القاهرة 31 يناير 2016 الساعة 11:33 ص
العنوان أعلاه من قول الله سبحانه وتعالي مما يدل علي ثلاثة أمور الاول هو أن الارض المصرية ارضا مباركة من الله سبحانه وتعالي وأن من دخلها كان في أمن وأمان وثانيها إن أرض مصر لها صلة خاصة بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام إذ قال في نبوءة صادقة " سيفتح الله عليكم مصر فاستوصوا
بقبط مصر خيرا فإن لي فيهم نسبا وصهرا " والثالث ما قاله البابا الراحل شنوده " مصر وطن يعيش فينا وليست وطنا نعيش فيه " وقال البابا تواضروس متهكما علي دعاة الفتنة " انه لو دمرت الكنائس جميعا فهذا أهون من قتل مصري واحد، فالكنائس يمكن اعادة بنائها اما المصري اذا قتل فان قاتله دمر بنيان الله وقد ورد في الانجيل "ملعون من هدم بنيان الله أي قتل الانسان" لذلك كانت رسالة السيد المسيح هي رسالة المحبة لقوله أحبوا اعداءكم وباركوا لاعنيكم " هل هناك تسامح ومحبة أفضل من ذلك. إن مصر هي أرض الكثير من الأنبيا منهم سيدنا ابراهيم و موسي و عيسي المسيح بن مريم الصديقة التي من السيدات القلائل اللائي ورد ذكرهن في القرآن الكريم صراحة أكثرمن مرة وجاء إليها يوسف وتولي أمورها المالية أي وزير الخزانة بلغة العصر كما عاش بها أدريس عليه السلام الذي قال عنه القرآن "ورفعناه مكانا عليا". كما هاجر وعاش بها الكثير من آل بيت النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ،وأضرحة أهل البيت الاطهار منتشرة علي أرض مصر وكذلك كثير من صحابة النبي الكرام، وهي التي أخذ منها داوود أحد مزاميره المزمور رقم 103 والذي كان يترنم به أول من نشر مفهوم التوحيد في مصر وهو اخناتون .. ومصر أرض الصالحين والعلماء وأرض الازهر الشريف. مصر دولة مدنية عبر العصور ، وترفض المفاهيم الدينية المغلوطة والمشوهة، ولذلك تتميز الاديان التي تعتنقها سواء الاسلام أو المسيحية بالاعتدال والتسامح والولاء للوطن علي ما عداه، وحتي وهي تحت الحكم الأموي أو العباسي أو العثماني أو غيره من الامبراطوريات التي قامت بإسم الاسلام وهو منها برئ.
نقول إنها بلورت ذاتيتها واستقلالها وقيادتها لأمتها الاسلامية، إليها جاء صلاح الدين الايوبي الكردي الاصل ليقود المسلمين ضد الصليبين وهم غزاة استعماريون والصليب برئ منهم، كما أن الاسلام برئ من داعش وغيرها من الجماعات التي تحمل إسم الاسلام أو إسم الله زورا وبهتانا. فالاسلام واحد، وتعدد مذاهب علمائه وفقا لاجتهاداتهم البشرية هو تعدد في الفروع والهوامش وليس خلافا في الاصول والجوهر، ومن هنا استمر الازهر الشريف لأكثر من ألف عام وإن شاء الله سيبقي إلي ما يشاء الله مركزا للتسامح والفكر الاسلامي المعتدل ويجمع المسلمين من مختلف طوائفهم ومذاهبهم ليدرسون ويعلمون الاخرين قواعد الدين وأصوله وفقهه واللغة العربية التي هي لغة القران الكريم بنص القران "إناانزلناه قرانا عربيا" ومن يفهم العربية الصحيحة يفهم الدين الاسلامي الصحيح ومن يؤمن بمحمد رسول الله يحترم أرض الاسلام وأرض العروبة فالنبي عربي أصيل ، وهو في نفس الوقت الذي يؤكد علي ذلك يضيف قوله" لا فضل لعربي علي أعجمي و لا أعجمي علي عربي الا بالتقوي". فالاسلام دين المساواة وعدم التمييز وعدم التعصب للدول والدويلات التي سبقته، بل يؤكد علي وحدة الامة الاسلامية وحدة روحية وعقائدية وليست بالضرورة وحدة سياسية وهذا ما لم يفهمه البعض.
