القاهرة 03 يوليو 2016 الساعة 11:18 ص
من واقع قراءاتي في تاريخ الاسلام والحضارة الاسلامية والفكر السياسي الاسلامي والتي عرضت لبعضها في كتابي الصادر عام 2007 من المكتبة
اللبنانية المصرية بالقاهرة بعنوان " الاسلام والمسلمون في القرن الحادي والعشرين : التحديات والاستجابات"
خلصت لبعض النتائج الفكرية ذات الصلة الوثيقة بموقف النبي الكريم عليه الصلاة والسلام و في مقدمة تلك المبادئ حب الوطن والولاء له والدفاع عنه. وهذا المبدأ له ثلاثة ابعاد البعد الانساني والبعد الديني والبعد السياسي. فالبعد الانساني يرتبط بالحب الغريزي للإنسان لمسقط رأسه . أما البعد الديني فهو يرتبط بنصوص قرآنية تؤيد البعد الانساني وتعززه. أما البعد السياسي فهو ينبع من صحيفة المدينة التي هي عقد سياسي وطني اعلنه النبي محمد بعد هجرته ليثرب قادما من مكة
بالنسبة للبعد الديني فإنه ينبع من القرآن الكريم في سورة البلد وقسمه بها وأهمية صلتها بمولد الرسول علي الصلاة والسلام حيث قال جل شأنه " لا اقسم بهذا البلد وآنت حل بهذا البلد ومولود وما ولد " هذا القسم يظهر أهمية مكة ولكنه من ناحية اخر يشير الي حرمة الوطن بالنسبة لكل من يولد علي أرضه وهي حرمة مطلقة لا تدانيها اية حرمة بما في ذلك الانتماء الي عقيدة أو الي حزب او طائفة وما شابه ذلك. ومن ثم تقتضي الشريعة احترام الوطن وحبه والذود عن حياضه و مبدأ الوطنية
والإيمان بالوطن وحبه يقتضي بذل الغالي والنفيس من أجله. وليس الدفاع عن طائفة أو شخص ينتمي لدولة أجنبية. ولهذا لم يحارب الرسول كفار مكة إلا دفاعاً عن نفسه وعرضه وصحابته وجاء فتح مكة استعادة لحقوق المسلمين العرب الذين طردوا من وطنهم. والرسول عند الهجرة نظر لمكة قائلاً " والله أنك لأحب بلاده الله لله و أحب بلاد الله لي ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت " وكثيرة هي آيات
القرآن الكريم التي تحض على حب الوطن والدفاع عنه. وفلسفة قتل المرتد ليس لأنه غير دينه و إنما لأنه خان وطنه.
وقد افاض بعض الشعراء في حق الوطن علي المواطنين ونموذج ذلك قول أحمد شوقي:
وطني إن شغلت بالخلد عنه ... لنازعتني إليه في الخلد نفسي
ويقول
بلادي وان جارت علي عزيزة وأهلي وان ضنوا علي كرام
والإمام محمد مهدي شمس الدين رحمه الله كتب كثيرا عن مسألة حب الوطن والولاء له خاصة في
كتابه التجديد في الاسلام .للأسف بعض العلماء والناشطين السياسيين المسلمين ينسون هذه الامور ويفتون بعكسها ومن ذلك الاخوان المسلمون عندما صرح مرشدهم بأنه ليس لديه مانع أن يتولى شخص ماليزي حكم مصر من أن يتولاها قبطي مصري وهذا قمة الفهم الخاطئ للمبادئ الاسلامية ولحب الوطن . ويتناقض مع صحيفة المدينة التي سوت بين جميع سكان المدينة من المسلمين واليهود والمشركين وغيرهم وبأنهم يشكلون امة مع المسلمين امة للدفاع عن المدينة وان لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم. ولقد اثبت اقباط مصر أنهم اكثر ولاء للوطن ووطنية وحبا لمصر من كثير ممن يسمون قيادات اسلامية فقد قال البابا تواضروس عندما دمر بعض المتطرفين بعض الكنائس لو دمرت جميع الناس في مصر لا يهم ولا يصاب مصري واحد بأذى . فالكنائس يمكن اعادة بنائها اما المصري فالإنسان هو بنيان الله ملعون من هدمه . وكما جاء في القران الكريم من قتل نفسا بغير نفس او فسادا في الارض فكأنما قتل الناس جميعا. هذا هو حب الوطن وحب الانسان بغض النظر عن دينه او عقيدته او طائفته.ولقد خذل الاقباط المصريون خطط السياسة
الامريكية بإثارة الفتنة الطائفية فيها كما يحدث في بلاد اخري وهذا هو الحب الحقيقي للوطن والولاء الحقيقي له
ولقد تسبب المفكر الباكستاني الهندي ابي الاعلي المودودي والي حد ما الشاعر الباكستاني محمد اقبال في الخلط بين مفهوم الامة ومفهوم الوطن. وربما مرجع ذلك عدم اتقانهما للغة العربية فكلمة أمة في القران الكريم لها أكثر من معني مثل انسان واحد ذو مكانة وعلم ولهذا قال القرآن الكريم إن ابراهيم كان أمة. او مجموعة ناس حتى ولو بلا عقيدة دينية كما في قصة موسي في مدين حيث وجد علي البئر أمة من الناس أي مجموعة من الناس.
و ترديد الأقوال التي تبث على الفرقة تدخل في باب الخيانة للوطن و ينطبق عليها حد الردة وحد الحرابة وهذا ما فعله الخليفة الأول أبو بكر في قتال المرتدين. أما المواطنون المخلصين للوطن بغض النظر عن دينهم فلهم كامل الحقوق مثل المسلمين تماماً و صحيفة المدينة المشهورة تؤكد ذلك