القاهرة 04 يوليو 2015 الساعة 07:34 م
رغم أن فترة عامين عادة لا تعد شيئا مذكورا في تاريخ الدول والشعوب فان العامين الماضين من ثورة 30 يونيه2013 ومضي عام علي تولي عبد الفتاح السيسي رئاسة الدولة، يعدان كما لو مضت علي مصر عشرة أو عشرين عاما. ويمكن أن نتساءل لماذا نقول ذلك؟ ولعل مرجعنا في هذا ثلاثة أمور أولها حجم التحديات، وثانيها حجم الانجازات التي تحققت، وثالثها هو حجم الآمال والتطلعات.
فقد قامت الثورة لتواجه عدة تحديات أولها اختطاف ثورة 25 يناير من قوة ذات توجهات ثيولوجية تعيش في عصر مضي بعيدا عن الروح الإسلامية الأصيلة زهدا وعزوفا عن الدنيا ، وكان يمكن أن يقول هؤلاء "يا دنيا غري غيري" أو يمكن ان يتبرعوا بأموالهم أو بعضا منها لإصلاح الدولة كما حدث مع عمر بن عبد وليس تكديس الأموال ولذا رافق الرئيس الأسبق مرسي في زيارته للصين وفد ضم رجال أعمال من حزبه ، كما سبق الحزب ببناء مقره في المقطم كقلعة حصينة كما فعل ربيبهم اردوغان في بناء قصره ليعيش فيه عدة سنوات بعيدا عن الصراصير التي ادعي انه بناءه لمقاومتهم ويعيد مأساة الدولة العثمانية وبعض أمجادها.
بينما سعي حزب الحرية والعدالة بدون حرية وبدون عدالة الا لجماعته التي انتظرت كما قال بعض أعضائها حوالي ثمانين عاما للوصول للحكم ولذلك كانوا متعطشين للسلطة كما حدث مع حكام دول ثيولوجية منذ العصور الوسطي، وكأن الله اصطفاهم واختارهم و كأنهم مبعوثو العناية الإلهية بينما الله سبحانه تعالي لم يعطهم مثل هذا التفويض بل إنه بحكمته اختبر الحكام والقادة فإذا لم يسيروا علي النهج القويم من العدالة والمساواة والحرية للشعوب نزعها منهم إعمالا لقوله تعالي " يهب الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء" واللغة القرآنية تتسم بالدقة والبلاغة فان الله يهب السلطة لمن يشاء اختبارا لهم ليري هل يحسنوا أم يقولون كما قال فرعون " أنا ربكم الاعلي" وفي هذه الحالة يرد عليه الله سبحانه بنزع الملك منهم ولفظ "ينزع" بالغ الدقة والدلالة فاخذ السلطة أو فقدانها يعاني منه صاحبها كما لو نزعت منه روحه . من هنا فانه يهيم علي وجهه ساعيا إلي إلقاء قنبلة هنا أو القيام بتظاهرة هناك أو نحو ذلك من الحركات والسلوكيات التي لا تمت للإسلام ولا للإنسانية بصلة.بينما حالة المسلم الحق نجدها في قصة خالد بن الوليد الذي حارب من اجل الإسلام وحقق انتصارات مبهرة ولكن عمر بن الخطاب عزله من القيادة ليس كرها له أو إغماطا لحقه ولكن خشية أن يفتتن الناس به أو أن يشعر هو نفسه بالغرور وهو أسوأ الشرور التي تواجه الإنسان وتجعله يعيش في حالة من الزهو والاستكبار علي خلق الله لأنه يتصور نفسه فوق البشر، بينما محمد بن عبد الله نبي الإسلام صلي الله عليه وسلم صاحب الرسالة الخاتمة عندما حضر إليه احد الأعراب وكان لديه شعور بالهيبة من لقاء الرسول الكريم فقال له هون علي نفسك إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد في قريش. انظر هذا التواضع من النبي ، وانظر هذا الامتثال من قائد متميز مثل خالد بن الوليد لم يتردد في إطاعة الأوامر للخليفة عمر بن الخطاب وانزوي امتثالا وسمعا وطاعة له وهذا هو عين الإيمان الصحيح لأنه أدرك معزي و حكمة عمر ومن ثم امتثل لذلك القرار القاسي وهو كان يضحي بنفسه من أجل نشر الإسلام.
ونفس الشيء مع الفارق نجده في الحكام وقادة الأحزاب في بريطانيا أو أمريكا أو غيرها من الدول فكانوا عندما يخفق أي منهم في الانتخابات يتنازل عن رئاسة الحزب وبالطبع عن رئاسة الوزارة إذا كان يتولاها ويتفرغ لأسرته وللخدمة العامة . طبعا مثل هذا الاستقالة أمر غير وارد لدي بلادنا والهزيمة دائما يحولها أصحابها ألي نصر ويلقون باللوم علي الآخرين.
