القاهرة 25 يوليو 2015 الساعة 06:51 م
فيما يتصاعد اهتمام الغرب بالثقافة الايرانية في سياق التطورات المتعلقةبالاتفاق
الأخير بين إيران والقوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة حول "البرنامجالنووي الايراني",
فإن هناك حاجة عربية للتعرف بصورة أعمق على هذه الثقافة.
ويبدو جليا أن الاهتمام الغربي بالثقافة الإيرانية يأتي لأسباب عمليةوبنظرة منفعية
بل إن هناك اتجاهات ثقافية غربية - لا تخفي نواياها - في إمكانية"القيام باختراق
ثقافي عميق في إيران لتغيير او تعديل معادلة النظام الحالي في طهران بمايتلاءم
أكثر مع مصالح الغرب".
ومع ذلك فاللافت في سياق الاتفاق النووي الأخير بين إيران والغرب بقيادةالولايات
المتحدة ? كما لاحظت مجلة نيويوركر- ان الرئيس الأمريكي باراك اوبامابدا حريصا على
تبديد مخاوف المؤسسة الحاكمة في طهران من مسألة الاختراق الثقافي الغربيلإيران,
وقال انه "غير معني بقضية الاصلاح الثقافي في إيران".
ولئن كان هناك من يتوقع منح جائزة نوبل للسلام هذا العام لكل من وزيريالخارجية الأمريكي
جون كيري والإيراني محمد جواد ظريف - الذي يوصف بأنه "دبلوماسي ومفكروصاحب
عدة كتب في مجال السياسة الخارجية والقانون الدولي" - فإن التناقضاتالثقافية بين
إيران والغرب مازالت عميقة حتى وإن كان وزير الخارجية الإيراني قد تلقىتعليمه
العالي في جامعات أمريكية وعلى معرفة وثيقة بأنماط الحياة الأمريكية.
ولا يخلو الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني حتى الآن من ألغاز وغموض- كما يرى
الكثيرون من مطالعة سيل التحليلات في الغرب حول الاتفاق - فيما بدا أنالصبر الإيراني
المستمد من ثقافة "نسج السجاجيد العجمية", يمتزج مع الدهاءالفارسي لتعظيم
المكاسب وتحقيق هدف كبير هو عدم التفريط في المعرفة النووية وتطبيقاتها,أي التكنولوجيا
بصرف النظر عن مسألة القنبلة النووية.
فالمعرفة وتطبيقاتها - حتى لو كانت سلمية - هي النقطة الحاسمة في المسألةالنووية
, فحتى قصف المنشآت النووية الإيرانية وتدميرها لن يؤدي لإنهاء الإمكانيةالنووية
لإيران لأن هذه الإمكانية قائمة طالما احتفظ العلماء الإيرانيون بمعارفهموخبراتهم
التطبيقية في رؤوسهم !
من يلقى نظرة على الكتابات المتعلقة بالاستراتيجية الاسرائيلية سيخرجبانطباع مفاده
ان من اولويات هذه الاستراتيجية منع اى خصم محتمل فى المنطقة من الحصولعلى المعرفة
النووية وتطبيقاتها ولعل ذلك يفسر عاصفة الغضب الاسرائيلية حيال الاتفاقالأخير
بين ايران والغرب.
وقد تكون "الثقافة" هي الساحة الأكثر خطورة وتعقيدا في المرحلةالجديدة من العلاقات
بين إيران والغرب, فيما تحمل الكتابات في الصحافة الثقافية الغربية بشدةعلى المشهد
الثقافي الراهن في إيران جراء الافتقار للحريات بالمعايير المتعارف عليهافي
الغرب, بينما تعبر القيادة الايرانية - وخاصة رأس هذه القيادة السيد عليخامنئي
- عن شعور حاد بوجود مخطط غربي لاختراق إيران عبر "وسائل وأدواتالقوة الناعمة تمهيدا
للإطاحة بالنظام الحاكم".
ولئن كان جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني قد عاد للقرن الحادي عشر الميلاديوعمد
للاستشهاد بأبيات للشاعر الإيراني الشهير أبو القاسم الفردوسي في ذروةالمفاوضات
النووية مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة, فها هي مجلة "نيويوركر"الأمريكية تعرف
بمستواها الصحفي الرفيع تتحدث عن "الشعر والسياسة في ايران".
