القاهرة 11 يوليو 2016 الساعة 10:46 ص
قبل ظهر يوم الجمعة 8 يوليو .. شهدت العاصمة البولندية "وارسو" ، وبالقرب من نهر "فيستولا"، وقائع صور عديدة كانت أكثر من رمزية داخل المشهد، ولم تغب بالطبع عن رصد وتحليل الدوائر السياسية والعسكرية في موسكو .. بداية من الطاولة المستديرة داخل صالة ديكورها متقشف، مثل صالات إدارة الحروب ، تتوسطها النجمة الرباعية الدالة على الردع من كل الجهات، وجلس حول الطاولة 29 دولة، الأعضاء في حلف الناتو، مع دولة الجبل الأسود التي باتت في حكم المنضمة.. وقبل كلمة الافتتاح، أشار الأمين العام للحلف الأطلسي، يانس شتولتنبرغ، بيده إشارة عسكرية “حادة” ، فدخل ضباط يحملون الأعلام على وقع قرع الطبول العسكرية، ملتفين داخل الدائرة لأداء تحية التبجيل والعرفان لجنود تحالف يشمل نطاق دفاعه المشترك «نحو مليار شخص»!
المشهد الثاني، بعد انتهاء مداولات وكلمات قادة «الناتو» الافتتاحية، انتقلوا إلى صالة أخرى، وجلسوا يتناولون الطعام في الصالة نفسها التي وقعّ فيها قادة ثماني دول، يتقدمهم الاتحاد السوفياتي، ميثاق حلف وارسو في 14 مايو / أيار العام 1955 بعد أيام من إطلاق عملية دمج المانيا الغربية في الحلف الأطلسي، نفس الصالة، ونفس الطاولة، ولم تكن مصادفة بالطبع، بحسب تعبير الجنرال الروسي فلاديمير سولفجين.
خبراء روس، كشفوا عن عدد من الرموز ذات الدلالة والمغزى، من بينها أن هذه القمة تُعقد في العاصمة البولندية التي تأسس فيها «حلف وارسو» بقيادة الاتحاد السوفياتي في العام 1955، كردّ على إنشاء حلف “الناتو” في العام 1949 ، وأن هذه القمة عقدت تحديداً في شهر يوليو ، وهو الشهر نفسه الذي شهد حل «حلف وارسو» رسمياً في العام 1991 وعقدت على بعد ساعتي طيران من الكرملين، بمسافة نحو 800 كيلومتر من الحدود الروسية .. وبعيدا عن الرمزية، فإن هذه القمة (سياقها، قراراتها، موقعها) تجعلها بالفعل قمة الاستفزاز لموسكو.. بينما تتحدث وسائل الإعلام الروسية عن قمة وارسو كمقدمة لــ «حرب
عالمية ثالثة»، طالما سيُمثل «احتواء وردع» روسيا أحد أهم الموضوعات على بساط البحث فيها.
في ضوء هذه اللوحة المُعقدة.. يبدو أن قمة وارسو، أرست «معادلة توازن قوى» جديدة، ودشنت مرحلة جديدة أيضا، في مواجهة روسيا الاتحادية “خليفة الاتحاد السوفيتي” ، بالخطط الرامية لاحتواء وردع روسيا، مما يهدد بمزيد من التوتر، والمزيد من المناوشات. فالأمر، هنا، يتعلّق بمنافسة أو صراع على مناطق النفوذ في أوروبا وخارجها. ويُنتظر أن يظل الوضع في حدود المناوشات بين الجانبين ولا يصل إلى «حرب عالمية ثالثة»، طالما ظل الطرفان يعملان على تفادي المواجهة. ولذلك نجد كلاً من الحلف وموسكو يوافقان على عقد اجتماع جديد لمجلس «روسيا ــ الناتو» في الثالث عشر من يوليو الجاري.
لكن اجتماعاً مشابهاً كان قد عُقد في شهر إبريل الماضي من دون تحقيق نتائج لتخفيف حدة التوتر بينهما، ولذلك تعكف موسكو على بحث ودراسة نتائج قمة وارسو حتى تتمكن من تحديد خطواتها المقبلة للردّ على خطط الحلف.. وإن كانت قد بادرت ، السبت الماضي، بالكشف عن تسلم جيش الدبابات الروسي الأول، منظومة دفاع صاروخي فريدة من نوعها تؤمن حماية القوات البرية وتتيح لها مواصلة الزحف على العدو دون أن يعيقها في سيرها أي قصف جوي معاد.. المنظومة الصاروخية الجديدة “تور-MY2 لا مثيل لها في العالم ، بحسب إعلان وزارة الدفاع الروسية، ومخصصة لحماية القوات البرية من الهجوم الجوي متوسط المدى لتمثل بذلك جدارا منيعا إضافيا بعد المنظومات الصاروخية المضادة للأهداف الجوية البعيدة والبالستية في وجه أي ضربة صاروخية أو جوية قد يوجهها العدو المفترض للقوات البرية الروسية.
ومع استبعاد هواجس «الحرب العالمية الثالثة»، تبقى هواجس عودة «الحرب الباردة» قائمة ، وبصورة أكثر توترا، في ظل مخطط أو مناورات «الاحتواء والردع».