القاهرة 07 يونيو 2016 الساعة 12:15 ص
رمضان كريم وهو يقترن دوما بأحلى واكرم المعاني المحفورة في القلوب المؤمنة ولقاءات الأرواح الطيبة..مااحلى ليالي رمضان في مصر المحروسة ومشاهد "سيد الشهور" في بلادي والسعي المبارك لملايين المصريين وهم يكدون باسمين ويكدحون كدحا الى خالقهم وهم يعلمون باليقين الايماني ان في السماء رزقهم ومايوعدون..
لهؤلاء ومن اجل هؤلاء ينبغي ان يعمل المثقف الحق وان يقدح ذهنه عله يسعدهم وهذا هو "المثقف العضوي" المرتبط بالجماهير حقا والمناضل فعلا والناجي من فخاخ وشراك الحنجوريين الجدد وثقلاء الظل والذين في قلوبهم مرض والمنافقين الذين يقولون مالا يفعلون بل ان اقوالهم الحنجورية نقيض افعالهم الساقطة ولاعزاء للمعنى !!..هنا المعنى في عراء على رصيف اللغة!..
هل كان صديقي يعلم ان حديثه معي سيثير كل هذه التداعيات في نفسي ام انها قوة التداعيات في تلقائية النص العام للحياة في مصر الرمضانية رغم ثقلاء الظل والحنجوريين الجدد وهذيان الشر قبل اندحاره على عتبة رمضان المصري ؟!.صديقي يسري السيد الصحفي العتيد بجريدة الجمهورية وصاحب الصولات والجولات في صفحاتها الثقافية ورئيس تحرير مجلة "مصر المحروسة" التي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة هاتفني ومضى يتحدث بحماس مخلص عن انشطة وزارة الثقافة خلال شهر رمضان الفضيل واهمية التواصل المباشر مع رجل الشارع والجماهير العريضة..حدثني عن اهمية الاستفادة في هذا السياق من فكرة المقهى في التاريخ الثقافي المصري البالغ الثراء وتحدث بفرحة عن "مقهى مصر المحروسة" !!.
يبدو حقا ان المقهى الثقافي للهيئة العامة لقصور الثقافة والذي يحمل اسم "مقهى مصر المحروسة" يشكل واسطة العقد للأنشطة الثقافية الرمضانية هذا العام..فقد احتشدت الأنشطة الثقافية المزمعة والمرتقبة لهذا المقهى الثقافي الجماهيري بأسماء نجوم في الفن والأدب والسياسة والصحافة والرياضة مع قضايا وعناوين هامة مابين بطولات حرب السادس من اكتوبر المجيدة ومسلسلات رمضان فضلا عن ليلة في حب سوريا الشقيقة ناهيك عن الانشاد الديني والموسيقى العربية والفنون الشعبية.واذ ترتبط المقاهي في مصر بالأمسيات الرمضانية فيما كانت الأجواء الرمضانية في ارض الكنانة وستبقى ثرية ولها مذاق مميز فان المقاهي تنهض بدور كبير وواضح في صنع هذا المذاق الذي لايكاد يبارى كما يقول الكاتب الصحفي يسري السيد الذي يدير انشطة ولقاءات "مقهى مصر المحروسة" هذا العام وللعام الثاني على التوالي ..
ويبدو ان المقهى الثقافي الرمضاني سيتوهج اكثر بتلك التجربة التي لفتت الأنظار لأول مرة في شهر رمضان خلال العام الماضي في قلب احد اكثر الأحياء الشعبية عراقة في قاهرة المعز وهو حي السيدة زينب وفي قلب احد اعرق الشوارع القاهرية الشهيرة وهو شارع خيرت الواصل مابين "المبتديان وميدان لاظوغلي".اعتبارا من الخامس من شهر رمضان وحتى الثامن عشر من الشهر الكريم ذاته انت مدعو لمقهى مصر المحروسة وفعاليات كل ليلة رمضانية
بهذا المقهى ستبدأ في تمام التاسعة مساء..
له حق وزير الثقافة حلمي النمنم عندما نوه بأن "المقهى" حقق نجاحا في العام الماضي بالنزول للشارع المصري والالتحام بالجمهور" كما انه جدير بالتحية عندما اكد على دعمه لهذه التجربة الطليعية التي تقدم الثقافة والفن للناس في شوارع مصر المحروسة..فالمقهى يتميز بالالتحام والتفاعل مع رجل الشارع ويقدم له منتجا ثقافيا متنوعا" كما يقول سيد خطاب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة لافتا الى ان هذا هو الدور الحقيقي للثقافة الجماهيرية كما ان ان هذا المقهى "يمزج مابين العالمين الواقعي والافتراضي من حيث التعامل مباشرة مع الجمهور والبث على شبكة الانترنت ليجسد بذلك جوهراداء
مجلة مصر المحروسة كمجلة الكترونية".