التحديات كثيرة مثل اكتشاف خدعة ما سمي من الرئيس الاسبق بمشروع النهضة الذي أعلن عنه محمد مرسي في حملته الانتخابية، فلما تولي السلطة وقضي عاما لم يلمس احد أثرا للنهضة ومشروعها ولا للوعود التي قطعها علي نفسه بعدم إقصاء أي فئة في المجتمع، ويمكن القول أنه ظلم نتيجة التناقض بين وعوده وبين التعليمات التي كانت ترد إليه من قصر الإمبراطورية في المقطم. ولكن هذا خطأه لأنه الحاكم الشرعي المنتخب فرط في مسئوليته وترك القرارات لأشخاص غير منتخبين وغير مسئولين فدفع الثمن هو وهم في نفس الوقت . والأسوأ ما تردد عن منحه الجنسية المصرية لعدة الآف من حركة حماس وما تردد عن السماح بتحويل ارض سيناء التي هي جزء لا يتجزأ من الوطن لتكون إمارة إسلامية لعناصر متطرفة أتوا من كهوفهم في أفغانستان ليقيموا الخلافة الإسلامية المزعومة كما تفعل جماعات باسم الإسلام الذي هو برئ منهم جميعا.
والآن عام على تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي، قيادة مصر، أما الانجازات فيكفي انه نذكر منها ستة إنجازات: الأول حمي الدولة من تدمير ركائزها الثلاث وهي الجيش والشرطة والقضاء، وثانيها أعاد للشعب ثقته بنفسه وبثورته الفريدة بعد أن كانت اختطفت منه في لحظة من الغفلة، وثالثا أعاد علاقات مصر الخارجية رغم التعبئة الكبيرة ضده من قوي معروفة بعدائها لمصر ، ولكنه صبر وبلسان عفيف حتى إن السلطان العثماني وجه له في خطاب بالأمم المتحدة عبارات بذيئة ليس لها مثيل في التعامل من تلك المنصة العالمية بين أسوأ الأعداء رغم الادعاء بالانتماء للإسلام الذي وصف النبي بقوله :ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" وهكذا يمكن تفسير انفضاض الأتراك بعيدا عن سلطانهم المزعوم في الانتخابات لأنه لم يكن مثل المسلمين عف اللسان، بينما السيسي صاحب الخلق الرفيع اقتداء بالنبي الكريم وابن مصر الأصيلة رفض الرد بالمثل إعمالا للقيم والمبادئ الإسلامية الأصيلة.
ورابع الانجازات بناء قناة السويس الجديدة والتي تمت في عام واحد بتمويل من شعب مصر استجابة لنداء رئيسه الذي أدرك صدقه وأمانته وهو يعلم أمن القناة تعد ركيزة أساسية من ركائز النهضة الصحيحة. وخامسها مجالات العمل والتوظف عبر المشروعات العديدة التي بدأت بالفعل وبعضها مازال في طور الاكتمال مثل التوسعات العمرانية وتطوير المصانع وغيرها، وإعادة النشاط الاقتصادي وإعادة الاستقرار الأمني رغم التظاهرات والاعتصامات ورغم الصياح والحملة الدعائية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وما تنشره من دعاية سوداء ورغم مواجهته للإرهاب في سيناء وفي كثير من مناطق ومحافظات الجمهورية، و سادسها امتلاك الشجاعة الأدبية وهي نادرة في بلادنا أن يقوم الرئيس بالاعتذار علانية للشعب عن المعاملة السيئة لأحدي المتظاهرات أو أن يقوم بالاعتذار للمحامين للإساءة من رجل الشرطة ،وغير ذلك من اللفتات الإنسانية التي تنم عن أصالة حقيقة وعن الروح المصرية المتسامحة وعن قيم الإسلام الصحيحة وسلوكيات النبي الكريم الذي هو أسوة حسنة لكل مسلم كما قال لأعدائه من قريش بعد أن نصره الله عليهم وعاد لمكة فاتحا " اذهبوا فانتم الطلقاء"
والتطلعات كبيرة لان الإحباط لدي المصريين عبر عقود كانت كثيرا والتدهور في التعليم والصحة والخدمات كان واضحا وملموسا، فليست هناك جامعة مصرية ضمن قائمة أهم خمسمائة جامعة في العالم في تصنيف شنغهاي لان التعليم تدهور والاساتذة انصرفوا عن البحث العلمي للبحث عن مناصب وزارية أو قيادية أو حتى في الأعمال رغم ما لديهم من امتيازات كان أمثالهم في الماضي لا يحصلون علي نصفها كما تدهورت الرعاية الصحية وأصبح الأطباء والممرضون ليسوا ملائكة الرحمة وإنما غير ذلك مع المبالغة في أجورهم وعدم مراعاة الإجراءات الطبية الصحيحة وفي تجاهلهم لقسم ابقرا بالتعامل مع المريض بغض النظر عن أية مكاسب أو أجور ولقد اضطرت سيدات للولادة علي أبواب مستشفيات ودخل مرضي إلي اعرق المستشفيات العامة وأحيانا الخاصة فاختفت بعض أعضائهم وهم في حالة غيبوبة بعد أن تم إجراء الأطباء عمليات لهم .
