القاهرة 23 فبراير 2017 الساعة 12:20 م
بدأ الحديث حول السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل ينشط ما بين العواصم العربية وواشنطن بعد تولي "دونالد ترامب" الرئاسة الأمريكية. والزيارتين المنفردتين اللتين قام بهما ــ كل علي حدة ــ العاهل الأردني الملك عبدالله. ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للعاصمة الأمريكية. ومباحثات كل منهما مع الإدارة الأمريكية الجديدة. فضلاً عن اتصالات أمريكية مع عواصم عربية أخري.
المشهد ليس جديداً.. انه أحد الطقوس العربية الإسرائيلية التقليدية التي تتم بصفة دورية مع تولي كل إدارة أمريكية جديدة.
المشهد يبدأ في كل مرة بالحج إلي البيت الأبيض. سواء من زعماء عرب أو من قيادة إسرائيل. وأحاديث تنشط عن مبادرات للسلام. وعن بدء أو استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وعن مباديء ومرجعيات وشروط من هنا وهناك. وتدخلات من أوروبا وروسيا وغيرهما. ثم ما يلبث ذلك أن ينتهي إلي لا شيء.
تتوقف العجلة عن الدوران في لحظة ما بفعل فاعل. وينفض الجميع أيديهم من القضية باحساس حقيقي أو مزعوم بأنهم أدوا ما عليهم. وأن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ليست لديهما الإرادة السياسية الكافية للمضي في طريق السلام.
وتتخذ إسرائيل من هذه النهاية. في كل مرة. ذريعة للاستمرار في التوسع الاستيطاني لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة. وحتي لا يتبقي منها في النهاية ما يمكن التفاوض حوله. أو إقامة دولة حقيقية عليه.
الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما كانت له نفس البداية.. تحمس مع توليه الرئاسة في 20 يناير 2009 للقيام بعمل ما لتحريك قضية السلام في الشرق الأوسط. وبذل جهداً. ونجح في جمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في لقاء مباشر بالبيت الأبيض. وتم التقاط صور له معهما. وحصل علي جائزة نوبل للسلام مقدماً علي مجرد وعود بالتوصل إلي تسوية سلمية بين الفلسطينيين وإسرائيل. وبإغلاق معتقل جوانتانامو وهي وعود لم ينجح علي مدي ثماني سنوات قضاها في البيت الأبيض في تحقيقها.
بل علي العكس. كانت إدارة أوباما. بتساهلها مع إسرائيل علي مدي تلك السنوات. هي المظلة أو الدرع الواقية الذي سمح لإسرائيل بالاستمرار في توسعها. وفي عرقلة كل مبادرة أو جهد من أجل السلام. وحماها من التعرض لأي عقوبة من المجتمع الدولي. حتي ولو في حدها الأدني باللوم أو التوبيخ.
ولذلك كان مجرد امتناع الولايات المتحدة عن التصويت علي قرار مجلس الأمن الذي يطلب من إسرائيل وقف عملياتها الاستيطانية بمثابة "صدمة" بالنسبة لإسرائيل. رغم أن الرئيس أوباما لم يفعل ذلك إلا بعد أن وقع قراراً يمنح إسرائيل أكبر مبلغ مساعدات مجمع في تاريخ علاقات البلدين وهو 35 مليار دولار علي مدي عشر سنوات قادمة.
وقبل أن يغادر أوباما البيت الأبيض. ترك وزير خارجيته جون كيري يلقي للفلسطينيين والعرب بمبادرة سلام في الوقت الضائع. ربما في اعتذار عن أن سنوات إدارة أوباما كانت كلها وقتاً ضائعاً بالنسبة لنا.
من هنا يثور سؤال:
هل تكرار المشهد. مع اختلاف الإدارة الجديدة في الفكر والمنهج عن إدارة أوباما السابقة يمكن أن يؤدي إلي نتيجة مختلفة؟!
رأيي الشخصي. أننا لا يجب أن نعول كثيراً علي هذا الاحتمال. أو ننتظر نتائج مختلفة علي المدي البعيد. مهما حاول الرئيس الأمريكي "ترامب" أن يروج لنفسه بأن لديه مبادرات وتصورات مبتكرة. وأنها لن تقتصر علي الفلسطينيين وإسرائيل وحدهما بل ستغير خريطة الشرق الأوسط كله. وستشمل دولاً عديدة أخري فيه.
هذا نوع من الدعاية السياسية لا أظن أن ترامب أو غيره قادر عليه.
لقد ثبت من التجارب السابقة. أن إسرائيل وليس الولايات المتحدة. هي العنصر الحاكم في تعطيل أو تسهيل أي جهد أو مبادرات تبذل في سبيل تحقيق السلام.
