القاهرة 22 فبراير 2017 الساعة 01:44 م
ونحن أطفال في المرحلة الإبتدائية، ظللنا نهتف أربع سنوات تقريبا ، في طابور الصباح (تحيا الجمهورية العربية المتحدة ) .. وصحيح .. أن الأمم الكبيرة تتذكر لكي تحيا ، لأن النسيان هو الموت أو درجة من درجاته ، في حين أن التذكر يقظة ، والبقظة حالة من عودة الوعي ، قد تكون تمهيدا لفكر ربما يتحول إلى نية فعل ، ثم إلى فعل، إذا استطاع أن يرتب لنفسه موعدا مع أحكام التاريخ والجغرافية، في يوم قريب أو بعيد، بمثل ما حدث قبل 59
عاما، ومولد أول وحدة في التارخ العربي الحديث..
قبل 59 عاما كنا أمام "مستند تاريخي" تمثل في الوحدة بين مصر وسوريا.. ويعيد للذاكرة المصرية، نشيد الفرعون( اخناتون) للاله( آتون) .. ويقول قبل نحو 3370 عاما بالتمام والكمال : في بلاد سوريا، وفي أرض مصر، تضع أيها الاله آتون، كل شيء في مكانه.. وبارادتك أيها الاله آتون، خلقت الارض والانسان والحيوان وجميع المخلوقات، وخلقت أرض سوريا، كما خلقت أرض مصر.. فانعم علي سوريا بمثل ما أنعمت علي مصر" .. وكان الفرعون اخناتون " امنحوتب الرابع" أول من نادى بالتوحيد في العالم ، يملك حنينا خاصا لسوريا، فقد كانت والدته " شامية فينيقة سورية" .. وأعتقد أن فرعون مصر كان يستذكر ، حقيقة أن وحده سياسيه دستوريه كامله، في زمن ما قبل التاريخ، كانت تضم البلاد الفرعونيه المصريه والبلاد الفينيقيه الشاميه السورية ..
وعلى مسيرة التاريخ المصري ، تواصلت حلقات "الربط" بين ضلعي الزاوية في المنطقة )مصر جنوبا ، وسوريا شمالا) وبوعي استراتيجي لتحصين الأمن القومي المصري، وباعتبار أن الدفاع عن مصر يبدأ من خط الدفاع الأول "سوريا"، وأنه "بالاعتماد المتبادل " بن الدولتين تستقر الأوضاع .. ثم تجددت روابط الوحدة في العهد الفاطمي، والفاطميون يرتدّون بأصولهم الي مدينه السلميه السوريه غير البعيده عن حمص، ثم في عهد صلاح الدين الايوبي، وهو ما أدركه أيضا ممليك مصر العظام ، قطز وبيبرس . وصولا إلى مؤسس مصر الحديثة ، محمد علي باشا .. كانت الرؤية باتجاه أحكام التاريخ والجغرافية.
وفي حقيقة الأمر .. فإن حركة العدوان على الأمة ، كانت تتربص دائما ، بخطوط الطول والعرض بين مصر وسوريا، من زمن حملات التتار " المغول" ، إلى زمن الحملات الصليبية، وصولا إلى زمن تأسيس المشروع الصهيوني فوق الجغرافية الفلسطينية ، وهو ما كان واضحا وصريحا على متن ورقة "
نابليون " اليهودية في العام 1798 ( وعدد اليهود في فلسطين ذلك الوقت لم يزد على ألفين ) في محاولة لخدمة تصوراته الإستراتيجية المبكرة بخلق عازل يفصل بين مصر وسوريا ، وهو يرى أن مصر في إتصال غير قابل للإنفصال مع السهل السوري الذي يشكل معها زاوية قائمة تحيط بالشاطئ الشرقي الجنوبي للبحر الأبيض ، وهذه الزاوية القائمة بضلعها الجنوبي في مصر تمد تأثيرها بالعرض إلى كل الساحل الشمالي لأفريقيا ، وبالطول إلى الجنوب حتى منابع النيل ، ثم إنها بضلعها الشمالي في سوريا تلامس حدود بلاد ما بين النهرين )العراق ) وشبه الجزيرة العربية والخليج ، وحتى طرق الإقتراب البري والبحري إلى فارس والهند ..
