القاهرة 20 ابريل 2017 الساعة 11:47 ص
* حين دخلت عالم الصحافة بجريدة الجمهورية. كان سمير فريد هو الحاضر الغائب. أسمع عنه ولا أراه.. كان الزملاء العاملون بقسم الفن في منطقة.. وهو وحده في منطقة أخري.. كان يكتب فقط عن السينما ومهرجاناتها بينما يكتب غيره عن كل ما يخص الفن. ربما فيه حياة الفنانين وأخبارهم. وأخبار المسئولين وتصريحاتهم. وكان الاختيار أمامي واضحا وواسعا وصعبا. خاصة مع وجود نخبة من الكتاب والنقاد الكبار يكتبون في الجريدة عن قضايا الثقافة والفن. ومنهم من ركز علي المسرح أساسا مثل فريدة النقاش واحمد عبدالحميد. وكان التليفزيون يكتسب أهمية متزايدة كل يوم في حياتنا. ولكن بدون انحياز إليه من هؤلاء الكبار. وكنت أفهم ذلك بتكليفي بتغطية أخبار وأحداث أتحاد الأذاعة
والتليفزيون أو مبني "ماسبيرو" الشهير.. لكنني كنت قبل هذا عاشقة للاذاعة. ومحبة للسينما. ولهذا بدأت اتابع جيداً ما يكتبه هذا الزميل الذي لا أراه في الجريدة. ونما بداخلي أنحياز إليه. بعد انضمامي لعضوية "نادي السينما" الشهير الذي ضم يومها كل محبي السينما وتقافتها في القاهرة. والبحث عن الافلام الهامة التي تعرضها المراكز الثقافية الاجنبية التي ازدهرت في السبعينيات. وكنت قد قابلته في هذه الاماكن مرارا. وفي جمعية نقاد السينما المصريين بمقرها الشهير بشارع شريف. ودائماً كان سمير فريد في حالة حوار مع محبي السينما. أو أدارة نقاش حول الافلام. أو أثارة الجدل حول ما تثيره السينما من قضايا. وكان نموذجاً ساطعاً للصحفي والناقد المحب لمهنته والدائر في فلكها مع معرفة متجددة بالجديد فيها.. وبدون تخطيط أو تدبير وجدت نفسي من جديد منحازة إلي منهجه. خاصة بعدما اقتربت منه لفترة قصيرة حين طلب مني تقديم باب عن التليفزيون ضمن جريدة "السينما والفنون" التي أصدرتها دار التحرير ورأس هو تحريرها وكانت أول وآخر جريدة في مصر عن "السينما".. وتوقفت بعد عامين. لكنه هو من أستمر وكذلك كل من ساهم فيها من الكتاب ونقاد السينما الكبار الذين رحل اغلبهم الآن.. كان سمير فريد ملهماً للآخرين بأسلوبه في الاهتمام بعمله. ومفيدا لهم من هذه الزاوية تحديدا. خاصة وهو يقدم لمحبي السينما والثقافة عموماً ملخصاً شاملاً عن أحداث هذا الفن كل أسبوع. وعن الجديد من الأفلام والمخرجين والافكار. وعن جوائز المهرجانات الكبري. ولماذا ذهبت إلي هذه الفيلم أو ذاك. وكان بإمكان الكثيرين من القراء. بل والنقاد أن يطمئنوا إلي معرفتهم بما يحدث في عالم السينما من خلال قراءة ما يكتبه لأنه صنع لهم هذه الثقة ولأنه الاكثر اطلاعاً وتنقلا من أجل السينما.. كانت مسيرته تكفي لاقناعي بأن محاولة الاهتمام والدأب المستمر والقراءة والانغماس الكلي في مشاهدة العمل الفني هي الطريق الواضح لتقديم ما يحترم المشاهد من كلمات ووجهات نظر برغم نصيحة الاستاذ محسن محمد ذات يوم لي وقت أن كان رئيساً لتحرير الجمهورية بأن النقد الفني غير مقروء وبالتالي لا تفكري في المطالبة بمساحة للنقد لأنه كلام مثقفين لا يحبه أغلب القراء لكنني قلت له بأن جمهور القراء ليسوا جميعا كما تظن. ومنهم من يفضل نقد فيلم أو مسرحية من قراءة أخبار الفنانين. لم يقنع ولم يقنعني. فقد كنت أري جمهور نوادي السينما في القاهرة وفي المحافظات داخل قصور وبيوت الثقافة. وكنت أتابع أهتمام مشاهدي التليفزيون ببرامج "نادي السينما" و"السينما والناس" و"تياترو" و"الأمسية الثقافية" و"الباليه" وحفلات الموسيقي العربية وغيرها من برامج التليفزيون المصري التي لاقت إعجاب ومحبة الملايين. وكنت في هذا الوقت قد قطعت خطوات في العمل الصحفي وفي كتابة النقد لأعمال الدراما التليفزيونية الصاعدة الواعدة التي اكتسبت اهتماما متزايدا مع جيل صنع لها وجوداً قوياً في حياتنا فتحولت إلي قلوب ومحبة الملايين والمشاهدين وهو ما وضعها في مقارنة مع أفلام السينما وقدرتها الفائقة علي اختزال الحياة في زمن قصير وهو ما واجهته بشكل شخصي حين كنت أسافر لمناقشة الأفلام مع جمهور نوادي السينما التابعة للثقافة الجماهيرية في المحافظات المصرية وأعود لأري أعمال الدراما المصرية في عز زهوتها وأقرأ لسمير فريد في الجمهورية وجهات نظره في مقالات هامة لها عناوين مضيئة مثل "البطل الإيجابي.. والسينما الإيجابية" عن فيلم "طبيب في الأرياف" و"صائد الدبابات" لخيري بشارة ومقال آخر عن أول فيلم من سلسلة أفلام عن التنمية في الوطن العربي بعنوان "تطوير" ومقال ثالث بعنوان"مهرجان الفقراء" عن توزيع جوائز المهرجان القومي السابع للسينما المصرية ومقالات أخري عديدة لا تفوت مناسبة هامة أو إنتاج جديدة أو مولد مبدع جديد إلا وتقدم له الاستقبال الملائم أصبحت كتابات سمير فريد جسراً بين القارئ وعالم السينما والثقافة أما علاقاته بالزملاء وليس الأصدقاء فهي نموذج رفيع للقيم والفهم العميق لما هو مشترك بين البشر فهو الحاضر دائما بكلمات أو مواقف مؤثرة ولو عن بعد عبر وسائط الاتصال مؤكدا علي المشاركة في الهم الإنساني والدعم في المواقف الصعبة لهذا كانت الفرحة طاغية علي الزملاء والأصدقاء وغيرهم وهو يحصد تقديرات رفيعة من مهرجانات كان وبرلين ودبي. صحيح أنها تقدير لإنجاه المهني الكبير.. ولكن الفرحة بها هي تقدير في حد ذاته لإنجاز إنساني أكبر صنعه باجتهاده واستمراره ومحبته وارتقائه بمهنته.. وداعا سمير فريد.