القاهرة 20 اغسطس 2015 الساعة 02:53 م
• وصفه الكواكبى: أخرجت مصر حكيما فاق كل الحكماء.. والغزالى يؤكد:كره التعصب الدينى واستحب التقليد المذهبى للعامة
إعداد:عواطف الوصيف
الإمام محمد عبده ، هو واحد ممن حفر التاريخ أسماءهم من المصلحين الذين صنعوا مشروعا فكريا حضاريا مصبوغا بالصبغة الإسلامية ، ومستندا إلي حضارة إسلامية عريقة .
وكان هو ومدرسته عقل الصحوة الإسلامية المعاصرة بعبارة المفكر الإسلامي محمد عمارة ، حيث اعتبر إن مدرسة المنار كانت عقلا للصحوة ، لكن الصحوة لابد لها من الجسد ذي العضلات ومن العقل ، فأنشأت المنار عقلها ، وجاء الإمام البنا فهذب العقل وصاغه صياغة محكمه ، وسبكه سبكا متينا ، ثم كَوّن عضلات الصحوة المعاصرة والمشروع النهضوي بالجماهيرية والأمواج الجارفة لجماعة الإخوان المسلمين .
وفى مصر المحروسة نعرض لمحه بسيطة عن الإمام محمد عبده نعرض فيها أهم محطات حياته وسمات فكره.
مولده ونشأته
ولد الشيخ محمد عبده حسن خير الله في قرية محلة نصر بمركز شبراخيت محافظة البحيرة سنة 1849م في أسرة تعتز بكثرة رجالها ، ومقاومتهم لظلم الحكام ، وتحملهم في سبيل ذلك العديد من التضحيات هجرة وسجنا وتشريدا وضياع ثروة ، وهو يحكي عن هذا الأمر فيقول :
"إنه قد ظلم الحكام أهلى بحجة أنهم ممن يحملون السلاح ويقفون في وجوه الحكام وأعوانهم عند تنفيذ المظالم ، فأخذوا جميعا ،
وزُجوا في السجون واحدا بعد واحد ، ومن دخل منهم السجن لا يخرج إلا ميتا ، وكان جدي حسن شيخا بالبلدة وهو الذي بقي من رجال البيت مع ابن أخيه إبراهيم ."
مسيرة تعليمه
تلقي تعليمه الأول للقراءة والكتابة ، وحفظ القرآن بالقرية ، وبدأ ذلك وهو في السابعة من عمره ، ثم ذهب إلي الجامع الأحمدي بطنطا ليحضر هناك دروس تجويد القرآن الكريم في سنة 1862م.
دروس الأزهر فى الجامع الأحمدى
وبدأ في سنة 1864م يتلقي أول دروسه الأزهرية في الجامع الأحمدي ، بعد أن استكمل تجويد القرآن ، ولكن أساليب التدريس العقيمة قد
صدته عن قبول الدروس ، فقرر هجران الدراسة بعد عام من شروعه فيها ، وعاد إلي القرية سنة 1865م.
وتزوج ، وعزم علي العمل بالزراعة مع أبيه وأخويه والانقطاع عن السلك التعليمي ، ولكن والده رفض ذلك ، وقرر إعادته إلي الجامع الأحمدي في العام نفسه .
لقاء الشيخ درويش خضر
في هذه الفترة التقي بالشيخ درويش خضر خال والده وهو صوفي كان علي اتصال بالزاوية السنوسية ، فألقي إليه ببعض من حكمة التصوف وقاده إلي شيء من سلوك الصوفية ، فعادت إليه الرغبة في التعليم ، وعاد إلي الجامع الأحمدي سنة 1865م.
الالتحاق بالأزهر
وذهب إلي الأزهر ، بمصر ، في فبراير ، سنة 1866م ، وكان الأزهر يومئذ حزبان : حزب شرعي محافظ ، وحزب صوفي أقل في محافظته من الشرعيين ، وحضر محمد عبده دروس كلا الفريقين.
