القاهرة 26 مارس 2017 الساعة 11:07 ص
يواصل عالم المصريات الكندى (دونالد ريدفورد) قراءته وتحليله لتاريخ مصر القديمة، فأصدر أكثرمن كتاب فى هذا الشأن. وفى كتابه (مصر وكنعان وإسرائيل) ترجمة الراحل الجليل بيومى قنديل (المجلس الأعلى للثقافة- عام2004) وتحت عنوان فرعى (الحرب المصرية – الحيثية) كتب (ريد فورد) أنّ الملك (سيتى) نجح فى إجبار البدو على التقهقر، بعد قطعهم الطريق السريع الذى يربط بين مصر وغزة. ولم يجد صعوبة تــُـذكر فى رفع الحصار عن (بيت شان) وحتى عندما أثار ال (عابيرو) سكان المرتفعات الوسطى، المتاعب لمؤخرة الجيش المصرى ، كانت فصيلة مصرية صغيرة كافية لإخماد الفوضى ، وعندئذ تقـدّم المصريون فى اتجاه الشمال كى يستولوا على (ينوعام) قرب منابع نهر الأردن. وهناك تلقى المصريون فروض الطاعة والولاء من كبار رؤساء لبنان الذين أجبروا كعمل من أعمال الامتهان العمدى، على أنْ يقطعوا بأنفسهم الأخشاب اللازمة من غاباتهم لبناء مركب آمون. وقبل أنْ يقفل الجيش عائـدًا إلى الوطن نصب عددًا من (الصواديد/ الألواح) فى كل من (با – شان) و(صور) (ص265)
وكان رمسيس الثانى (ابن سيتى) وخليفته قد حظى بإعداد مسبق لأداء مهام المنصب ، فقد شمل التدريب الذى تلقاه – فى ظل الحفاظ على تقاليد العائلة المالكة – تدريبـًـا عسكريـًـا منذ صباه ، وبصفته قائد قوات (الصاعقة) والعجلات الحربية. وكان يـُـقـدّم لوالده التقارير المنتظمة. وعندما صعد إلى العرش كان قد اكتسب بالفعل مظهر الشخص الجسور.
وعن معركة (قادش) كما وردتْ فى السجلات المصرية ، فإنّ رمسيس الثانى (عندما علم بتحركات الحيثيين) عبـَـرَ على رأس قواته وشقّ طريقه على وجه السرعة صاعدًا مع الساحل. وعند اقترابه من (قادش) بعد نحو شهر من مغادرته مصر، عسكر مع جيشه عند معبر ضحل على الضفة الشرقية ، على بعد 14 كيلو مترًا بالكاد جنوبىْ المدينة. وبينما كان رمسيس يتداول مع قادة الجيش ، أحضر الحراس إليه اثنيْن من البدو، بعد أنْ عثروا عليهما يتربصان بطريقة مريبة قرب المعسكر. وأثناء الاستجواب ادعيا نهما هاربان من الحيثيين. وأضافا أنّ القوات الحيثية لاتزال عند (حلب) وأنهم عازفون عن التحرك جنوبـًـا خوفــًـا من رمسيس. وهنا قرّر رمسيس الزحف بأسرع ما يستطيع على قادش ، حتى يـُـحاصر المدينة قبل أنْ يصل (موواتالليس) قائد الحيثيين ، الذى زرع هذيْن البدوييْن وهما مُـزودان بمعلومات زائفة ، فى الوقت الذى كان يعسكر مع جيشه على الضفة الشرقية لنهر العاصى خلف المدينة. وعندما عبر رمسيس النهر، وأسرع فى اتجاه الشمال كى ينصب خيمته على الضلع الشمالى ل (قادش) كان جيشه قد تأخر عنه بمسافة كبيرة ، إلاّ أنه كان يتبعه فى أربع فرق ، تسير الواحدة إثر الأخرى على امتداد خط الزحف ، وفجأة وقع الجيش المصرى فى كمين ، شاركتْ فيه كل فرق العجلات الحربية الحيثية. وكان أنْ سقط عدد كبير من إحدى