القاهرة 08 اغسطس 2017 الساعة 11:31 ص
أتعامل مع الألوان بحيادية كاملة ،أستمتع بعملية خلطها ،وأتركها تفاجئني !
المرأة في أعمالي هي الأرض والوطن والأمل والفكرة والإنسان في كل تجلياته
لدينا مشكلة حقيقية في لغة الفن التشكيلي التي تُقَدم للناس ،والسبب الحقيقي وراء هذه المشكلة هم الفنانون أنفسهم والنقاد والإعلام
حـوار:أحمد مصطفى الغـر
في سماء الفن التشكيلي .. تختلط تلقائية لوحاته بالتجريدية،و بين سحابات الألوان والخطوط يظهر إبداعه و فنّه. عند الوقوف أمام إحدى لوحاته ستدرك مدى الضجيج الذي يمكن أن يحدثه صمت اللوحة وسكون ألوانها، ضجيج لا تخطئه الأذن ،وإهتمام بالتفاصيل الدقيقة بمهارة فنيَّة لا تخطئه الأعين ،إنه الفنان التشكيلي "مجدي الكفراوي"،الذي مثّلَ مصر في العديد من المحافل الدولية،وأقام 14 معرضا شخصيا في مصر والخارج ،وشارك في اكثر من 300 معرض جماعي، يعمل حالياً كرسام ومحررثقافي في مؤسسة روزاليوسف، (مصر المحروسة) دخلت إلى عالمه الفني ،وكان لنا هذا الحوار:
غنيٌ عن التعريف ، لكن كيف يقدم "مجدي الكفراوي" نفسه لقراء (مصر المحروسة) ،ويختصر لنا بداية رحلته ومسيرته مع الفن التشكيلي؟
مجدي عبدالحافظ الكفراوي ،فنان تشكيلي ، عضو نقابة الفنانيين التشكيلين وعضو نقابة الصحفيين ،وعضو بعدد من لجان التحكيم بعدة منظمات وهيئات،مثل منظمة الصحة العالمية ،و لجان تحكيم جوائز الدولة 2013،وعضو بعدد من الجمعيات الفنية مثل جمعية محبي الفنون الجميلة ،و الجمعية
الاهلية للفنون الجميلة ،وغيرها الكثير.
أما عن بداياتي، فكانت هناك .. في عمق ريف محافظة الغربية ،حيث تقع قريتي (صرد) ،حيث مساحات من الخضرة، وإتساع الأفق وتشبع عيني وروحي بالالوان بعلاقاتها اللامحدودة ،والذي لم يكن يختلف كثيراً عن طيبة وجمال أهلها، في ذلك الوقت (أوائل السبعينيات حتي أواخر الثمانينات)، ظهرت بوادر محبتي وإهتمامي بالرسم مبكراً، وكنت حريص من صغري كل الحرص علي أن أكون فناناً تشكيلياً، رغم كل الصعوبات والمعوقات التي زادت من صعوبة مشواري الفني والحياتي ،والتي لامجال لذكرها هنا ، لكني دخلت كلية التربية الفنية بالزمالك وبدأت رحلتي.
إلى أي مدرسة تتجه أعمالك ؟،أم أنك خارج قيود المدارس الفنية ؟
الحقيقة أنني ضد مسميات الأساليب التقنية أو الفنية بالمدارس ،ربما فعلها بعض النقاد في اوروبا في حقبة زمنية ما ،حتي لا يلتبس عليهم أمر ما لكنه إلتبس مع الأسلوبية المرتبطة بروح الفنان وحالتة المزاجية.
متى تحب أن ترسم ؟،أقصد هل هناك وقت محدد للرسم؟،وهل هناك طقوس معينة تصاحب حالة الإبداع تلك ؟
أرسم في كل وقت وتحت أي ظرف، كلما ألحت علي فكرة ما ،لا أتأخر في صياغتها بنفس الكيفية التي تلح بها ،ولا أهتم بالطقسية التي يهتم بعض الفنانين والتي تصل الي حد الإدعاء في كثيرٍ من الأحيان.
في حضرة صاحب "حوارات الصمت"، دعنا نعرف كيف إتخذت الصمت صديقاً ؟،وهل حقاً الصمت أبلغ من الكلام ؟!
لا شك أن الصمت في كثير من الأحيان أبلغ من الكلام ،ولكن الصمت الذي أقصده ليس تلك الفترات ما بين الكلام ، ولكن ما قصدته هي مساحة الصمت الموازية للحوار وهي عادة ما تكون بين الشخص وذاته في حضور أخرين أو منفرداً ، هذا الصمت يكشف خبايا أرواحنا ،وبواطن نفوسنا ،ولا يستطيع أن يجد الشخص له معادل كلامي ببساطة.
هذا يحيلني لسؤال آخر ، هل تهتم بشرح لوحاتك للجمهور ،أم أم تلتزم بمقولة الأديب والشاعر الفرنسي (فيكتور هوجو) عندما قال "لا تكثر الإيضاح
فتفسد روعة الفن" ؟
هذا أمر غاية في الأهمية ،ومشكلة كبيرة يواجهها الفنانين في معارضهم، لكني عندما يتم سؤالي عن عمل فني .. أحاول توضيح أن الفن ليس عملا ذاتياً خاص بالفنان وحده،وإلا قلت قيمته ، فما يقدمه الفنان ليس ملكه طالما ارتضي أن يقدمه لجمهور التلقي،وهذا أيضا يعطي للعمل الفني أبعاداً كثيرة وبعيدة عن تخيلاته ،لكن من المستحب أن يتواصل الفنان مع متلقي فنه عن مفاتيح لقراءة ما.
