القاهرة 20 ابريل 2016 الساعة 01:28 م
بعد مرور وقت ليس بالقصير – على خروج الشعب المصرى للمطالبة بحريته وكرامته , ونحن على أعتاب الاحتفال بالذكرى الرابعة لثورة 25 يناير المجيدة لابد أن نتذكر كلام حكيم المناضلين تشي جيفارا(لا يزال الأغبياء يتصورون أن الثورة قابلة للهزيمة ) و (لا تحمل الثورة في الشفاه ليثرثر عنها بل في القلوب من أجل الشهادة من أجلها) وكذلك (الثورة يصنعها الشرفاء، ويرثها ويستغلها الأوغاد) واخيرا (عند الحاجة نموت من أجل الثورة ولكن منالأفضل أن نعيش من أجلها ) .
وفي عالمنا العربي لا جدل يعلو فوق جدل الثورات، فبعد مرور أكثر من 4 أعوام على الربيع العربي لا زالت دول الربيع ترزخ تحت أشكال مختلفة من المعاناة، الأمر الذي جعل البعض يذهب إلى أن الربيع العربي قد انقضى وولى إلى غير رجعة، بينما لا يزال شبابه يناضلون مستمسكين ببقايا الأمل، ومتسلحين بالمعرفة.
وقد اجتهد المؤلفون منذ فترة بعيدة نسبيا فى وضع تصور عن الثورة وتحليلها والهدف منها ومستقبلها ففى عام 1938صدرت الطبعة الاولى من كتاب ( تشريح الثورة ) وهو الكتاب الأشهر للمؤرخ والمفكر الأمريكي كرين برينتن، وأعاد برينتين إصدار نسخة موسعة منه عام 1964، وتكمن أهمية الكتاب أنه أحد المحاولات المنهجية “القليلة” ليس لدراسة ثورة بعينها وإنما لدراسة الثورات كبنية ومحاولة لرسم صورة “نمط” اتبعته كل الثورات عبر تحليل ميول المجتمع في الفترة التي تسبق أحد الثورات الكبرى، وقد بنى برينتن ملاحظاته عبر دراسة 4 ثورات هي الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية والثورة البلشفية والحرب الأهلية الإنجليزية.
يحلل مؤلف الكتاب ميول مجتمع يسبق ثورة كبرى، وهو يرى أنه يجمع بين التوترات الاجتماعية والسياسية بسبب التدهور التدريجي لقيم المجتمع. إن فكرته عن الثورة هي أنها عملية قلب السلطة مما يؤدي إلى تولي المتطرفين السلطة، ثم تهدأ الأمور. وقد شبه الثورة بحمى ترتفع بسبب شكاوى أفراد شعب ما. ومن أعراض هذه الحمى انهيار هيكل السلطة. تستعر الحمى ثم يصبح واضحاً أن الناس لا يتحملون تلك الحمى وتحل سلطة أفضل محلّ هذا الاهتياج ويصبح الناس أسعد.
ووفقا للكاتب فإن الثورة تمر بمراحل أربعة أولها المرحلة التمهيدية التي تبدأ بسبب التنافر الطبقي، وتحديدًا من الطبقة المتوسطة التي تعبر عن سخطها بسبب قيود حكومية غالبًا ما تكون اقتصادية -قد لاتكون قاسية جدا-وتكون الحكومة غير قادرة على التعامل مع هذه المتطلبات فينهار النظام البيروقراطي ويفقد الجزء الأكبر من فاعليته مع انحياز فئة المثقفين بشكل كبير ضد الحكومة.
المرحلة الثانية هي ما يعرفه برينتن بالحمى الصاعدة، إذ يتصاعد السخط في الطبقة الوسطى وينتقل منها إلى باقي الشعب وتنشأ المواجهات بين الشعب والحكومة فينهار الجهاز الحكومي تحت ضغط الانتفاضة والانهيار المالي، فتظهر الحلول الوسيطة عبر تولي طبقة جديدة للحكومة “من غير الثوار” يطلق عليها الحكومة المعتدلة ، لكنها تفشل هي الأخرى في مواجهة التحديات ثم لا تلبث أن تسقط أو تنهار.
المرحلة الثالثة ويسميها برينتن “مرحلة الأزمة” وتبدأ مع سقوط ما يسميه بالحكومة المعتدلة لصالح الحكومة الثورية “في وصفه المتطرفة” التي تتورط في الحرب على خصومها وأحيانًا في حروب خارجية لنشر مبادئ الثورة الأمر الذي يضعف من قدراتها على التعامل مع المشاكل الداخلية ويشرع الجمهور في الانفضاض من حولها فلا يساندها إلا بسبب الخوف كما تتميز هذه الفترة بتزايد كبير في الضغوط الاقتصادية.
