القاهرة 21 يوليو 2016 الساعة 12:49 م
عبدالعال الباقوري
أصبح من المعتاد في ذكري ثورة 23 يوليو المجيدة ان تدور الكتابات شدا وجذبا بين الاشادة بلا حدود بانجازاتها في جانب والاساءة دون قيود بحيث تتحول الانجازات إلي سلبيات في جانب آخر ومن يراجع صفحات الصحف في الأسبوعين الماضيين لن يفتقد موضوعات مثلا عن ان ثورة يوليو وراء "تدهور التعليم"!! لقد نشر هذا فعلا وقال كاتبوه ان سنوات حكم الأسرة العلوية شهدت نهضة تعليمية!! قد يري البعض هذا تزويرا أو تزييفا للتاريخ في حين يعتبره أصحابه حقيقة ثابتة ومؤكدة وقد مل العبد لله كل ذلك وكاد يعتذر عن عدم الكتابة في هذه المناسبة التاريخية التي أصبحت مناسبة مكررة وصارت الكتابة فيها بنوعية أشبه بالاسطوانة المشروخة لذلك كاد يعود الأمر إلي موضوع ذي طابع تاريخي مثل وحدة الثورات المصرية من القديم إلي الحديث وتذكرت ان هذا أصبح موضوعا مطروقا كثيرا واتجه التفكير إلي الكتابة عن دور جيش مصر في نهضتها وتطورها ردا علي من يستخدمون التعبير البغيض "العسكر" وقال المرء لنفسه هذا موافق للمناسبة ولكن تعددت أيضا الكتابات فيه إذن ما العمل؟
وبين أخذ وعطاء راح المرء يقلب أوراقه ويفتش في دفاتره عن احداث الكتابات عند ثورة يوليو وقادته الذاكرة إلي عمل موسوعي اقتني ما صدر منه ولكنه للأسف لم يطالع حتي مقدمته وهو الأرواق الخاصة للزعيم جمال عبدالناصر التي جمعتها وأعدتها ونشرتها الدكتورة هدي عبدالناصر في ستة أجزاء صدر منها أربعة تقع في حوالي 2500 صفحة وهذه الأجزاء عناوينها: جمال عبدالناصر طالبا وضابطا والثورة في سنواتها الأولي وتأميم قناة السويس وعدوان 1956 والوحدة المصرية السورية أما الجزءان الخامس والسادس فهما عن الثورة الاجتماعية ومراجعة شاملة للنظام وعدوان 1967 وحرب الاستنزاف.
كان الوقت قصيرا والساعات المتاحة محدودة والواجب يقضي بالنظر بسرعة في 2500 صفحة لجأت إلي قراءة الفهارس وتوقفت عند بعض الوقائع وقرأت صفحات وصفحات إلي أن وصلت إلي الجزء الرابع حيث وجدت سرا مهما فرض علي ان أعود ولو بسرعة خاطفة إلي بعض المراجع التي تناولت الموضوع نفسه من زوايا أخري حتي ادقق في مدي استخدام تعبير اكتشاف تاريخي لأول مرة ومع اني لم أجد أحدا تطرق من قبل فيما هو متاح أمامي من مراجع إلي هذا الأمر وهو خطة تحرير فلسطين وضعها الرئيس عبدالناصر بخط يده ومع ذلك تحررت في كتابة "اكتشاف تاريخي" في العنوان مع ان المؤرخين والكتاب اعتادوا غالبا ان يقولوا ان عبدالناصر لم يضع يوما خطة للتحرير ولذلك أخذوه وانتقدوه بل و"عايره" بعض الساسيين وخاصة من البعثيين السوريين وعلي رأسهم السيد أكرم الحوراتي الذي كان نائبا للرئيس في أوائل عهد الوحدة المصرية السورية وتبعه آخرون في ذلك.
تحرير مسألة "الخطة"
وعبدالناصر وفلسطين موضوع متعدد الزوايا والجوانب وسيتم التركيز هنا تحديدا علي مسألة "الخطة" فضلا عن الجوانب الأخري سواء في موقف عبدالناصر من قضية فلسطين وتسويتها وكيف يكون هذا أو في الموقف من الصهيونية والكيان الصهيوني وكيف يكون التعامل معه: تهدئة أو سلاما أو حربا ومتي؟ وكيف؟ وفي أي ظروف وأضرب مثلا علي ذلك ثلاث دراسات مهمة هي:
* عبدالناصر وقضية الصلح مع إسرائيل للأستاذ الدكتور حسن حنفي.
* رؤية عبدالناصر لمسألة حل الصراع العربي - الإسرائيلي للدكتور مجدي حماد.
