القاهرة 24 يوليو 2016 الساعة 11:49 ص
ربما لا يعرف كثيرون ، وكثيرون جدا، خاصة من أجيال جاء موعدها بعد منتصف السبعينيات، أن مصر ( الشعب والتاريخ والجغرافية) مدينة لثورة الرجل الكبير 23 يوليو 1952حينما فاجا الضابط الشاب جمال عبد الناصر حسين (34 سنة) الدنيا بالثورة الأم، بحسب تعبير مولانا الراحل الشيخ محمد متولي
الشعراوي .
ربما يغيب عن كثيرين .. العلم بأن ثورة الرجل الكبير، انقذت مصر من حاضر كان مذلا ، ومن مستقبل بلا مستقبل .. كان موعد الثورة مع حالة شعب غالبيته من الحفاة، ظلم وقهر وسوء توزيع لثروات الوطن وغياب للعدالة الاجتماعية، نسبة الفقر والأمية بلغت 90% من أبناء الشعب المصرى، ومعدلات المرض حققت أرقامـًـا قياسية حتى أن 45% من المصريين كانوا مصابين بالبلهارسيا، وغيرها من مختلف الأمراض التى تنتج عن سوء التغذية، وهناك دراسة للمؤرخ الكبير الراحل د. رءوف عباس بعنوان: «الحركة الـوطنية فى مصر 1918ـ1952».. يوضح فيها: (كانت نسبة المعدمين من سكان الريف 80% من جملة السكان عام 1952) .
وربما لا يعرف كثيرون من جيل الشباب ، بل وجيل من سبقهم ، وربما جيل آخر سوف يلحق بهم .. أن ثورة الرجل الكبير أنقذت الأمة العربية وأفريقيا من سطوة الاحتلال والعنصرية ، ومن التخلف ، وبرزت قيادات أفريقية تاريخية من حجم «نكروما» و«لومومبا» و«نيريرى» و«سيكوتورى»، وهو ما دعا الزعيم الجنوب أفريقى «نيلسون مانديلا» أن يصف "الرجل الكبير " بـ "زعيم زعماء إفريقيا" .. وهو ما تشهد به القارة السمراء .. وبمقدار ما يقول به الأديب الكبير بهاء طاهر :
كنا في رحلة من العاصمة نيروبي إلى مدينة كينية أخرى ، وتوقفت بالسيارة في قرية صغيرة على الطريق فتوجهت مع مجموعة من جنسيات مختلفة نبحث عن سجائر في ذلك المكان .. دلونا على دكان صغير يشبه مثله في أي قرية من قرانا ، وكانت هناك ، في صدر المحل صورة مثبتة بالدبابيس في الحائط ، صورة ملونة قديمة لوجه يبتسم ، وكنت أعرفها جيدا "صورة جمال عبد الناصر " .. وعندما اشتريت السجائر من صاحب الدكان العجوز ، سألته بشكل عابر : صورة من هذه المعلقة هناك ؟ فالتفت الرجل خلفه في دهشة مشيرا إلى الصورة وهو يسألني : ألا تعرف من هو ؟! قلت له : لا .. فقال الرجل ببساطة : هذا هو أبو أفريقيا .. ولن أنسى ما حييت البساطة واليقين في لهجة ذلك الرجل الأشيب وهو يقول لي بلكنته الإفريقية ( This is the father of Africa )
وربما لايعرف كثيرون أيضا ، وبفعل حملة ضالة ومضللة، طفحت في منتصف السبيعينيات بعد رحيل صاحب الثورة، أن ثورة الرجل الكبير أنقذت العالم الثالث من الخنوع للاحتلال ، ومن سيطرة رأس المال الغربي المتوحش ، ومن الحصار خلف أسوار الفقر والتخلف .. وبمقدار ما قال به الزعيم الكوبي ، فيدل كاسترو، وبرفقة رمز المناضلين " تشي جيفارا" أمام عبد الناصر 28 / 9 / 1960 : " لقد تعلمنا منك الكثير" .. ويشير "كاسترو" إلى إلهام حرب السويس عام (1956)، وهو يتأهب مع "جيفارا" من فوق جبال «سيرا ماستيرا» لدخول العاصمة "هافانا، واسقاط حكم الطاغية المدعوم أمريكيا "باتيستا" .. وفى وجدان "كاسترو" قائد الثورة الكوبية وشقيقه "راؤول " مسئولها العسكرى الأول ، و"جيفارا" أيقونتها، صدى صوت جمال عبدالناصر: "سنقاتل" .
وهو ما يقول به أيضا مولانا الشيخ الشعراوي ، في رثاء الرجل الكبير 8 / 11 / 1970 : كان "عبد الناصر" أمام مام كل ثورة تحررية بالإيحاء والقدح، ووراءها دائماً بكل الإمكانيات والمنح، فوضع بصلته الإنسانية على التاريخ المعاصر، ولذلك فإن الحركة التاريخية التي قادها جمال عبد الناصر قد أثرت في منطقة تجاوزت حدود الدوائر الثلاث العربية والأفريقية والإسلامية .