وتناولت مجلة "نيويوركر" الشاعر والفنان الحداثي الإيراني الراحل" سهراب سبهري "
فيما أكدت على عداء الملالي - الذين وصلوا لحكم ايران عام 1979 - لكلما يتصل بالحداثة
التي ترتبط في أذهانهم بالغرب وسط مخاوف ظاهرة في دوائر القيادة الإيرانية
من المؤثرات الثقافية الغربية على الشباب .
وحتى بعض الطروحات والكتابات العربية - بعد الاتفاق النووي الأخير - تشيرإلى أن الغرب
يتجه لترويض إيران بالجزرة بدلا من العصا وتحقيق أهدافه بوسائل القوةالناعمة
على نحو ما جرى مع الاتحاد السوفييتي حتى تفكيكه وإنهاء الحرب الباردةفي مطلع
العقد الأخير من القرن الماضي .
ولكن هذا التصور حول إمكانية الاختراق الغربي لإيران بوسائل القوة الناعمةقد يكون
من الصعوبة بمكان تطبيقه بسرعة في أرض الواقع الإيراني , وها هو علي المرشدالأعلى
للجمهورية الإسلامية يتدخل حتى في تحديد "أجندة الشعر والشعراء"في إيران , فقد
تحدث خامنئي مؤخرا - في لقاء مع لفيف من الشعراء الذين يقرضون شعرهم بالفارسية
سواء داخل إيران أو خارجها في دول مثل باكستان وطاجيكستان وافغانستان- عن " أياد
تعمل لإبعاد الشعراء الشباب عن مهامهم الثورية البطولية" والاتجاهلما وصفه "بالموضوعات
التافهة مثل الجمال الجسدي والحب".
وبينما توضح مجلة "نيويوركر" أن الشعر كان في قلب السياسة بإيرانعلى مدى قرون , فقد
بدا خامنئي في هذا اللقاء واعيا بالتحدي الذي تشكله ثورة الاتصالات ووسائطالاتصال
الجديدة لتصوره عن "الشعر الملتزم", مشيرا لاتجاه بعض الشبابلما وصفه "بالثقافة
المنفلتة" فيما أطلق تهديدات "لتلك الفئة الضالة".
وفيما يقال أن خامنئي ذاته شاعر وله قصائد يظهرها للمقربين منه , فقديكون من الصعوبة
بمكان أن يقدم شاعر حقيقي على تحديد المواضيع التي ينبغي أن يبدع فيهاالشعراء
أو يضع لهم "أجندة", أو "خارطة طريق" بدعوى تطويرالشعر أو حتى "استخدام الشعر
كسلاح في حرب الحق ضد الباطل وخدمة أهداف الثورة" على حد قول السيدعلي خامنئي في
لقائه الأخير مع شعراء إيرانيين .
وفي ظل هذا التصور - الذي يتصادم مع جوهر الشعر كفضاء حرية وسلطة خيال- لن يكون من
الغريب أو المستغرب أن يذهب علي الخامنئي إلى أن الشعراء الذين"لا يخدمون أهداف
الثورة الاسلامية", ولا يكتبون عما يصفه "بالموضوعات الحيوية"هم "مذنبون بجريمة
وخيانة وليس لهم مكان في الجمهورية الاسلامية".
والشعر قوة حقيقية في الحياة والسياسة في إيران - التي عرف شعبها تاريخيابحب الشعر
لحد الولع - حتى أنه لا يكاد يخلو بيت في إيران من ديوان للشعر, غير أنالمرحلة
التي بدأت منذ عام 1979 مع "نظام الخميني" تعد الأسوأ في تاريخالشعر والشعراء
الإيرانيين الذين لم يتورع هذا النظام عن إعدام بعضهم وسجن البعض الآخرعلى نحو يعيد
للأذهان محنة الشعراء الروس في مرحلة حكم ستالين للاتحاد السوفييتي السابق.
