القاهرة 1 يوليو 2017 الساعة 02:16 م
حاوره أحمد مصطفى الغر
ـ إذا خشينا من الحرج فإننا لن نكتب شيئاعلى الإطلاق، ولن نستطيع أن نغامر روائيا أو أدبياً.
ـ قمت بحذف وثائق صحفية كثيرة كنت قد أعددتها للنشر فيفصول رواية رئيس التحرير.
ـ الشعر لن يموت أبدا مادام هناك الإنسان الذي يشعرويحس ويتعاطف مع الجمال والحب والخير.
ضيفنا لهذا الأسبوع، نفذ إلى كل بساتين الأدب، فقطف من كل بستانٍ زهرة؛هو صحفي وناقد وشاعر، وكاتب أدب رحلات، وكاتب أدب أطفال، ومؤخراً دخل إلى بستانالرواية، ليحصد القراء أولى رواياته التي خرجت إلى النور قبل أشهر قليلة تحت عنوان"رئيس التحرير .. أهواء السيرة الذاتية". هو ابن الإسكندرية التي شهدتمولده عام 1953م، له نتاج كبير من الإصدارات والمقالات، وقد تُرجمت بعض كتاباتهإلى لغات أخرى، شغل منصب نائب رئيس اتحاد كتاب الإنترنت العرب في الفترة (2005 - 2009م)والعديد من المناصب في المجال الثقافي والصحفي، وحصل على العديد من الجوائزوالتكريمات، لعل أهمها جائزة المجلس الأعلى للثقافة عام 1999م، وجائزة الدولةالتشجيعية في الآداب عام 2008 م، مجلة (مصر المحروسة) التقته .. وكان لنا هذاالحوار:
كتبنا مقدمة بسيطة عنك، لكن كيف يحب (أحمد فضل شبلول)،الإنسان، أن يقدم نفسه للقراء؟
المقدمة تشير إلى محطات كثيرة في رحلتي الأدبية التي بدأت من قصرثقافة الحرية بالإسكندرية في سبعينيات القرن الماضي حيث التحقت بنادي الشعر، وكنتدائم الحضور في الأندية الأخرى بالقصر مثل نادي القصة ونادي المسرح ونادي الزجلوشعر العامية ونادي النقد الأدبي، ونادي السينما، كما كنت دائم الحضور في معارضالفنون التشكيلية بالقصر، كل هذا أكسبني خبرة وتذوقا للآداب والفنون بعامة، وعندماكونت مع مجموعة من الأصدقاء جماعة فاروس في نهاية عام 1979 حرصت على أن تكونالتسمية "جماعة فاروس للآداب والفنون" وعندما أصدرنا مجلة فاروس أيضااخترنا لها عنوان "مجلة فاروس للآداب والفنون" وأصدرنا عنها كتاب فاروسفي الإسكندرية، وصدر من خلاله مجموعتي الشعرية الأولى أو ديواني الأول "مسافرإلى الله" عام 1980 الذي استقبل استقبالا أدبيا ونقديا طيبا في ذلك الوقت،حيث أذيعت بعض قصائده في إذاعة الشرق الأوسط، وكتب عنه عدد من النقاد وأساتذةالجامعة. وقرأه الشاعر الكبير الرائد صلاح عبدالصبور ونصحني بمداومة قراءة كتبجلال الدين الرومي وسعد الشيرازي وابن عربي والحلاج وابن الفارض وغيرهم من شعراءالتصوف، بعد أن لاحظ اتجاها صوفيا ما في ديوان "مسافر إلى الله".
لقد منحني العيش في الإسكندرية هذا التنوع والثراء الذي هو من صميمشخصية تلك المدينة الكوزموبالتينية المتوسطية الرائعة. وسوف يتضح أثر هذا فيما بعدفي مجمل أعمالي التي انتقل بينها بكل سهولة ويسر فمن الشعر إلى النقد إلى أدبالأطفال إلى أدب الرحلات إلى الأدب الإلكتروني إلى العمل في المعاجم والموسوعاتإلى القصة القصيرة وأخيرا – وليس آخرا – إلى عالم الرواية والسرد الطويل.