وصحيح .. ما يقول به أستاذي الكبير الراحل "هيكل" .. أن الأمم الكبيرة تتذكر لكي تحيا ، لأن النسيان هو الموت أو درجة من درجاته، في حين أن التذكر يقظة، واليقظة حالة من عودة
الوعي .. ولعلنا نتذكر أن الاقتصاد المصرى قبل ثورة 23 يـوليو، كان متخلفـًــا وتابعًا للاحتـكارات الرأسمالية الأجنبية، يسيطر عليه بضع عشرات، أو مئات على أقصى تقدير، وكانت نسبة البطالة بين الـمصريين 46% من تعداد الشعب، فى الوقت الذى كان يعمل فيه الغالبية فى وظائف دنيا ــ سُعاة وفراشين ــ وكانت آخـر ميزانية للدولة عام 1952 تظهــر عجزًا قــدره 39 مليون جنيه، فى حين كانت مخصصات الاستثمار فى المشروعات الجديدة طبقـًـا للميزانية سواء بواسطة الدولة أو القطاع الخاص صفرًا.. وفي الصورة كانت مصر بأكملها حكرًا على الباشاوات والبكوات والجاليات الأجنبية، بل كانت هناك شوارع فى القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية حكرًا على الأجانب يُمنع المصريون من دخولها، حتى لا يعكروا مزاج السادة الباشاوات والخواجات .. وإذا ظهر أحد المصريين البسطاء فى محيط هذه الشوارع، فهؤلاء من الخدم والحاشية ممن أنعم الله عليهم بنعمة العمل خادمين عند أحد الباشاوات ..
والحقائق تقول : أن ثورة 23 يوليو 1952 من أكبر علامات التحول في بناء دولة مصر في العصر الحديث، فقد تأسست الجمهورية لأول مرة في تاريخ البلاد ، وتحقق العدل الاجتماعي بالقضاء على الاقطاع الزراعي ، وتغيرت خريطة المجتمع المصري بما أعطى من حقوق للملايين ، وشهدت مصر زيادة مساحة الرقعة الزراعية بنسبة 15% ولأول مرة تسبق الزيادة فى رقعة الأرض الزراعية الزيادة فى عدد السكان .. وزاد عدد الشباب فى المدارس والجامعات والمعاهد العليا بأكثر من 300 % .. وزادت مساحة الأراضى المملوكة لفئة صغار الفلاحين من 2,1 مليون فدان إلى حوالى 4 مليون فدان..وتم وضع حدود دنيا وعليا للرواتب والمرتبات مراعاة للمساواة والعدالة الاجتماعية .. وأنشأت مصر أكبر قاعدة صناعية فى العالم الثالث حيث بلغت عدد المصانع التى أنشأت فى عهد عبد الناصر 1200 مصنع منها مصانع صناعات ثقيلة وتحويلية وإستراتيجية.
وبالطبع انعكست النهضة الاقتصادية بعد ثورة الرجل الكبير، على مستوى التعليم حيث انخفضت نسبة الأمية من 80% قبل 1952 إلى 50% عام 1970 بفضل مجانية التعليم فى كل مراحل الدراسة.. وتم إدخال الكهرباء والمياه النظيفة والمدارس والوحدات الصحية والجمعيات الزراعية إلى كل قرى مصر، وتم ضمان التأمين الصحي والإجتماعي والمعاشات لكل مواطن مصري ، وكل ذلك تم بدون ديون على مصر.. ولم تكن عملة مصر مرتبطة بالدولار الأمريكى بل كان الجنيه المصرى يساوى ثلاثة دولارات ونصف، ويساوى أربعة عشر ريال سعودى بأسعار البنك المركزى المصري .. لم تكن هناك بطالة، ولم تكن هناك أزمة تعيينات أو وسائط أو رشاوي .. وبلغ سعر الجنيه الذهب 4 جنيهات مصرية .. ووفقا
لتقديرات البنك الدولي، بلغت قيمة القطاع العام الذى بناه المصريون فى عهد الرئيس عبد الناصر نحو 1400 مليار دولار.
وهذه أرقام يمكن الاطلاع عليها، لدى أكثر من جهة رسمية ، من الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء، وحتى وثائق مجلس الوزراء، وغيرها .. وهي تكشف أيضا أن مصر استطاعت فى ظل نكسة 67 أن تحافظ على نسبة النمو الإقتصادى كما كان قبل النكسة، بل أن هذه النسبة زادت فى عامى 1969 و 1970 وبلغت 8 % سنويا.. وفي نفس العام 1969 تحققت زيادة في فائض الميزان التجاري لأول وأخر مرة فى تاريخ مصر، بفائض قدرها 46.9 مليون جنية بأسعار ذلك الزمان..وتوفى قائد الثورة واقتصاد مصر أقوى من اقتصاد كوريا الجنوبية، ولدى مصر فائض من العملة الصعبة تجاوز المائتين والخمسين مليون دولار بشهادة البنك الدولى .
ما سبق مجرد خواطر ، على هامش ذكرى ثورة الرجل الكبير "ناصر" مساء الثلاثاء 22 / 23 يوليو 1952