ومن الشعراء الإيرانيين الذين أعدموا في ظل نظام الخميني والخامنئي سعيدسلطان وحيدر
مهريفان وهشام شعباني, فيما اتجه عدد من كبار الشعراء الإيرانيين للحياةفي المنفى
مثل محمد جلالي وهوشانج ابتهاج ومانوشهر يكتاي وهادي خورسندي واسماعيلخوي.
وعن إيران الوطن والنظام والذكريات والأسرار والحنين والثقافة جاءت"تحديقة الغزالة"
التى صدرت باللغة الانجليزية في العاصمة البريطانية لندن بقلم الروائىوالطبيب
والناشر الإيرانى اراش حجازى والذى يقول أنه استوحى العنوان من نظرة ندىسلطان "شهيدة
الثورة الخضراء" التي اندلعت احتجاجا على التلاعب في نتائج الانتخاباتالرئاسية
الإيرانية عام 2009.
والمؤلف اراش حجازى كان الطبيب الذى حاول إنقاذ الشابة ندى سلطان لكنهاماتت بين يديه
وظهرت هذه اللقطات على اليوتيوب ما أرغمه على الفرار من إيران إلى بريطانياخشية
الموت على يد النظام الحاكم في طهران.
ويتناول حجازى فى هذه المذكرات قصة الثورة الإيرانية والمشهد في بلادهمن الداخل,
فيما يصف جيله "بالجيل المحروق" جراء القمع وحملات الاعتقالاتوالقيود المتعددة ومن
بينها العزلة القسرية عن العالم الخارجى, معتبرا أن هذا الجيل قد حرقتأحلامه
وأمانيه غير أنه سيبقى محبا للوطن .
والروائى والطبيب اراش حجازى اتجه أيضا لمجال النشر وولد في إيران قبلنحو عقد واحد
من ثورة الخمينى, فيما يؤكد أنه أحب آية الله الخمينى في بداية هذه الثورة, بل
والتقاه وكانت جدته تقول للعائلة أنها ترى صورته في وجه القمر.
ويعترف اراش حجازى - الذى كتب من قبل رواية "حزن القمر" - بأنعائلته اضطرت لممارسة
النفاق حتى تتسنى لها الحياة فى ظل النظام الذى حظى بتأييدها فى البداية, غير
أنه سرعان ما أظهر حقيقته القمعية وعدائه للحريات وحقوق الإنسان.
ويسرد حجازى فى "تحديقة الغزالة" - التى كتبها بلغة جمعت مابين الجمال والبساطة -
الكثير من الوقائع المحزنة مثل عمليات الإعدام بعد محاكمات صورية لمنيشتبه فى معارضته
لنظام الحكم ومن بينهم بعض أصدقاء والده الذى كان استاذا جامعيا بكليةالهندسة
فيما سجن البعض الأخر لمدد طويلة .
وبسبب الخوف من القبضة القمعية للنظام - كما يقول حجازى - عمد كثير منسائقى سيارات
الأجرة لوضع لافتة "يرجى عدم النقاش" داخل السيارات فيما ازدهرت"ثقافة التهريب"
التى تشمل الكتب واشرطة الأفلام الأجنبية.
ويستدعى المؤلف بعض الوقائع الدالة حول "القهر الثقافي" مثلإرغام الطلاب في المدارس
على قراءة كتب بعينها فى المكتبات وإعدام أى كتاب يعتبره نظام الحكم مخالفالمبادىء
الثورة أو الأخلاق - من وجهة نظر هذا النظام - , الأمر الذي دفع المواطنين
الإيرانيين ومنهم عائلته للجوء لما يسميه اراش حجازى "بالثقافة البديلة".
والمحسوبية تزدهر في ظل الاستبداد وانعدام الشفافية - كما يشير اراش حجازى- ولكن
السؤال الهام حقا الذي يثيره هذا الكتاب: هل كتب على إيران بكل حضارتهاالعريقة أن
تحكم إما بحكم إمبراطورى متجبر أو بنظام جاء بعد ثورة شعبية ليجافى الديمقراطية
وينتهك حقوق الانسان بفظاظة مكتفيا بشعارات دينية ?!