حصيلتك الروائية هي رواية يتيمة، صدرت قبل أشهر قليلة،فلماذا تأخرت كثيراً حتى سلكت مسار الإبداع الروائي ؟
لم أكن أفكر قبل صدور رواية "رئيس التحرير" أن ألج عالمالرواية، ولكنها فرضت نفسها علي، كان لي محاولات في القصة القصيرة، من خلال مواقفمعينة، ولكن هذه الرواية شدني عالمها الذي عشته بعضه إلى الكتابة عنه فكان منها ماهو سيرذاتي وما هو متخيل روائي. طبعها قبلها قرأت الكثير والكثير من الرواياتالعربية والمترجمة، وأصدرت دراسات أدبية في هذا الاتجاه منها "الحياة فيالرواية" و"آفاق وأعماق .. عشرون رواية مصرية"، وتحت الطبع"محيط وخليج .. عشرون رواية عربية"، فضلا عن كتب أخرى في السرد بصفةعامة مثل "على شواطئ الاثنين في القصة والرواية" و"أصوات سعودية فيالقصة القصيرة" و"المرأة ساردة". بل أنني منذ صغري وأنا حريص علىقراءة الرواية والقصة القصيرة إلى جانب الشعر، وحتى الكتب أو الروايات التي كانت تمنعمن التداول، كنت أعرف كيف أحصل عليها مثل "الخبز الحافي" لمحمد شكريالتي حصلت على نسخة منها بالبريد ثم أرجعتها إلى صاحبها بالبريد أيضا بعد قراءتها،ورواية "شيفرة دافنشي" التي كانت ممنوعة في مصر بعد الضجة التي أثارتها،فحصلت عليها من مخزن إحدى المكتبات أثناء زيارة للعاصمة اللبنانية. حتى عندما كانت"أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ ممنوعة من التداول قام أحد الأصدقاءبتصويرها عن نسخة أخرى مصورة من طبعة دار الآداب في بيروت، وأرسلها لي.
لقد ثبت فشل كل محاولات الحصار والمنع لمثل هذه الروايات وغيرها علىمر التاريخ، حيث نجد تلك الأعمال وغيرها موجودة في السوق أو متاحة مجانا على بعضمواقع الإنترنت. المهم أنني لست طارئا على عالم الرواية بشكل عام، ولم أحبس نفسيفي الإطار الشعري، وعندما ألحَّت علي فكرة "رئيس التحرير" أيقنت تماماأنها لن تكتب شعرا ولا قصة قصيرة، وإنما القالب الروائي الذي يتسع لكل الأشكالالأدبية هو المنقذ الوحيد لتلك الفكرة، وبعض من قرأها يعتقد أنها رواية تجريبية،وهناك من رأى أن الصراع الذهني أو الصراع الفكري أو الأهواء الفكرية التي تتمتعبها شخصيات العمل يعد أهم سمة لها بعيدا عن الصراع الدرامي التقليدي، وبعيدا عنفكرة التدافع المجتمعي أو البشري التي تتسم بها الأعمال التقليدية.
(رئيس التحرير) تكشف الكثير من كواليس الصحافة المصريةوالعربية، وتفضح تشابك المصالح والتربّح، والصراعات الخفية داخل مؤسسات العملالصحفي، ألم تخش أن تسبب لك حرجاً مع الأصدقاء في ميدان العمل الصحفي؟
كأي عمل أدبي نأخذ فكرته من الواقع، فقد لجأت فعلا إلى أخذ بعضالشخصيات من الواقع الذي مارسته، ومن المطبخ الصحفي الذي عشت فيه بعض السنوات،ولكنني أضفت على تلك الشخصيات وعلى الأماكن المخيلة الروائية، فلن يجد أي صديقنفسه مجسدا في هذا العمل كما هو على الطبيعة، ولكن هناك إضافات وهناك حذف لتحلالشخصية الروائية مكان الشخصية الطبيعية، وعلى الجانب الآخر هناك أحداث وقعت فعلاوذكرتها، مما يحيل بعض جوانب هذا العمل إلى الذاكرة التاريخية، أو إلى التأريخلبعض الاحداث مثل أحداث 18 و19 يناير 1977 وأحداث 25 يناير 2011. وعموما إذا خشينامن الحرج فإننا لن نكتب شيئا على الإطلاق، ولن نستطيع أن نغامر روائيا أو أدبيا،وما يهمني في جميع الأحوال هو سريان المنطق الروائي أو الروح الروائية أو السرديةفي العمل بطريقة مشوقة تجذب القاريء لمواصلة القراءة دون توقف، حيث التشويق يعد منأهم نجاح العمل سواء كان أدبيا أو دراميا.
