القاهرة 13 يوليو 2016 الساعة 04:50 م
حوار: تهاني صلاح
فاروق شوشة: الجائزة لحظة مراجعة للنفس ومحطة لابد من التوقف عندها والسؤال ماذا صنعت
فاروق شوشة : أهم محطاتي الإبداعية : جائزة الدولة التشجيعية عن ديوان الدائرة المحكمة وجائزتها التقديرية عام 1996
أفضل ان أقول : تجديد العقل لا تجديد الخطاب الثقافي ويجب تجنب الخرافات والأساطير التي تحكم مجتمعنا والعادات السيئة كالختان
قصيدة خدم خدم كتبتها منذ أكثر من 10 سنوات قبل الثورتين وكانت توصيفا لبعض المثقفين الذين تعاملهم الدولة بسياسةالجزرة والعصا
فاروق شوشة يتحدث عن فتاته الأولى وذكريات رمضان في قريته "الشعراء"
فاروق شوشة كتبت أول ديوان شعر للأطفال عن حفيدتي حبيبة والمتابعة اليومية للأحفاد وراء كتابتي عنهم
احتفل الوسط الثقافى منذ أيام بإعلان أسماء الفائزين بجوائز الدولة،وكان للشعر نصيب كبير من هذه الجوائز وفى المقدمة كان الشاعر الكبير فاروق شوشة الذى حصل على جائزة النيل وهى أعلى الجوائز التى تمنح لأديب. وفى مكتبه الذى يطل على النيل بمجمع اللغة العربية استقبلنا بضحكته الصافية السمحة، وروحه العذبة التى تهون عليك صعوبات الحياة وحرارة الجو فى نهار رمضان, وتواضعه الجم الذى يذكرك بمعنى إنسانى نكاد نفتقده من الغالبية العظمى فى صراعات الحياة. تحدثنا معه عن الجائزة.وتحاورنا فى الشعر والأدب واللغة.. واستمعنا لآرائه الثاقبة حول تجديد الخطاب الثقافى..وأفاض فى الحديث عن المرأة والأحفاد والذكريات.
ماذا تمثل لك جائزة النيل؟
أن الوطن لا ينسى من فيه من المبدعين بالرغم من انشغاله فى قضاياه؛ وهى أيضاً لحظة فارقة فى تحديد من هم الأصدقاء الحقيقيون ومن هم الزائفون الذين يحاولون أن يظهروا بمظهر الأصدقاء؛ الأمر الثالث: أنها لحظة مراجعة للنفس ومحطة لابد من التوقف عندها والسؤال ماذا صنعت.. وماذا أنجزت من المشروع الذى صنعته لحياتى فى بداية المشوار الثقافى
هل الجائزة تأخرت من وجهة نظرك؟
أعتقد أنها تأخرت كثيراً، وأنا أقيس المسألة بحصولى على جائزة الدولة التقديرية منذ عشرين عاماً فى 1996، ولكن هناك من جيلى ومن أجيال أخرى الكثير من المنتظرين.
حياتك حافلة بالإبداعات الإعلامية والثقافية واللغوية..فما أهم محطات هذه الرحلة فى نظرك؟
المحطات الإبداعية كانت مرتبطة بعدد من الجوائز أولاها جائزة الدولة التشجيعية لديوان"الدائرة المحكمة"ولقى هذا الديوان حفاوة كبيرة من مؤسستين،مؤسسة الشاعر محمد حسن فقى للإبداع الشعرى وكنت أول من حصل عليها،ثم جائزة كفافيس للإبداع الشعرى وهى جائزة دولية يونانية مصرية،وبالتالى كانت هذه المنطلقات فى البداية بمثابة التشجيع الحقيقى لشاعر فى بداية الطريق .ثم جاءت جائزة الدولة التقديرية وكان أساسها هذا الإبداع الشعرى مضافاً إليه النشاط الثقافى فى الإعلام وفى غيره كمؤشر،ثم تجيء جائزة النيل الآن.