في زيارتي لمصر منذ منتصف ديسمبر 2015 لمست أنها تشهد تقدما اقتصاديا وإنجازات سياسية وأمن واستقرار رغم أنف الحاقدين والحاسدين الذين يعيثون في الارض وينشرون فيها الفساد والارهاب والشكوك والمؤامرات ويمكرون ويمكرالله والله خير الماكرين، فيحبط مكرهم وحقدهم ويحبط تخطيطهم ويقي مصر وسائر بلاد العروبة والاسلام من شرورهم، والاسلام يقوم علي مبادئ فلسفية وفكريةعديدة، ومنها الايمان بالوطن وإعطائه الاولوية علي ماعداه ، ولهذا عندما كان النبي الكريم يستعد للهجرة للمدينة نظر إلي مكة وقال والله إنك لأحب بلاد الله إلي الله وأحب البلاد إلي ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت، وهاجر منها فاستقبله أهل المدينة وفي المقدمة النساء وهن فوق أسطح المنازل بالأغنية المشهورة ترحيبا به وإيمانا بعقيدة التوحيد بقولهم :
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا جئت بالامر المطاع
جئت شرفت المدينة مرحبا يا خير داع
هكذا استقبلت المدينة محمد بن عبد الله رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام،ومن نفس المنطلق آوت مصر أضرحة آل البيت الأطهار وأصحاب النبي الكرام، واحتضت الفكر الاسلامي الصحيح المتسامح والمعتدل .. لقد لمست في مصر ما ذكره إبن خلدون العلامة العربي الذي سبق عصره في التحليل السياسي والاجتماعي لنشأة الدول وإنهيارها، والذي قال عن مصر عندما زارها إنها "أم الدنيا" فصارت مثلا عبر العصور، وعاش إبن خلدون بمصر ودفن في أرضها الطيبة والمباركة كما عاش الامام محمد بن أدريس الشافعي والسيدة زينب الطاهرة بنت الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه وعليه السلام الذي قال عنه النبي الكريم "أنا مدينة العلم وعلي بابها" ومن هنا أصبح آل البيت هم قادة الفكر الديني الصحيح وكان الامام جعفر الصادق إمام أهل السنة والشيعة ومن بعده السيدة نفيسة وهي من الحفيدات، وعاشت في عصر الامام الشافعي، وكان الناس يلجأون اليها للفتوي وطلب العلم ، وطلب الامام الشافعي في وصيته أن تصلي عليه صلاة الجنازة كما تحكي عن ذلك الاثار، والسيدة نفيسة تسمي "نفيسة العلوم: لها مكانة خاصة في نفوس المصريين وكذلك ضريح الامام الحسين رضي الله عنه وعليه السلام والسيدة زينب التي يسميها المصريون "أم العواجز" إذ كان وما زال يلوذ بها أو بضريحها كل من له حاجة إلي الله فيدعو في ضريحها فيستجيب الله لدعوته.
إنني أسرد كل هذه الحكايات لكي أقول لمن تسول له نفسه إفساد الامن في مصر ، بأن الله سوف يحفظها رغم أنوفكم، ورغم مؤامراتكم ، ورغم فكركم المنحرف عن صحيح الدين والايمان بالوطن والولاء له .. وحقا أكد مفهوم الايمان بالوطن العالم الشيعي اللبناني آية الله محمد مهدي شمس الدين في كتابه المشهور المعنون" التجديد في الفكر الاسلامي" وغيره من كبار علماء الطائفة الشيعية الكريمة وهو ما يتوافق مع ما ذهب إليه علماء الطائفة السنية الكريمة وخاصة من الازهر الشريف الذي جمع في حضنه الدافئ معظم المذاهب الاسلامية ما عدا المذاهب الشاذة فهذه أمرها متروك لله سبحانه وتعالي الذي شاءت إرادته استمرار الاختلاف بين الناس إلي يوم القيامة فهم اختلفوا ومازال مختلفين منذ خلق الكون وخلق ادم وحواء إذ كان أول اختلاف بين إبني آدم فلا عجب أن يحدث الاختلاف بين المسلمين ولكن الدعوة للوحدة الفكرية والعقيدية هي الاهم أما الإختلاف فهو حول المصالح الدنيوية كما حدث مع إبني ادم وغيرهم من سلالة آدم عليه السلام. ومن هنا عظم الله جريمة القتل للبشر أيا كانت عقيدته أو دينه أو طائفته وأيا كانت مبررات من يقوم بذلك ولذا حرم الله القتل للنفس من قديم الازل بقوله " مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِيْ إِسْرَائِيْلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيْعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيْعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ، سورة المائدة الاية32
مرة أخري نقول من واقع زيارتي لمصر لمست عودة الحياة إلي طبيعتها وبدأ النشاط الاقتصادي والتواصل بين المصريين كالمعتاد والسهر بالليل، كما هو شأن أهل مصر في إحساسهم بالأمن والامان، وهذا لا يعني أن كل شئ علي ما يرام مائة بالمائة فما يحدث هو إبتلاءوإختبار من الله سبحانه وتعالي ولعقاب الفاسدين والمفسدين في الارض الذين يقولون ما لايفعلون ويظهرون الاسلام ويبطنون غيره كالمنافقين سواء بسواء.
ملاحظاتي هي من متابعة الواقع عن مصر عندما زرتها عائدا إلي حضن الوطن الدافئ والذي اتمني أن يظل كذلك إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وهذه إجابتي لكثير من الاصدقاء الذين سألوني والذين يسالونني عن مصر وأحوالها وأوضاعها، وشعبها سيظل مدافعا عن أرض العروبة والاسلام ومنافحا بالعلم والفكر والثقافة واللغة بل اللغات المختلفة عن الاسلام ، وسيظل أزهره عملاقا شامخا يطور ويجدد في فهمه للقران الكريم ولاحاديث النبي ولمبادئ الاسلام السمح . وكما يردد المصريون حاليا تحيا مصر تحيا مصر استجابة لصيحة ابنائها قيادتها التي انطلقت في 30 يونيه و3 يوليو 2013 وهاهي تفي بما وعدته من خارطة الطريق للمستقبل الحضاري الديموقراطي بخصائص مصرية وليس بخصائص مستوردة من أية دولة أخري.