بقلم/ السيد يسين
قامت الثورة الشعبية في 25 يناير وشعاراتها الأساسية الحرية السياسية. والعدالة الاجتماعية. واحترام الكرامة الإنسانية. كل شعار من هذه الشعارات يجد منطقه في سلبيات النظام السلطوي الذي مارس القمع السياسي المنظم ضد كل المعارضين أيا كانت انتماءاتهم. وسواء كانوا أعضاء في أحزاب سياسية. أو ناشطين سياسيين مستقلين. أو أعضاء في منظمات المجتمع المدني. وقد أدي هذا المناخ السياسي القمعي ـ الذي انفرد في ظله الحزب الوطني الديمقراطي بالسلطة المطلقة في البلاد ـ إلي ظاهرة اللامبالاة السياسية. وذلك لأن المواقف الشعبية الواعية أدركت بحسها الصادق أن السياسة أصبحت حكرا علي حزب الأغلبية ورموزه. لذلك امتنعت عن الذهاب لتدلي بصوتها في الانتخابات النيابية أو الرئاسية. أدرك الناس أن أصواتهم تزوّر. وأن إرادتهم تزيّف. فلماذا يشاركون في عملية سياسة فاسدة من ألفها إلي يائها؟ غير أن حزب الأغلبية برموزه غير الشعبية التي فرضت بالقوة علي الناس باعتبارهم يعبرون عن الإرادة الشعبية. لم يدركوا أن العالم منذ عقود يعيش ثورة كبري تتمثل في النقلة الحضارية الكبري من نموذج المجتمع الصناعي إلي نموذج مجتمع المعلومات العالمي. ومعني ذلك أنه تشكل فضاء عام جديد public sphere هو الفضاء المعلوماتي الذي يحكم الثورة الاقتصادية الكبري. ومن قبلها شبكة الإنترنت. أصبح مجالا للاتصال بين البشر الذين ينتمون إلي ثقافات شتي. ويعيشون في بلاد مختلفة. وهذا الاتصال اتخذ أشكالا شتي. منها الرسائل الإلكترونية. والاشتراك في غرف النقاش. ثم ظهرت المدونات بأنواعها المختلفة. وأهمها علي الإطلاق المدونات السياسية التي مارست النقد السياسي العنيف ضد النظام السلطوي. وسرعان ما ظهر "الفيس بوك" باعتباره أداة اتصال فريدة. وكذلك "التويتر". وقد أدي هذا التطور الحضاري إلي أن يهاجر مئات الألوف من الشباب المصريين من المجتمع الواقعي الذي يزخر بالقيود والرقابة من كل الأنواع إلي الفضاء المعلوماتي حيث يمارسون حرياتهم المطلقة في التفكير والتعبير والتواصل. وقد بدأ الشباب ثورة 25 يناير بالتواصل أولا من خلال المدونات السياسية التي مارسوا فيها النقد العنيف للنظام السياسي المصري. سواء في منطلقاته وتوجهاته أو في ممارساته القمعية. ودعوا إلي معارضة النظام. ثم ما لبث أن ظهر الفيس بوك أولا كأداة اتصال اجتماعية. ثم تطور ليصبح أداة فريدة للاتصال السياسي. وقد اعتمد ثوار التحرير علي الفيس بوك في النقد السياسي أولا للنظام المصري. ثم في التخطيط للثورة للاحتجاج وفي حشد الأنصار. إن المظاهرة الاحتجاجية التي خطط لها يوم 25 يناير الذي هو عيد الشرطة. كانت تجربة أولي للثوار التي خطط لها منذ البداية لإسقاط النظام. غير أن الثوار لم يتخيلوا في البداية أن الآلاف المحدودة من الشباب سينضم إليهم الملايين بعد ذلك لتصبح المظاهرة الاحتجاجية ثورة شعبية. وهذه الثورة أخذت عبر الأيام ترفع سقف مطالباتها من إسقاط النظام. إلي ضرورة تنحي الرئيس. وبالرغم من محاولات القمع الإجرامية من قبل قوات الأمن المركزي. فإن الجماهير جمدت واستطاعت الثورة أن تنتصر وتجبر الرئيس السابق علي التنحي. أوكلت إدارة البلاد إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة. الذي تعاطف مع الثورة منذ البداية وحماها وتابع خطاها الثورية إلي أن نجحت الثورة. وتجاوب المجلس الأعلي مع مطالب مشروعة متعددة للثورة. وأقام حوارات متعددة مع الكتاب والمثقفين والسياسيين. واتخذ إجراءات مهمة في تحديد خريطة الطريق في فترة انتقالية مدتها ستة أشهر، يتم فيها تعطيل الدستور. وتجري تعديلات دستورية من شأنها توسيع إطار المشاركة السياسية. ورفع القيود التعجيزية في المادة 76 المتعلقة بالترشح لرئاسة الجمهورية. وإلغاء واقع رئاسة الجمهورية إلي الأبد بوضع حد أقصي هو مدتان. وكل مدة أربع سنوات. وذلك بالإضافة إلي تعديلات أخري مهمة. وقد طالب الثوار بمطالب شتي من أجل توسيع دائرة الحرية السياسية التي هي أبرز إنجازات الثورة. واستجاب المجلس الأعلي للقوات المسلحة للعديد من هذه المطالب المشروعة. غير أنه يبدو أن قوي الثورة المضادة نظمت صفوفها للاعتداء علي الثورة من خلال تدبير مظاهرات فوضوية لنشر الفوضي في البلاد. ولعل انسحاب قوات الأمن فجأة من كل أنحاء البلاد كان هو الخطوة الأولي من خطوات الثورة المضادة التي ينبغي الكشف عن مدبريها ومحاكمتهم جنائيا. غير أن عناصر غريبة علي شباب الثورة سرعان ما تسللوا إلي ميدان التحرير. وهذه العناصر رفعت شعارات ومطالب يصعب تحقيقها. وهددت بعدم الانسحاب من الميدان. بل ونظمت مظاهرات فئوية متعددة لكي تعوق سير الثورة في إطارها الطبيعي. والثورة التي كان هدفها إسقاط النظام القديم. كانت واعية في أن هذه العملية معقدة تحتاج إلي وقت وإلي قرارات رشيدة حتي لا تؤدي القرارات المتسرعة إلي هدم الدولة وتخريبها. وهكذا حين تظهر مطالبات بإقالة كل المحافظين دفعة واحدة. وكل رؤساء مجالس إدارات الشركات. ورؤساء مجالس الصحف القومية. ومديري المصانع المختلفة، فمعني ذلك أن هذه ليست مطالب ثورة. لكنها علي العكس محاولة لنشر الفوضي والتخريب في كل مكان. الثورة طلبت تحقيق الحرية. لكن ليست هناك حرية بدون مسئولية. وإلا تنقلب الأمور إلي فوضي حقيقية. لذلك حين يتظاهر طلبة جامعة القاهرة مطالبين بإقالة رئيس الجامعة وكل عمداء الكليات. لأنه ينبغي أن يشغلوا وظائفهم بالانتخاب وليس بالتعيين. فإن في ذلك مخالفة لقانون تنظيم الجامعات. وهو اقتراح يمكن دراسته. لكن أن يطالبوا بتنفيذه فورا فتلك هي الفوضي الكاملة. لابد من إجراءات حاسمة لتثبيت قاعدة أن الحرية لابد أن يصحبها الإحساس بالمسئولية!
|