حاورته :سارة الأمين
جاء إلى القاهرة من أقصى شمال مصر من سيناء تحديدًا، وتحدث بلسانٍ عامي كأهل العاصمة المصرية وإن كان غريبًا عنها حتى بعد أن عاش فيها كل عمره إلا خمس سنوات، يتكلم بهذا اللسان العامي إشفاقًا على أصدقائه، إذ ترى كل واحدٍ منهم فاغرا فاه إن تكلم الشاعر العامي سالم الشهباني الذي فاز ديوانه "البعيد عن العين" بجائزة "أحمد فؤاد نجم"، كما حصل على جائزة الدولة التشجيعية، يرى سالم الشهباني السابقين من شعراء العامية كحداد، وجاهين، وبيرم، والأبنودى، ونجم، وقاعود، وسيد حجاب، وماجد يوسف كالآباء الشرعيين لقصيدة العامية المصرية والرواد وأول من خط فيما يعرف بقصيدة العامية المصرية، وإن كانوا هم أبناء شرعيين أيضًا للمورث الشعبي، هم أباؤنا الذين فتحو أمامنا الباب ومهدو الطريق وأعطوا شرعية لقصيدة العامية المصرية، هم من حملونا فوق أكتافهم وجعلونا نرى الحياة بشكل أوضح، جعلونا نعبر عن واقعنا دون خوف أو محاباة، هم أبناء شرعيون للموروث الشعبي عبروا عن واقعهم وقضاياهم بكل صدق وبأسلوب فني غاية في الإدهاش، وتركوا لنا ميراثاً كبيرًا من قصيدة العامية المصرية، ونحن نعبر عن واقعنا وبأدواتنا وبمشاريعنا الخاصة التى تشبههنا وتشبه قضايانا وواقعنا، ومصر عاشت مؤخرًا مناخًا شعريًا يشبه المناخ الذي أنتج أدب الفاجومي وفي الغرب بابلو نيرودا ولوركا.
وحول عدم وجود إنتاج شعري مقاوم كما في الماضي قال الشهباني: "أعتقد أن هذه مقولة ظالمة وذلك لأننا حصرنا المقاومة في القصائد المباشرة ذات الصوت العالي فقط وأنا ضد هذا الحصر، وأعتقد أن كل زمن وواقع له شعراءه ويختلف مفهوم المقاومة من واقع إلى آخر، فمثلا الحديث عن قضايا المواطن البسيط وعن همومه ومشاكله، هو مقاومة، الحديث عن السلام والحب والجمال هو مقاومة في وجه كل قبح، الحديث عن العدل والحرية هو مقاومة في وجه كل ظلم، الحديث عن الإنسان هو مقاومة في وجه كل ماهو غير إنساني، عندما يتحدث شاعر عن وردة تواجه قذيقة أو رصاصة هذه مقاومة".
سألته أنت قلت إنك تكتب عن تجاربك الذاتية فهل تهتم بالشعر المقاوم؟
كرر على مقولته "مع ضبط مصطلح المقاومة أنا أعتبر كل ما كتبته ينتمي لشعر المقاومة بمفهومه الذى أعرفه واتفق معه".
وعن جور الرواية على حق الشعر فقال "لا يجوز أن يكون مجتمع يمضي على قدم واحدة، والشعر والرواية هما قدما أي مجتمع، فلو تصورنا أننا في زمن الرواية إذن نحن في مجتمع أعرج وهذا غير صحيح، سيظل الشعر له مكانته الخاصة التي لن يستطيع أي فن آخر الأستحواز عليها، اظن أن مقولة "زمن الرواية" هي مقولة جاءت لتوجيه المجتمعات العربية نحو هذا الفن الذي يعتبر فن كاشف لكل ما يحدث داخل هذه المجتمعات ولتعرية المجتمعات العربية وكشفها أمام الآخر، أنا لا أرضى كثيرا عن هذه المقولة، بالرغم من احترامي لفن الرواية وتقديرى له.
