القاهرة 25 يوليو 2016 الساعة 11:38 ص
. ثورات الشعوب تعبر عن ثلاث حقائق الاولي إنها تعبر عن الحس والطموحات والآمال الوطنية الشعب بمختلف فئاته وقواه السياسية وطبقاته.الثانية إنها تعبر عن الحس الوطني العام والمسيرة الوطنية للشعب المصري بغير تمييز والثالثة إنها تقدم رؤية للمستقبل وليس الماضي دون أن يعني ذلك تجاهل الماضي او الانغماس فيه وإنما الاستفادة من عبره ودروسه لبناء المستقبل.
والثورة في المفهوم التقليدي عمل شعبي بعيدا عن القوة العسكرية ولكن من الناحية الواقعية فان أي دارس لتاريخ الثورات يجد ان بينها وبين القوة العسكرية رباطا وثيقا فليست هناك حركة تغيير جذري بدون تغيير النظام القديم ولا يمكن تغييرأي نظام في المجتمع دون اللجوء للقوة العسكرية . ولكن هناك فارقا جوهريا بين الاستخدام المفرط للقوة لإهاف شخصية بحتة وبين تناغم وتفاعل القوة العسكرية مع المجتمع وطموحاته ومشاكله لأن القوة العسكرية في أي مجتمع هي من الشعب بمختلف قواه الفاعلة والمعبرة عن طموحاته وآماله .
ولهذا عندما قامت الثورة الروسية أو الثورة الصينية أو ثورة مصر 23 يوليو 1952 او ثورة مصر 25 يناير 2011 لعبت القوة العسكرية دورا مهما في اطلاق المسيرة أو في حمايتها . بل إن النموذج التقليدي للثورات وهوالثورة الفرنسية استمرت عشر سنوات من عام -17991789 في صراع دموي لولا أن نابليون بونابرت انقدها بعد مذابح روبسبير
وهكذا علينا أن نفكر بمنطق المستقبل وبمنطق قانون التغير في الفكر والسياسة والعمل وليس مثل
بعض علماء السياسة أو بعض السياسيين الذين تربوا في أحضان الفكر الغربي الذي يعيش تاريخه في تناقضات عجيبة لا يري ما يفعله بالدول الاخري من جرائم واحتلال واستعمار عبر القرون. كما أن بعض منظري سياساته وضعوا أفكارا غير دقيقة علميا وسار علي نهجها كثير من مثقفينا العرب معصوبي العيون مغلوقي .
ما اريد قوله إن ثورة يوليو 1952 جاءت كانقلاب عسكري تقليدي واطلق عليها قادتها الحركة المباركة لجيشنا البطل ثم تفاعل معها الشعب المصري والشعوب العربية بل وشعوب البلاد النامية لأنها عبرت عن أمالهم وطموحاتهم في الحرية والاستقلال والعدالة الاجتماعية ومن هنا إزدادت شعبيتها بإعلان قانون محاربة الاقطاع والإصلاح الزراعي وقانون التمصير والتأميم للقطاعات الاقتصادية الكبري التي كان يسيطر عليها كبار الرأسماليين الاجانب وفي مقدمتها تأميم قناة السويس والقوانين الاشتراكية عام 1961 وأيضا مساندتها لثورات الشعوب العربية وشعوب افريقيا والدول النامية من أجل الاستقلال الوطني ومقاومة الاستعمار وبلورة نظريتها في بناء المستقبل علي أساس المبادئ الستة للثورة ثم ميثاق العمل الوطني ثم بيان 30 مارس بعد الهزيمةلاصلاح عيوب الثورة في ممارستها للسلطة .رغم قيامها بالانجازات المشهورة من خلال المشروعات الكبري مثل السد العالي وبناء صناعات حديثة مثل الحديد والصلب والألمنيوم ومجانية التعليم والصحة وغيرها. ولكن الثورة كغيرها واجهت تحديات الانفصال 1961والتآمر ضدها والعدوان الثلاثي عام 1956 والهزيمة الكبري عام 1967 وأخذ جمال عبد الناصر بعد ذلك في تصحيح المسار ولكن لم يمهله القدر.