الفرق المصرية. وفرّتْ فلولها رأسـًـا نحو الموضع الذى كان رمسيس وقواته الخاصة لايزالون ينصبون فيه معسكرهم. وبعد أنْ علم رمسيس بالكمين (من أحد الرسل) وبالتوزيع الحقيقى للقوات الحيثية (من الجواسيس الذين وقعوا فى قبضة الحراس المصريين) لم يجد رمسيس الوقت الكافى كى يطلب عقد اجتماع لمجلس الحرب المصرى ، قبل أنْ تــُـطوق معسكره العجلات الحربية للعدو، الذى يجد فى أثره. وإذا كان رمسيس مدانــًـا فيما مضى بالتراخى وعدم توخى الحذر، إلاّ أنه كشف فى هذه اللحظات عن نوع المعدن الذى قــُـدّ منه الرجل ، فحشد ما تصادف أنْ عثر عليه من عجلات حربية فى متناول يده ، وأخذ يقود الهجوم إثر الهجوم فى قلب حشود العدو، قاذفــًـا البعض على على شاطىء نهر العاصى والبعض الآخر فى مياه النهر ذاته ، حتى تمكــّـنتْ فرقة من فرق الجيش المصرى ، الذى كان لايزال فى طريق الزحف ، من الوصول كى تتحمل معه وطأة القتال (ص269، 270)
وطرح (ريد فورد) سؤالا مهما : هل استأنف الجانبان (المصرى والحيثى) القتال ؟ وأجاب بأنّ هذه النقطة لاتزال محل جدل بين علماء المصريات ، ولكن المعركة كانت قد انتهتْ ، وغدتْ آثارها أعمق من أنْ تــُـمحى ، وفى المدى القصير اضطر رمسيس إلى الانسحاب والتسليم بخسران قادش.. وضرب الذهول رؤساء المدن الكنعانية لما حسبوه ضعفــًـا فطريـًـا فى قوات المصريين.. (وبناء على ذلك) شقــّـتْ كنعان بأسرها عصا الطاعة عقب انسحاب المصريين.. ولكن إذا تعيـّـن إلقاء المسئولية على رمسيس ، فلابد أنْ لانهمل الاعتراف بفضله باستعادة ما فقده ، فلقد عاد بإصرار إلى معمعان القتال بثلاث سنوات ، وأبدى عزيمة وجلدًا عظيميْن فى جهوده فى سبيل استعادة فلسطين. وفى السنة الثامنة من حكمه شنــّـتْ مصر هجومًـا شاملا ضد المتمردين فى فلسطين ، سقطتْ فيه المدن الفلسطينية ، مدينة بعد الأخرى ، وهى المدن التى تحمل أسماء (توراتية) معروفة، وعلى وجه التحديد فى (الجليل) أمام الهجوم المصرى.. وفى نهاية سؤاله طرح سؤالا جديدًا : فإذا كانت المدن الحيثية أصبحتْ فى أيدى الجيش المصرى ، فهل يحق لنا أنْ نستنتج أنّ المقاومة الحيثية قد انهارتْ ؟ (ص271، 272)
وعن معاهدة السلام بين الحيثيين ومصر، كان من نتيجتها أنْ استبشر الجانبان بمستقبل العلاقات الودية والحدود المفتوحة. كما أنّ التصريح الذى أوردته ملكة مصر (نفرتارى) فى خطاب أرسلته إلى نظيرتها (بيتوهيبا) ملكة (خاتى) يحمل بأسلوب رشيق بشائر النشوة التى استشعرها الجانبان.. وجاء فى الخطاب ((لسوف يعزز (رع) وإله الطقس عند الحيثيين هذه المعاهدة. ولسوف يجعل (رع) هذا السلام مفعمًـا بالرخاء ، ويجعلنا أخوة رائعة بين ملك مصر العظيم وملك (خاتى) العظيم)) وكان تعقيب (ريد فورد) لم تتعرّض المعاهدة لأى انتهاك ، وامتدتْ لمدة ثمانين سنة ، شهدتْ الرخاء على الجانبيْن ، أمام أعظم امبراطوريتيْن عرفهما العالم القديم (ص276)