* تصور القيادة الناصرية لأسلوب تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي للباحث يوسف حسن شوقي وهذه الدراسات المتكاملة المتداخلة منشورة ضمن كتاب بعنوان "عبدالناصر وما بعد" باشراف الأستاذ الدكتور أنيس صايغ ونشرته المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت في .1980
ويذكر ان عددا من الدراسات الجامعية تناول عبدالناصر والقضية الفلسطينية أوالصراع العربي - الصهيوني من زاوية أو أخري وهي جديرة بالقراءة والمراجعة عند التصدي الموضوعي لهذه القضية.. قضية مسألة خطة تحرير فلسطين من زاوية تاريخية - سياسية ومن الجدير بالذكر ان الأستاذ الدكتور حسن حنفي لم يتردد في دراسته التي سلفت الاشارة إليها في أن يتساءل لماذا لم يشن عبدالناصر هجوما علي إسرائيل وقدم جوابه استنادا إلي أسباب أوردها.
والجانب المهم في تحرير مسألة الخطة هو البحث عن وفي بقية أوراق عبدالناصر التي لم يرفع الحظر عنها بعد وهي أوراق موزعة علي أماكن مختلفة مثل قصر عابدين وجهاز المخابرات ورئاسة الجمهورية ومكتب الرئيس للمعلومات ووزارة الخارجية وغيرها فمتي يتاح كل هذا حتي يكون الحكم في هذا الشأن علي بينه تامة وبعيدا عن الاجتزاء ثم هناك أوراق غالبا موجودة كتابة وهي أوراق السيد كمال رفعت عضو مجلس الرئاسة ونائب رئيس الوزراء الأسبق والذي ورد اسمه في خطة تحرير فلسطين بخط يد الزعيم عبدالناصر باعتباره قائدا للجيش الفدائي الفلسطيني وذلك لسابق خبرته في هذا المجال وقد راجعت ما أورده الاستاذ احمد حمروش في كتابه "شهود عبدالناصر" وهو جزء من موسوعته المهمة عن ثورة يوليو من مقابلة مع السيد كمال رفعت ودوره في الثورة ولكنه للأسف لم يتطرق في حواره بأي سؤال عن دور كمال رفعت في المخابرات وفي الاتصالات مع الأحزاب والقوي العربية.
أما الأستاذ محمد حسنين هيكل فبغض النظر عن كونه المرجع الأول بالنسبة لأوراق عبدالناصر الخاصة والرسمية فإنه غالبا كتب مذكرات شخصية ولعلها تنتظر وقتا كي تصدر لتسد فراغا سيظل قائما إذا لم تنشر واستبعد انها لم تكتب وحين فرغت من قراءة الوثيقة المهمة "خطة تحرير فلسطين" بخط يدالزعيم جمال عبدالناصر سارعت استكمالا للموضوع بالاتصال بعدد من المؤرخين وطرحت عليهم سؤالا محددا في هذا الشأن وللأسف لم اتلق أي رد لأن الوقت ضيق وقد طلبت اجابات مكتوبة يمكن بها مواصلة الحوار.
الأوراق الخاصة.. لماذا؟
قبل أن نقرأ معا النص الكامل لخطة تحرير فلسطين كما أوردتها الدكتورة هدي عبدالناصر وكما كتبها عبدالناصر بخط يده فإن هناك سؤالا آخر وهو لماذا يكتب عبدالناصر مثل هذه الأوراق الخاصة؟ ومن المعروف ان هذه الأجزاء ليست أول أوراق عبدالناصر الخاصة فهناك يومياته عن حرب فلسطين التي لا تعدو أن تكون أوراقا خاصة وقد تناولها الاستاذ الدكتور عاصم الدسوقي المؤرخ المعروف في دراسة بعنوان "يوميات عبدالناصر في حرب فلسطين من المعارك إلي الانسحاب" هموم المعارك.. الأسرة.. الوطن.. رفقة السلاح واختار الثورة والدراسة منشورة ضمن دراسات أخري في كتاب "جمال عبدالناصر وعصره" أعدته لجنة من المؤرخين المصريين وأشرف عليه وقدم له الأستاذ الدكتور عادل غنيم الرئيس السابق للجمعية التاريخية المصرية وصدر عن دار المعارف بالقاهرة "دون تاريخ" في هذه الدراسة كتب الدكتور الدسوقي ان عبدالناصر كان يكتب هذه اليوميات لنفسه وانها كانت فرصته في البوح بما لم يكن يقدر علي البواح به لآخرين فكان الورق مجال تفريخ كربه وتهدئة غضبه والراحة من همومه وحيرته بعض الوقت وان صح هذا بالنسبة لضابط في الميدان فلماذا يكتب أوراقا خاصة وهو القائد ورئيس الدولة؟ ان الأسباب هنا مختلفة ومتعددة فبعض الأوراق تحتوي خططا مهمة وبعضها عبارة عن توجيهات إلي جهات ووزارات مسئولة في الدولة والبعض الثالث تبدو رءوس أقلام أو عناوين موضوعات يتم الاسترشاد بها في الأحاديث في داخل الاجتماعات الرئاسية مثل مجلس الرئاسي أو مجلس الوزراء ان قيادة التنظيم السياسي سواء كان الاتحاد القومي أو الاتحاد الاشتراكي.
