القاهرة 19 يوليو 2016 الساعة 11:09 ص
القاهرة 19 يوليو 2016 الساعة 11:03 ص
كتبت : أمنية الجمل
نفتقد فى مصر إلى منظومة التعامل معها فلا توجد جهة تتولى جمعها ولكنها متروكة فى قبضة تجار الخردة
يمكن استخراج 17 طن نحاس و380 كيلو جراما فضة، و37 كيلوجراما ذهب من إعادة تدوير مليون موبايل
عمرو شعيلة: خطورة النفايات الإلكترونية تكمن فى البطاريات التى يمكن أن تنفجر وتسبب السرطان وتشوهات للجلد أو العمى
هشام عبد الغفار: كانت هناك جهود لفتح مصانع لإعادة تدوير الإلكترونيات لكنها توقفت بعد ثورة 25 يناير
ويحتوى التليفون المحمول على أكثر من 40 وحدة سامة تكفى لتلويث 600 ألف لتر من المياه النقية
خليل حسن: لا توجد لدينا مدافن للمخلفات الإلكترونية سوى مدفن الناصرية بالإسكندرية ولا يستوعب سوى 1? من حجمها
لم يعد يخلو بيت فى مصر من وجود أجهزة إلكترونية قديمة، لا نعرف كيف نتخلص منها، كجهاز موبايل أو كمبيوتر أو شاشة، وغيرها من الأجهزة التى لا نعرف كيف نتخلص منها، وجميعها تسمى نفايات إلكترونية، ويشكل وجودها خطرا كبيرا على الصحة والبيئة، والأغرب من ذلك أننا كنا نستورد تلك النفايات من الدول الأوروبية وأمريكا - التى حولت بعض دول العالم النامى إلى مكب لنفاياتها الإلكترونية - ونعيد بيعها للناس على شكل أجهزة كمبيوتر وطابعات وشاشات. إنه شكل آخر من أشكال استيراد الموت وبيعه للمواطنين، وحتى هذه اللحظة لا نعرف كيف نتخلص أجهزتنا الإلكترونية القديمة، ولم تخرج علينا جهة مسئولة ترشدنا إلى كيفة التخلص الآمن منها، على الرغم من أن هذه النفايات إذا تم استغلالها وإعادة تدويرها، ستخرج منها خامات تشكل ثروة كبيرة لمن يعمل بها بطريقة أمنة.
انتشرت فى الفترة الأخيرة إعلانات على كثير من القنوات الفضائية عن أجهزة كمبيوتر وهواتف محمولة بأسعار زهيدة للغاية، والحقيقة أنها أجهزة قديمة، أو بمعنى أدق نفايات إلكترونية تم استيرادها من أسواق أمريكا وأوروبا لبيعها للمستهلك المصرى. وفقا لدراسة اقتصادية حديثة أجرتها شركة "إنترناشونال تكنولوجى جروب" فإن حجم النفايات الإلكترونية أو الأجهزة القديمة التى أصحبت غير صالحة للاستخدام فى مصر، يتراوح ما بين 40 إلى 50 ألف طن سنويا، وهذه الأجهزة قنابل موقوتة تشكل خطرًا كبيرا على الصحة والبيئة بشكل كبير، حيث تسبب مشاكل فى النمو لدى الأطفال، وجملة من الأمراض الخطيرة كالقلب والسرطان، وتلف الكبد والكلى، وخللا فى النشاط المعرفى واللفظى، وشللا قد تصل إلى الموت.
أبخرة سامة
وتضيف الدراسة إن أخطر ما فى تلك النفايات هى الموجودة داخل أجهزة الكمبيوتر فهى مواد سامة غير قابلة للتحلل، وبالتالى تبقى على حالها بالتربة مما يمثل تهديداً كبيراً ويلجأ تجار جملة الأجهزة المستخدمة إلى التوسع فى استيرادها، وتصنف الأجهزة إلي: أجهزة صالحة للأستخدام الآدمي، وأخرى تالفة يتم التخلص منها سواء بالدفن تحت التربة أو بالحرق بطريقة غير بيئية، وفى كلتا الحالتين تتصاعد أبخرة سامة ضارة على الصحة والبيئة. كما أن الذبذبات الصادرة عن النفايات الإلكترونية المنتهية الصلاحية تؤثر على العين والمخ، لما تحتويه من عناصر سامة مثل الرصاص والذى تبلغ نسبته 400 جرام فى كل شاشة كمبيوتر- ترتفع إلى 2 كيلو جرام فى كل شاشة تليفزيون- والزئبق وبعض المركبات المسرطنة الناتجة عن حرق الأجزاء البلاستيكية.