أما عن إختياره للكتابة بالعامية المصرية وليس لغته البدوية أو العربية الفصحى فقال: "العامية المصرية مفهومة لدى قطاع كبير من الوطن العربي وتكاد تكون هي الوحيدة التي يفهمهما معظم الوطن العربي ويتحدثها بطلاقة دون صعوبة أو عناء على عكس بعض العاميات الأخرى التى يغلب عليها الطابع المحلي فيصيبها بالغموض، وأعتقد أن سر هذا هو ريادة مصر في فنونها في مجال المسرح والسينما والشعر والدراما التى قربت إلى حد كبير بين المواطن العربي والعامية المصرية، سألته عمن يستحقون الجائزة غيرهم من جيله فقال: "لأ أستطيع حصر أسماء، لكن أكيد هناك شعراء يستحقون الجائزة، وهذا مرهون بالاجتهاد والمثابرة".
لسالمِ شعر ناعم كأهل شبه الجزيرة العربية داكن كأهل قارة آسيا التي تنتمي سيناء جغرافيا لها، أسمر ككل من له قصة كفاح طويلة تلعب الشمس فيها دور الشاهد وهو المكافح فقد عمل بالعديد من الأعمال، التي كفلت له أن يكون عائلاً لأهله كفردِ أمن بمجمع التحرير، ودرس في الجامعة بالتزامن مع ذلك قبل أن يتولى مقعده بقصر ثقافة عين حلوان وهو أصغر من جلس على هذا الكرسي، ولا تلاحظ نظرات الشعور بالفضيحة وهو يتكلم عن فقره بعد وفاة والده في سن مبكرة من عمر الشاعر الذي يكتب قصائدة بالعامية المصرية، معتز بنفسه كأبيه الذي كان شيخ قبيلته دون غطرسة وأكثر ما يزعجه "أن يعامله أحدهم بعدم تقدير"، يرتدي أبسط الملابس العملية كأهله في جنوب سيناء كأن التأنق لعبة طفولية لم يمل قلبه إليها، وبسؤاله عن عادات البدو قال: "أحبها وأكره أقل القليل منها، أحب حفاظ البدو على هويتهم، وأنا ابن لبيئةِ لها موروثاتها في التعامل مع الآخر، فالبدوي يظل بدويًا حتى وإن عاش بالقاهرة، ويجب الفصل بين بدو شبة الجزيرة والذين يسمون "النبط"، وبدو مصر، فهم أبناء هذه الأرض لهم نفس الروح ونفس الدم بالإضافة لعاداتهم الخاصة، ومن بعد القوانين التي نقلها البدو منها "الجار للجار حدفة عصا" وتلك تحفظ للجار حرمته، فلا تجد بدو يبني بيته قريبا من جاره لئلا يخترق خصوصياته ودق الرايات على بيت العروسين في الاحتفال بالزواج لمدة خمسة عشر يومًا من "سامر" وهو ارتجال الشعر على بحر ما يتفق عليه الحضور في مجلس والتحكيم يكون من قبل امرأة طاعنة في السن وهذا دليل على مكانة المرأة البدوية في مجتمعها والتي يرجع لها الرجل وقتما يحتاج لمشورة، وتحية فريقين كذلك ولكن يختلف الإيقاع وهي الأخف والأسرع، و"كف" هو أغنيات مثل إيقاع الأغاني الشهيرة مثل "التاكسي الجاي من الحمام عليه خميسة من قدام" والتاكسي هو وسيلة توصيل العروس إلى مكان إقامة الحفل والخميسة هي رمز ضد الحسد، فالأغنيات كلها نابعة من البيئة البدوية وهذا سر استمرارها، بالإضافة لبساطة تكاليف الزواج، فوالدي تزوج والدتي بعود أخضر، ومما يرفضه الشهباني في أهله رفضه السماح للبنت البدوية أن تتزوج من خارج القبيلة البدوية، فسألته هل تقبل أنت أن تزوج ابنتك إن تقدم لها قاهري مثلاً، هنا خفت صوته وعلى وجه مسحة من العجز وقال" لن أقبل حتى لا أُنفى خارج المجتمع الذي أحبه وسأكون "معيرة" وأطرد خارج القبيلة".
