القاهرة 23 فبراير 2017 الساعة 01:59 م
مرت الذكري الاولي لوفاة الأستاذ محمد حسنين هيكل بهدوء..ولم يحتف بها بشكل سخي الا جريدة الاهرام التي انطلق منها وبها ليصنع تاريخا ضخما..جعلت تلاميذه يطلقون عليه: اسطورة صحفية مصرية.. حيث عاش حياته مخلصا لقلمه ومبدعا بأفكار سبقت عصره.. وتقدم للجيل الجديد قواعد للنجاح في الحياة وفي مهنة البحث عن المتاعب..في الذكري الاولي التي كانت يوم 17فبراير كتب تلاميذه وزملاؤه ذكريات لاتنسي عنه.. وهو مايمكن اجماله في 4 دروس.
أولا: الامانة
الصحافة رسالة.. والكتابة بحث ومعلومات وتعمق ودراسة وأمانة..هذا أهم ماتعلمه الكاتب الكبيرصلاح منتصر من هيكل الذي تعلم ايضا تقديسه حياة الزوجية . وملبسه الأنيق .وربطات عنقه قبل وفاة ناصر. والأحذية بدون رباط . واعتداده بكرامته . واحترامه مهنته . وعدم لوم زميل أمام زميل آخر. واستخلاص أفضل مالدي الآخرين.. فلم يحدث في تاريخ المهنة أن امتلك رجل ما امتلكه هيكل من اتصالات وقراءات في مختلف التنوعات..وترتيب في حياته يخضع لبرنامج قاس يلتزم به مهما كانت الظروف.. وتعليم لذاته لا يتوقف.. وهو يعتبره أستاذه علي المستوي الخاص وأستاذ ثلاثة أجيال من المشتغلين بالصحافة والكتابة..
ثانيا: المعلومات
كتاباته مصدر ومرجع لا يمكن الاستغناء عنه لمن يريد أن يكتب تاريخ مصر المعاصرة -هذا هو رأي الدكتورعاصم الدسوقي.. الذي يري أن شهرة هيكل في عالم الصحافة والسياسة جاءت من أهمية المعلومات التي ترد في مقالاته وحواراته بكل ما تحمله من خطورة وحساسية حسب مقتضي الحال. وهي معلومات استمدها من طبيعة عمله بالصحافة ابتداء من مطلع عام 1942 من الاجيبشيان جازيت إلي الأهرام مرورا بالأخبار وآخر ساعة..
لماذا اتخذ هيكل الأسلوب الوصفي البارع المتقن دقيق الملامح في كل ما يكتبه..؟. يجيب هيكل علي هذا السؤال بقوله: إن أول رئيس تحرير عمل معه هارولد إيرل رئيس تحرير الاجيبشيان جازيت. نصحه ومن معه عند التحاقه للتدريب في جريدته بألا يفكر في إرسال مواد إخبارية عاجلة لصحيفته لأن وكالات الأنباء سوف تسبقه.. وأن ما يمكن التفوق فيه علي الغير يأتي من التركيز علي خلفية الوقائع والحوادث ¢راسما باللون والظل وبالصوت والهمس صورا حية للأجواء والظروف والملابسات.
ثالثا: المناصب لاتصنعنا
الدرس الأهم تعلمته حين ذهبت إليه في مكتبه يوم خروجه من الأهرام وهو يجمع أوراقه وفي عينيه دمعة جامدة يومها أدركت أن المناصب لا تصنعنا وأن هيكل الكاتب هو الأبقي وان من أعطاني المنصب يمكن أن يسلبه مني في يوم من الأيام.. هكذا قال عنه الشاعر الكبير فاروق جويدة..ولو لم يكن كاتبا سياسيا كبيرا لكان روائيا من طراز رفيع
نقل جويدة عن زوجة هيكل قولها: هناك أوراق كثيرة ووثائق سوف نراجع ما فيها ونقدم للدولة ما يخصها, وقد اخبرني اخيرا د.احمد هيكل بأنه سيشكل لجنة من الباحثين والكتاب وأصدقاء الأستاذ للتعامل مع هذه الوثائق في الفترة القادمة ووضعها في مكانها الصحيح.
رابعا: رحم الله الصحافة
يري الكاتب اللبناني الكبير طلال سلمان مؤسس جريدة السفير أن هيكل اختار الغياب مع انتهاء عصر الصحافة.. كما عرفناها في زمنه. وكما لن يعرفها الآتون بعده وبعدنا.. فلقد انتهي عصر الكلمة المثقلة بالأفكار. شارحة الأخبار والأحداث بدلالاتها الفعلية التي يقبلها العقل والمنطق. وتفتح باب الاستنتاج المستند إلي التحليل البعيد عن الهوي
رحم الله هيكل... والصحافة العربية.