أما المرحلة الرابعة ويطلق عليها مرحلة النقاهة، حيث يتولى قيادة الثورة زعيم “أوربما فئة أوطبقة” تجنح مرة أخرى إلى الاعتدال وتتركزالسلطة في يد فئة جديدة لكن ربما مع أوضاع أفضل نسبيًا بالنسبة للمعظم مقارنة بالحال قبل الثورة.
و يخلص الكاتب في النهاية أن معظم الثورات تنتهي عمومًا بالعودة إلى حيث بدأت. وتنشأ بعض الأفكار الجديدة ويتحول هيكل القوة قليلًا وتطبق بعض الإصلاحات ويمحى أسوأ ما في النظام القديم، غير أن الوضع القائم يصبح مشابهًا للوضع في فترة ما قبل الثورة وتشرع الطبقة الحاكمة مرة أخرى بالامساك بزمام السلطة، لذا يبدو أن النتيجة التي حصل عليها برينتن تجعله منحازًا ضد الثورات “كفلسفة للتغيير” أكثر من انحيازه لها.
2- روح الثورات والثورة الفرنسية
ربما لم يلتزم المؤلف بالعنوان الذى صدره لكتابه
فالانطباع الأول الذي يعطيه عنوان الكتاب هو أن المؤلف -الفرنسى- جوستاف لوبون بصدد الحديث عن تاريخ وأحداث الثورة الفرنسية، إلا أن المفاجأة أنك ستكتشف أن مشكلتك الأولى مع الكتاب هي كونه مقتضبًا في سرد الأحداث بشكل كبير فهو لا يلتفت إلى الأحداث بقدر ما يسلط الضوء على الثورة كفكرة وكبنية.
وينقسم الكتاب الى ثلاثة أبواب، الباب الأول تحت عنوان “روح الثورات” ويبدأ حديثه بتقسيم الثورات إلى علمية وسياسية ودينية، ثم يستطرد في التحليل كالعادة فيحدثنا عن أنّه بالرّغم من أنّ أصل الثّورة هو العقل، فإنّ الأسباب التي تهيئها الثّورة لا تؤثّر إلاَّ بعد أنْ تتحَّول إلى مشاعر، فالجماهير تحركها وتؤثر فيها المشاعر والعواطف،
أكثر مما يؤثِّر فيها الجانب العقلي، قبل أن يشرع الكاتب في شرح بِنى الثورات العلمية ثم السياسية والدينية وأن أغلبها لم تكن وليدة البراهين والعقل، بل تحكّمت فيها عوامل أخرى كالتّوكيد والتّكرار والعدوى النفسية والنّفوذ.
ولم يغفل لوبون الحديث حول مقاومة السلطات “السياسية والدينية” للثورات، وعزا لوبون نجاح الحكومات في وأد بعض الثورات بغياب الروح “القومية” وانتشار العصبية والقبلية مما يفقد الأمة ثبات روحها، كذلك فقدان الأمة في اللحظات التاريخية لأولئك الزعماء القادرين على القيادة.
في الباب الثاني يخصِّص لوبون كتابه للثَّورة الفرنسية، ويبتدئ حديثه عن المآخذ على الثَّورة الفرنسية من خلال ما كتبه المؤرِّخون حولها، ويركز بشكل أكبر في الباب الثالث على التحليل النفسي للثورة الفرنسية فيقول: إنَّ“ما تأتي به الثّورات من الحوادث الظاهرة هو نتيجة نشوء خفيٍّ وقع في النفوس شيئًا فشيئًا، وأنّ البحث الدّقيق في إحدى الثّورات يتطلَّب فحص البقعة النفسية التى نبتت فيها مبادئ هذه الثّورات”، فتأثير المفكرين والفلاسفة في حدوث الثّورة الفرنسية يكمن في تنميتهم لروح الانتقاد التي لا تصمدُ معها المعتقدات، مع تزايد هذه الروح النقدية فإن النّاس يزدرون ما كان محترمًا، ومتى اضمحلّت المعتقدات سقط البنيان الاجتماعي بغتة.
3- في الثورة والقابلية للثورة
رغم أن الربيع العربي لم يكن أول احتكاك لعالمنا العربي بالثورات، إلا أن المكتبة العربية تفتقر بشكل واضح إلى تنظيرات للثورة أكثر احتكاكًا ببنيتنا الاجتماعية ومرجعيتنا الثقافية ,و ربما يكون الكتيب الذى قدمه الدكتور عزمى بشارة عام2012 "في الثورة والقابلية للثورة"، أحد محاولات سد هذه الثغرة في الفكر العربي.