إرتحلت بـ "حوارات الصمت" إلى الكويت، حدثنا قليلاً عن تلك التجربة؟ ،وهل الذائقة الفنية للمتلقي العربي تختلف من بلد لآخر ؟
إستضافة قاعة "بوشهري" للفنون بالكويت معرضي الثاني الذي يحمل نفس اسم التجربة الأولي ،والتي كانت في قاعة الباب سليم بمتحف الفن المصري الحديث ،تحت اسم (حوارات الصمت) ،كانت تجربة غاية في الأهمية بالنسبة لي علي المستويين معرفة رد فعل جمهور يحمل ثقافة وفكر مغاير علي نفس الفكرة مع إختلاف اللوحات والذي لم تخذلني ردود أفعالهم ،والمستوي الاخر هو معرفتي عن قرب للحركة التشكيلية في الكويت.
"د. أحمد عبد الغني"، قال عن لوحاتك "برغم تنوع موضوعاتها إلا أننا نلاحظ طغيان عالم المرأة أو الموضوعات المرتبطة بها" ، فما سر الحضور الطاغي للمرأة في لوحات مجدي الكفراوي؟!
المرأة في أعمالي هي الأرض والوطن والأمل والفكرة والإنسان في كل تجلياته ، وكونها الوعاء الشكلي الذي إخترته لأحمّله كل أفكاري ،فهذا يعود لقداسة المرأة بالنسبة لي ،ولكونها الأنسب لتوصيل المشاعر برقتها وقساوتها .
بصراحة.. هل تستشعر أن هناك أمية بالفن التشكيلي من قِبَل عموم المصريين، وهل أنت راضي عن دور الإعلام في الترويج للنشاطات التشكيلية ؟
إطلاقا ..أرفض تماما أن يطلق علينا ،في العموم أو في الخصوص، أننا أميون تشكيليا ، لأننا شعب معظم حضارته تحوي الفن التشكيلي ، نحت ورسم وخزف وكل انواع الفنون المملؤة بها معابدنا ،لكن لو لدينا مشكلة حقيقية فهي في لغة الفن التشكيلي التي تُقَدم للناس ،والسبب الحقيقي وراء هذه المشكلة هم الفنانون أنفسهم والنقاد والاعلام ، الفنانون والنقاد في الأغلب يستخدمون لغة كلها تعالي علي الناس ،أما الاعلام فهو ككلمة الحق التي يُراد
بها باطل ، فهو لا يهتم بالفن التشكيلي إلا نادراً.
الفنان "عصمت داوستاشي"، أبدي إعجابه بلوحتك الزرقاء التي تتوسطها سيدة مصرية بملابس الريف، في حالة من الشجن و الطقوس الجنائزية،وقال أن هذا الشجن المصري الحزين يغلف معظم لوحاتك، فما مفهوم الشجن لديك ؟ ، وهل حقاً يجب على الفنان أن يكون حزيناً كي يبدع ؟
ظلت هذه اللوحة أيقونتي المفضلة ،ولا زالت فهي رمز حقيقي للصمود أمام كل مشكلات الحياة ،ومفهوم الشجن بالنسبة لي هو كل ما يثير أحاسيسي ومشاعري ،وبالطبع ليس بالضرورة شىء محزن ، فالموسيقي والشعر وكل اجناس الابدع تثير شجني. ولا اتفق مع المقولة الشهيرة (أن الفن وليد المعاناة) لكن يمكن إضافة كلمة (أحيانا) إليها ، كي تصبح مقبولة.
يُقال أن الفنان العالمي "رامبرانت فان رين" هو أكثر من إهتم بتصوير نفسه في لوحاته،حيث قاربت صوره المئة لوحة!، برأيك لماذا لم نعد نرى من بين المعاصرين من يقوم بذلك؟،وهل فكرت يوماً في رسم نفسك ـ ولو رمزياً ـ في لوحاتك ؟
فن البورتريه من أهم وأجمل الفنون علي مدي التاريخ ،وخاصة في الفترة التي سبقت اختراع الكاميرا ،حيث كان الأثرياء حريصين علي تكليف فنانين بتصويرهم، الموضوع مازال مستمر من فنانين كثر ومنهم علي سبيل المثال لا الحصر ،فريد فاضل، فرحات زكي، خالد السماحي ،وليد عبيد ،وبالنسبة لي .. فقد كانت لي عدة تجارب ولكن لم أعرضها.
عديدة .. هى الألوان في لوحاتك ، ومتدرجة بقوة، لكن أي الألوان أقرب إلى قلبك؟
أتعامل مع الألوان بحيادية كاملة ،أحبهم جميعا ،و دائما ما أضع كل الالوان علي الباليت وأبدء في الاستمتاع بعملية الخلط ،واترك الالوان تفاجئني، وإن كنت أميل للأزرق بمجموعته.
هل يؤثر عملك الصحفي ، على نشاطك وإبداعك الفني ؟
بالطبع يؤثر بشكل إيجابي ،لأنه علي مستوي الرسم يزيد من عدد ساعات رسمي وعلي مستوي الكتابة يجعلني اكثر إطلاعا بكل ما هو حديث.
قبل الختام .. "الفن يمسح عن الروح غبار الحياة اليومية"، هكذا قال بابلو بيكاسو؛ بينما بريشت يقول: "ليس الفن مرآة للحقيقة، بل مطرقة يمكن بها تشكيل الحقيقة"، ما الذي يود (مجدي الكفراوي) قوله من خلال فنه وعبر لوحاته و إبداعه؟
لا شئ أكثر مما قاله "بيكاسو" و"بريشت" معا ،إضافة الي مساحة اللعب اللا متناهية من إحتماليات اللون.
ما هي مشاريعك الفنية المستقبلية ؟
أعمل علي فكرة جديدة بالنسبة لي وهي عمل مجموعة معارض عن أهم الروايات التي قرأتها.