أما الدكتورة هدي عبدالناصر معدة هذه الأوراق ومحررتها فقد كتبت لها مقدمة هامة للأجزاء كلها كما كتبت مقدمة لكل جزء منها وفي هذه المقدمة تعرضت لسؤال: لماذا الأوراق الخاصة؟ وقالت في السطور الأولي من المقدمة العامة ان في اليد القاريء أوراق لم تكتب للنشر بل كتبها عبدالناصر لنفسه فجاءت معبرة عن افكاره ومعتقداته وسياساته في تطوراتها المختلفة ورأت ان هذا يزيد مصداقيتها لأن المذكرات تكتب بإرادة صاحبها يحذف منها ما يريد ويجمل منها ما يشاء أما تلك فهي أوراق حميمة بلا تنميق ولا اضافة.
وكان الدكتور عاصم الدسوقي قد أشار إلي نقطة من هذا القبيل حين قارن يوميات حرب فلسطين بمذكرات سعد زغلول ومذكرات محمد فريد في المنفي فالأول باح بما لا يمكن ان يبوح به في العلن من حيث تصرفاته الشخصية ومواقفه السياسية لأنه كان يكتبها لنفسه وليس بقصدالنشر أما الثاني فسمح لنفسه يشتم خصومه وانتقادهم انتقادا مرا وخلع أوصافا عليهم ولكن عبدالناصر لم يذهب إلي شيء من هذا في حدود ما قرأت بدقة من الأوراق الخاصة.
واشارت الدكتورة هدي إلي أن والدها جمع هذه الأوراق في دولاب بمكتبه بالمنزل وأضافت انها اكتشفت انه كان يدون بيده كل شيء. بيانات الحكومة المصرية. التحركات العسكرية ومعها توجيهات. المقالات الصحفية. التصريحات السياسية علي لسان مسئولين مصريين.. الخ.
اشارت في موقع آخر إلي أن والدها دون خلاصة مبادئه السياسية ومعتقداته الاجتماعية وتطرقت إلي نقطة كبيرة الأهمية وهي ان اضافة كل هذا إلي ما جاء في خطبه يعتبر ثروة وتراثا هاما يلقي مزيدا من الضوء علي شخصيته ودوره التاريخي وكانت قد سبقت هذا بتأكيد انها "اكتشفت والدها" عندما بدأت في التفرغ للعمل في هذا الكتاب وأصابتني الدهشة من كثير من المعلومات والمواقف التي اطلعت عليها وفي هذا التقدير قدر من التحفظ إذا يمكن القول دون خشية الوقوع في خطأ ان قراءة هذه الأوراق الخاصة إلي جانب الخطب والبيانات والتصريحات وأحاديث الاجتماعات الرسمية تكشف عن أبعاد مهمة في قدرات عبدالناصر وفي أساليب ادارته للدولة وفي ثقافته وأفكاره مما يتطلب إعادة قراءة هذه الأوراق قراءة فاحصة مدققة سواء في هذا قراءات المؤيدين المتعاطفين مع الرجل وأفكاره وسياساته أو قراءات معارضيه ورافضي أفكاره وسياساته فقراءات هؤلاء وأولاء ستجد في هذه الأوراق أشياء تستحق الاعجاب أو تستحق النقد.
أما المقدمة لكل جزء من الأجزاء الأربعة التي صدرت من هذه الأوراق فكانت في أغلبها تلخيصا لمحتويات الجزء ولكن في مقدمة الجزء الرابع وهو عن الوحدة المصرية - السورية كما سبق القول عادت الدكتورة هدي مرة أخري إلي ما ذكرته من قبل وكتبت ان هذه الوثائق تكشف كيف كان جمال عبدالناصر يفكر وما هي معتقداته الدافعة وراء سياسته الاقتصادية والاجتماعية وأهم ما في هذا كله ان تلك الأوراق كتبها لنفسه.
