القاهرة 20 ابريل 2017 الساعة 11:21 ص
من الصعب.. إن لم يكن من المستحيل.. التعرف علي حقيقة الأوضاع التي تعيشها المنطقة..
بدولها.. ومؤسساتها.. وقياداتها.. وتجمعاتها.. وتحالفاتها.. وعصابات صنع الفوضي المسيطرة.
وهذه الحقيقة المؤلمة. والمزعجة.. تترك.. المنطقة..
نهباً.. لادعاءات.. ولجماعات.. ولطموحات وتخيلات.. تأخذها. إلي حيث تريد.. وإلي حيث يتم القضاء من خلال تصوراتها وتحركاتها. إلي الوجهة التي يودون الذهاب إليها.
سواء كان هذا التحرك.. أو هذا التوجه.. من خيال ورؤية. دولة. أو تنظيم. أو تحالف.
هذا الوضع.. في مجمله.. وفيما يريد الذهاب إليه..
لا يصنع في البداية والنهاية.. إلا فوضي شاملة.. هي في الحقيقة. غاية ما يسعون إليه.
فهذه الفوضي المستهدفة.. لا يمكن أن تقيم. أو تصنع رؤية. أو وضعاً يمكن الاعتماد عليه.. أو يمكن من خلاله التوصل لنوع من الرؤية المستقرة.. التي يصح ترجمتها. وصياغتها.. أو حتي تقسيمها. إلي كيانات. قادرة علي التصور.. ثم التحرك علي أساس هذا التصور. في اتجاه مستقبل.. جري تحديد معالمه.. والاتفاق علي أهدافه المباشرة وغير المباشرة.
.. والذي يشكل في واقع الأمر:
الكيان المركزي والمحوري.. الذي تنطلق منه وتخرج من صلبه.. قوي فاعلة. وقادرة.. سواء كانت ممثلة في دول. أو جماعات. أو تحالفات.. تتولي الإدارة والعمل العام.. سواء كانت إدارة دولة.. أو إدارة تحالف.. أو إدارة "الفوضي المنظمة".. التي يشارك في قيامها وصنعها الجميع.
فالأمر الذي لابد من التوقف عنده.. والتأمل في دخائله. والمؤثرات فيه.. أمر غاية في التعقيد.. وغاية في التداخل.
وهو وإن كان يدور. حول منطقة بعينها.. وهي المنطقة التي نعيش فيها.. وفي داخلها.
إلا أن المسألة في تفاصيلها.. وفي أبعادها المختلفة والمتعددة.. لا تدور بين دول وكيانات. متجانسة.. أو جماعات ذات أصول. ومنابع واحدة.
وإنما.. هو صراع متعدد الأطراف.. ومختلف الأهداف.. ومتناقض الرؤي.
هو ليس صراعاً بين دول عربية..
وليس صراعاً بين عرب وغير عرب..
بل هو صراع.. علي المنطقة ذاتها..
غير العرب. مثل تركيا.. تعمل.. وبكل الوسائل والأشكال علي. السيطرة علي كل شيء.. المنطقة كلها.. والقرارات المتحكمة فيها.. والتحالفات التي تؤثر علي مستقبلها.
وهذا التوجه التركي.. أو الهدف التركي.. والذي يسانده ويدعمه الغرب الأوروبي الأمريكي.. لا يسمح بأن يبقي للكيان العربي.. سواء كان هذا الكيان. في حالة تحلل وفوضي وانقسام.. أو في حالة حركة نحو التوحد. والالتئام والعمل المشترك.. هذا التوجه التركي المدعوم من الغرب.. لا يرضي إلا بحالة فوضي مدمرة.. لا تترك لمحاولات التعاون والتآخي. والترابط العربي.. أي فرصة. أو مجال للتوحد.
* * *
الملاحظة المهمة.. ونحن نتأمل صورة المنطقة.. وأوضاع الإقليم. الذي يجري التنازع عليه.
الملاحظ.. أننا لا نجد من بين دول الإقليم. وقواه المتصارعة. والمتنازعة.. "غير مصر".. هي القوة الساعية. بكل عزم.. وبكل إصرار علي الاستقرار.. وعلي البناء.. وعلي مواجهة التحديات.. وعلي وضع الأسس والقواعد الراسخة التي يمكن القيام عليها.. من أجل نهضة حقيقية.. تعمر وتنشئ ما يمكن أن يمثل مستقبلاً زاهراً. وحياة كريمة.. ونشأ علي وعي ومعرفة وعلم بمتطلبات المستقبل واحتياجاته.
فمصر.. لا تعتدي علي أحد..
ومصر.. لا تروج لمفاسد الأفعال والأخلاق. والتصرفات.
ومصر.. تحترم حقوق الغير.. وترعي حقوق الجوار.
ومصر.. تبذل كل الجهد والعمل.. من أجل التعليم. والمعرفة والإنتاج لبناء وقيام دولة حديثة قادرة علي مواجهة كل التحديات.