وهو دراسة في ميدان الفكر السياسي الذي يهدف إلى صوغ نظرية نقديَّة تتصدّى لتعريف مصطلح الثّورة تعريفًا علميًّا معاصرًا، وتأصيله في الفكر العربي. ونرى ان الكاتب عاد إلى كلمة "ثورة" كما وردت في المصادر التاريخية العربية، فلاحظ أنّ العرب لم يستخدموا كلمة "ثورة" بالمعنى الذي تحمله هذه الكلمة في عصرنا الرّاهن، بل استخدموا كلمات من قبيل "خروج" و"فتنة"، فكان يُقال "خروج القرامطة" أو "فتنة الزّنج". ويلفت الكاتب إلى أنّ الخروج على الجماعة أمر مذموم، أمّا الخروج على السّلطان ففيه آراء. والخروج يعني الخروج لطلب الحقّ. وفي هذا الحقل من الفكر التاريخيّ - السياسيّ يعرض الكاتب لآراء ابن خلدون والماوردي وابن تيمية وأبو مجاهد البصري وغيرهم.
يقدّم الكاتب بحثًا معمّقًا في القضايا التي شغلت جانبًا مهمًّا من الفكر العربي، قديمه وحديثه، مثل الخروج والتغلب ومصدر الشرعية، وأثارت نقاشًا في تمثّلات هذه المفاهيم في العصر الحديث. وفي هذا السياق يضع تخومًا مرسومة بدقة بين مصطلحي "الثورة" و"الإصلاح"، ويحاول اكتشاف ما هو مشترك بينهما وما هو مفترق بحسب ما كشفت عنه التجربة الأوروبية في الإصلاح والثورة، ولا سيَّما في الثورتين الفرنسية والروسية، لينتقل إلى معالجة قضيَّتي الحرية والثورة بالتحديد، وكيف تطور معنى الحرية من نقيض الرق أو العبودية إلى أن استقرَّ هذا المعنى على مضمونه السياسي المعاصر.
ويبحث الكاتب في العناصر والخصائص التي تميز الثورات العربية والأخرى التي تشترك فيها مع سابقاتها من الثورات في العالم، للوصول إلى الصياغة الفكرية لمفهوم الثورة وتفكيك بنيتها وما ينتج عنها.
ووفقا لبشارة فإن ما يحتاج إلى مزيدٍ من البحث والتدقيق هو الحالات التي تؤدي إلى الثورة، متى يتحرك الشعب؟ وإذا تحرك فما الذي يحوّل الاحتجاج أو الانتفاض الشعبي
إلى ثورةٍ تستهدف مجمل النظام السياسي؟
يبدأ المؤلف بمحاولة لبحث مفهوم الثورة، وطبقًا للكتاب أيضًا فإنه يصعب الوصول إلى تعريف دقيق لمفهوم “الثورة” نظرا لتعميم المصطلح على عددٍ كبيرٍ من الظواهر المختلفة في شدّتها والتي تمتد من أيّ تحركٍ مسلّحٍ، أو حتى غير مسلّحٍ، ضد نظامٍ ما، إلى التحركات التي تطرح إسقاط النظام واستبداله، وأحيانا إصلاحه الأمر الذي يصعّب عملية تدقيق المصطلح.
ويرى المؤلف أن المصطلح الأقرب لتعريف الثورة في أحدث أشكالها “الربيع العربي” هومصطلح “الخروج”، بمعنى الخروج لطلب الحق. فالخروج هنا بدايةً ليس خروجًا على الجماعة، ولا حتى على السلطان بل هو “خروج إلى”، خروج إلى الناس طلبًا للحق. إنه خروج إلى المجال العام، وفي هذه الحالة طلبًا لإحقاق حق أو دفع ظلم.
ويضيف بشارة معلقا أن الثورات الحقيقية ليست ثورات أحزاب -كما في الفكر الغربي- وإنما ثورات شعوب وأن الثورات الحزبية غالبًا ما تتحول إلى حروب عصابات لكون الأحزاب التي تسيطر على الثورة بعد تحولها إلى سلطة تنشِئ تاريخًا للثورة يتسم بالتفخيم الذاتي، ويُبنى على أسطورة أو متخيل يشير إلى أن هذه الأحزاب هي التي قادت الثورة، أو لم تقم هذه الثورة من دونها، في حين أن قوىً وأحزابًا أخرى تتهمها بأنها لم تفعل إلا سرقة الثورة. فليست الثورات عملًا حزبيًا منظمًا بناءً على برنامج مسبق.
ويخلص الكاتب بتعريفه للثورة على أنها تحرك شعبي واسع خارج البنية الدستورية القائمة، أو خارج الشرعية، يتمثّل هدفه في تغيير نظام الحكم القائم في الدولة، بمعنى إلغاء شرعية سياسية قائمة واستبدالها بشرعية جديدة، كما أن الثورة هي صيرورة يصعب الإشارة إلى نقطة بداية ونهاية لها، وهي تنطلق من حاجات يمكن تحديدها، ولكنها أثناء اندلاعها قد تولد مسارات ونتائج لا علاقة لها بالشرارة الأولى، فالقابلية للثورة إذًا هي وعي الشعوب بمعاناتها واستعدادها للتحرك في سبيل رفعها مهما كانت مسارات التحرك غير واضحة.
Salah_alwafd@yahoo.com