إنها تضع الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها في هذا المجال. وغالباً ما تلتزم أي إدارة أمريكية في النهاية بهذه الخطوط. وتلقي بمسئولية توقف الجهود علي الطرف أو الأطراف الأخري.
والرئيس الأمريكي الجديد "ترامب" لن يضغط علي إسرائيل لتقديم أي تنازلات جوهرية.. فلا هو مستعد لذلك. ولا وضعه الملتبس حتي داخل بلاده يعطيه القوة لفعله. ولا إسرائيل نفسها ــ إن حاول ذلك ــ ستقبله.
وما يبدو في ظاهر المشهد حتي الآن. أن ترامب سيضغط علي الفلسطينيين والعرب. وأنه يجمع الآن أكبر قدر من الأوراق أو "الكروت" للمقايضة عليها بمنطق الصفقات الذي تربي عليه.
1 ــ وعده بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلي القدس.. ورقة.
2 ــ إعلانه أن حل الدولتين لن يكون خياره الوحيد. بل لديه بدائل وخيارات أخري.. ورقة.
3 ــ إدراج جماعة الإخوان في قائمة الجماعات الإرهابية بالنسبة للولايات المتحدة.. ورقة.
4 ــ اقترح إنشاء قوة عربية مشتركة أو حلف عسكري عربي بقيادة مصر.. ضد إيران.. ورقة.
كل ورقة من هذه الأوراق. سيساوم بها "ترامب". وسيطلب ثمناً مقابل التراجع عنها أو تنفيذها.
وعلي الجانب الإسرائيلي. يضيف رئيس الوزراء الإسرائيلي شروطاً جديدة لأي تسوية سلمية للقضية الفلسطينية. مثل اشتراط الفلسطينيين والدول العربية بالاعتراف بإسرائيل "دولة يهودية". و"ترامب" يؤيده في ذلك.. ومثل شرطه الأخير بسيطرة إسرائيل علي غرب نهر الأردن في أي تسوية قادمة.
ومحاولة "ترامب" إدماج التسوية الفلسطينية الإسرائيلية ضمن عملية شاملة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط. هي عودة لفكرة الشرق الأوسط الجديد التي طرحت في ظل إدارة الرئيس السابق أوباما. وكانت أحد أهداف ما سمي بالربيع العربي. ولكن هذه المرة بأسلوب مختلف.
ولعل أخطر ما في هذه المحاولة. هو فكرة إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة. أو حلف عسكري عربي علي غرار حلف الأطلنطي "الناتو" بقيادة مصر ومشاركة السعودية والإمارات. لمواجهة إيران.
ومصدر الخطورة هنا. هو الالتفاف علي المشروع المصري الذي سبق أن أقرته القمة المصرية عام 2015 بإنشاء القوة العسكرية العربية المشتركة. والذي لم يتضمن تحديد "عدد" معين تنشأ هذه القوة لمواجهته. وإنما تضمن علي أن هذه القوة هدفها حماية الأمن القومي العربي في مواجهة التهديدات والمخاطر القائمة والمحتملة.
ويبدو أن هذه الصيغة كانت أحد أسباب تجميد المشروع المصري بعد أن قطع العمل فيه شوطاً كبيراً. لأن هذه الصيغة تتسع لمواجهة أي تهديد بما في ذلك التهديد الإسرائيلي.
الفكرة الأمريكية الجديدة. والتي تحدثت عنها صحيفة وول ستريت جورنال" الأمريكية تسعي لتحويل دفة العداء رسمياً من إسرائيل إلي إيران. وتضع مصر والسعودية والإمارات في مواجهة عسكرية مع العدو الجديد. وبمساعدة استخباراتية من إسرائيل والولايات المتحدة.
إنها نفس فكرة توريط الرئيس العراقي صدام حسين في حرب العشر سنوات مع إيران. وعندما انتصر وأصبحت قوته تشكل خطراً محتملاً علي إسرائيل تم توريطه في غزو الكويت لعزله عربياً تماماً. والقضاء عليه نهائياً بعد ذلك بالغزو الأمريكي للعراق. لتدور الدائرة وتصبح العراق اليوم منطقة نفوذ إيرانية. وغير قادرة علي أن تشكل خطراً علي أي أحد وليس علي إسرائيل وحدها.
ربما تكون المسألة مجرد بالونات اختبار. وربما تكون رؤيتي قاصرة وفي حدود ما أعرف. لكن في النهاية لابد من التعامل مع الموقف بحذر كامل. وعدم الرهان المفتوح علي أي طرف بما في ذلك "ترامب" نفسه. وألا نفقد البوصلة الصحيحة أبداً. سواء في تحديد من هو العدو ومن هو الصديق إلي أن يثبت العكس. فقد شبعنا تجارب. وكنا دائما. وللأسف الشديد الطرف الخاسر علي طول الخط.