وربما لهذا كله.. ولغيره كثير.. يجري هذا العمل "المجنون".. والجهود التي لا تتوقف من أجل ضرب مصر.. ومحاصرتها.. وحرمانها من كل ما من شأنه المساهمة والمساعدة. في حل ومواجهة مشاكلها.
فهؤلاء الأعداء الذين يحاربون مصر.. ويتربصون بها.. ويضعون العقبات والمشاكل في طريقها.. يدركون وبكل اليقين أن السيطرة علي المنطقة بكاملها.. وحرمانها من الدخول في عالم العصر الجديد. بكل أبعاده. ووسائله.. مرهون بالسيطرة علي مصر.. ومرهون بزعزعة كيانها.. وسلب مصر كل أسباب. وأدوات الفعل والتقدم.
من هنا.. نفاجأ كل يوم.. بل وكل لحظة.. بالمؤامرات.. وبالحصار الاقتصادي.. وبالضغط والحروب الكبيرة والصغيرة.. بالحروب المباشرة.. وبالحرب بالوكالة.. فالمهم أن تبقي مصر تحت الضغط.. وتحت الحصار.. ونهباً للأزمات والمشاكل.
* * *
ربما كان من المفيد.. أن تتوقف في هذه اللحظات.. أمام هذه "اللعبة الغبية". التي خرج بها علينا مؤخراً.. "رجب الطيب أردوغان".
حيث خرج علينا بمسرحية "هزلية". تحدث فيها. عن إجراء استفتاء شعبي في بلاده.. يغير من خلاله "الدستور".. ويتحدث عن دستور جديد.. تتحول فيه "الدولة التركية".. إلي دولة جديدة.
تتحول من نظام جمهوري.. إلي نظام رئاسي.
نظام يصبح فيه الرئيس أردوغان.. كل شيء.. هو رئيس الدولة.. وهو رئيس الوزراء.
هو الذي يملك الحق في جميع القرارات.. التي تعين الوزراء.. وتعين القُضاة.. وتعين. أو تقيل أي فرد في الدولة التركية.
والمضحك في هذا الاستفتاء "الساخر".. أن أردوغان جاء إلي هذه النتيجة.. أو إلي هذا التوجه.. بعد أن بقي في حكم بلاده ما يقرب من عشرين عاماً. رئيساً للوزراء.
ثم انتقل إلي رئاسة الجمهورية. كما نري.. فإذا بها..:
"جمهورية شديدة الخصوصية"!!.. كل شيء فيها مزيف ومصنوع.. لكنه في نفس الوقت لا يتوقف عن ترديد معسول الكلام. وسخيفه في نفس الوقت.
يتحدث عن الديمقراطية.. وعن حقوق الإنسان.. وعن رأي الشعب من خلال استفتاءاته الفاسدة.
ثم تخرج علينا أكبر دولة في العالم.. "أمريكا". لتعلن مباركتها وتهنئتها. للرئيس الديمقراطي المزيف أردوغان.
وإذا كانت جماعة الدول الأوروبية. قد أبدت عدداً من ملاحظاتها. علي "لعبة أردوغان.. السخيفة. والغبية".. إلا أن الصورة العامة للمشهد.. تكشف:
* أننا نعيش عالماً مزيفاً.. وأن جميع القيم التي أخذت البشرية ترددها.. وتتشدق بها. مئات السنين.. قد اندثرت. وزالت.. ولم يبق منها غير الأكاذيب.. بل الأكثر من هذا.. فالمستقبل القريب. والقريب جداً.. سوف يدفع إلينا. وعلي سطح الأحداث.. الكثير من المكائد.. ومن المصائب التي يعدها الآن.. الرئيس الأمريكي الجديد "ترامب".. ومن معه يعمل في تصنيع هذه الجرائم.
* * *
ومن الشواهد.. أو التوقعات التي تشي. وتنبئ. بالخطير من الأمور.. هو الاحتمالات العنيفة والمفزعة. التي تتوقع انفجارات حرب مفزعة ومرعبة.. في كوريا. وأفغانستان.. والتي تساهم واشنطن في صنعها وتأجيجها.
وإذا كان العالم.. يفتقد اليوم القيادة القادرة. علي الإمساك بزمام الأمور.. والقادرة علي نزع فتائل الحرب لا إشعالها..
فإن القدر وحده.. هو صاحب الأمر فيما يمكن أن تنجرف إليه الأمور.
إما في اتجاه الحرب. والصراع. والقتال..
وإما نحو التهدئة والتعقل..
ويخطئ من يظن أن هناك عقلاً رشيداً. يمكن أن يدفع بنا نحو السلام.
ويخطئ من يظن.. أن بين قادة العالم الكبار.. من هو قادر علي إقناع زملائه بالتمسك بالحكمة والعقل الرشيد.
وليس أمامنا إلا أن نعمل.. وأن نقاوم.. وأن ندعو الله أن يعيد الكبار. الصغار إلي رشدهم.