هل كل ما حدث للصحفي يوسف عبدالعزيز (الشخصية المحوريةبالراوية) هو ما حدث بالفعل مع أحمد فضل شبلول، وواجهه في حياته ومسيرته المهنية؟
ليس كل ما حدث ليوسف عبدالعزيز هو ما حدث لي بطبيعة الحال، فأنا لستمؤرخا أو كاتب مذكرات ويوميات، وكما قلت سابقا هناك أحداث حقيقية وهناك أحداثوشخصيات متخيلة، وأستطيع أن أقول إن الرواية تتقاسمها الأحداث الحقيقة والمتخيلةبنسبة 50% لكل منهما. كان يهمني أن أضفي السحر الروائي على الأحداث الحقيقية، حتىلا يشعر القارئ بالملل من السيرذاتي، أو يدخل في منطقة لا تجذبه، وأعتقد أنني نجحت في هذا التضفير الذي توقف عنده بعضالنقاد يتساءلون: هل نحن أمام سيرة ذاتية للكاتب، أم أمام رواية عادية، وقد تحمسناقد مغربي هو د. مصطفى شميعة لهذا الأمر وسوف يجمع كل ما كتب عن الرواية – وهوكثير والحمد لله – في كتاب يحمل عنوان "رئيس التحرير .. سيرة الرواية و روايةالسيرة" محاولا فض الاشتباك بين الاثنين، كما أن عددا كبيرا من المقالات التيكتبت عن الرواية حملت عنوان "رئيس التحرير بين الرواية والسيرة الذاتية"،و"رئيس التحرير بين الواقع والمتخيل" و"رئيس التحرير والسيرةالذاتية المواربة".
ولكن الذي جذبني في بعض الدراسات عن الرواية تناولها للأساليب السرديةالتي قامت عليها الرواية، والأساليب اللغوية، والتحليق بعيدا عن كونها سيرة ذاتية،لدرجة أن إحدى الدراسات ذكرت أن الكاتب خصص خمسة فصول لمنى فارس المصرية، وخمسةفصول للجوهرة إبراهيم الخليجية، لأنهما شخصيتان لروح واحدة، ولم أكن أعرف أن نسبةالفصول متعادلة بين الشخصيتين متعادلة إلا عندما قرأت تلك الدراسة.