ويجب أن نقول إن التدهور حدث في معظم المرافق والمؤسسات بدرجات متفاوتة ولكن خطورة التعليم والصحة أكبر لأنهما أساس بناء المجتمعات ومع هذا فلا يجب أن ننسي أن هناك أناس شرفاء في التعليم والصحة وغيرهما ، ولكنني اذكر مثالا عظيما عندما كنت في الجامعة لم يكن هناك ما يسمي بالدروس الخصوصية من أستاذ جامعي فهو كان قدوة في العلم والخلق وكانت الدروس الخصوصية في بعض المدارس ينظر إليها كعورة يستتر منها صاحبها. أما الصحة فكان دخول المستشفي الأميري بمثابة الفرج الذي لا نظير له والأطباء لا يفكرون في عياداتهم الخاصة بل أحيانا يرسلون المرضي غير القادرين من عياداتهم الخاصة للمستشفي العام. هكذا كانت مصر في الماضي وهذا لا يعني أنها كانت جنة الله في الأرض وأتما كانت لها عيوبها وأخطاؤها ومع هذا فقد كانت جامعة القاهرة علي سبيل المثال نموذجا للجامعات علي المستوي العالمي وكان الأزهر الشريف نموذجا للفكر المتسامح والعقلانية والاعتدال وطلابه نموذجا لطلاب العلم أما الآن فأصبحت الطالبات يضربن أساتذتهن ويمتهن كرامتهن وكرامة الأساتذة .
أن إصلاح مصر ليس امرأ هينا ولكنه ليس آمرا مستحيلا. لقد أعادت الحملة الفرنسية لمصر جمالها ونظافة شوارعها وإنارتها خلال شهور قلائل. وأعاد محمد علي لمصر قوتها العسكرية وبني جيشا متميزا خاض حروبا وانتصر فيها وبني أسطولا وترسانة بحرية وبني صناعة متقدمة في ذلك الحين، وبني إسماعيل دار الأوبرا وافتتح مجلس الشورى في عام 1866 ، كما استطاع دنج سياو بنج في الصين خلال سنوات قلائل أن يعيد كيان الدولة التي دمرتها الثورة الثقافية كما دمرت ثورة 25 يناير ما تبقي من كيان الدولة المصرية وهي الثورة المفترض أنها قامت للبناء وليس للهدم ولكن ضعف الرؤية وانعدام القيادة والوحدة الفكرية أدت لإطلاق الشعارات الغوغائية المتسمة بالتطرف والمراهقة الفكرية والاتجاه لتدمير مؤسسات الدولة كما لو كانت مؤسسات دولة معادية وليست ملكا لشعب مصر
هذه التطلعات تحقيقها ليس مستحيلا بل هو ممكن بتوافر الإرادة والقيادة والرؤية والكوادر المصرية والتطوير في عقيدة أجهزة الأمن بالتوازن بين ضوابط الأمنية ومراعاة حقوق المواطن وكرامته وفي فلسفة التعليم وفي أهداف المؤسسات الصحية وانضباط المرور والخدمات والنظافة. أنه من العيب الكبير أن مصر في الأربعينات كانت أكثر تقدما من اية دولة في الشرق الأوسط بل في بداية الخمسينات كانت دائنة لبريطانيا العظمي آنذاك وكانت جامعة القاهرة منارة تضارع منابر العلم والمعرفة في أوروبا ،وكذلك كان حال المستشفيات والنظافة والإدارة .وألان ومنذ أواخر عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك تحدث احد وزرائه كما لو كان يفتخر ليقارن بان مستوي مصر لا يقل عن مستوي دولة صغيرة فقيرة في إفريقيا وذكر اسمها ، وللأسف هذا الوزير كان متعلما في ارقي الجامعات الأمريكية ولكنه كان يعمل بعكس كل ما تعلمه خدمة لمن عينه في المنصب وليس خدمة للشعب صاحب السيادة الذي علمه قبل أن يرسله لإكمال دراساته ما بعد الجامعية في الخارج كما قدم له العلاج في ارقي المستشفيات في الخارج من أموال الشعب المصري التي ساهم هو كمسئول في نهبها وكان هو يستكثر العلاج للفقراء ويفرض الضرائب المتتالية عليهم ويترك أصحاب المليارات من كبار الرأسماليين الجدد .
هذه تأملات بمناسبة ذكري مرور عامين علي ثورة 30 يونيه، وعام علي السيسي في رئاسة مصر، وأتمنى الاستمرار في العمل الجاد لان مصر تستحق منا الكثير من التقدم والإنتاج، وقليل من التظاهر والاعتصامات والأعمال الإرهابية والعنف الذي لا يمت للعمل السياسي السليم ولا للقيم والمبادئ الإسلامية الصحيحة .