القاهرة 29 اغسطس 2017 الساعة 10:34 ص
حاورته : نضال ممدوح
مصر المحروسة التقت بالكاتب السكندري" مصطفي نصر"صاحب رواية " يهود الإسكندرية" الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية? والتي وثق فيها للوجود اليهودي في مدينة الإسكندرية منذ العام 1862وحتي بدايات العصر المباركي. ينتمي نصر إلى جيل إبراهيم عبد المجيد? فتحي إمبابي? سعيد الكفراوي? إدوار الخراط? إبراهيم أصلان? جمال الغيطاني? يوسف القعيد? ومجيد طوبيا. صدر لمصطفي نصر العديد من الروايات والمجموعات القصصية أهمها: الصعود فوق جدار أملس? الشركـــــاء? جبل ناعسة? الجهيني? الهماميل? شارع البير? النجعاوية? إسكندرية 67 ? سوق عقداية? ليالى الإسكندرية? الاختيار? حفل زفاف في وهج الشمس? ليالي غربال وجــوه? ظمأ الليالي? المساليب. ترجمت روايته الهماميل إلى اللغتين الروسية و الفرنسية. وترجمت رواية جبل ناعسة للإنجليزية.
- في حديث لك قلت: إن الغزوة الوهابية أطاحت بتاريخ السنين، وهذا له صلة باليهود أيضا، ماذا تقصد بهذا القول، وما العلاقة التي تجمع اليهود بالسلفيين، رغم أن الآخرين يظهرون كأشد الأعداء؟
صدر كتاب لاسحق بن زفي – رئيس إسرائيل السابق – أعيد نشره عام 1961، يؤكد فيه إن طائفة الوهابية، هي مسلمة في الظاهر، إلا أنها تقيم سرا الشعائر اليهودية
كما أن كل الاجراءات المتشددة في الإسلام، ما هي ألا عادات وتقاليد كانت تمارس في بعض القبائل اليهودية التي كانت تعيش في الجزيرة العربية، أدخلها في الإسلام بعض اليهود الذين دخلوا الإسلام في بدايته كعبد الله ابن سبأ. كأحتقار المرأة مثلا
وقريبا رفض أعضاء جماعة الحريديم ( الأتقياء ) الإسرائيلية – الجلوس في الطائرة بجانب النساء، وفضلوا الوقوف طوال الوقت، وهم يعتبرون إن النساء دنس. وهناك شوارع في القدس وتل أبيب مقسمة نصفين وبينهما ساتر من قماش، يسير في نصفه النساء، والنصف الثاني يسير الرجال.
بماذا تفسر تجمع السلفيين بالإسكندرية رغم ما لها من تاريخ كوزموبليتاني عريق وطويل. ؟
صعب أن تنمو الحركات السلفية في القاهرة – العاصمة – فاختار السلف الإسكندرية، المدينة التالية لها من حيث المساحة والأهمية. وموقع الإسكندرية خطير ومهم، فقد طلب الدكتور علي نور – مدير البرامج الثقافية في إذاعة الإسكندرية في بداية إنشاء الإذاعة، من أنور السادات تقوية الإرسال الإذاعي
فيها الذي كان لا يتجاوز مدينة كفر الدوار القريبة جدا من الإسكندرية.
فأجاب السادات: لا يمكن أن نخاطر بتقوية الإرسال لأن الإسكندرية تقع على البحر المتوسط وهو مرتبط ومتصل ببحار ومحيطات العالم، كما أن الإسكندرية على مر التاريخ؛ مدينة ثائرة ومتمردة ويحلو لها أن تنفصل عن القاهرة.كما أن السلف يتجمعون على أطراف الإسكندرية، خاصة على حدود محافظة البحيرة التي تمتلأ بالسلف.
عندما اطلعت على اسماء من لهم حق التصويت في جوائز الدولة، أصبت بدهشة، وتذكرت باب "صدق أو لا تصدق" الذي ينشر في جريدة الأهرام كل يوم. سبحان الله، جائزة أدبية، يقول رأيه فيه ناس معظمهم لا يتصلون بالأدب بأي صلة، وزادت دهشتي أكثر، عندما قال الكل لي: لابد من الاتصال بكل هؤلاء، تذكرت مقالة لأنيس منصور منذ سنوات طويلة، يذكر فيها أعاجيب الذين يتصلون به لكي يمنحهم صوته، للحصول على جوائز الدولة، واتضح لي بعدها، أن الجوائز تمنح لمن يجيد الاتصال بأعضاء اللجنة، لا للذي يجيد الكتابة. الغريب أن لا أحد يفكر في تصحيح مسار ما يحدث، جائزة أدبية، المفروض أن يمنحها كبار النقاد والكتاب، وجائزة السينما، يمنحها المتصلون بالسينما .. إلخ.