الروائي الأردني "صبحي فحماوي" كتب أنه كانيتمنى لو أنك لم تكتب تحت العنوان جملة "أهواء السيرة الذاتية"، فهل لناأن نعرف منك .. ماذا تقصد بها، ولماذا لم تكتف بالقول "سيرة ذاتية" فحسب؟
الرواية بالفعل تخضع للأهواء التي قسمتها الناقدة المغربية فاطمةالزهراء شهير إلى ثلاثة أنواع من الأهواء: أهواء عاطفية وأهواء فكرية وأهواءجسدية. وعندما قرأ بعض الأصدقاء المقربين مخطوط الرواية قبل الطباعة، رأوا في يوسفعبدالعزيز شخصيتي فقالوا إنني أكتب جزءا من سيرتي الذاتية، واقترحوا إضافة سيرةذاتية للعنوان، ولأن بها فعلا جزءا من هذا بالإضافة إلى المتخيل "أضفت كلمات:أهواء السيرة الذاتية". ومن حقالكاتب الصديق الروائي الأردني صبحي فحماوي أن يرى عدم إضافة تلك الكلمات للعنوانالرئيسي، لأنه رآها عملا فنيا أو أدبيا محضا. ولكن الأصدقاء الذي يعرفونني منذسنوات طويلة رأوا فيها جزءا من السيرة الذاتية، وعلى هذا تخضع "رئيسالتحرير" لرؤية قارئها أو لتأويل قارئها وثقافته ومدى اقترابه أو ابتعاده عنشخصية الكاتب نفسه. الأصدقاء النقاد في المغرب الذين تناولوا العمل لم يعرفونيشخصيا، ولهذا جاءت قراءتهم مختلفة تماما عما يعرفونني في الإسكندرية على سبيلالمثال. وأحد الذين قرأوها ولأنه يعرفني معرفة شخصية ولكن منذ سنوات قريبة، ذكرانها سيرة ذاتية محضة ولا يوجد فيها متخيل روائي، ولأنها سيرة ذاتية فليس بها صراعدرامي روائي. وأعتقد أن الشخصيات قدمت بتسطيح ما لأنني لا أقصد الدرامية وراءالعمل، وإنما أقصد تقديم سيرة ذاتية فقط.
وهكذا ستجد التأويل مختلفا في كل قراءة، وأعتقد أن هذا في صالح العملتماما. وفي العموم فأنا أكون سعيدا عندما يذكر لي أحد القراء أنها أمسك الروايةولم يقم من جلسته إلا بعد الانتهاء منها، حيث شده العمل وأجل أي شيء آخر حتى ينتهىمنه. هكذا ذكر لي الشاعر الكبير أحمد سويلم بعد قراءتها، وهو ما أكده أيضا الناقدد. احمد صبرة الذي قرأها في القطار بين القاهرة والإسكندرية ولم يشعر أن القطاردخل الإسكندرية إلا عندما نبهه أحد الركاب.
الكاتب "حسام عبدالقادر" كتب في إطارإستعراضه للرواية: "لا أعرف لماذا دار بذهني أن المؤلف قام بتقييد قلمه ـبحكم اخلاقه وشخصيته ـ وأخفى كثيراً من الاسرار والكواليس" ، فهل حقاً اخفيتأسراراً وكواليس من معبد صاحبة الجلالة؟
نعم أخفيت بعض الأسرار، ولكن لأن صديقي حسام عبدالقادر يعمل أيضاصحفيا في بلاط صاحبة الجلالة، ومستشارا إعلاميا لمكتبة الإسكندرية فربما يدركأمورا لم أدركها أنا، فلكل تجربته الخاصة، أنا تحدثت عما أعرفه، وبالفعل قيدت قلميأحيانا لصالح بلاغة الحذف والكثافة، وكانت هناك إشارات وعلامات في بعض المواقف لايصلح معها الإفصاح والثرثرة، وأحد القراء ذكر أن الرواية نجت من الثرثرة التي لالزوم لها أو التي أصبحت سمة ممجوجة في بعض الأعمال الروائية الأخرى. وتعمدتُ فعلاعدم الإطالة في بعض