القاهرة 03 يوليو 2016 الساعة 10:05 م
أظن ــ والظن عند العرب بمعنى اليقين ــ أن التاريخ المصري ، سوف يقف طويلا وكثيرا ، عند هذا اليوم ( الثالث من يوليو / تموز ) حين عزل الشعب المصري "حكما إخوانيا" .. وأسقط مخططا، كان أكبر من أحلام وطموحات الإخوان أنفسهم ,في هذا اليوم 3 / 7 / 2013 صدر بيان الشعب المصري، في أعقاب الاجتماع الذى دعت له القوات المسلحة لحل الأزمة، والذى رفض قيادات الإخوان حضوره أكثر من مرة، بينما حضر باقى القوى السياسية من بينهم حزب النور السلفي ، بجانب شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، والبابا تواضروس ، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بالإضافة إلى قيادات القوات المسلحة وعلى رأسهم وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسى..انتهى الاجتماع الذى استمر لساعات، مساء 3 يوليو بنص البيان التاريخى : تحرير مصر من قبضة الإخوان.. ووضع خارطة طريق تحقق بناء مجتمع مصرى قوى ومتماسك لا يقصى أحدا من أبنائه وتياراته، وينهى حالة الصراع والانقسام .. واشتملت هذه الخارطة على الآتى : تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت.. يؤدى رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة..إجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية لحين انتخاب رئيس جديد.
وهكذا .. كان اليوم الـ 368 والأخير في حكم الإخوان .. واهتزّت قواعد التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ، الذي تمتد فروعه داخل 85 دولة ، وقد أصابته " صدمة " ما حدث في مصر ، وهو يتابع التداعيات التي تنبىء بإنهيار الأحلام ، أو على الأقل تهدد بإنكماش حركة التنظيم الدولي ، وهي الحقيقة التي دفعت قياداته للإحتشاد في إحدى قاعات فندق "هوليدي إن" بالقرب من مطار "أتاتورك " الدولي باسطنبول يومي السبت والأحد ــ 6 و 7 يوليو ــ وعقد مؤتمر عاجل بشأن " إعادة تقدير المواقف والحسابات " بعد قرار الشعب المصري عزل الرئيس الإخواني " محمد مرسى " ومطاردة قيادات الجماعة " الأم " في مصر ، قضائيا ، والملاحقات الأمنية في قضايا تمس الأمن القومي المصري ، والمطالبات الشعبية بحل جماعة الإخوان ، وكشف علاقاتها الخارجية ومصادر تمويلها !! وقيادات التنظيم الدولي للإخوان ، تدرك تماما أن مستقبل التنظيم الدولي ، أصبح مرهونا بمستقبل " الجماعة " في مصر ، وأن التنظيم الدولي سوف يفقد عموده الفقري ، بإختلال كيان الجماعة القائد ، وهي المؤسسة للتنظيم الدولي .. وأن تراجع موجة الإخوان في مصر سوف تتبعها تراجعات أخرى ومتواصلة داخل الدول العربية أولا ، ثم تمتد إلى دول أخرى خارج الإقليم العربي !! وقد حدث هذا بالفعل ..لقد كان يوم 3 يوليو ، كاشفا للغمة وللحقيقة .. ومنذ البدايات الأولى ، حين فوجىء "الإخوان" بالحركة المتسارعة والمتدافعة لثورة الخامس والعشرين من يناير ، والتي لم يكونوا قد لحقوا بها عند البداية ، بل أنهم تحفظوا عليها بسياسة " محظور الإصطدام " بسلطة الدولة .. وفجأة هرولوا إلى الميدان عندما بدا لهم أن نظام مبارك يتهاوى .. ولكي نعطى جماعة الإخوان حقهم ، فقد كانوا عنصرا ضمن عناصر من شارك في الثورة ، وكانوا هم العنصر الوحيد المنظم ، وهو أمر طبيعي " كتنظيم " له ضوابطه وتشكيلاته الملتزمة بالسمع والطاعة ، فاستغلوا الفراغ الناشىء في حالة ثورية دون قيادة ، فدخلوا وقد تصوروا ومعهم بقية أطراف التيار الإسلامي أنهم عماد الثورة ، بل وأصحابها .. والصحيح أن فكرة الثورة ، وكذلك مرجعيتها ، لم تكن دينية ، ولم يقع الحدث الأكبر تحت أعلام الإسلاميين ، ولاإستجابة لشعاراتهم ، وإنما كانت فكرة الثورة : إجتماعية ، إقتصادية ، وثقافية ، وكذلك مرجعيتها ، فالإيمان بالله في قلوب الناس على إختلاف أديانهم .. ثم إنفتح المجال واسعا أمام التيار الإسلامي ، بسبب سوء الفهم الذي وقع بين شباب الثورة ، والمجلس العسكري الحاكم ، والخلاف بين الطرفين عطل كليهما ، وفتح فجوة واسعة تدفق منها التيار الإسلامي !!
