سمير جريس" شعراً؟
لن أقول إن الشعر لا يترجم، ولكن من الصعوبة نقل الشعر، معنى ومبنى، إلى لغة أخرى. والشعر في رأيي لا ينقله إلا شاعر، أو شخص لديه حساسية شعرية عالية. ترجمت بعض القصائد من الألمانية، لكني لم أكن راضيا عنها، ولذلك توقفت.
حصلت على جائزة معهد جوتة للترجمة الأدبية عام 2014م، يرى البعض أن الجوائز الأدبية أشبه بطوق نجاة يُلقى به لغريق بعد وصوله للشاطئ، هل تتفق أم تختلف مع ذلك؟
هذه المقولة صحيحة في كثير من الأحيان. فالمترجم، أو المبدع عموما، قد يظل يعمل ويكدح سنوات طويلة دون أن يلتفت إليه أحد. وبعد مرور عقود، وبعد عمل مضن، وبعد أن يصنع له اسما وبعض الشهرة، تأتيه الجوائز. لذلك أرى أنه من الضروري جدا ليس فقط مكافأة المتميزين المخضرمين، بل أيضا الالتفات إلى شبان المترجمين والمبدعين. ولهذا أيضا كانت سعادتي كبيرة بالفوز بجائزة المجلس الأعلى للثقافة في مصر، لأنني حصلت عليها في بداية عملي بالترجمة.
هل هناك عمل تعمل على ترجمته الآن؟
انتهيت من ترجمة ستنشر قريبا لدى دار "شركة المطبوعات للتوزيع والنشر" اللبنانية، وهي رواية "حياة" للكاتب دافيد فاجنر. "?حياة?" ?تتناول خبرات إنسانية? ?يتفاعل معها القارئ في أي مكان?؛ وهي في الحقيقة قصة فاجنر نفسه، فهو عانى منذ طفولته من مرض نادر، هو "التهاب الكبد المناعي الذاتي". هذا المرض أتلف كبده تماماً،? ?ولهذا أجريت له عملية زراعة كبد?. الكتاب? ?يتناول في روايته هذه الخبرة، ??أو? ?ينطلق منها ليقدم تأملات حول الحياة والمرض والموت?؛ هو نص حميمي، ? ?ذاتي،? ?شاعري، وفي الوقت ذاته له نبرة موضوعية،? ?ساخرة من الذات ومن الضعف البشري?. ???????????????????????????????????