الأحيان مكتفيا بذكاء القارئ وخبرته، ومعتمدا على التكثيفوالتلميح. وأعتقد أن لا أحد يكتب الآن بطريقة ثلاثية نجيب محفوظ في طريقة الوصفالدقيق والسرد الطويل الذي قد يصل على حد الملل أحيانا، فالكلام عن انتفاضة 18 و19يناير على سبيل المثال يكفيني فيه الإشارة الى بعض المواقف لأنني لا أهدف الىالتأريخ لتلك الانتفاضة، وانما أشير فقط إلى كيفية تعامل السارد معها من منظورمعين بما يتلاءم مع حياة الكاتب الصحفي في مطلع حياته، وماذا سيكتب عن الأحداث لوهو رئيس تحرير صحيفة حكومية، وماذا سيكتب لو هو رئيس تحرير صحيفة معارضة. فالساردهنا ليس جبرتيا (نسبة الى الجبرتي) يؤرخ للأحداث، وإنما هو يأخذ منها ما يخدمالعالم الروائي الذي يشيده. أضف الى ذلك أنني قمت بحذف وثائق صحفية كثيرة كنت قدأعددتها للنشر في فصول الرواية، حتى لا تبطئ السرد أو يتحول الجزء الوثائقي إلىعبء فني يبعد الرواية عن عالمها الأساسي، رغم أنني أوردت بعضا منها، ولكن ليس علىطريقة صنع الله إبراهيم في "بيروت .. بيروت" أو "ذات" أوإبراهيم عبدالمجيد في "لا أحد ينام في الإسكندرية"، وغيرها. وأؤكد أن الرواية ليس هدفها تقديم الفضائح أوالإثارة، ولا حتى الصراع الدرامي بين شخصيات متقاتلة، ولا دفعا اجتماعيا يشوهالآخرين، ولا تصوير الواقع المشوه، ويكفي صراع الأفكار أو تقديم الأهواء الفكريةلدى الشخصيات الرئيسية، لنعرف كيف يفكر الآخرون وكيف يتعاملون وسط بيئة إعلامية لايعرف عنها الآخرون الكثير. وكما قلت أنا اكتب عما أعرفه، وقد يعرف آخرون أشياءأكثر مني في مجال معين، وليس المطلوب مني أن أقدم وجهة نظرهم هم. أنا اقدم وجهةنظري ورؤيتي للشخصيات والأماكن والأزمنة والأحداث، وكيف يتفاعل كل هذا مع بعضهالبعض لتقديم وجبة أدبية دسمة. وأتذكر إجابة نجيب محفوظ عندما سئل عن لماذا لايكتب عن الريف مثلما كتب عن المدينة وغاص فيها، فقال: إنني لا أعرف الريف فكيفأكتب عنه. لقد تفاعل محفوظ مع العالم الذي يعرفه، وليس المطلوب منه أن يكتب عنواقع آخر لم يعش فيه، ولم يتفاعل معه.
قلت عن "رئيس التحرير" إنها ستكون مقدمةلروايات مستقبلية، فهل هذا إيذاناً بهجرانك للشعر؟ وهل حقاً بتنا نعيش في عصرالرواية وموت الشعر؟
لم أهجر الشعر أبدا، وأعد حاليا لديوان جديد بعنوان "هوامش علىدفتر العفل" انتهيت من كتابة تسع قصائد فيه، وصدر لي منذ أسابيع قليلة ديوان"اختبئي في صدري" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. وكان يوسف عبدالعزيزفي "رئيس التحرير" شاعرا مما أتاح لي إيراد بعض الجمل الشعرية فيالرواية، وتقديم شعر على لسان الجوهرة إبراهيم. ولكون الرواية تُركت نهايتهامفتوحة، فربما يتيح لي هذا تقديم جزء ثان لها، إذا عاد يوسف عبدالعزيز للعمل مرةأخرى في مجلته الخليجية، بعد أن حصل على اجازة لتهدئة الصراع بينه وبين رئيسالتحرير إثر خلاف شب بينهما بعد اندلاع ثورة 25 يناير 2011.
