القاهرة 31 يناير 2017 الساعة 01:49 م
حين يتم التأريخ لثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، فإن شواھد وحقائق اللحظة التاريخية، تقول:
* أولا: إن التاريخ الحيّ الذي جرت أحداثه في بر مصر، قد سجل أول ثورة مصرية كاملة، ثورة الشعب والجيش معا.. وإذا كانت طلائع من الجيش المصري قد قامت بثورة في الثالث والعشرين من يوليو 1952 وأحاطت بھا وساندتھا جماھير شعبه، فإن طلائع شباب مصر حين قرر أن يستعيد الوطن روحه الوثابة، وأن يجسد حلم خلاص مصر، ويفجر الثورة الشعبية، فإن جيش مصر قد أحاط بالثورة، واعترف بشرعية مطالبھا، وساند جماھيرھا.
* ثانيا: لم يكن الجيش المصري ھو الأقرب إلى مفاتيح القوة فقط، ولكنه أيضا الأقرب إلى مفاتيح العصر، وكان موجودا ومنذ اللحظات الأولى صفا موازيا وليس معارضا للثورة الشعبية، وقد وضع العالم أمام صورة للحظة التاريخية، وھي أن الجيش الوطني وھو يملك ميزان القوة، قد تحرك وتواجد بقيمته ومسؤوليته، ويجسد على أرض الواقع حقيقة أن أي جيش وطني وبفكرة الدساتير بأسرھا -ومنذ ظھورھا وكتابتھا- ھو جيش الشعب، حامي الشرعية الوطنية، وحامي الأمن القومي.
* ثالثا: وبمقدار ما كانت القوات المسلحة ھي جيش الشعب، يخدم ويحمي مصالح الوطن “أرضا وشعبا” ويدين بالولاء والانتماء للشرعية الشعبية أولا، وليس للنظام الحاكم، فقد كان واضحا أن المجلس الأعلى للقوات الساحة لديه القدرة على الإصغاء للشعب، ومتابعة باقي مطالب الثورة والحفاظ على مكاسبھا، وبضمان من الثقة، والوعي بأھمية عنصر الوقت، ومن الأمن والاقتصاد، إلى السياسة والقرار، إلى الأمن القومي، ولديه القدرة أيضا على التعامل مع عناصر وبقايا نظام، تحاول جاھدة وبمخزون من ضيق الأفق، ومخزون المراوغة بالحيلة والخبث، أن تلعب قرب الغروب وعلى حافته، لعبة الثورة المضادة، وبما يناسب أحلامھا أو أوھامھا، وھي عناصر أضعف من أن تقاوم.
* وما سبق يمكن إجماله في ملاحظتين: الأولى على لسان الخبير والمستشار الدولي الأمريكي جيرمي بانرمان، بأن جيش مصر يمثل المجتمع المصري، وھو قريب من الشعب ويشعر به، وأن الھدف الأھم له الآن يتمثل في وضع البلاد على الطريق الصحيح.
والملاحظة الثانية على لسان الكولونيل جوزيف إنجلھارد، بأن الشعب المصري يثق كثيرا في مؤسسته العسكرية، ويرتاح لما تتمتع به من وطنية شديدة، وھكذا كان لا بد بين الشعب والجيش من لقاء، وقد حدث.
* رابعا: الحقيقة الكبرى التي لا يمكن تجاوزھا، أن الجيش المصري تدخل لاستكمال مسيرة الشعب وتتويجھا، وكانت حقائق الموقف وخطواته، أن آليات الجيش وضباطه وجنوده، داخل ساحات الثورة وشوارعھا، تحمي جماھير أمسكت بالشرعية في يدھا، ونزعت عن الحكم القائم مقومات شرعيته، وفي نفس الوقت كانت القوات المسلحة، وباعتبارھا موطن القدرة والقوة في فكرة الدولة وأساسھا، وليست مجرد أداة تحت سلطة النظام، كانت تدير حوارا صعبا مع رأس النظام، لم تتكشف تفاصيله الكاملة حتى الآن، من أجل أن يتخلى مبارك عن عناده ويخفف المأزق عن الجميع، وأن يتخلى عن المنصب استجابة للرفض الشعبي القاطع، وأن يمد المجلس الأعلى للقوات المسلحة جسرا تمشي عليه حركة سليمة ومأمونة لانتقال السلطة، ووضع الأساس لشرعية جديدة، لكي يتنفس الشعب بحرية.