القاهرة 07 يوليو 2015 الساعة 01:47 م
عرض وتحليل : ميرفت عياد
فى ظل تنامى موجات العنف والإرهاب التى تشهدها البلاد ، نرصد نشأة فن القصة القصيرة عند جيل الرواد وتطوره عند أعضاء المدرسة الحديثة من الأمور اللافتة للدارسين والباحثين الذين وقفوا ومازالوا يقفون وقفات متعددة وإن تباعدت أزمنتها للتعرف أكثر على مدى التطور الذى أصاب هذا الجنس الأدبى ، خلال سنوات القرن الماضى و فى ظل المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى مرت بالمجتمع المصرى ، هذا التطور الذى فرق بين اتجاهين رئيسيين هو التيار الواقعى والآخر هو التيار التعبيرى ، لقد سيطر الاتجاه الواقعى سيطرة كبيرة على معظم انتجنا القصصى خاصة مع قيام ثورة يوليو 1952 ، تلك الثورة التى انطلقت لتحقيق أهداف رئيسية أهمها الهدف الاجتماعى ، فتبلور هذا الفن وبلغ ذروته فى إبداعات " يوسف ادريس" التى عبر فيها عن واقعنا الاجتماعى تعبيرا صادقا ، ولأهمية فن القصة القصيرة قام الكاتب " احمد عبد الرازق ابو العلا " برصد لهذا الفن فى كتابه " " والذى أصدره المجلس الأعلى للثقافة .
ويتكون هذا الكتاب الذى يقع فى 275 صفحة من أربعة فصول ، حيث يتناول الفصل الأول منها أثر ثقافة العنف والإرهاب الدينى والسياسى على كتاب القصة القصيرة وكيف قاموا بمعالجة هذا الموضوع المهم والحيوى ، ويتعرض الفصل الثانى لبعض أعمال الكتاب الذين رفضوا التطبيع من خلال معالجتهم الفنية لهذا الموضوع المهم والخطير ، أما الفصل الثالث فيوضح بعض أعمال كتاب القصة القصيرة الذين ينتمون لجيل الثمانينيات والتسعينيات للوقوف على ما أضافوه لهذا الفن وما تراجعوا عنه ، بينما يقدم الفصل الرابع والأخير لأهم كتاب القصة القصيرة فى السعودية الذين حاولوا الخروج عن النمط التقليدى لفن القصة القصيرة ليس فقط من ناحية الشكل أو المضمون ، ولكن من ناحية القدرة على اقتحام مناطق غير مسبوقة خاصة وأن القصة القصيرة ظلت لسنوات طويلة تتسم بالشكل التقليدى والبدائى من ناحية اختيار الموضوعات والمعالجة الفنية ، ولكن بعض منهم مثل يوسف المحميد ، وعبده خال ، ومحمد على قدس وغيرهم ، يقدمون الآن تجارب جديدة مختلفة عن تلك التجارب السابقة ومتطورة لدرجة كبيرة جدا ، فهؤلاء الكتاب الجدد التى تتناول الدراسة بعض أعمالهم حاولوا التعامل مع الواقع الاجتماعى فى المملكة بشكل جديد يكشف تلك النزعة التجريبية والنزعة الواقعية التى تتسم بالمواجهة بشكل غير مسبوق .
تيارات ارتدت رداء الدين
ويعد الكتاب محاولة لدراسة بعض أعمال كتاب القصة القصيرة بمختلف انتمائتهم الفكرية وتباين الفترات الزمنية التى قدموا فيها إبداعهم ، وهذا الكتاب لا يتحدث عن الجيل بالمفهوم التقليدى لمصطلح جيل ولكنه يحاول البحث عن مدى إحساس الكتاب الذين ظهرت إبداعاتهم فى مجال القصة القصيرة فى نهايات القرن الماضى ، وإدراكهم للمتغيرات الكثيرة التى حدثت فى مجتمعنا وبشكل يكمل صورة اهتمام القصة بالتعبير عن تلك المتغيرات كما اهتمت بها منذ نشأتها ، والحقيقة أن المتغيرات المعاصرة كثيرة منها حرب اكتوبر وما تبعها من متغيرات اجتماعية وسياسية واقتصادية مثل اتفاقية السلام مع إسرائيل ، وانثاق فكرة مقاومة التطبيع ، لمواجهة تلك الاتفاقية من قبل المثقفين فى مصر ، ثم ظهور سياسة الانفتاح الاقتصادى ، وظهور التيارات التى ارتدت رداء الدين وحاولت النيل من سلامة المجتمع تلك التغيرات التى أفرزت نوعا جديد من الإرهاب الفكرى ، تمت مواجهته بإرهاب آخر له طابع سياسى .