وجاء بعده السادات ليأخذ علي عاتقه استمرار المسيرة بأسلوب مختلف فقاد حرب أكتوبر المجيدة 1973 التي أعادت للجيش وللوطن وللعرب مكانتهم ومن هنا انطلق أصحاب النفط في رفع سعره لاستعادة حقوق شعوبهم من الشركات الاستعمارية التي كانت تبيعه للغرب بثمن بخس ويحصل أصحابه علي الفتات. وهكذا الثورة تصحح نفسها وأيضا الثورات كما يقول قانونها تأكل ابناءها عبر السنين . ولو نظرنا لأية ثورة بما في ذلك الثورة الفرنسية او الروسية او الصينية او حتى الامريكية نجد كثيرا ممن قاموا بها تنحوا أو تم تنحيتهم لاختلافهم مع القيادة التي أخذت تطور أساليبها لمواجهة التحديات التي لم تكن تدرك أبعادها عندما قامت في البداية . ومن هنا جاء تصحيح السادات بحركة 15 مايو ضد من اسماهم مراكز القوي وتغييره لكثير من السياسات تماشيا مع التغيرات العالمية سياسيا واقتصاديا ومع نظرية الواقعية السياسية في إدراك أبعاد العلاقات الدولية والإقليمية وهو ما لم يكن الثوار في عام 1952 مدركين لإبعاده الكاملة الحقيقية والمفاهيم والمعلومات الحقيقية المتصله بها.
وجاء مبارك ليظلم نفسه خاصة في سنواته الاخيرة لكثير من أخطائه ومن بينها خضوعهلرغبات اسرته وللراسمالية المتوحشة:
ثورة مصر 25 يناير 2011 جاءت بنفس النموذج حركة شعبية أيدتها القوات المسلحة وقامت بحمايتها ولولا ذلك لكان شعب مصر بين لاجئين و قتلي و مشردين ووالباقين يبحثون عن رؤية أو مخرج من خلال ممثلي الامم المتحدة و لضجت منها الشعوب العربية والعالم بأسره لمواجهة مشاكلها و لتحولت لقاعدة للإرهاب تحت مسمي الاسلام - البعيد في جوهره عن ذلك - وربما أصبحت مصر تابعة لهذه الدولة إلأقليمية أو تلك تحت اطروحات إسلامية زائفة ما أنزل الله بها من سلطان إذ هناك أكثر من دولة في المنطقة كل منها يتبني ما يسميه النظام الاسلامي وما هو بنظام ولا بأسلام ولكنه نظام يعبر عن طموحاته ا ستعمارية و توسعية ذات تاريخ دموي وعقيدة شيفونية والإسلام بريء من كل ذلك . فهناك نظم ثيولوجية لأحفاد القياصرة وأخري ثيولوجية لاحفاد هولاكو وجنكيزخان وتمارس الاعدام لكثيرين من شعوبها ومفكريها وقضاتها وقادتها العسكريين بهدف فرض أنظمتها
الديكتاوترية وطموحات قادتها الابدية في السلطة وربما توريثها لاحفاد الاحفاد ورغم أنها تقيم هياكل ديموقراطية وكل ذلك باسم الثورة وباسم الاسلام وهو برئ من تلك الممارسات .
واعتقد أنه علي المفكرين والمحللين السياسيين أن ينظروا للجوار اللإقليمي بأسره بعيون مفتوحة وبعقول متفتحة ليعرفوا حقيقة ما يدور في تلك البلاد. ثورة 25 يناير تم اختطافها كما حاول البعض اختطاف ثورة 23 يوليو في حادث المنشية عام 1954 ولكن القيادة العسكرية في يوليو 1952 والقيادة العسكرية في ثورة 25 يناير كانت واعية ومدركة للمخاطر ولم تتردد في إتخاذ القرار الحاسم في اللحظة المناسبة بغض النظر عن جسامة التحديات المخاطر التي واجهتها وما تزال تواجهها
و ثوار 25 يناير 2011 في مصر كانت بقيادة نخبة من الشباب الوطني الطاهر ولكنه لم تتوافر له الخبرة السياسية أو الادراك الكافي للسياستين الوطنية والدولية والتآمر الاقليمي كما عاني من غياب الرؤية الشاملة و الكادر السياسي الثوري و القوة العسكرية الداعمة والمساندة و القدرة علي التعامل مع الازمات ومواجهتها ولهذا تم اختطاف ثورته وكانت عودة الحركة الجماهيرية الشعبية عبر ما سمي حركة تمرد علي مدي أربعة شهور تعمل علانية بين الجماهير وليس كعمل سري خبيث وجبان ثم تحركت قيادة القوات المسلحة ذات الحس والرؤية الوطنية وهو نفس نمط تحركها منذ ثورة أحمد عرابي تعبيرا عن مطالب الشعب وأماله وهو نفس ما حدث في 1952 وفي 25 يناير عندما رفضت القوات المسلحة توجيه بنادقها للشعب المتظاهر وهو ما حدث في 3 يوليو 2013.
