القاهرة 27 يونيو 2016 الساعة 11:51 ص
قُضي الأمر.. وبعث البريطانيون ورقة الطلاق إلى الاتحاد الأوروبي، وبقيت حسابات الخسائر والأرباح معلقة بين كيان سياسي بحجم قارة ( الاتحاد الأوروبي) ، وبين دولة عضواختارت أن تعود جزيرة معزولة في المحيط الأطلسي ( بريطانيا) ، وقد دخلت بالفعل مرحلة من الغموض فتحت الباب أمام اهتزازات عنيفة في المشهد السياسي المحلى والدولي، بعد استفتاء مصيري صوت فيه البريطانيون لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي، لينهوا بذلك عضويتهم التي استمرت 43 عاما.
وفي معادلة حسابات الربح والخسارة، هناك ضحايا للاستفتاء البريطاني، وهم : أولا .. رئيس الحكومة ديفيد كاميرون، الذي جازف بالدعوة إلى الاستفتاء طمعا بتقوية مركزه وسلطته في حزبه المحافظ والمنقسم على نفسه.. والضحية الثانية قد تكون وحدة بريطانيا، خاصة أن الإسكتلنديين معروفون تاريخياً بعلاقاتهم الوثيقة والدائمة مع أوروبا.. وخروج بريطانيا من أوروبا قد يشجع القوى الانفصالية هناك على الدعوة مرة أخرى لاستفتاء يُخرِج هذه المرة إسكتلندا من بريطانيا العظمى.
والحاصل .. أن ما كان قبل الاستفتاء .. لم يعد كما كان .. وأعتقد أن بريطانيا لن تستعيد دورها القيادي عالمياً بعد خروجها من أوروبا، خاصة أن اللاعبين الدوليين اليوم هم كتلا سكانية كبيرة ، ومنها الصين والهند والاتحادالأوروبي والولايات المتحدة وروسيا، ومع إمكانية قيام سوق اقتصادية لدول أمريكا اللاتينية أيضا ..
أما الارتدادات السياسية المرتقبة، فتبدو أكثر خطورة ، وعنوانها العريض «تفكك أوروبا»، القارة العجوز، التي اهتزت جدران قصورحكامها، منذ أن بدأ يظهر شعار «الخروج» بلونه الأحمر،على الشاشات التي كانت تنقل تباعاً نتائج الاستفتاء على العضوية الأوروبية، والتي تسمّر أمامهاالملايين منذ اغلاق صناديق الاقتراع، وحتى ساعات الفجرالأولى من يوم الجمعة الماضي .. وبات مؤكداً،أن ثمة قلقاً عالمياً إزاء «تأثيرالدومينو» للاستفتاء البريطاني على باقي دول الاتحاد الأوروبي ، خصوصاً بعدما سارعت العديد من أحزاب اليمين المتطرف الأوروبية ـ وإلى حد ما اليسارالأوروبي السيادي ــ إلى المطالبة باستفتاءات مماثلة، في حملة منظمة ، قادها سياسيون مغامرون ، أمثال "غيرت فيلدرز" في هولندا ، و"مارينلوبن" في فرنسا ، و"كريستيانث ولسن" في الدنمارك ، و"جيمياكيسون" في السويد، و «حركةالخمسةنجوم» و «الرابطةالشمالية» في ايطاليا.
هواجس القلق في أوروبا ــ الآن ــ خشية تقوية الشعورالقومي المغلف بالعنصرية ، خاصة أن قادة الخروج من أوروبا أخافوا البريطانيين بادعائهم أن انضمام تركيا (70 مليون نسمة) القريب إلى الاتحاد الأوروبي ، سيغيروجه بريطانيا !
لكن خروج بريطانيا لن يكون بهذه السهولة ، فالاجراءات تحتاج الى أشهر طويلة ، وربما الى سنوات، لفصل المسارات على المستويات الاقتصادية والسياسية، وعلى مستوى الموظفين البريطانيين في مقر الاتحاد والذين يقدرهم هؤلاء بـ2000 موظف .. ومن المتوقع أن تواجه بريطانيا 4 خيارات للمستقبل ، سواء بشأن العلاقات المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي، أو بمستقبل كيان المملكة المتحدة نفسها .. وهي:
1 ـ خيار النموذج النروجي، وهي الدولة الاوروبية التي لم تدخل الاتحاد ولا مؤسساته السياسية والديبلوماسية والتشريعية ، لكنها عضو في الاتحاد الاقتصادي لدول أوروبا، وهي تعامل على المستوى الاقتصادي كواحدة من دول الاتحاد.
2 ـ خيار النموذخ السويسري، وهي الدولة الاوروبية التي رفضت دخول الإتحاد، وعلاقتها مع بروكسيل محصورة باتفاقات ثنائية، تناقش كل اتفاق على حدة، لكن سويسرا تعيش دوماً تحت الضغط الاوروبي عند مناقشة أي اتفاق عقاباً لها على عدم انضمامها الى الاتحاد.
3 ـ الخيار الثالث، أن تتحول بريطانيا، كما يهدد بعض زعماء أوروبا الآن، مثل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، إلى دولة عادية تقوم علاقتها مع دول الاتحاد على أساس الروابط عبر المنظمات الدولية كالأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية.
4 ـ الخيار الرابع والأخطر، الدخول في دوامة التفكك .. وتواجه بريطانيا خطر التفكك من الداخل، بعد تصويت كل من اسكوتلندا وايرلندا الشمالية على البقاء في الاتحاد الاوروبي بنسبة وصلت الى ثلثي الناخبين. وبدأت الدعوات تخرج من الزعماء السياسيين في هذين البلدين لتنظيم استفتاء على الاستقلال عن المملكة المتحدة.
وإلى حين الإستقرار على خيار محدد، أو السقوط في دوامة التفكك .. فان بريطانيا تظل عضوا في الاتحاد الأوروبي ، بكل ما يترتب على العضو من واجبات وحقوق ، وتظل القوانين الأوروبية سارية المفعول في بريطانيا بمقتضى المعاهدة الأوروبية التي وقعتها حكومتها، حيث من المتوقع
أن تستمر مفاوضات الخروج سنتين بعد تفعيل المادة 50 من المعاهدة الأوروبية الموقعة في 2009 ( ميثاق معاهدة لشبونة) الخاص بإجراءات خروج دولة عضو .. ويبقي الأمل لدى المفوضية الأوروبية أن تقدم المملكة المتحدة اقتراحاتها من أجل بناء شراكة وثيقة مع الاتحاد الأوروبي .. مجرد شراكة ؟!