أما عن الجوائز عموما، فقلما تمثل الحقيقة، لكنهم يعطونها من وقت لآخر لمن يستحقها، حتى لا تفقد الجائزة مستواها ومكانتها.
هل يحتاج الكاتب لجائزة أو حتى تصنيفه كأكثر مبيعا، للاعتراف به؟
عانيت في الإسكندرية لأنني لم أحصل على جائزة من جوائز الدولة، فأنا لا أسعى للجوائز، ولا أهتم إلا بالكتابة، وأرى أن الأمور الأخرى المفروض ألا يشغل الكاتب نفسه بها، زملاء لي أعلنوا في كل مكان إن فلانا أفضل مني، لأنه حصل على الجائزة وأنا لا. فالجائزة بالنسة لهم مقياس، الطريف أن هؤلاء استخدموا الجوائز – أيضا – للنيل مني، وهم يتظاهرون بالدفاع عني، وعن أحقيتي في الجائزة.
تعامل معي كتاب كبار – رغم عدم حصولي على الجائزة – بما استحقه من اهتمام، لكن غيرهم، لا يهمونني في شيء. أما عن التصنيف، الأكثر مبيعا، فهي فلا تمثل الحقيقة في كل وقت. فهناك أشياء أخرى غير الجودة، تجعل الكتاب أكثر مبيعا.
لماذا تمسكت بالبقاء في الإسكندرية بعكس أبناء جيلك ممن انتقلوا للقاهرة، فحققوا الشهرة الأدبية؟
** ولماذا لابد للأديب أن ينتقل للقاهرة؟! هذا عيب تختص به مصر، من دون دول العالم، المفروض أن يبقى الأديب في بلده، أو قريته وينتشر منها على مستوى مصر كلها. هذا العيب أثر في الكثيرين ممن يعيشون خارج القاهرة، لكن هناك أدباء لم يبرحوا مدنهم وحصلوا على أعلى جوائز الدولة، المشكلة الأكبر عندي ليس بعدي عن القاهرة، وإنما لأنني لا أجيد الطريقة التي أسوق بها نفسي.
هل تغير قارئ اليوم عن قارئ الأمس؟
لا شك، فقارئ اليوم لديه إنجازات علمية عظيمة كونت فكرة، أصبح من السهل الحصول على الثقافة، والمعلومات التي تسبق البدء في كتابة الرواية، كنا نحصل عليها بصعوبة شديدة، لذا، ظهرت الآن روايات تعتمد على المعلومات العلمية الراقية. وإنني مندهش من الذين يعتمدون على آراء وفتاوي شخصيات عاشوا في أزمان تخلف وظروف صعبة، ولا يعتمدون على فتاوي وآراء كتاب محدثين، توفرت لهم إمكانيات علمية، جعلتهم أكثر علما ووعيا من السابقين.
– قلت: إن مزاجك النفسي يتماشى مع كتابة الرواية؛ أكثر من القصة القصيرة، هل ترتبط الكتابة بالمزاج الشخصي أم بالرؤى والأفكار والواقع المحيط والمعاش؟
الرواية والقصة القصيرة والمسرح والشعر، كلها ترتبط بالرؤى والأفكار والواقع المحيط والمعاش. لكن المزاج الشخصي يحدد نوع الكتابة، فكتاب الرواية الأفضل كنجيب محفوظ وبهاء طاهر وخيري شلبي وجمال الغيطاني وصبري موسى وغيرهم، يتمتعون بهدوء أعصاب، بينما كتاب القصة القصيرة الأجود مزاجهم الشخصي مرتبط أكثر بالعصبية والتوتر، القصة، كطلقة رصاصة. وهذا تجده بوضوح عند يوسف إدريس.
هل ترى هناك مواكبة نقدية لهذا الزخم من الأعمال الأدبية، ولماذا لم نر قامات نقدية مثل عبد العظيم أنيس وغالي شكري ومحمود أمين العالم؟
ما ذكرتيهم سيادتك جزء من مجموعة عظيمة أفرزتها فترة الستينيات التي انتجتها ثورة يوليو 52 واهتمامها بالثقافة والفن، هؤلاء كانوا تلاميذ جيل أفرزته ثورة 19 العظيمة، تلاميذ أحمد لطفي السيد وطه حسين والعقاد وسلامة موسى وغيرهم. في الستينيات كنا نشترى المسرحية العالمية بخمسة قروش ثم بعشرة قروش، وعندما تعرض مسرحية لنعمان عاشور أو ميخائيل رومان أو سعد الدين وهبة، الكل يكتب ويناقشها ويتحدث عنها، الدولة – وقتها - انتجت أفلام عظيمة، وخلقت مخرجين وكتاب سيناريو عظام، الآن بعض دور النشر الحكومية، تنشر بالفلوس، يعني إللي معاه فلوس ممكن ينشر في روايات الهلال أو دار المعارف بصرف النظر عن المستوى والجودة.