كتب عن الألعاب الشعبية للأطفال، أربع أجزاء صدر منهم اثنان وهما "القطة العامية"، و"شبر.. شبرين" ولم يكتف فيهما بشرح الألعاب بل تطرقت إلى مردودها على الفرد، ومن ثم كتب ديوانه "الملح والبحر" المكون من قصيدة واحدة و"السنة 13 شهر" الذي حكي فيه عن الشهور القبطية ومواسم الزراعة، وبعد ثورة يناير وبعد ثورة يناير صدر له ديوان "الدليل" وهو قصيدة واحدة، فبالنسبة للشهباني الشعر له مكانه خاصة "طوال الوقت الشعر أول أولوياته، فيقول: هو الجسر الذي أعبر من خلاله لكل الناس الذين أحبهم وجعلني أرى التفاصيل التي بيني وبين جدتي وأمي وأبي بل وجيمع الخلائق، ففي ديوان "سيرة الورد" كتبت فيه عن جدتي النخلة، وكيف يعيش أهل هذه البيئة، وما هي تفاصيلهم، ما أغانيهم، لماذا يتهمهم الجميع بخيانة الوطن؟ وهم الأوفى، ولا أرى سببًا لتحدثي عن خيانة البدو لمصر، فالتعميم جريمة كبرى، وتلك الرؤية الخاطئة جعلت أهلي يسجلوني في شهادة ميلادي كطفل ولد بحلوان ليبعدوا عني كل الأذى الذي واجهه مواطنو سيناء والصورة النمطية عنهم كتجار مخدرات أو أسلحة أو جاسوسية، والتي طالتني- رغم حرصهم- أثناء تقدمي للنيابة بعد تخرجي من كلية الحقوق وحتى بعد اجتيازي لكل الإختبارات الواجبة، فرفض طلب انضمامي، ولم أهتم كثيرا لأن وكالة النيابة لم تكن أحد أحلامي، بل كانت إحدى أمنيات أمي وأرى أنه من العادي أن أحقق أحلام الآخرين إن كنت أحبهم".
نال الشهباني جائزة الدولة التشجيعية التي نسى أنه تقدم لها عام 2014، وجاء خبر فوزه أثناء عمله بمكتبة بالهيئة العامة لقصور الثقافة وأول من أخبره بالخبر كان الشاعر سيد حجاب بعد إعلان النتيجة وكل هذا بالتزامن مع تقديم الشهباني أوراقه للسفر خارج مصر فكانت الجائزة قشة تعلق بها الغريق الذي يرى أنه واجه الكثير من الغربة في وطنه.
ويرى الشهباني أن الإحباطات التي تعرض لها كان سببها شعوره بأنه ظلم أهله بتمسكه بالكتابة، فيقول: وضعتهم أمام أحلامي بأني سأحقق لهم عبر الكتابة الكثير، تلك الأحلام كانت معنوية أكثر منها مادية"، أضاف الكاتب المشرف على الأربعين "لو الجائزة كانت أصابتني بعد بلوغي الأربعين كنت رفضتها، لأنها مخصصة للشباب وبهذا كنت سأغتصب حق شاب في الحصول عليها، والشاعر كأي فنان حقيقي به القليل من النرجسية والكثير من الإبداع
التجربة الذاتية ورؤية الشهباني للشاعر أن: "الفنان يشعر بالإحباط عندما يشعر بفقر التقدير لعمله الإبداعي خاصة إذا بذل مجهودا في هذا، ولا يوجد تصنيف واحد أوحد ولكن في رأيي أن الفنان يجب أن يكون محتكا بالمجتمع دون أن يتورط فيه، يدرك مشاكله بشكل جيد ولكنه ليس طرفًا في تلك المشكلات، والفنان أميل للهدوء والحساسية تجاة الأشياء"
"البوابة نيوز"