الدولة العثمانية وضعف الأزهر
منذ أن دخلت الدولة العثمانية التركية علي مصر وجعلتها ولاية تابعة لها كسائر ولاياتها أخذ الأزهر في الضعف ، ولم يأت عليه ا
لقرن الثاني عشر الهجري حتى انقطعت صلته بماضيه المجيد ولم يبق فيه وجود لسلفه الصالح الذي كان يُعني بالعلوم علي اختلاف أنواعها ولا يفرق في هذا بين ما يسمي علوم الدنيا وما يسمي علوم الدين ، لأن كل علم نافع كان عنده من فروض الكفاية ، فيجب علي علماء الأمة الاهتمام بدرسه ، ليقوم به أمر دينها ودنياها لأنه لا غني لأحدهما عن الآخر .
علوم الأزهر الشريف
فلم يكن يدرس في الأزهر علي هذا العهد إلا قليل من العلوم الدينية ، كعلم الفقه والتفسير ، وإلا قليل من علوم العربية كالنحو والصرف ، وبهذا لم يكن في الأزهرعلي هذا العهد عالم يضاهي علماء السلف في سعة الإطلاع وإتساع الأفق العلمي ، وإنما كان هناك علماء قلت بضاعتهم في العلم فلا يعرفون إلا قشورا لا تنهض بأمة ولا تقوم بدولة وقد انقطعوا بها في عزلة عن العالم فلا يشعرون به ولا يشعر بهم ، ولا يتعدي تفكيرهم جدران الأزهر الذي صار عندهم كل شيء في دنياهم .
عباس باشا يتولى شأن مصر
قام عباس باشا الثاني بالأمر في مصر بعد وفاة أبيه توفيق باشا سنة 1309 ، وكان شابا لم يجاوز سنه سبع عشرة سنة ، وقد تعلم في النمسا بمدرسة يتعلم فيها أبناء الملوك والأمراء ، فتأثرت نفسه بتلك البيئة التي قضي فيها مدة الطلب ، فلما تولي بعد أبيه أراد أن يكون له سلطة فعلية في حكم مصر وأبي لأن يرضي بما كان يرضي به أبوه من استئثار الإنجليز بالسلطة الفعلية في مصر ، ورأي أن خير وسيلة توصله إلي هذا أن يضم إليه ذوي الزعامة من المصريين
محمد عبده يلفت نظر عباس باشا
فتوجه نظره إلي الشيخ محمد عبده لأنه كان أقوي تلاميذه جمال الدين الأفغاني وكان قد عاد من منفاه إلي مصر سنة 1306 هجري ، بعد أن اتصل في منفاه بأستاذه جمال الدين الأفغاني ، وأقام معه مدة في باريس أنشأ فيها مجلة العروة الوثقي لتجاهد في الإصلاح الإسلامي ، وتحارب الاستعمار الذي يحاول القضاء علي البلاد الإسلامية ، فتعلم الشيخ محمد عبده اللغة الفرنسية في باريس وجمع بين ثقافته الأزهرية وثقافة أوربية حديثة ، فلما عاد من منفاه لمصر عاد إليها أقوي سلاحا وأمتن علما ، وأشد رغبة في الإصلاح الذي بدأ حياته بالدعوة إليه ، حتى انتهي به إلي النفي من مصر لاشتراكه في الثورة العرابية .
محمد عبده يقاوم الإنجليز
فقربه عباس باشا إليه ، ليساعده في الوصول ، إلي مأربه في مناهضة الإنجليز ، ورأي الشيخ محمد عبده أن يستغل تقريبه له في الوصول إلي ما يريده من الإصلاح ، وقد ذكر السيد رشيد رضا في تاريخ الأستاذ الإمام كيف استغل الشيخ محمد عبده فرصة تقريب عباس باشا له في ذلك .