وهذا هو السلوك الوطني للقوات المسلحة المصرية المعبرعن التلاحم مع الشعب المصري ومصالحه وتاريخه وهويته .هذا الشعب المصري الاصيل الذي تمتد جذور هويته الوطنية إلي الفراعنة ووقوف الفلاح الفصيح ضد الطغيان وثورته بقيادة أحمس ضد الهكسوس وطردهم وثوراته عبر التاريخ . البعد الوطني المعتدل العقلاني المتسامح الرافض لإقصاء فصائل مهمة من شعبه مثل الاقباط أو مثل الاسلاميين الوطنيين المصريين الذين يؤمنون بوطنهم علي غرار فكر الشيخ محمد عبده وعلي عبد الرازق ومصطفي عبد الرازق والشيخ المرغي أو الشيخ متولي الشعراوي أو الدكتور سيد طنطاوي والدكتور أحمد الطيب وغيرهم من علماء الازهر و أباء الكنيسة القبطية الاجلاء وحقا قال البابا شنوده مصر وطن يعيش فينا وليست وطنا نعيش فيه كما قال البابا تواضروس لا يهمنا تدمير جميع الكناشس في مصر ما دام لم يؤذي او يصاب مصر واحد فالكنائس بنيان يمكن أعادته وكان هذا التصريح الوطني الصادق ردا علي من حاولوا اثارته ضد تدمير الارهابيين والمتشددين المتطرفين لبعض الكنائس.
هذه هي مصربهويتها وعقيدتها الدينية الاسلامية والمسيحية المتسامحة الجامعة التي تحتضن كل أبنائها إلا الذين في قلوبهم مرض وفي أعينهم زيغ أو حول ينظرون للبعيد ولا يرون القريب. وحقا قال السيد المسيح عجبي علي من يري القذى في عين أخيه ولا يري الخشبة التي في عينه.ولان الاسلام واحد فاننا نقول إن التطبيق المصري للإسلام يتماشى مع جوهره في الاعتدال والتسامح وحقا كما قال النبي محمد لاصحابه إن الله سيفتح عليكم مصر فاستوصوا بقبطها خيرا . كما قال لأهل مكة - عند الفتح والانتصار الساحق للمسلمين - من المشركين ماذا تظنون أني فاعل بكم فقالوا بخضوع أخ كريم وإبن أخ كريم فقال لهم أذهبوا فانتم الطلقاء . ولم يقيم لهم المشانق ويفتح السجون لتعذيبهم
ولم يشرد هم أو ينكل بهم كما يفعل مدعو الاسلام الحديث وحماته من سياسيين معاصرين أعلنوها حربا شعواء علي خصومهم دون تحري أو تدقيق.
وهاهي ذكري ثورتي يوليو 1952 وثورة 25 يناير وتصحيحها في 30 يونيه 2013 تتلاحمان وتتآلفان وتتعانقان في شهر يوليو شهر الثورات وشهر الطموحات الكبري بما في ذلك ثورتي الشعب الامريكي في 4 يوليو والشعب الفرنسي في 14 يوليو.
وتحية لشعب مصر العظيم صاحب التاريخ العريق والحضارة الانتاجية التي خلفت أثارا لا مثيل لها والمسالمة إلا ضد من اعتدي عليها وعلي شعبها مثل الهكسوس والتتار وحلفائهم وأعوانهم واشباههم. وتحية لجيش مصر الباسل وقضائها العادل وشرطتها اليقظة وعلمائها الابرار وإعلامها الصادق وتاريخ المشبع بالامل وشعبها المتطلع للعمل والامن والامان والاستقرار السلام . وعلي الباغين والظالمين تدور الدوائر.