وأعتقد أن الشعر لن يموت أبدا مادام هناك الإنسان الذي يشعر ويحسويتعاطف مع الجمال والحب والخير، قد يتوارى قليلا لصالح أشكال أدبية أخرى، ولكنهلن يموت، ولكن أصدقك القول إن الرواية الآن هي ديوان الحياة، وهي الحاضن الأكبرلكل الأشكال الأدبية الأخرى، وقد جربت هذا في "رئيس التحرير" التي استوعبتالشعر والفن التشكيلي حيث تحليل لبعض الأعمال الفنية العالمية (مثل لوحة ليليثولوحة الموناليزا ولوحة الحمام التركي)، والرقص (مثل رقصة التنورة) والفنالسينمائي (حيث صعدت منى فارس للنجومية السينمائية). إلى جانب التقنيات الصحفيةنفسها من مقال صحفي وتقرير صحفي وحوار صحفي واستطلاع صحفي. وأنا أعتقد أن الرواية صناعة ثقيلة، تحتاجإلى خبرة ودربة وقراءة في كل الاتجاهات، وتفاعل مع الواقع والمجتمع والناس وتشابكمع اللغة والفن، وأحيانا أجد بعض الشباب الذين لم يمتلكوا أدواتهم بعد ولا يملكونرصيدا حياتيا أو رصيدا ثقافيا يدخلون هذا العالم، ويأخذني العجب عندما أرى أنأحدهم أو الناشر الذي ينشر له يكتب على غلاف الكتاب: الطبعة 35 أو الطبعة 40.
يقولون إنك نموذج للنجاح بعيداً عن أضواء العاصمة، فهلتتفق مع ذلك؟ وهل الدولة مقصرة في إلقاء الضوء علي أدباء الاقاليم ومن هم خارج القاهرة؟
أشكر من يقولون هذا، وفي الحقيقة أنا لم أضع نفسي في هذا المأزق أنأكون بالعاصمة أو لا أكون، لم يشغلني هذا أبدا، ولي صداقات كثيرة مع معظم أدباءومبدعي العاصمة، وكانت تربطني بالشاعر الكبير والإعلامي القدير الراحل فاروق شوشةعلاقة متينة، وبعد رحيله وضعت عنه كتابا بعنوان "في صحبة فاروق شوشة"ألقيت فيه الضوء على تلك العلاقة الخاصة.ومع ذلك لم أسلم من بعض الألاعيب الثقافيةالصغيرة التي ذكرتها جانبا منها في الفصل الأول من "رئيس التحرير"،ولكنها ألاعيب لم تؤثر على عمق صداقتي بأدباء القاهرة، وقد شققت طريقي من خلالمجلات القاهرة وصحفها وأيضا من خلال المجلات الثقافية بالدول العربية وخاصة فيتونس والكويت والسعودية والأردن وسوريا وعُمان والإمارات وغيرها.ولكن بصفة عامةنجد في خارج القاهرة أدباء كبارا ضاعت أصواتهم أو لم تصل أصواتهم بعدم تواصلهم معالصحف والمجلات والمنتديات الثقافية القاهرية، ولا أعتقد أن نصا أدبيا جيدا سيرفضهأي رئيس تحرير مسئول عن مطبوعة أدبية أو ثقافية، النص الجيد فعلا يفرض نفسه.
وفي الوقت نفسه نجد أدباء وكتابا يعيشون في القاهرة ولا يستطيعونالنشر في مجلاتها وصحفها. فمكان الإقامة ليس هو المحك الآن، ولكن النص الجيد هوالمحك، خاصة بعد ظهور عالم النشر الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي. وأعترفاننا كنا نعيش أزمة نشر في السبعينيات من القرن الماضي مما دعا إلى ظهور عالمالطباعة بالماستر التي أسهمت في تفكيك تلك الأزمة لحد بعيد. وعندما ظهرت مجلةإبداع برئاسة الناقد الكبير الراحل عبدالقادر القط، أسهمت في إلقاء الضوء على عددكبير من مبدعي مصر خارج العاصمة، وكنت أنا واحدا من هؤلاء، لدرجة أن الكاتب الكبيرسامي خشبة – وكان نائبا لرئيس التحرير، والكاتب القدير عبدالله خيرت مدير تحريرالمجلة، كانا يؤكدان أنني واحد من هيئة التحرير المجلة أو زميلا لهم، لما قدمته منمادة أدبية واستطلاعات صحفية أدبية، أو تحقيقات أدبية، أو مساهمات أخرى. كل هذاوأنا أعيش في الإسكندرية وأتواصل معهم من خلال طابع البريد أو الزيارات الشخصيةلمقر المجلة.