اسغلال عبده لعباس باشا
فقال بعد تمهيد له في بدء تمكن الشيخ محمد عبده من العمل في إصلاح الأزهر : "وأما بدء عمله في الأزهر فقد أُتيح له بعد وفاة توفيق باشا فإنه لما جلس عباس باشا علي كرسي الخديوية تجددت للبلاد المصرية آمال ، وتوجهت إلي أعمال ، كان الغرض منها إزاحة الاحتلال ،
ولو كان هذا الغرض مما ترجي إصابته يومئذ بسهام المصريين ، لكان الفقيد الشيخ محمد عبده يكون في طليعة العاملين ، لأنه كما نعلم أنفذهم رأيا ، وأقواهم عزما ، وأخلصهم قلبا ."
إتفاق دولى
ولكنه كان يعتقد بعد ذلك السعي أن المسألة المصرية لا يمكن حلها بوسيلة السياسة إلا باتفاق الدول العظام ، وأن الرجاء في اتفاقهم بعيد ، فأراد أن يكون حظه من حب الأمير الجديد للعمل والسعي في إصلاح الأزهر بنفسه ، وإقناع الأمير بالسعي في إصلاح المحاكم الشرعية والأوقاف .
الوضع التعليمى بالأزهر
وكان الوضع التعليمي في الأزهر صعبا جدا ، فكان يدرس فيه علوم الدين من "تفسير وحديث وفقه وعقائد وعلوم اللغة من نحو وصرف وبيان ومعان" ، في كتب مقررة لها متون وشروح وحواش ، ويقضي الوقت في تفهم تعبيراتها ، وإيراد الاعتراضات والإجابة عنها ، فالعلم شكل علم لا علم ، والنتاج جدل لا حقائق ، والناجح في الامتحان الذي يستحق أن يكون عالما أقدرهم علي الجدل ، وحفظ المصطلحات الشكلية ، أما الجميع فسو
اء في عدم التحصيل إذا مسوا الحياة الخارجية .
فالمناقشة في أن شرب الدخان حلال أو حرام ، والغيبة أشد حرمة أم سماع الآلات الموسيقية ، وخيال الظل تجوز رؤيته أو لا تجوز !
كبار العلماء يهاجمون الأزهر
ولقد هاجم هذه الطريقة السمجة الباردة كبار العلماء والعقلاء كالعلامة الفقيه محمد أبو زهرة ، ويقول محمد رجب البيومي في كتابه "من أعلام العصر" :
"كنت متجها إلي زيارة أستاذي الدكتور عبد الحليم محمود ، وكان حينئذ أمينا عاما لمجمع البحوث الإسلامية ، فصادفت الأستاذ الكبير أبا زهرة يجلس معه ، وقد تفضل فرحب بي مشجعا ، وكنت في هذه الآونة مشغولا بكتابة بحث عن الخطابة في العصر النبوي ، فقلت للشيخ : أنا أعرف أن لك كتابا قيما في تاريخ الخطابة وأساليبها المختلفة ، وعجبت كيف انتقلت من الفقه إلي الأدب .
فرأيت أبا زهرة يتنهد ، فأشفقت أن أكون آلمته حيث لا أود ، ثم استمعت إليه يقول :
يا بني ، إن الثقافة الإسلامية جزءٌ لا يتجزأ ، وكمٌ لا ينفصل ، فلابد لدارس الفقه والحديث والتفسير أن يدرس علوم الأدب ، لأنه لا يستطيع التعبير عن نفسه إلا إذا رُزق البيان الناصع ، والأئمة الكبار من الفقهاء كانوا يملكون نعمة البيان ، فاستطاعوا أن يضعوا المؤلفات القيمة ، وما انحطت كتب الفقه في العصور المتأخرة إلا لأنها كُتبت بأقلام لم تتذوق البيان العربي ، فجاء أكثرها شبيها بالأحاجي والألغاز ."
محمد عبده يدعو لتحرير الفكر
لقد اهتم محمد عبده بتحرير الفكر من قيد التقليد ، وفهم الدين علي طريقة السلف قبل ظهور الخلاف ، والرجوع في كسب معارفه إلي ينابيعها الأولي ، واعتباره من ضمن موازين العقل البشري التي وضعها الله لترد من شططه ، وتقلل من خلطه وخبطه.