وفى مؤتمر عقده برنامج الأمم المتحدة للبيئة، القى الحضور باللوم على أصحاب مصانع الأجهزة الإلكترونية، حيث إنهم يجنون من هذا القطاع مليارات الدولارات سنوياً، ويهملون على الجانب الآخر الإنفاق على وجود الوسائل الآمنة للتخلص من نفاياته التى يدرك مدى أضرارها على الإنسان والبيئة، وألقى بها فى البلدان الفقيرة وترك أهلها يعانون خطورتها. وحسب الإحصائيات التى جاءت فى دراسة حديثة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة عن مدافن النفايات الإلكترونية فى إفريقيا، فإن ما يزيد على 50 مليون طن من النفايات الإلكترونية يتم التخلص منها فى إفريقيا سنوياً، فعلى سبيل المثال يدخل شهرياً إلى ميناء لاجوس النيجيرى ما لا يقل عن 100 ألف جهاز كمبيوتر، بالإضافة إلى أجهزة تليفزيون ومعالجات كمبيوتر وتليفونات لا تعمل، ويتم التخلص منها هناك بحرقها مما تنتج عنه أبخرة سامة ومواد كيماوية خطرة تتسرب إلى التربة.
كوارث بيئة
ومن كوارث النفايات الإلكترونية هناك، أن غالبية مواقعها تقع فى مناطق قروية بسيطة يعيش أهلها فى ظروف اقتصادية قاسية. فمثلا نجد فى قرية "جوياو" التى كان يعيش معظم سكانها على زراعة الأرز وكانت من أنقى المناطق مناخا أصبحت منذ العام 1995م من أكبر مكبات النفايات فى العالم وهذا بسبب السعى الحثيث لأهالى لمفارقة حياة الزراعة الفقيرة. ومن الكوارث الأخرى ما حدث فى قرى تقع فى جنوب شرق الصين يتم بها تفكيك أجهزة كمبيوتر قديمة ويتم رمى الأجزاء غير النافعة فى الحقول وعلى ضفاف الأنهار، مما تسبب فى تلوث المياه الجوفية تماماً وأصبحت غير صالحة للشرب، وبات سكان هذه القرى يحصلون على مياه شربهم من بلدة تبعد 18ميلاً عنهم. ويؤكد تقرير لمنظمة السلام الأخضر أن تحليل عينة تم أخذها من أحد الأنهار فى هذه المنطقة أظهر أن مستوى التلوث يفوق معدلات التلوث المقبولة عالمياً بـ 190 ضعفاً.
والسؤال هل توجد لدينا فى مصر إعادة تدوير لتلك الأجهزة، خصوصًا أنها تحتوى على كميات مختلفة من المعادن منها الذهب والفضة والبلاتين والنحاس، ويُقدّر بعض الخبراء قيمة المواد الموجودة فى النفايات الإلكترونية بالولايات المتحدة الأمريكية وحدها بأكثر من 60 مليون دولار. كما أشارت إحدى الدراسات المتخصصة فى مجال البحوث حول تقنية المعلومات الإلكترونية، إلى أنه من الممكن استخراج 17 طنًّا من النحاس، و380 كيلو جرامًا من الفضة، و37 كيلو جرامًا من الذهب، و16 كيلو جرامًا من البلاديوم، عبر عمليات إعادة تدوير مليون هاتف جوال فقط.
ويرى خبراء الاقتصاد أن إعادة تدوير الأجهزة الإلكترونية يعتبر منجمًا لكثير من المعادن الثمينة، فتكلفة استخراجها من النفايات أقل 10 مرات من استخراجها من المناجم الطبيعية، فالإنتاج السنوى للبضائع الإلكترونية الحديثة حول العالم يتطلب ما يقارب 320 طناً من الذهب وما يزيد على 7.500 طن من الفضة.