وقد انتهزت الصحفية والكاتبة والمذيعة الإيرانية كامين محمدى فرصة ظهورروايتها الأولى
"شجرة السرو" للتأكيد على أن وطنها أكبر بكثير من نظام حكميقمع المثقفين ويدفعهم
للعيش فى المنفى , وتحدثت بصورة مستفيضة عن الأدب الإيرانى وقدمت للقراءفى
الغرب قائمة مقترحة بأفضل عشرة كتب عن إيران .
وتنوه كامين محمدى لصحيفة "الجارديان" البريطانية بأن الأدبالإيرانى ثرى ومتنوع بما
فى ذلك الأدب المعاصر, معتبرة أن هذا الأدب إنما يعكس حضارة بلادها العريقةوثقافتها
الغنية .
وولدت كامين محمدى فى إيران عام 1969 وانتقلت مع عائلتها للمنفى عام1979 - الذى
شهد اندلاع الثورة الايرانية - لتعيش في بريطانيا, فيما تقيم حاليا بإيطاليا, وجاء
كتابها الأول "شجرة السرو" عن إيران في القرن العشرين عبر روايةتتناول ثلاثة
أجيال من النسوة هى كامين ذاتها ووالدتها وجدتها .
وتتحدث كامين فى "شجرة السرو" عن إيران الجميلة - كما عرفتهافى أيام الصبا - منوهة
بأن الغرب يرتكب خطأ فادحا عندما يختزل إيران فى مجرد تهديد نووى محتملسواء كانت
قصة الأسلحة النووية حقيقة أو وهم .
وتقول كامين محمدى للقراء فى الغرب أن إيران - كما عرفتها فى طفولتها- تمثل لها نسيم
الياسمين والإبتسامة الهانئة والضحك من أعماق القلب وحكايات الحب وليالىالسمر
على البلاط الفيروزى وشقفات الرمان الياقوتى التى تهواها الخالات والعماتوهن يتبادلن
البوح والأسرار فى ضوء القمر , بينما يلهو الصغار فى بلد له عبق تاريخعريق
أثر فى الثقافة الغربية ذاتها .
واعتبرت كامين صدور روايتها الجديدة فرصة سانحة للحديث بنوع من التوازنعن إيران -
التى لا يعرف الغرب عنها إلا قصص التعذيب والقهر والكبت واضطهاد المعارضين-مع
تسليمها بأن هذه الانتهاكات لحقوق الانسان في بلادها كانت وراء قرار عائلتهابالخروج
من الوطن والعيش فى المنفى.
وإذا كان بعض الكتاب في مصر قد نوهوا - في سياق الجدل الحالي حول الاتفاقالنووي الأخير
- بأهمية قراءة التجربة الإيرانية بشكل نقدي, فإن هذه القراءة تبدو مطلوبة
بالفعل خاصة وأن القراءات الغربية للتجربة الإيرانية غزيرة ومستمرة ومتجددةكما يتجلى
في الكتاب الجديد الذي صدر بالانجليزية بعنوان: "ايران الثورية:تاريخ الجمهورية
الإسلامية".
وفي هذا الكتاب سعى المؤلف مايكل اكسورثي لاستكشاف جديد للتطورات في إيرانمنذ ثورة
1979 - والتي أفضت لما يسميه "بديمقراطية زائفة" - فالنظامالسياسي في إيران متوتر
وقضية الديمقراطية لم تجد حلا .
هكذا يقول المؤرخ البريطاني والدبلوماسي السابق مايكل اكسورثي الذي ذهبفي كتابه إلى
أنه منذ عام 2009 قررت الحلقة العليا للنظام التخلي عن سياسة الزعيم الراحلالخميني
في ما يتعلق بالتوازن بين الفرقاء والأجنحة المتعددة والاتجاه بدلا منذلك
لأسلوب القوة الغاشمة ضد المعارضين وهو توجه يضعف في الواقع الدولة الايرانيةولا
يمنحها قوة.
وعن تشويه مصطلح "الثورة الثقافية" يضرب الروائي والمحقق المصريالدكتور يوسف زيدان
مثالين بالثورة الثقافية (المدمرة) في الصين التي قام بها ماو تسي تونجوالثورة
الثقافية (المريعة) التي قام بها في إيران الإمام الخوميني, وأضاف:"وكلتا الثورتين
كانت مهلكة مما أدى إلى تشويه المصطلح ذاته فلم يعد تعبير الثورة الثقافيةجذابا
في أذهان الناس".