وأنه علي هذا الوجه يُعدّ صديقا للعلم باعثا علي البحث في أسرار الكون ، وداعيا إلي احترام الحقائق الثابتة ، مطالبا بالتعويل ع
ليها في أدب النفس وإصلاح العمل .
الإصلاح اللغوى
ومن الأمور التى اهتم بها أيضا محمد عبده إصلاح أساليب اللغة العربية في التحرير سواء كانت المخاطبات الرسمية أو في المراسلات بين الناس ، وكانت أساليب الكتابة في مصرتنحصر في أمرين كلاهما يمجه الذوق وتنكره لغة العرب :
الأول : ما كان مستعملا في مصالح الحكومة وما يشبهها ، وهو ضرب من ضروب التأليف بين الكلمات ، رث خبيث غير مفهوم ، ولا يمكن رده إلي لغة من لغات العالم لا في صورته ولا في مادته.
والنوع الثاني : ما كان يستعمله الأدباء والمتخرجون من الجامع الأزهر ، وهو ما كان يراعي فيه السجع وإن كان باردا ، وتلاحظ فيه الفواصل وأنواع الجناس وإن كان رديئا في الذوق بعيدا عن الفهم ثقيلا علي السمع ، غير مؤد للمعني المقصود .
موقفه من الاستبداد السياسى
ولقد قاوم محمد عبده المستبدين حتى اعتقلوه ، وأقر أن أعوان الخديوي قد ذهبوا إلي زعماء الوطنيين في السجن وضربوهم وأهانوهم ، وكان الشيخ محمد عبده نفسه أحد هؤلاء المساجين ، وقد وقعت به الإهانة مثل غيره.
ويقول محمد عبده بنفسه: وكنت أنتقد الحكومة بشدة في الجرائد الرسمية وكنت لا أضيق علي الجرائد باعتباري رئيس قلم المطبوعات.
موقفه من الاحتلال البريطانى
الأمر الذى لم يختلف فيه الشيخ محمد عبده عن من حوله هو عداؤه لاحتلال الإنجليز مصر ، وكراهيته هذا الاحتلال ، وثقته بزواله ، وعمله من أجل حرية البلاد .
أما الأمر الذي اختلف إزاءه موقفه ، فهو الأسلوب والآلية التي ينبغي إتباعها لبلوغ الغاية وتحرير البلاد من هذا الاحتلال.
فهو قد حارب الاحتلال مع العرابيين ، وكان ثوريا يومئذ ، وجاري أستاذه الأفغاني في سلوك الطريق الثوري لمناهضة هذا الاحتلال ، وهو في المنفي عندما شارك في تنظيم العروة الوثقي السري ، ولكنه بعد العودة من المنفي ، سلك طريق التربية والتعليم ، وتكوين القيادات الفكرية المتحررة والمستنيرة ، ظنا منه أن هذا الطريق التدريجي سوف يثمر ، ولو بعد أزمنة طويلة ، تحقيق حرية البلاد ، عندما تنمو شخصيتها فتصبح أعظم وأقوي من قدرات الاحتلال .
محمد عبده يخاطب الإنجليز فى لندن
فعندما زار لندن مبعوثا من قبل قيادة تنظيم العروة الوثقي أدلي بحديث إلي صحيفة البول ميل جازيت عن احتلال الإنجليز لمصر ، خاطب فيه الإنجليز بقوله :
"إننا نري أن انتصاركم للحرية إنما هو انتصار لما فيه مصلحتكم ، وأن عطفكم علينا كعطف الذئب علي الحمل ولقد قضيتم علي عناصر الخير فينا ، لكي تكون لكم من ذلك حجة للبقاء في بلادنا....... لم لا تغادرون بلادنا في الحال ؟!