تحمل رواياتك مشاهدة عالية، مَن مِن المخرجين ترى إنه يستطيع إخراجه في صورة بصرية؟
إنني على صلة بكتاب سيناريو جيدين مثل ماهر عواد والدكتور خالد عبد الجليل ومحمد اللبان وبمخرجين مهمين مثل: دكتور خالد بهجت وأحمد رشوان، وأملي أن يبدأوا في تحويل رواياتي لسينما أو تليفزيون
– قلت إن اللجان التي تمنح الجوائز معظم اعضائها ليست لهم صلة بالأدب، رؤساء المصالح الحكومية الثقافية، لهم أصوات في منح الجوائز، ما الآلية الأمثل للتحكيم في مثل هذه الجوائز؟
مندهش للغاية، لماذا لم يفعلها أي وزير ثقافة، بأن يطلع على طريقة منح الجوائز في الدول المتقدمة ثقافيا كفرنسا مثلا، قال لي المرحوم جمال الغيطاني بإنه تحدث مع وزير الثقافة، وطلب منه تغيير هذه الطريقة في منح الجوائز. جائزة الدولة الوحيدة التي أقرب للصح، هي التشجيعية، لأنها – بصرف النظر عن عيوبها – يقوم بالاختيار فيها، ناس لهم صلة بالأدب
ما رأيك في الضجة التي أثيرت حول مسلسل الجماعة والاتهامات الموجهة لوحيد حامد بتشويه تاريخ عبد الناصر؟
** بصراحة، لم اتابع منه سوى القليل، لكنني موقن بأن جمال عبد الناصر، كان يعرف ما يريد، وتصرف بمهارة وقدرة عالية، فهو يعلم أن حركة الجيش مجرد انقلاب على الحكم في الدولة، ولكي يتحول لثورة، لابد من التأثير على الشارع، وفي الشارع، يوجد الإخوان بكثرة ويليهم الشيوعيين، فتقرب من الاثنين، وأصبح عضوا في الاثنين، وبالفعل، أيدوا الثورة عندما قامت. وهو يعرف قدرة الإخوان وتأثيرهم على الناس لتدين الشعب المصري العجيب، فدللهم، أعاد محاكمة قتل حسن البنا، حل كل الأحزاب، وتركهم يفعلون ما يشاؤون، لكنهم أرادوا أن يسيطروا عليه، وأن يحكم من خلالهم، فرفض، وبطريقتهم المعتادة، حاولوا قتله، فانقلب عليهم ونكل بهم.
الإخوان أطاحوا بالشيوعيين لينفردوا بعبد الناصر، وحرضوا مجلس قيادة الثورة على إعدام خميس والبقري وسجن الكثير من عمال مصنع كفر الدوار، ليكونوا الأقرب من مجلس قيادة الثورة، ومن عبد الناصر الذات.
هل كان عبد الناصر – حقا – وراء هجرة اليهود من مصر في الستينيات، أم أن الأمر بدأ منذ حرب 1948؟
في الإسكندرية كان فيه ثلاث نوادي يهودية: المكابي والإسرائيلي، وقطاوي، وفي انتخاباتهم، كانوا يختلفون ويكادوا يتقاتلون، بعضهم مؤيد للصهيونية، وبعضهم ضدها ومتمسك بمصر. ظهور عبد الناصر غير كل شيء، فقد سمعت حوارا بين أستاذ جامعي سكندري، ورجل من أسرة الوكيل العريقة، قال: كنت خلاص حاعيش عمري كله في نيويورك، فسأله الأستاذ الجامعي: أمال إيه رجعك مصر تاني؟ قال: عبد الناصر مات. الأمر الآخر أن مؤامرات حدثت وتهديدات من مؤيدي الصهيونية لليهود، لكي يستجيبوا للسفر إلى إسرائيل. حادث فضيحة لافون الذي اشترك فيه بعض اليهود، جعل الدولة المصرية تشك في كل يهود مصر.
في الإسكندرية، حركة أدبية نشطة، لكنها تدعو للأسى والحزن، الكل ينشر على حسابه، يدفعون آلاف للمطابع لنشر رواياتهم ومجموعاتهم القصصية والشعرية والنقدية. مازالت هيئة الكتاب تنشر كتبا، ومازالت هيئة قصور الثقافة تنشر كتبا ومجلات رخيصة الثمن، وآمل أن يظلا هكذا وألا يتحول الدور النشر الحكومية الأخرى التي ترسل لكتاب الإسكندرية عارضة عليهم النشر بالمقابل. والله عيب. فقوة مصر الحقيقية في كتابها وفنانيها، وما تنفقه الدولة على الأدب والفنون، إنفاق استثماري، يعني له فوائد عظيمة في كل المجالات، ومنها المجال الاقتصادي، فحصول نجيب محفوظ على نوبل كان أحد أسباب رواج السياحة في مصر