وذهب زيدان إلى أنه في واقع الأمر ما حدث في الصين وإيران لم يكن أصلاثورة ثقافية
وإنما كان "المضاد التام لها", لأن الثورة كما يقول لا يقومبها شخص أو مجموعة قليلة
العدد وإنما تقوم بها قاعدة عريضة من الناس استجابة لدعوة شخص أو مجموعةقليلة
العدد.
وإذ تستعيد طرفا من ذكرياتها مع الأدب والأدباء الإيرانيين الذين زرعوابذور التمرد
والابداع في عقول الشباب مثل جلال آل أحمد - الذي تعرض لاضطهاد في ظلنظام الشاه
ومات عام 1969 في ظروف غامضة والأديبة سميمين دانشوار - ترى الكاتبة المصريةالدكتورة
نوال السعداوي أن الثورة الإيرانية عام 1979 كانت في بدايتها ثورة شعبيةشارك
فيها الملايين من أجل العدل والحرية والكرامة حتى سقط حكم الشاه, غيرأن هذه
الثورة اختطفت من جانب "الملالي" وبالتعاون مع الأمريكيين"رغم العداء الظاهري بينهما".
وعلى أي حال إن كان هناك من يتحدث عن أهمية الشروع في حوار عربي - إيرانيفإن الثقافة
يمكن أن تكون مدخلا بناء لأي حوار من هذا النوع وغني عن البيان أن العلاقاتعميقة
والوشائج متعددة بين الثقافتين العربية والفارسية والتجليات ظاهرة علىمستوى
اللغة والمفردات , كما أن رموزا ثقافية مثل عمر الخيام حاضرة بقوة فيالثقافة العربية
مثلما هي حاضرة في الثقافة الفارسية.
وبصرف النظر عن اتجاه العلاقات السياسية بين مصر وايران صعودا أو هبوطافي حقب متعددة,
فإن التفاعل الثقافي لم يتوقف بين الجانبين, فيما كان عميد الأدب العربيطه
حسين قد فصح عن أنه كان يتمنى أن تكون أطروحته للدكتوراه عن الفيلسوفوالشاعر عمر
الخيام, كما أن أعمالا مثل شاهنامة الفردوسي وبستان سعدي وغزليات حافظشيرازي حاضرة
دوما على مائدة الثقافة المصرية.
وإذا كانت العديد من مؤلفات طه حسين وعباس محمود العقاد وعائشة عبد الرحمن"بنت الشاطيء"
قد ترجمت للفارسية فقد عمد أديب نوبل المصري نجيب محفوظ لاستخدام مفرداتشعرية
باللغة الفارسية في بعض ابداعاته الخالدة, فيما تغنت كوكب الشرق أم كلثومبرباعيات
لعمر الخيام ترجمها الشاعر المصري الراحل أحمد رامي من الفارسية للعربية.
وفيما كان الجانب الأيمن للداخل من الباب الرئيسي لمتحف الفن الاسلاميقد خصص للفن
الاسلامي في مصر بداية من العصر الأموي وحتى نهاية العصر العثماني, فإنالجانب الأيسر
يضم قاعات عرض خصصت للفنون الاسلامية خارج مصر والقادمة من تركيا وايران.
وعند أجيال من المصريين والعرب, فإن ليالي الصيف تحلو وسيدة الغناء العربىأم كلثوم
تشدو بكلمات من رباعيات عمر الخيام: "افق خفيف الظل هذا السحر..وهاتها صرفا وناغ
الوتر.. فما أطال النوم عمرا.. ولا قصر فى الأعمار طول السهر".
وكما لاحظ الناقد اللبناني جهاد فاضل فإنه ما أن يصدر كتاب جديد بالعربيةحول عمر
الخيام إلا ويزاحمه بعد حين كتاب جديد عنه ومن أشهرها الكتاب الصادر بعنوان"ثورة
الخيام" لعبد الحق فاضل وهو باحث وسفير عراقي سابق في الصين والذيتتوالى طبعاته
منذ ان صدر قبل سنوات عديدة ترجع لمطلع خمسينيات القرن المنصرم.