لعلها تجربة فريدة تلك التي اقدم عليها يسري السيد رئيس تحرير مجلة مصر المحروسة عندما قرر تدشين مقهى يحمل اسم "مصر المحروسة" في منطقة السيدة زينب بكل عبقها الرمضاني القاهري وتحويله الى حيز ابداعي للأنشطة الثقافية والفنية في ليالي شهر رمضان..ولعلها فرصة ايضا بقوة التداعي للأفكار لاطلالة سريعة على المقاهي كعنوان ملهم لكتب جديدة في الغرب مثل كتاب "في المقهى الوجودي" لساره باكويل الذي يحظى باهتمام ملحوظ ولافت في الصحافة الثقافية الغربية بينما تتسابق كبريات الصحف مثل صحيفة "نيويورك تايمز" في عرض ونقد هذا الكتاب عن عصر انتشرت فيه الفلسفة الوجودية وتوهجت اسماء اعلام هذه الفلسفة وفي طليعتهم جان بول سارتر ورفيقته في مسيرة الحياة سيمون دي بوفوار .وقد اختارت المؤلفة عنوانا فرعيا لكتابها الجديد هو :"الحرية ,الوجود, كوكتيل عصير المشمش" او كما نسميه في الشرق "قمر الدين" الذي يقترن عندنا دوما بشهر رمضان..
والحقيقة ان اختيار ساره باكويل لهذا العنوان الفرعي جاء ليعيد للأذهان انه كان المشروب المفضل لجان بول سارتر وسيمون دي بوفوار وريمون ارون في حوارات المقاهي حول الفلسفة الوجودية كما نفضله نحن بعد اطلاق مدقع الافطار في الشهر الكريم.وهذا الكتاب لساره باكويل بمثابة "بورتريه مشترك يجمع مابين اهم اعلام الفلسفة والفكر الوجودي في الغرب خلال القرن العشرين فيما توهج خيال المؤلفة لتتصور ان هؤلاء الأعلام قد اجتمعوا معا في
مقهى واحد تمنت ان يكون احد المقاهي الباريسية التي اشتهرت في زمن توهج الفلسفة الوجودية وذيوع شهرة الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر..
وهكذا تتردد في هذا الكتاب الهام اسماء لفلاسفة ومفكرين كبار في الغرب مثل مارتن هيدجر وموريس ميرلو-بونتي وكارل يسبرس وحنة اردنت والبرت كاموس فيما تتناول المؤلفة معاني وظلال الفلسفة الوجودية التي تعني في احد جوانبها "حرية ابتكار النفس مع تحمل المسؤولية الشخصية لكل انسان عن خياراته و افعاله وتصرفاته" وهذا هو المفهوم الذي تبناه الثنائي الوجودي الأشهر سارتر-سيمون دي بوفوار. ومع ان ساره باكويل سعت لابتكار "مقهى وجودي" بعين الخيال ليجمع بين اقطاب واعلام هذه الفلسفة فانها لم تغفل الواقع الذي يقول ان مقاهي باريس شهدت بالفعل مولد اعظم افكار الفلسفة الوجودية منذ عام 1932 عندما كان يرتادها جان بول سارتر ليدخل في حوارات مع مفكرين ومثقفين من بينهم صديقه ريمون ارون.
أما يسري السيد الذي ابتكر المقهى الثقافي "مصر المحروسة" ليتحول من الخيال الى الواقع فيمسك بجوهر التجربة الطليعية اي ذلك التواصل المباشر بين العديد من المثقفين البارزين والكتاب والفنانين والشعراء المميزين مع رواد المقهى الرمضاني من الجماهير العريضة..ومن الظواهر الايجابية في المقهى الثقافي الرمضاني "مصر المحروسة" خلال العام الماضي ان كثيرا من رواد امسياته كانوا من الشباب الذين يبحثون عن الثقافة والمتعة الفنية معا في اجواء رمضانية ..شبابنا لم يتخل عن العادات الرمضانية الأصيلة التي تدخل المقاهي في مزيجها المصري وكأنهم بذلك يحافظون على الذاكرة الرمضانية المصرية العابرة للأجيال وبأحاسيس تتربى في الوجدان وتجذر معنى الوطن في النفوس..انها نفوس مصرية طيبة لعلها تردد كلمات المبدع الراحل صلاح جاهين:"على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ماشاء..انا مصر عندى احب واجمل الأشياء".