تجار الخردة
وتفتقد مصر منظومة التعامل مع النفايات الإلكترونية فلا يوجد جهة تتولى جمعها ولكنها متروكة فى قبضة تجار الخردة، فمثلاً جهاز الكمبيوتر متوسط وزنه 29.6 كيلو جرام، وبه 17.3? مكونات إلكترونية، أما التليفزيون به 330 جرام إلكترونيات، مما يلزم وجود منفذ لتجميع الأجهزة التالفة، وإنشاء مصنع للتدوير واستخدام النفايات. ويحتوى التليفون المحمول على أكثر من 40 وحدة سامة والتى يمكنها أن تلوث 600 ألف لتر من المياه الصافية.
ويتم التخلص من النفايات إما عن طريق الترسيب الكيميائى أو التبادل الأيونى، حيث تحاط المواد المشعة بعد تبريدها بطبقة من الأسمنت ويتم وضعها فى كونتينر (حاوية للحفظ مصنوعة من الخرسان) وتدفن فى مقابر على أعماق كبيرة فى باطن الأرض وفى أماكن بعيدة عن العمران والمياه الجوفية، ويسمى ذلك التخزين طويل الأمد. وعلى حد قول المهندس عمرو شعيلة العضو المنتدب لشركة بلوريد فإن خطورة النفايات الإلكترونية تكمن فى البطاريات لأنها من الممكن أن تنفجر وتسبب السرطان وتشوهات للجلد أو العمى، لذا يجب أن يعاد تدويرها، لكن عند إعادة التدوير يجب أن تزال البطاريات أولا حتى لا تسبب أمراضا للأفراد الذين يعملون عليها ثم يتم عمل إعادة التدوير. ويضف المهندس شعيلة، أن الأهم من عملية إعادة التدوير هو التخلص من النفايات المتبقية، فهى الأكثر خطورة، حيث يجب أن توضع فى مدافن آمنة ومعتمدة من قبل الدولة وترسل الشركات شهادات إلى الحكومة أنها دفنت تلك المواد.
تدوير المخلفات
بينما يقول المهندس أحمد سالم مدير مصنع إنترناشيونال تكنولوجى جروب لتدوير النفايات الإلكترونية، إن المصنع يحصل على المخلفات الإلكترونية من خلال الدخول فى مناقصات لشراء المخلفات من الحكومة أو من الشركات، ويتم الفصل بين المواد من خلال بعض خطوط الإنتاج، وأشار إلى أنه لا يوجد تعاون مع الحكومة بالقدر الكافى وإنما بسيط جدا. ويضيف المهندس سالم، أن مهمة المصنع هى تدوير المخلفات الإلكترونية وليس تجديدها فهو يستخرج المواد النفيسة أو التى يمكن إعادة استخدامها مرة أخرى، مشيرا إلى أنه يعمل بطاقة إنتاجية 800 طن شهريا، وأن حجم الاستثمارات فى مجال النفايات الإلكترونية بمصر يتراوح ما بين 40 إلى 50 مليون دولار سنويا .
وقبل ثورة 25 يناير كانت هناك جهود كبيرة لاستغلال النفايات الإلكترونية، ومحاولات لفتح مصانع لإعادة تدوير الإلكترونيات - والكلام للدكتور هشام عبد الغفار الرئيس الإقيلمى السابق لشركة بولارويد الشرق للإليكترونيات – كما كانت هناك جهودا كثيرة، وتم بالفعل افتتاح مصانع قبل 3 سنوات، لكن للأسف لا يوجد أى تعديل تشريعى يجبر الشركات أو المؤسسات الحكومية على إقامة مصانع للمخلفات الإلكترونية أو إعادة تدويرها أو عدم بيعها فى السوق، لكن توقفت كل تلك الجهود فيما بعد. وأضاف أن ما يحدث حاليا أن الشركات والمؤسسات الحكومية تتخلص من مخلفاتها الإلكترونية عن طريق مزايدات يدخل بها بعض التجار غير المؤهلين ويعيدون تدوريها بطرق غير أمنه ثم تباع فى الأسواق وهذا له خطورة كبيرة على صحة الإنسان وعلى البيئة وعلى الأشخاص الذين يقومون بإعادة تدوريها
غياب التشريعات
ويطالب عبد الغفار البرلمان، بإطلاق القوانين والتراخيص للشركات المؤهلة، وسيدخل بعد ذلك إلى السوق المصرى الكثير من الاستثمارات، لكن إذا استمر هذا الوضع كثيرا ستصبح الشركات غير قادرة على المنافسة وستغلق. كما أبدى استياءه من حالة عدم وجود تشريع فى مصر يخض النفايات الإلكترونية، فقد وضعت الهند قانونًا خاصًا بالنفايات الإلكترونية، بعدما دخلت الشركات سباق اللانهاية فى إنتاج الأجهزة الحديثة خصوصا فى مجال الموبايل والكمبيوتر، حتى أصبحنا مضطرين بمواكبة التطور العلمى والمظاهر الاجتماعية بالتخلص من أجهزتنا القديمة وشراء الحديثة المتطورة.