القمع الفكرى .. و الضغط النفسى والمعنوى
إن الخطأ الذى وقع فيه السادات هو أنه حاول استخدام التيار الدينى لخدمة أغراضه هذا ما يؤكده الكاتب معربا عن أن السادات لم يكن يعلم أن هذه الجماعة سرعان ما تنتقل إلى العمل لحسابها الخاص ، وسوف تمزق الإطار الذى يراد منها أن تعمل فى داخله ، لقد أثرت ظاهرة العنف التى صاحبت نشاطات تلك الجماعات المتأسلمة تأثير بالغ الشدة على حياتنا بشكل عام ، وحياتنا الثقافية بشكل خاص ، ففى أجواء انفجار عنفها استفادت حركة الإخوان ونشطت جبهة علماء الأزهر كبهجة معارضة للأزهر الرسمى وكانت وراء تكفير " فرج فودة " الذى تم اغتياله على أيدى الجماعات فى عام 1993 ، فهى تمارس نوعا من القمع الفكرى باسم الدين ويعد عنفا قوليا ينطوى على ممارسات ضغط نفسى ومعنوى ، وتتناول هذه الدراسة بعض ممارسات تلك الجبهة ضد الإبداع وضد المبدعين ، ومن أبرزها البيان الصادر فى 19 يناير 2001 بمطالبة وزير الثقافة بتطهير الوزارة من الذين يهدفون إلى الفساد ، مؤكدا على أن القصة القصيرة على الرغم من ندرة النماذج استطاعت تناول هذا المتغير الخطير ، واستطاعت أن تعبر فنيا عن الآثار الناجمة عن استعمال العنف أو الإرهاب سواء كان سياسيا أو دينيا ، وقدمت صورا متنوعة للقمع الذى تمارسه الجماعات المتأسلمة ، والقمع الذى تمارسه السلطة الدينية ، والقمع الذى يمارسه بعض ضباط الشرطة المنوك بهم دفع الظلم عن المظلومين وتطبيق القواعد القانونية والاعراف التى تحكم وتنظم العلاقة بين الأفراد والمجتمع .
مقاومة التطبيع فى القصة القصيرة
ويشير الكتاب إلى الإحصائية التى قام بها أحد الدارسين ، والتى حدد من خلالها أن الانتاج الروائى زاد بسبب هزيمة 1967 ، زيادة واضحة ففى إحصاء عام وجد أن حصيلة الست سنوات السابقة على الهزيمة ، وصل الانتاج الروائى إلى 92 رواية ، فى حين أن الرقم ارتفع إلى 167 رواية خلال الست سنوات التى تلت الهزيمة ، ومن هذه الأرقام يتضح أهمية الكتابة فى مواجهة الأزمات ، و ضروريتها فى مقاومة الهزيمة ، فالإبداع من هذه الجهة يعد أداة من أدوات المقاومة ، حيث يمكن أن تستخدم عبارة " المقاومة بالإبداع " قياسا على عبارة " المقاومة بالسلاح " ، فروح المقاومة تسربت – بوعى أو بدون وعى – من نفوس عدد من المثقفين العرب الذين صدقوا أن الصلح مع إسرائيل أمر واقع ، ربما لعجزنا عن المواجهة وربما لعدم قدرتنا على القيام بحرب جديدة ، ولكن حين نتحدث عن الأدب المقاوم فى مصر ، لابد أن نذكر الأدب المقاوم فى فلسطين المحتلة حيث إن كل مننا يتعرض لعدو مشترك وهو إسرائيل ، وهو نموذج يحتذى به ، لقد كانت أشعار سميح القاسم ، ومحمود درويش وهارون هاشم وغيرهم ، بمثابة بيانات للثورة الفلسطينية التى لم تخب شعلتها بعد لقد ساعدت فى إذكاء روح المقاومة التى بدأت منذ عام 1948 وحتى الآن .
نماذج تطبيقية من قصص نهايات القرن
ويثير الكاتب سؤالا وهو هل استطاع كتاب القصة فى آخر القرن ، تجاوز التراث القصصى السابق عليهم ؟ هل استطاعوا تطويره بالشكل الملائم وبما يتوافق والمتغيرات الكثيرة المتسقة التى أصابت الواقع من حولهم ؟ ، وللإجابة على هذا السؤال يبدأ الكاتب بسرد العديد من قصص الكتاب الجدد التى صدرت لهم مجموعات قصصية فى نهاية التسعينيات من القرن الماضى وهم " منير عتيبة ، خالد السروجى ، سمير يوسف حكيم ، حمدى ابو جليل ، محمد الليثى محمد ، مرفت العزونى " وعلى الرغم من أن لكل واحد منهم تجربته وموضوعاته ، ومعالجته المغايرة ، إلا أنهم يشتركون معا فى بعض الظواهر التى يمكن إجمالها فى النقاط التالية :
• الأشخاص والوسط لا ينتميان إلى مكان أو زمان معين .
• زمن الأفعال فى كل القصص هو زمن المضارع وهذا يعكس انعدام حركة الزمن ويكشف أن تسلسل الأحداث ليس له أهمية
• مجمل قصص الكتاب تكشف عن عجز الشخصية عن الاندماج فى البنية الاجتماعية .
وكل هذه المظاهر مجتمعة تعكس أن هناك خللا أصاب المجتمع الذى أراد الكاتب التعبير عنه ، فإن غايتنا الوحيدة من تأليف القصص والروايات أن نعمل على إيجاد أدب عصرى مصرى خاص بنا وموسوم بطابع شخصياتنا وأخلاقنا ، يتفق مع ما بلغناه من الرقى والنضوج .