وكان "نابليون" مع أحلام وتطلعات ومطالب الإمبراطورية الفرنسية ، يخشى إلى جانب الخطر الخارجي ، من أن الإسلام والعروبة في كل من مصر وسوريا )ضلعي الزاوية ) يقدران في يوم من الأيام ــ كما حدث من قبل خلال الحروب الصليبية ــ على صنع قوة ذاتية تتشجع على الإنفلات من قبضته ، وقد تواجهه بما لا يتحسب له أو يريده ، ولكي يضمن عدم التقاء الضلعين عربيا وإسلاميا ، فإنه يزرع عند نقطة التقائهما ، أي عند مركز الزاوية ، شيئا آخر لا هو عربي ولا هو إسلامي !!
ولم تكن ورقة نابليون اليهودية ــ الرؤية والهدف والتصورات الإستراتيجية ــ غائبة عن فكر ساسة بريطانيا العظمى ، لتحقيق المطلب الأساسي في إرث ممتلكات الخلافة العثمانية في الشرق ، وخلق المشروع الصهيوني ، وبالتحديد في تلك الزاوية الإستراتيجية الهامة المحيطة بشرق البحر المتوسط .. وكان ذلك هو المنطق الذي تبناه رئيس وزراء بريطانيا اللورد "بالمرستون " ففي 11 أغسطس 1840 حين كتب إلى سفيره في استانبول اللورد "بونسونبي" بتعليمات جاء فيها ما يلي : " عليك أن تقنع السلطان وحاشيته بأن الحكومة الإنجليزية ترى أن الوقت أصبح مناسبا لفتح أبواب فلسطين أمام هجرة اليهود إليها .. فإذا عاد الشعب اليهودي إلى فلسطين، فسوف يكون حائلا بين " محمد علي " أو أي شخص آخر يخلفه وبين تحقيق خطته الشريرة في الجمع بين مصر وسوريا .. "
كانوا على وعي بأحكام التاريخ والجغرافية ..
وإذا كان قيام الكيان الإسرائيلي وسط العالم العربي وفي قلبه هو الحدث الأخطر بالنسبة لشعوب الأمة وفوق أرضها على امتداد واتصال القرن العشرين .. فقد كانت الأمة على موعد مع الحدث الأكبر والأهم في تاريخها، بتوقيع ميثاق الوحدة بين مصر وسوريا في 22 فبراير 1958 من قبل الرئيسين السوري "شكري القوتلي" والمصري "جمال عبدالناصر"، واختيرت القاهرة عاصمة لها، وقررا أن يكون نظامها رئاسيًا ديموقراطيًا، وبالفعل جرى استفتاء شعبي على الوحدة وتم انتخاب عبدالناصر رئيسًا، ووضع دستورًا جديدًا لها، وحكومة مركزية، ومجلسان تنفيذيان إقليميان، المجلس التنفيذي المصري، والمجلس التنفيذي السوري اللذان يرأس كل منهما وزير مركزي ، أما السلطة التشريعية فقد تولاها مجلس الأمة المكون من نواب يعين نصفهم رئيس الجمهورية والنصف الآخر يختاره من بين أعضاء مجلس النواب السابقين في سوريا ومصر، وقد منح مجلس الأمة حق طرح الثقة بالوزراء.
ومن هذا المنظور التاريخي يمكن ملاحظه أن العلاقات الثنائيه المصريه السورية التاريخيه، تعرضت في تاريخها العريق، الي أحوال مد وجزر متعاقبه.. وكانت أهم محطة في تاريخ العلاقات هي قيام الوحدة، حتى وقعت العملية الإنقلابية ضدها، في مساء 28 سبتمبر 1961 .. وكان الانفصال جرحا داميا في قلب الزعيم العربي جمال عبد الناصر .. ومن مصادفات القدر أن يكون رحيله في يوم 28 سبتمبر أيضا .. ولكن بعد 9 سنوات من انفصال عقد الجمهورية العربية المتحدة .