لم تعد القاهرة هي قاطرة الحركة الثقافية العربية، بلتراجع دورها لصالح عواصم عربية اخرى، حتى أن روايتك الاولى صدرت أولاً في العاصمةالاردنية، بوصفك ناقداً .. كيف تفسر ما يحدث؟، وما أسباب هذا التراجع للدورالثقافي المصري؟
ظهرت مراكز ثقافية أخرى في معظم العواصم العربية، ولم تعد القاهرة هيالقاطرة التي تجر الحركة الثقافية العربية، بل نجد حضورا ثقافيا قويا لعواصم أخرىمثل ابوظبي ودبي والشارقة، وكانت الكويت طبعا مركزا ثقافيا مهما من خلال الإصداراتالمهمة عالم المعرفة وعالم الفكر ومجلة العربي وسلسلة المسرح العالمي وغيرها،ناهيك عن الحضور الثقافي المتميز الآن لدول المغرب العربي في المغرب وتونس تحديدا.ومثلما كان مثقفو البلاد العربية قديما كان ينتظرون أن تصل اليهم مجلات الرسالةوالثقافة والمقطم والهلال وغيرها، بتنا ننتظر قدوم مجلات مثل العربي والشارقةالثقافية والبحرين الثقافية ونزوى وغيرها، وأصبح الكتاب والمثقفون المصريونيتطلعون للنشر في مثل هذه المجلات ربما بسبب ارتفاع قدر المكافأة عن أضعافها فيالمجلات المصرية، أو بسبب احترام بعض تلك المجلات للكاتب فتقوم بالرد عليه فوروصول المادة الثقافية المرسلة، وتخطره بالنشر أو عدمه. ثم ترسل له نسخة من المجلةبعد النشر وشيكا أو تحويلا بنكيا على حسابه في البنوك المصرية، وما إلى ذلك. للأسفنحن نفتقد في مصر إلى ذلك. حتى بريد المجلة الإلكتروني قد يكون غير مفعل في كثيرمن الأوقات. وقد حدث أن أرسل أحد الأصدقاء حوارا معي لإحدى المجلات المصرية، علىالبريد الإلكتروني للمجلة واتصل تليفونيا برئيس تحرير تلك المجلة ليخبره، فقال لهسأفتح البريد الإلكتروني للمجلة وأراه، وبعد عدة أسابيع اتصل مرة أخرى، ليذكّررئيس تحرير المجلة، فقال له نسيت افتح بريد المجلة، سأفتحه وارى الحوار واتصل بك،وأخبرني صديقي أنه حتى تلك اللحظة لم يتصل به.
أما عن ظروف نشر روايتي الأولى "رئيس التحرير" في الأردن،فلها قصة، فبعد الانتهاء منها، أرسلتها لدار نشر مصرية خاصة، فجلست شهرين هناك،وعندما اتصلت بهم لمعرفة الرأي حولها، ذكروا أنهم لا ينشرون السير الذاتية، ثمسلمت منها نسخة ورقية لروايات الهلال، وبعد عدة أسابيع قال لي رئيس التحرير إذاكان هناك دار نشر ستنشرها لك على معرض القاهرة الدولي للكتاب القادم فسارع بنشرهالديهم، لأن لدينا طابورا طويلا من الروايات.
المهم أنني كنت مشاركا في ملتقى السرد العربي الخامس بالعاصمةالأردنية عمان خلال شهر نوفمبر 2016، وكانت معي نسخة ورقية من مسودة الرواية،والرواية بها فصل عن البتراء الأردنية، وقدمتها للناشر الأردني (الآن ناشرونوموزعون) وبعد عودتي بأسبوعين تلقيت موافقتهم على نشر الرواية وانها ستصدر علىمعرض القاهرة الدولي للكتاب في يناير 2017. فأبلغت رئيس تحرير روايات الهلال بالأمركي يحذفها من قائمة الانتظار بالسلسلة. وصدرت الرواية بالفعل في طبعة جيدة فيالأردن وعرضت في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وكانت هناك الخدمة الإعلاميةالمتميزة حولها من قبل الناشر، مما أسهم في رواجها وانتشارها عربيا، ونوقشت في أولمناقشة لها في مدينة فاس المغربية من خلال أربعة نقاد قدموا رؤى مختلفة ومتباينةللرواية.وخلال معرض الإسكندرية الدولي للكتاب في مارس 2017 سأل كثيرون عن الرواية،ولكن كان ثمنها مرتفعا بسبب تعويم الجنيه المصري لأنه سُعرت على أساس الدولار،فطلب ناشر مصري من الإسكندرية طباعتها في مصر، ووقع اتفاقية نشر بينه وبين الناشرالأردني بوجود طبعة مصرية تكون بين أيدي القراء بسعر معقول.