وهذا الكتاب بطبعاته المتعددة يحوي ترجمة عبد الحق فاضل لرباعيات الخياممن الفارسية
الى العربية وهي رباعيات سعيدة الحظ حقا لأنه أتيح لها كثير من المترجمينوالمعرفين
الأفذاذ في مختلف اللغات ومن بينهم عبد الحق فاضل الذي يعد كتابه من جملوأوفى
ماصدر عن الخيام باللغة العربية.
والقسم الأول من هذا الكتاب مخصص لسيرة عمر الخيام من جوانبها المختلفةوعرض ونقد
لما كتب عن الرباعيات وما أثير بصددها , بينما القسم الثاني يضم ترجمةهذا الباحث
والدبلوماسي العراقي السابق للرباعيات وهي ترجمة يصفها جهاد فاضل بأنها"ترجمة
مدهشة في الكمال الذي بلغته وفي التعبير العربي المبين الذي اكتسته".
ومن بين من تصدوا لترجمة رباعيات الخيام للعربية أحمد رامي وأحمد الصافيالنجفي ووديع
البستاني ومحمد السباعي وبطابع الحال فإن تعدد الترجمات يثير دوما مقارناتحول
الأفضل والأكثر كمالا وجودة وفهما لمقاصد الشاعر ومراميه.
وكان الشاعر المصرى الراحل أحمد رامى قد أشار في مقدمة رباعيات الخيام- التي ترجمها
من الفارسية للعربية - إلى أن بعض النساخ غيروا بعض الرباعيات الخياميةودسوا
فيها من شعر غيره ليقولوا الرجل مالم يقله .
أما الوزير والدبلوماسى الإيرانى السابق على دشتى - والذى عمل من قبلسفيرا لإيران
في القاهرة وبيروت - فيعد كتابه "لحظة مع الخيام" من أفضل المؤلفاتالتي عرضت لعمر
الخيام ورباعياته , حيث عنى بروح الباحث الجاد عبر منهج علمى دقيق بتقصىالسمات
الحقيقية للخيام ومحاولة الكشف عن رباعياته الأصلية وتحديدها .
ومع ذلك أقر على دشتى بأن المدسوس كثير فى الرباعيات حتى أضحى فرز الرباعياتالأصلية
واستخراجها من بين هذا الركام الهائل من الرباعيات المنسوبة , مشكلة عسيرةبحاجة
لكثير من الأدلة التاريخية والقرائن العلمية والموازنات الأدبية وسبرأغوار روح
عصر الشاعر سبرا دقيقا .
ومع أن عمر الخيام تأثر ببعض جوانب نظرة الشاعر العربي الكبير أبو العلاءالمعري للحياة
ومنها الشك والحيرة والتشاؤم فان هذا التشاؤم لم يدفعه إلى نفض يده منهذه
الدنيا والاكتفاء بالتأمل الشجي الحزين والقاسي على نحو ما فعل أبو العلاءالمعري
وإنما دفعه للإقبال على ملذات الدنيا لأنه لايملك سوى هذا الإقبال"مادام الغد هو
بظهر الغيب" ولأن الظن كثيرا مايخيب في المقبل فلم يبق اذن امامعمر الخيام سوى
الحاضر وانتهاب لذاته.
وبعيدا عن "عمر الخيام وعصره" تعكس طروحات عدة الآن في الصحفووسائل الإعلام المصرية
والعربية شعورا بأن الاتفاق النووي بين إيران والغرب - بقيادة الولاياتالمتحدة
- إنما يؤشر لحقيقة أن منطقة الشرق الأوسط تتغير في اتجاهات ليست في صالحالأمة
العربية .
ومن الأهمية بمكان النظر لهذا الاتفاق النووي من منظور استراتيجي عربي, يلاحظ أن
الاتفاق يأتي في وقت يخشى فيه بعض المثقفين العرب من أن تكون المنطقةالعربية قد
دخلت طور التقسيم الجديد في ظل مايطلق عليه "ترتيبات سايكس بيكو2" , وتوالي الإشارات
حول احتمالات اختفاء دول وظهور دول جديدة حسب تقسيمات طائفية وعرقية.
