القاهرة 06 يونيو 2017 الساعة 10:42 ص
بدأت ككاتبة قصة لماذا اتجهت للرواية؟
في البدء، كان هناك ذلك الجموح والتّوق الشديد للكتابة، الرغبة في التعبير عن دائرة الشعور والأفكار، وعن ذلك التفاعل الوجداني بيني وبين ما حولي، كان هناك ازدحام وصخب وأفكار كثيرة ومتلاحقة وشديدة الاختلاف، لا تسعها رواية واحدة، لا تسعها إلا القصص، بتجدّدها الدائم ومرونتها وقدرتها على استيعاب والتقاط كل تفصيلة على حدة، ولا أستطيع القول بأن (لجوئي) إلى كتابة الرواية أبعدني عن القصة، لأنني مازلتُ على وفائي لها ولديّ مجموعتان قصصيتان لم تنشرا بعد هما بيت اللوز ومجموعة انفلونزا .. ولكن الكاتب لا يجب أن يكتب رواية إلا إذا شعر وتأكّد أنه سوف يُحدِث شيئاً بكتابته، نمطاً مختلفاً، موضوعاً جديداً على القاريء، الوعي بهذا النوع الأدبي المنتهَك الآن..
ما الفرق برأيك بين كتابة القصة والرواية؟
اكتشفت أن الكتابة واحدة في جميع الأحوال، ولكن لدي تشبيه مستوحى من صناعة الخمور، أرى أن القصة تشبه في كتابتها صناعة البيرة، أي خطأ سوف يحوّل الكحول إلى خلّ، تماماً مثل القصة التي قد يُفسد فيها حرف جرّ كل شيء، إضافةً إلى أن أجود البيرة أكثرها طزاجة، فالقصة الملائمة لعصرها نافذة كالنكتة الحلوة، كتابة الرواية تشبه إلى حدٍّ كبير صناعة النبيذ، كلّما تعتّق كلما أصبح أكثر أصالة وروعة، الرواية حرفة وصنعة تحتاج إلى الكثير من الصبر والمهارة والموهبة.
في القصة أستطيع العبور زمنيًّا ملايين السنوات في ثانية واحدة كما فعلت في إحدى قصصي (عقد كهرمان) وذلك عبر أنثى عنكبوت نجت من الطوفان واستقرت فوق جذع شجرة صنوبر، وبينما يستعد لحاء الشجرة الملاصق للحشرة الصغيرة ليفرز سحابة صمغية تحيط بها لتتحول إلى قطعة كهرمان ينهمك القدر في رسم مستقبلها بعد ملايين السنين من يد إلى يد ومن بلدٍ إلى بلد، ينقذها ذكر عنكبوت ناجٍ أيضاً في آخر لحظة في أقل من ثانية ويجذبها من السحابة التي كادت أن تحيط بها وتجمّدها مدى الحياة.
في الرواية يمكنني أن أصير في خفّة الهواء الذي يتخلّل الأشياء والشخوص والأمكنة والأزمنة، السرد الذي لا يجب أن يعترضه شيء. حتى لو أنك كتبت بلسان الطريق والمدحلة والحمامة ورسم جرافيتي على جدار لكي تكتمل الحكاية، كما كان الحال في روايتي الأولى الفيشاوي.
لماذا لجأت إلى الفانتازيا في روايتك الجديدة" الإسكافي الأخضر"؟
-الأفكار لا تُستجدَى، إنها تأتي فحسب، ولكن بلا شكّ أني عاشقة للحِرف والصناعات اليدوية وأقرأ كثيراً في تلك المجالات، وما يؤلمني أن أغلبها قد اختفى تماماً من حياتنا أو في طريقها إلى الانقراض لتحتلّ الآلة مكان الأيدي المدربة الحيّة النابضة بالفنون، الإطار الفانتازي للرواية كان لازماً لاستيعاب الفكرة الخيالية وهو مساحة رحبة للتعبير ، نستطيع القول أنها مادة غنيّة للأحلام والتي زُرعت في أرض تل العقارب بالحكاية فالخيال هنا لا يبتعد عن الواقع وهذا جليّ في الرواية.
ما الخطاب الذي أردت أن توصليه للقارئ من خلال هذه العوالم الفناتازية ؟
-(الجنة للحالمين) ..الكلمة التي يقولها بطل الرواية ..محرّضاً القاريء على الحُلم، مهما قست الحياة، الإسكافي الأخضر محاولة لإعادة بناء انسان أكثر حساسية تجاه العوالم المحيطة به، الاستماع إلى إيقاعات الجمال الداخلية والخارجية والتماهي معها.