ثم إنزلقت الثورة بالكامل إلى حضن " الإخوان " ومن معهم من التيار الإسلامي ، والحاصل أن " الإخوان " لم يكونوا مهيئين للمسؤلية ، وقد تصرفوا فيما بعد بمقدار مافهموا ، وركزوا جميعا على السلطة ، في حين أن الدولة نفسها كان يجب أن تكون موضع التركيز .. ومن هنا تداعت الأخطاء ، وكل ما جرى بعد ذلك كان مهينا لهذا البلد ولتاريخه ولمستقبله .. ومن هنا تداعت الأخطاء والمآزق ، حين هرولت جماعة الإخوان تتسابق بأقصى سرعة لتلحق بأجل محدد وقريب ، ولم تتردد في إستعمال كل الوسائل لكى تسبق غيرها إليه ، وهكذا دخلت الصفقات والمناورات إلى الساحة ، ومعها الوعود سلاحا ، والتخويف سلاحا ، وحتى الدين دفع به إلى الساحة ضمن الأسلحة .. وقيل وقتئذ كلام كثير جدا عن "شرعية الصندوق" والديمقراطية التي دفعت بمندوب االإخوان إلى قصر الاتحادية .. وكانت الحقائق كلها تسخر من الذين يقولون إن الديمقراطية في مصر لن تتأتى لها فرصة حقيقية إلا إذا ارتضينا بنتائج الانتخابات .. وعموما ليس كل نظام تأتي به الديمقراطية يكون هو نفسه ديمقراطيا ، فقد عرف التاريخ أشكالا من الحكومات التي أتت عن طريق العمليات الانتخابية والاختيار الحر، وكانت معادية واستبدادية .. ألم تأت الأغلبية بالفاشية والنازية ، فالفاشية لم تتوان طوال عهدها عن نبش الشعور الديني ، ليس فقط من أجل حشد وتعبئة الجماهير حول طروحاتها ، وإنما إلى تقديس الرجل الأوحد ، الزعيم الجبار ، الذي يمثل رجل العناية الإلهية ( ملاحظة : شيوخ التيار السلفي قالوا إن الرئيس مرسي نعمة إلهية ، علينا شكرها ــ سعيد عبد العظيم النائب الثاني لرئيس الدعوة السلفية ــ وأن مرسي ولي أمرنا وعلينا السمع والطاعة .. وهناك من قال : أن من أهان السلطان أهانه الله ــ الداعية السلفي محمد عبد المقصود ــ وأن مرسى رجل العناية الإلهية ، وأمل عودة الخلافة الإسلامية معقود عليه) !! ألم يجعل هذا من موسوليني " شبه إله " ومن هتلر شخصية كونية استثنائية الوجود ، لقد تم الدمج بين الدين وألوهية الزعيم فأدى ذلك إلى منظومة من الأيديولوجيا عبرت عن نفسها في السياسة الفاشية والنازية في إيطاليا وألمانيا. وقد تشابه ذلك في مصر مع الذين استطاعوا قلب الأمور وتوظيف الشريعة الإسلامية ، وتلاعبوا بالمشاعر الدينية للناس، لتبرير الاستبداد وشهوة الاستحواذ على كامل السلطات، ومفاصل الوطن، من أجل تحقيق أهداف ومطامع سياسية !!ثم بدأت الأوضاع تتوالى وتتداعى تأثيراتها ، مع انكشاف سلطة الحكم ، وظهور مركزين للقوة في مصر: أحدهما فوق هضبة المقطم " مكتب الإرشاد العام لجماعة الإخوان "، والآخر في وسط القاهرة، مقر الحزب الحاكم " الحرية والعدالة "، وقد تصرفوا بمقدار ما فهموا، وركزوا جميعا على السلطة، والنتيجة أوضاع كانت على وشك الانهيار اقتصاديا ، ودولة ترهلت وتآكلت مفاصلها سياسيا وتنبئ بفراغ قوة خطير للدولة ، وفوضى غير محكومة وغير منضبطة ، وفراغ سلطة مخيف ، وثمة كتلة من الجماهير يشعرون بالإحباط والغضب ، وأن ثورتهم أهدرت ، ولا يعلمون أين يذهبون ، وهذه كتلة حرجة بدأت تنتفض بحثا عن الخروج من القفص :جماهير تطالب بالتغيير عبر الصندوق بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ، وتصّر مع شبابها على سحب الثقة من الرئيس ، وتصحيح مسار ثورة لم تكتمل .. وثانيهما : جماعات وعناصر وتنظيمات " المتأسلمين " من قوى التيار السياسي الإسلامي، والذين صنعوا عصمة لمنصب الرئيس ليست موجودة في الإسلام ، وهم يعتقدون اعتقادا لا يقبل الشك ، أن مصيرهم ، وتواجدهم ، وانتشارهم ، مرتبط بوجود رئيس ينتمي إليهم ، وأن وجوده على القمة جاء " منحة ربانية " وأن التفريط فيها ، أو التنازل عنها ، محرم شرعا ، بل ويعتبرون الإخلال بها مجلبة للعنة ، يصعب عليهم التكفير عنها ، وهي جماعات ، يقول تاريخها ، إن من بينهم من يعرف كيف يتوضأ بالدم ، لكن ليس فيها من يعرف كيف يصلي صلاة الجماعة ، على حد تصوير شاعر فارسي قديم !!وحتى كتب يوم 3 يوليو / تموز الفصل الأخير في مسرحية الجماعة ، وفي يوم سوف يظل شاهدا في تاريخ مصر، أن مفتاح الموقف كان و لا يزال في يد الشعب.
............................
|