لقد علمنا الإنجليز شيئا واحدا هو: التضامن في مطالبتكم بالجلاء .. شكونا من الأتراك لأنهم أجانب عن وطننا ، وأردنا لبلادنا إصلاحا وتقدما كتقدم الأوربيين في طريق الحرية ، لكننا الآن نعلم أن هناك ما هو شر من استبداد الحكام ، وشر من ظلم الأتراك ، وليس في مصر من بلغ به الظلم حدا يرجو معه مساعدتكم .. إن لنا إليكم رجاء واحدا ، وهو : أن تغادروا بلادنا حالا ، إلي غير رجعة ."
وزير الحربية يقلل من شأن مصر
وفي هذه الزيارة إلي "لندن" يلتقي بوزير الحربية الإنجليزي لورد هرتنكتون ويدور بينهما حديث يتناول فيه الوزير الإنجليزي أهل مصر بما يقلل من شأنهم ، ويطعن في استحقاقهم وأهليتهم للحرية والاستقلال ، فيغضب الشيخ محمد عبده لوطنه وحريته ويؤكد رفض طبيعة هذا الوطن لسلطة الحكم الأجنبي ، ويدلل علي أهلية هذه البلاد للحرية وحقها في طرد قوات الاحتلال ، فيقول مخاطبا الوزير الإنجليزي
: إن المصريين قوم عرب ، وكلهم مسلمون إلا قليلا ، وفيهم من محبي أوطانهم مثل ما في الشعب الإنجليزي ، فلا يخطر ببال أحد منهم الميل إلي الخضوع لسلطة من يخالفه في الدين والجنس.
المرأة فى عصر محمد عبده
كانت المرأة في عصر محمد عبده ممنوعة من بدهيات اليوم ، التعليم ، والخروج للعمل ، والمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية والإدلاء بالرأي ، والجهر بالقول ، والصدع بالحق ، وكانت واقعة تحت عادات قديمة ما أنزل الله بها من سلطان ، ويُنظر إليها علي أنها متاع فقط .
وهي نصف المجتمع لا شك ، مما دعا محمد عبده لمحاولة الإصلاح ولفت الانتباه إلي أن نصف المجتمع في حالة ممات ، تام ودعا إلي إيقاظ هذا النصف.
محمد عبده وإصلاح الأسرة
وفي عدد غير قليل من الآثار الفكرية التي خلفها لنا الأستاذ الشيخ محمد عبده ، نجد اهتمامه بالأسرة ، وتركيزه علي أن إصلاحها وإقامتها علي أسس سليمة هما الضمان لتكوين المجتمع والأمة علي النحو الذي نريد من جهودنا في الإصلاح ، لأن الأسرة هي اللبنة الأولي في هذا البناء الكبير .
قالوا عنه
هناك العديد من الرموز اللذين وصفوا الشيخ محمد عبده بالعديد من الصفات محاولين إبراز أهم ما يتحلى ويمتاز به ومنهم:
عبد الرحمن الكواكبى
سأل الخديو عباس حلمي الشيخ عبد الرحمن الكواكبي : كيف رأيت الشيخ محمد عبده ؟ قال الكواكبي : إن إفريقية أخرجت كثيرا من العلماء في العلوم والفنون المختلفة دون الفلسفة ، ولكنها أخرجت فيلسوفا واحدا هو أبرز جميع الفلاسفة ابن خلدون ، وكذلك مصر أخرجت من لا يحصي من العلماء دون الفلاسفة والحكماء ، ثم أخرجت أخيرا حكيما فاق جميع الحكماء ، وهو الشيخ محمد عبده .