من القضايا التى تشغل الوسط الثقافى الآن قضية تجديد الخطاب الثقافى خاصة بعد انعقاد الملتقى الدولى الأول له.. فما هو تصورك لتجديد هذا الخطاب؟
أنا أفضل أن اسميه تجديد العقل،لأن الخطاب هو التعامل مع الآخر بما يعكس الفكر والتوجهات وليس مجرد لغة كلام أو اتصال وطريقة إبداع..بل هو تغيير مفاهيم متخلفة فى بعض العقول،هذه المفاهيم مرتبطة بالخرافة, أو ما يسمى بالثقافة ولكنه ليس ثقافة ايجابية تنويرية، وهذا يعوق تجديد ما نسميه بالخطاب وهو فى الحقيقة العقل. وأنا أدعو إلى تجديد العقل وإصلاح المفاهيم وصنع منطلقات جديدة شجاعة وجريئة للتفكير، وكما نقول فى مسائل كثيرة التفكير خارج الصندوق، نقول تجديد الخطاب لا يجيء إلا بتفكير العقل خارج المألوف، وإذا أعملنا العقل فى كل أمور حياتنا وتجنبنا الخرافات والأساطير والسلبيات الموجودة فى المجتمع والمتشكلة فى صورة عادات وتقاليد كلها بائسة ومريضة وتجر إلى الخلف مثل ظاهرة "الختان" لا تحل بمجرد تجديد الخطاب ولكن بتطوير عقول هؤلاء الناس وتغيير مفاهيمهم.
لك قصيدة بعنوان" خدم.. خدم" تشن فيها هجوما على المثقفين.. لماذا؟
لم يكن هجوماً بالمعنى ولكنه كان توصيفاً، والقصيدة قديمة تعود لأكثر من عشر سنوات،وكٌتبت فى زمن ما قبل الثورتين، وكان واقع المثقفين أمامى يتمثل فى أن الدولة تعاملهم بالجزرة والعصا،الجزرة للمنتمين والمؤازرين والسائرين فى الركب،والعصا للخارجين ويتحقق هذا من خلال سجون ومن خلال إبعادهم عن مناصب ثقافية قيادية ومن خلال إحكام دوائر الحصار حولهم، وكنت أرى أن معظم المثقفين قد تخلوا عن رسالتهم، والرسالة الحقيقية للمثقف أنه ضمير المجتمع ويساره الفكرى الذى يسلط عينيه على السلبيات ويكشف النواقص، وليس دوره أن يكون مؤازراً لكل ما يحدث وكل ما يدور.فكتبت القصيدة كوخزة لشد الانتباه.
كتابك "عذابات العمر الجميل" هو عبارة عن سيرة شعرية .. وقد كتب بعض الشعراء سيرهم الشعرية مثل نزار قبانى وصلاح عبد الصبور.. فهل كتبتها اقتداء بهم؟ أم لماذا؟
نزار قبانى وصلاح عبد الصبور كانت كتابتهما أهم ما فيها أنها توضح لماذا كتبوا هذه القصائد بهذه الطريقة فى هذا الوقت وكأنها كانت خلفية للتوضيح والكشف.
أما أنا فاعتقد أننى كٌنت بينى وبين نفسى حريصاً على أن أبرز المرحلة التى تكونت فيها، وكيف كانت: نشأتى فى بيت معلم،هذا المعلم لديه مكتبة، المكتبة شعرية فى الأساس،هو نفسه كان يكتب شعراً ولا ينشره ويعيش حالة شعرية كإنسان، والتفاته إلى كتاباتى الأولى ومتابعته لى كانت تلعب دوراً مهماً فى حياتي. أيضا الواقع الطبيعى الذى عشت فيه فى قرية جميلة تقع فى نقطة التقاء بين النهر والبحر وتمتاز بأشجار النخيل والتوت والزيتون،كانت واقعاً طبيعياً فتح عينى على معجزة اللون: اللون فى الطبيعة والحياة والناس والطباع، وكان هذا مدخلاً لفهم أشياء كثيرة.أيضا ما أتيح لى فى سن مبكرة قبل السادسة أن أكون فى الكٌتاب وأحفظ ما استطيع من القرآن الكريم،لأن والدى كان يهيئنى للتعليم الأزهري, وهو أمر لم يتحقق لأن التعليم الأزهرى كان يتطلب أن أكون فى سن متقدمة، ولكن المدرسة كانت تبدأ فى سن مبكرة فتوجهت إلى المدرسة ولم ألتحق بالأزهر،وإن كنت كما قال شوقى قد أفدت من كثيرين من علماء الأزهر ومؤلفاتهم وسيرهم،وشوقى كان يقول وهو يخاطب الأزهر:
ما ضَرَّنى أَن لَيسَ أُفقُكَ مَطلَعي
وَعَلى كَواكِبِهِ تَعَلَّمتُ السُرى
فانا لم اخرج من سماء هذا الأزهر ولست من نجومه، ولكن تعلمت الاهتداء من علمائه.