وردا على استيراد أجهزة كمبيوتر قديمة، تعد بمثابة نفايات إلكترونية، قال خليل حسن خليل، رئيس الشعبة العامة للحاسبات الآلية والبرمجيات بالاتحاد العام للغرف التجارية، إنه من الصعب استيراد النفايات الإلكترونية، ولا يوجد عدد كبير من المصانع الخاصة بتدوير النفايات الإلكترونية، فالمجال ضيق للغاية خصوصا بسبب عدم وجود قوانين تنظم عمل تلك المصانع. وأشار خليل إلى خطورة النفايات الإلكترونية على الصحة، فكل عنصر داخل النفاية يسبب مشاكل متعددة مثل القصدير الذى يسبب مشاكل فى الرئة، والبريليوم الذى يسبب أمراض سرطانية، والنحاس الذى يسبب تلف الكبد والكلى مضيفا أنه يجب توفير مدافن أمنة للإلكترونيات بعد إعادة تدوريها، فمصر لا توجد بها مدافن للمخلفات الإلكترونية سوى مدفن الناصرية بالإسكندرية وهو صغير للغاية يستوعب نحو 1? من حجم النفايات الإلكترونية وحذر من استيراد الأجهزة القديمة من الخارج حتى لا تصبح مصر مخزنا لنفايات العالم الإلكترونية.
كوارث صحية
وتحتوى هذه النفايات على كميات كبيرة من العناصر السامة كالرصاص ومادة الكادميوم وأكسيد الرصاص والزئبق وأشعة الكاثود وعنصر الكروم، إضافة إلى اللهب البرومى الذى ينتج عن حرق لوحات دوائر الطابعات والأغطية البلاستيكية، ولكل من هذه المواد تأثيرها الخطير على الصحة، فالرصاص له تأثير مباشر وخطير على الجهاز العصبى والدورة الدموية والكلى وجهاز المناعة وعلى النمو العقلى للأطفال كما يصيب بأورام المخ وتشوهات الأجنة، ويتركز الرصاص فى الأجهزة الإلكترونية على كل من لوحات التحكم وشاشات وبطاريات الكمبيوتر ولوحات الطابعات. أما عنصر الكادميوم المكون الأساسى للوحات الدوائر الكهربائية، فهو من العناصر الفلزية ذات التأثير الخطير على جسم الإنسان حيث يترسب على الكلى والجهاز البولى أيضاً، أما مادة الزئبق الموجودة بلوحة المفاتيح والشاشات المسطحة، فتعمل على تحطيم الأعضاء الداخلية وخاصة الدماغ والكلى وتؤثر سلباً على تكوين الجنين.
ولا تقل مادة الزئبق خطورة عن المواد السابقة، وتشير الدراسات أن 22% من الاستهلاك السنوى منه يتم عبر المعدات الكهربائية والإلكترونية والأجهزة الطبية والتليفونات المحمولة وأجهزة الاستشعار، وقد ازداد استعمال الزئبق بصورة كبيرة أخيرا بعد تطوير شاشات العرض الحديثة والمسطحة التى ظهرت لتحل محل الشاشات القديمة، أما عنصر الكروم فمن المعروف أنه يخترق الخلايا بسهولة ويعمل على تحطيم الحمض النووي، وتزن الأدوات البلاستيكية التى تحتوى على عنصر الكروم نحو 13 رطلاً فى كل جهاز كمبيوتر. كما تحتوى هذه النفايات أيضاً على حاويات بلاستيكية مليئة بالأحبار الملونة والسوداء، التى تتكون من عنصر الكربون الذى يعد، حسب تصنيف الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، مسبباً رئيسياً لأمراض الجهاز التنفسى وسرطان الرئة.
الأهرام العربي