ماكلوم ماكريث مستشار الحقانية بمصر
نوه جناب المستشار في تقريره عن تلك السنة بما كان من خدمته الثمينة لوزارة الحقانية في كل ما يتعلق بالشريعة الإسلامية ومحاكمها ، ثم قال :
وكانت آراؤه علي الدوام في المسائل الدينية أو الشبيهة بالدينية سديدة صادرة عن سعة في الفكر ، كثيرا ما كانت خير معوان لهذه النظارة في عملها ، فوق ذلك فقد قام لنا بخدمات جزيلة لا تقدر في مجلس شوري القوانين في معظم ما أحدثناه أخيرا من الإصلاحات المتعلقة بالمواد الجنائية وغيرها من الإصلاحات القضائية إذ كان يشرح للمجلس آراء النظارة ونياتها ، ويناضل عنها ، ويبحث عن حل يرضي الفريقين كلما اقتضي الحال ذلك ، وإنه ليصعب تعويض ما خسرناه بموته ، نظرا لسمو مداركه وسعة إطلاعه وميله لكل دروب الإصلاح ، والخبرة الخصوصية التي اكتسبها أثناء توظفه في محكمة الاستئناف وسياحاته إلي مدن أوروبا ومعاهد العلم .
جورجى زيدان المؤرخ الروسى
قال في مجلته "الهلال" بعد نشر مجمل ترجمته ومناقبه وأعماله: علي أن عظمته الحقيقية لا تتوقف علي ما تقدم من أعماله الخيرية أو العلمية أو القضائية وإنما تُقوّم بمشروعه الإصلاحي الذي لا يتصدي لمثله إلا أفراد لا يقوم منهم في الأمة الواحدة مهما طال عمرها إلا بضعة قليلة ، وهذا ما أردنا بسطه علي الخصوص من هذه العجالة ثم بسطه وذكر خطته وخطة أستاذه السيد ، وضرب له المثل بمصلح النصرانية "لوثر" فقال إنه أول من جاهد في سبيلها ، وقد فاز بجهاده لقيام السياسة بنصرته .
سعد زغلول
قال السيد رشيد رضا: قال لي سعد زغلول:
إذا كان شيخنا قد عجز عن الإصلاح الأزهري ، وقد أوتي من العلم وقوة الإرادة والعزم ما لم نؤت ، فماذا يمكنني أن أفعل في إصلاحه.
ويقول الشيخ رشيد رضا عن شهادة سعد زغلول: لو أراد سعد أن يكتب كلمة فيما يعلمه من مناقب أستاذه لتدوّن في التاريخ لكتب ما هو أبلغ من كل ما رويناه عن غيره ، لأنه أعلم من غيره بسيرته من أول نشأته الفاضلة إلي نهايتها الكاملة ومن أقدرهم علي بيان ما يعلم..
محمد الغزالى
قال محمد الغزالى عن الإمام محمد عبده فى كتابه "علل وأدوية" أكره التعصب المذهبي وأراه ضيق عقل وقلة علم ، أو ضيق خلق وقلة مروءة .
وأستحب التقليد المذهبي للعامة وأشباههم ، وللإخصائيين في علوم الكون والحياة وشئون الدنيا ، حتى لا تشغلهم الفضول عن الأصول .
وأعني بالأصول ما توفروا عليه من مهارات فنية وحيوية ، مدنية أو عسكرية لابد منها لدعم أجهزة الجهاد ورفع كفايتها ، فإن مصاب المسلمين في هذه الميادين فادح أو فاضح.
وفارقنا الإمام محمد عبده عام 1905 ورثاه أمير الشعراء أحمد شوقى قائلا:
مفسـر آي الله بـالأمـس بيـننا قـم اليـوم فسـر للـورى آية الموت
رُحِـمت ، مـصير العالمين كما تري وكـلُّ هنـاء أو عـزاء إلي فــوت
هو الدهـر : ميلاد ، فشغلٌ ، فمأتمٌ فذكرٌ كما أبقي الصدي ذاهب الصوت
ورثاه شاعر النيل حافظ إبراهيم قائلا:
سـلامٌ عـلي الإسـلام بعـد محمد سـلام علـي أيـامه النضـرات
علي الدين والدنيا ، علي العلم والحجا علي البر والتقوى ، علي الحسنات
لقد كنت أخشي عادي المـوت قبله فأصبحت أخشي أن تطول حياتي