لماذا لجأت لحيلة" القمحة التي تنبت في أذن الصغير" لنسج الحكاية ألا ترين أنها تكسر ثوابت منطقية؟
-ربما يستغرب القاريء من الفكرة، ولكن يبدو أن الأمر بالنسبة لي متعلق بعشقٍ خاص لحاسة السمع ، ومنذ الطفولة فلقد كتبتُ في الإهداء:
إلى نجيب محفوظ
كانت المرة الأولى التي أراك فيها..على شاشة تلفاز ?4 بوصة بالأبيض والأسود، انشغلتُ ساعتها بنظّارتِك الداكنة وشامةٍ مميّزة في وجهك بحجم الحمّصة أصابتني بقشعريرة، وبسمّاعةٍ تستقرُ في أذنك اليسرى، حينها أشرتُ بحماسٍ إلى التلفاز وقلتُ لأبي: إنه يرتدي سماعة مثلك! كان أبي يخلُعها أغلب الوقت، هكذا تيسّر لي أن ألهو بها وأحاول اكتشافَ مِن أين تتسرب الأصوات إلى الداخل، ضاعت السمّاعة وبقيت الأصوات في أعماقي وأصداؤها وهذا الخوف المزمن من فقدانها..
والفكرة وإن كانت جديدة على السرد ولكنها موجودة بشكل مختلف في المرضى النفسيين، و فقد يحشو أحدهم أذنيه بأيّ شيء يستطيع إدخاله بأصابعه..القمحة مجرد رمز في الحكاية وعلى القاريء أن يطلق العنان لخياله لكشفه.
ما هو معيار النجاح برأيك ؟ هل هو الأعلى مبيعا؟ الجوائز والمسابقات ؟ أم ماذا؟
-المعيار الوحيد الفائز من وجهة نظري هو الأصالة..تفاعل قاريء واحد على الأقل مع كتابتك، تذكّره لتفصيلة أو كلمة أو جملة واستعادتها في أيام الرخاء والشقاء، وإعادتها على مسامع الأبناء والأحفاد في أزمنة أخرى، ميراث الكتابة عندما يقرأ على أجيالٍ أخرى فيشكّل وجدانهم ويتغلل في أعماقهم ..هكذا يحيا الفن ولا يموت..
اللغة في كتابتك بها الكثير من الشاعرية، فهل هذه الشاعرية تنطبق على رؤيتك للعالم؟
-عين الكاتب هي عين المحب بالضرورة، من المستحيل أن تصير كاتباً إن لم تقع في غرام البشر وحكاياتهم، ولا راقبتهم مثل الطيور وخالطتهم ووعيت ما يريدون وما ينبذون، سوف يمرّ الكاتب بمراحل عديدة عبر رحلة تطوّره، أهمها على الإطلاق عندما يقدر على صياغة القبح والحديث عنه بشكلٍ شاعريّ وجميل!
ما الذي أضافه الإنترنت والميديا الحديثة لكتاب الجيل الجديد؟
-أفسدت بقدر ما أضافت من وجهة نظري، فأصبح الحصول على followers وlikes وshares أهم من الكتابة الجادة لدى الكثيرين، كتابة ستاتس تجلب ألف أعجبني أهم من كتابة فصل في رواية لن يراها القرّاء قبل عدة أشهر أو عدة سنوات..أما الإضافة الحقيقية فتكمن في الحصول على أدق وأهم وآخر المعلومات عن كل شيء وأي شيء، مقارنةً بأسلافنا العظماء الذين بذلوا جهوداً لا تقدّر بثمن من أجل الحصول على نفس المعلومات والكتب من مصادرها وبلغاتٍ متعددة..من المفترض-بحسب المنطق- أن يصنع هذا أجيالاً قادرة على الإبداع وعلى خلق أدب فارق ومتفرّد.
غادة العَبسِي
طبيبة وكاتبة مواليد القاهرة.
حاصلة على ماجيستير المناعة من كلية الطب والجراحة –جامعة عين شمس.
الأعمال السابقة:
-الإسكافي الأخضر (فانتازيا الهمسوالعقارب) –رواية –عن مؤسسة بتّانة للنشر والتوزيع 2017
-الفيشاوي –رواية-عن دار الساقي اللبنانية 2016
-أولاد الحور –مجموعة قصصية-الهيئة العامة لقصور الثقافة 2014
-حشيشة الملاك-مجموعة قصصية-دار إبداع 2013
الجوائز:
- جائزة أخبار الأدب- فرع الرواية- عن مخطوط رواية الإسكافي الأخضر –لعام2016
- جائزة نادي القصة -المركز الأول عن قصة : بيت اللوز -2016
- جائزة دبي الثقافية عن مخطوط رواية الفيشاوي –2015
- جائزة إحسان عبد القدوس عن قصة :وحياة قلبي وأتراحه -2015
- جائزة نازك الملائكة للإبداع النسوي -وزارة الثقافة العراقية عن قصة: مانوليا-2014
-جائزة المسابقة المركزية لهيئة قصور الثقافة –المركز الأول عن المجموعةالقصصية (أولاد الحور) –
2014