وهل للمرأة دور فى هذه السيرة الشعرية ؟
طبعاً.. لأنى تكلمت من البداية على أول اهتزازة فى نفسى لفتاة القرية، ربما قبل أن ادخل سن المراهقة الحقيقية، وربما كان الشعر واهتمامى به وتخيلى لعوالم الشعراء الذين قرأت لهم فى تلك الفترة وأحببتهم بدءً من شوقى وإبراهيم ناجى ومحمود حسن إسماعيل وعلى محمود طه، والأخيرين من شعراء المدرسة الرومانسية الكبار، ربما هذه الحالة الشعرية الرومانسية هى التى جعلتنى أهتم بالفتاة التى ستصبح امرأة، واهتم بالمرأة بعد ذلك, فهى الأم والأخت, ثم تجيء الحبيبة وتكتمل الرحلة بالمرأة الزوجة.
ما هى ذكرياتك عن رمضان فى قرية الشعراء؟
رمضان فى القرية المصرية له طقوس، ففى الوقت الذى يسبق الغروب وأذان المغرب تصمت الكائنات. كنت ألاحظ ما يسمى بصمت الطبيعة، وبالتالى عندما يؤذن المؤذن دون مكبرات صوت كما هو الحال الآن كان ينتشر صوته فى كل ربوع المكان، بمجرد أن شخصا من فوق المئذنة يصيح نشعر بأن الدنيا تتغير.
أيضا العلاقات الاجتماعية والإنسانية فى رمضان. فالبيوت, خاصة بيوت صفوة العائلات, مفتوحة للجميع بدون دعوة، كل من يمر أمام بيت ويسمع الأذان عليه أن يدق الباب ويدخل، وفى نهاية رمضان ما زلت أذكر الحرائق التى كنا نشعلها حول القرية حتى لا تدخل الجن والعفاريت،لأنهم كانوا خارج القرية فى رمضان ونحن لا نريدهم أن يعودوا بعد رمضان فنشعل النيران لنمنعهم من دخول القرية.
ثم المسحراتى وأنغامه الجميلة، والسهر فى مقاهى القرية والسماح لنا بالسهر فى ليالى رمضان لأنه أمان فنأخذ حقنا فى وقت الليل باللعب والسهر، كلها ذكريات جميلة.
لك أربعة أحفاد ولكل واحد منهم ألفت ديواناً شعرياً ..فهل الشعر خاصة للأطفال يعتبر مرآة لحياتك الشخصية؟
عندما أنجبت يارا وهى ابنتى الكبرى كتبت لها قصيدة لتصوير لحظة معينة شعرت فيها بأن قطعة منى تمشى وتتحرك فى البيت ..وعندما ولدت رنا ابنتى الثانية تجدد نفس الشعور وكتبت لها قصيدة.
لكن الكتابة عن الأحفاد كانت مختلفة لأن المسافة الزمنية أكبر وانعطافى نحو هذا الجيل الصغير انعطاف كبير، وعندما ينحنى الجد للقاء مع الحفيد هذه الانحناءة أكبر من انحناءة شاب فى منتصف العمر على أبنائه.
الأمر الثانى أننى أتيح لى متابعة حياة الأحفاد من اليوم الأول، وعندما ألفت أول مجموعة شعرية للأطفال عن الحفيدة الأولى"حبيبة" كنت أتابعها فى النمو يوما بيوم، فعندما تهتز قدماها لسماع الموسيقى أكتب"حبيبة والموسيقى" وعندما تشعر بنشوة وفرح وهى تستحم فى حوض السباحة وتعبر عن انطلاقها أكتب"حبيبة والماء"وحينما احملها وتنظر من الشباك إلى القمر فيصيبها فى البداية شعور بالخوف ثم تبدأ فى التعرف عليه فاكتب"حبيبة والقمر"وهكذا.فالمتابعة اليومية للأحفاد كانت وراء كتاباتى عنهم، وكنت أحس أننى لم اكتب لهم وحدهم،ولكن اكتب لكل الأطفال فى أعمارهم،وان الشعور الذى بداخلى وأنا جد يختلف كثيراً عن الشعور الذى كان فى داخلى وأنا أب.
"الأهرام"