تمتلك باعاً طويلاً في الأدب الرقمي والنشر الإليكتروني،لكنك عانيت من السرقات الاليكترونية لأدبك، فهل هذه السرقات غيّرت وجهة نظركلمستقبل النشر الإلكتروني، والانترنت؟
السرقات الأدبية موجودة في كل زمان ومكان، وهناك كتب كثيرة ألفت فيهذا المجال قبل ظهور الإنترنت والنشر الإلكتروني، وسرقة الكتب وتزويرها وتزييفهاموجود من عقود، وكان الناشرون يشكون من دور نشر لبنانية تسطو على الكتب وتصورهاوتبيعها لصالحها دون أن يضعوا حدا لمثل هذه السرقات حتى الآن.
وحدث أنني وجدت أثناء عملي في السعودية أن هناك قصيدة لي نشرت باسمآخر في إحدى الجرائد السعودية وعندما اتصلت بالمحرر أفادني أن القصيدة جاءتهبالبريد باسم فلان، ووجدها جيدة فنشرها ولم يعرف أنني صاحبها بطبيعة الحال، معأنها كانت منشورة باسمي في مطبوعة أخرى.وطبعا تفاقمت الظاهرة مع وجود الإنترنتالذي سهل الأمر كثيرا من خلال خاصيتي كوبي وباست أو النسخ واللصق. وهذه ضريبة أيتطور ولن تغير تلك الظاهرة نظري في مستقبل النشر الإلكتروني الذي وضعت عنها كتابابعنوان "ثورة النشر الإلكتروني". بل أنني أرى أن الإنترنت تساعد على كشفالسرقة بطريقة أسرع من النشر الورقي بطبيعة الحال من خلال محركات البحث.ولكن ليسهذا هو الحل الناجع بطبيعة الحال، لأننا قد نجد مادة مسروقة من كتاب مثلا او منشخص لم يضعها على الإنترنت أو في أحد المواقع. إنها في النهاية أزمة ضمير.
لك رواية ستصدر قريباً بعنوان "الماء العاشق"،هل لك أن تحدثنا عنها قليلاً؟ وهل ثمةأشياء أخرى تخبئها في ادراجك من مخطوطات لم تخرج إلى النور بعد؟
المخطوطات التي أخبئها في ملفات الكمبيوتر، وليست في الإدراج، كثيرةوالحمد لله، وقد انتهيت مؤخرا من مراجعة مخطوط كتاب "محيط وخليح .. عشرونرواية عربية"، وهناك ديوان "هوامش على دفتر العقل"، ومجموعة قصصيةبعنوان "اللات والجميلة حاتيبات"، ومجموعتان شعريتان للأطفال "أحبالحياة" لدى دار الهلال، و"أنا وهَنَا" بالهيئة المصرية العامةللكتاب.أما عن رواية "الماء العاشق" فقد انتهيت منها، غير أنني لم أدفعبها للنشر بعد، حتى أتأمل تجربة نشر "رئيس التحرير" بعد قرار طباعتها فيمصر، ورواية "الماء العاشق" رواية فانتازيا، تختلف تماما عن "رئيسالتحرير" التي أثارت لبسا ونقاشا حول هل هي سيرة ذاتية، أم رواية، مع أن هناكما يسمى "رواية السيرة الذاتية".