ومن نافلة القول أن هذا الاتفاق جاء في ظل "حالة من التمدد الايرانيفي عدة مناطق
بالعالم العربي" غير أن أصواتا لمثقفين مصريين وعرب تنادي بضرورةالابتعاد عن "المواجهات
المذهبية والتقسيمات الطائفية المقيتة" والاتجاه بدلا من ذلك"للمواجهات
السياسية بما يضمن حماية المصالح العربية" , وهي مواجهات لايجوزفيها تكرار خطأ الاستعانة
بجماعات ظلامية أو قوى فاشية تتستر بشعارات دينية للوصول للحكم وكانتسببا
في تراجع عوامل القوة العربية بقدر ما روعت الشعوب وأدمت القلوب بممارساتهاالإرهابية
.
وكان الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب قد دعا علماءالسنة والشيعة
للاجتماع معا لوأد الفتن المذهبية .
ولكن الكثير من المثقفين العرب يشعرون بمرارة حيال مواقف إيرانية حتىحيال تنظيم داعش
الإرهابي , معيدين للأذهان أنه رغم وجود قوات من الحرس الثوري الإيرانيفي العراق
بذريعة محاربة داعش فإنها لم تحرك ساكنا للدفاع عن آثار العراق وإنقاذكنوزه
التاريخية التي نال منها هذا التنظيم الظلامي الإرهابي .
والرأي عند معارضة إيرانية كبيرة هي مريم رجوي أنه سيكون من الوهم أننطلب إخماد الحريق
ممن أشعله والرأي عندها أيضا أن النظام الإيراني يعظم مكاسبه الإقليميةويبرر
تدخلاته الفظة في العراق وسوريا بذريعة محاربة تنظيم داعش .
وقد يشعر القاريء اليوم بكثير من الدهشة عندما يجد المفكر الاستراتيجيالمصري جمال
حمدان - الذي رحل عن هذه الحياة الدنيا منذ 22 عاما - يتحدث عن"ظاهرة القفز الضفدعي
لتركيا الباحثة عن دور , والصراع التركي - الإيراني على الزعامة في الشرقالأوسط"
!.
وكأن جمال حمدان يعيش لحظتنا الراهنة وهو يقول في مطلع تسعينيات القرنالعشرين :"تركيا
وبلا مواربة تعمل على فرض زعامتها على الشرق الأوسط - وإيران تنافسهافي ذلك
طبعا - " ويتساءل جمال حمدان :"كيف حدث هذا"?! ليجيب علىسؤاله :"هذه محاولة لملء
الفراغ السياسي".
وتركيا كما يقول جمال حمدان كانت أكبر الرابحين في عملية الوراثة الإقليمية- بعد
انهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع تسعينيات القرن العشرين - وإيران أيضاكسبت لكن
أقل من تركيا أما مصر , فخسرت ولم تكسب قط بعد أن دخل الاتحاد السوفييتيفي ذمة
التاريخ واستسلم في الحرب الباردة بلا طلقة واحدة وهو ما يصفه الدكتورجمال حمدان
"بأكبر لغز في التاريخ وأكبر هزيمة في العالم وأكبر جريمة سياسيةفي التاريخ وأكبر
حادث انتحار جيوبوليتيكي في الجغرافيا السياسية"!.
واليوم - مع عودة مصر لدورها الطبيعي ودعوتها للاصطفاف العربي - فإن الصوابلم يجانب
بعض المثقفين المصريين والعرب الذين أكدوا على أهمية عامل "الثقةبالذات العربية"
وامتلاك العالم العربي للعديد من عوامل القوة الفعلية والكامنة والتييمكن استغلالها
في ظل إرادة مخلصة ومشتركة للدفاع عن مصالح وقيم الأمة العربية .
واذا كان من الجائز الحديث او التساؤل في سياق كهذا عن:" من يؤثرثقافيا في من"? فان
الثقافة المصرية راسخة وعريقة ومتنوعة ورحبة وقادرة دوما على الهام الآخرينوالتأثير
فيهم وبالقدر ذاته , فهي منفتحة ولاتعرف الانغلاق ومستعدة للتفاعل معكل الثقافات
دون أن تفقد أبدا خصائصها الأصيلة , ومن هنا اكتسبت صدقيتها وجاذبيتها.