عن خطة التحرير
يغلب علي الظن ان هذه الوثيقة التي سنقرأ نصها ستعيد كتابة بعض ما كان يكتب عن عبدالناصر ومواقفه من فلسطين ومن الكيان الصهيوني ورؤاه لمستقبل هذا الصراع وللكيان نفسه وكيف تطورت بل وتغيرت هذه الرؤية عبر مراحل مختلفة من مشاركته وحصاره في حرب 1948 إلي رحيله في سبتمبر 1970 وكيف انتقل من بحث وسعي إلي تسوية عادلة في السنوات الأولي بعد 23 يوليو 1952 مع نفي ورفض للحديث عن تدمير إسرائيل وذلك أي 1955 وانتقل إلي الحديث عن هذا بعد احداث عدوانية إسرائيلية منذ ذلك العام ان 1955 إلي العدوان في يونيو 1967 ومما يحتاج إلي تدقيق وتوثيق هنا ان هذه الوثيقة - وثيقة خطة تحرير فلسطين - تكاد تتزامن مع حديث جمال عبدالناصر إلي المجلس التشريعي الفلسطيني في غزة حين نفي وجود خطة لتحرير فلسطين وقال ما معناه ان من يقول هذا "يضحك عليكم" الخ.. كما أكد في خطابات هذه المرحلة. مرحلة ما بعد الانفصال السوري في 1961 ان قضية فلسطين لن تحل في جولة واحدة بل هي حرب طويلة الأجل متعددة المراحل ولا يخلو من مفتري تاريخي ان هذه الخطة تم وضعها في ظل الوحدة المصرية - السورية ويتضح هذا جليا من ارتباطها بتكوين مجلس أعلي للدفاع يضم أعضاء مصريين وسوريين والأعضاء السوريون هم كحالة "نور الدين كحالة" وعبدالحميد السراج وطعمة العودة الله وأحمد جنيدي وجادو عز أمين وجمال سوفي واكرم ديري والطرابلسي "أمجد الطرابلسي" وكان هؤلاء أعضاء في الحكومة التي تشكلت في 6 أغسطس 1960 وكان فيها سبعة نواب لرئيس الجمهورية منهم خمسة مصريين وسوريان وإذا كانت الوثيقة - وثيقة خطة تحرير فلسطين - لا تحمل تاريخا فإن تشكيل مجلس الدفاع وعضويته يعنيان انها ترجح ترجيحا إلي العام 1960 أي قبل الانفصال في 28 سبتمبر 1961 ويعني هذا فيما يعنيه ان الوثيقة "تلت" الخلاف الذي وقع داخل السلطة بين عبدالناصر والبعثيين وعلي رأسهم اكرم الحوراني حين كان نائبا للرئيس حول الموقف من تحويل نهر الأردن.
ولعل هذا يقترن بأحاديث عبدالناصر في ذلك الوقت عن المزايدين لدرجة انه رفض الحديث عن إسرائيل المزعومة ومن أسف ان هذا وغيره مما يتجاهله وربما يجله فعلا. بعض من يدينون ثورة يوليو بدعوي ان انصارها هم من كانوا يتحدثون عن "إسرائيل المزعومة" وهذا جزء من الحملة الدعائية الواسعة التي لاتزال تتعرض لها الثورة وزعيمها حيا وميتا.
ان الظروف المحيطة بوضع هذه الخطة تتطلب دراسة خاصة والأمر متروك هنا للمؤرخين ولأوراق عبدالناصر الأخري التي لم يرفع الستار عنها بعد فلماذا؟ إلي متي؟ اسلمي يا مصر.
نص الخطة بخط يد عبدالناصر
تحمل هذه الوثيقة الرقم 160 بين أوراق المجلدالرابع وقد جاءت بعد أوراق مؤرخة في 1961 وبعضها قبل أيام معدودة من الانفصال في 28 سبتمبر والأدق انها ترجع إلي ما قبل ذلك وهي تحمل عنوانا يتضمن محتوياتها وهو مذكرة بقلم الرئيس عن تكوين مجلس أعلي للدفاع وخطة لتحرير فلسطين والإسكان والعلاج والتأمين الصحي والصناعة وبالطبع فإن الرئيس لا يكتب "مذكرة بقلم الرئيس" وهو من عنديات محررة الأوراق أما نص الوثيقة حسب الصورة المصاحبة فيحمل في الصفحة الأولي عنوانا آخر من كلمتين هما "الدفاع- الحربية" وتتلوها فقرة أخري تحمل رقم 2 وعنوان "خطة تحرير فلسطين" بخط يد عبدالناصر.. وتقول الوثيقة في هذين البندين نصا.