القاهرة 16 ابريل 2015 الساعة 12:51 م
انظر حولك علي امتداد خريطة الشرق الأوسط من إيران شرقاً إلي المغرب ومن تركيا شمالاً إلي اليمن لن تري أحداً لا يحارب أحداً.
نزاعات قديمة وحروب وصراعات جديدة.. تحالفات عربية بقيادة أجنبية وتحالفات عربية بمشاركة أمريكية والكل يحارب بعضه أو يحارب الكل. والضحايا في جميع الأحوال هم أبناء شعوب المنطقة. أياً كانت انتماءاتهم السياسية أو المذهبية.
الاستثناءات القليلة جداً يجري الإعداد لإدخالها في القاعدة.
في الأسبوع الماضي كانت هناك محاولة لجر الفصائل الفلسطينية في مخيم اليرموك من قضيتها وصراعها مع إسرائيل وتوريطها في الحرب علي تنظيم "داعش" من خلال عدوان تم علي المخيم.
لا أستبعد صاروخاً طائشاً أو قنبلة مارقة تسقط علي سلطنة عمان. الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي اعتذرت عن الاشتراك في عاصفة الحزم ضد الحوثيين في اليمن.. الهدف سيكون إقناع السلطنة بأن موقفها هذا لن يحميها. ولابد لها من الانخراط في الحرب.
لن يكون الصاروخ أو القنبلة بالتأكيد سعودياً أو مصرياً.. سيكون من طرف ثالث.. يهمه ألا يبقي أحد خارج دائرة اللهب فمصر ودول الخليج قدرت ظروف السلطنة وتفهمت دواعي موقفها.
اللافت للنظر أن أمن باب المندب قضية إسرائيلية بنفس قدر كونها قضية مصرية سعودية أو عربية فإغلاقه يعني موت المنفذ الوحيد لإسرائيل علي البحر الأحمر وهو ميناء إيلات الواقع علي خليج العقبة ولذلك تحتفظ إسرائيل بقاعدة عسكرية عند باب المندب.
ويستند كثير من الخبراء إلي هذا الواقع في قولهم إنه يستحيل علي المجتمع الدولي السماح لأي قوة بإغلاق باب المندب أو تهديد الملاحة فيه ليس فقط حماية لحركة التجارة الدولية ولكن أيضاً لأنه جزء من أمن إسرائيل المحمي بقوة أمريكا.. والاثنتان.. أمريكا وإسرائيل هما اللتان تحركان وتديران صراعات الشرق الأوسط وحروبه.
لذلك نجد إسرائيل لا تشعر بأي قلق من زحف الحوثيين إلي باب المندب ولا من احتمالات سيطرتهم عليه ولم تتحدث في هذا الموضوع قط رغم أن الحوثيين مدعومون من غريمتها الظاهرية إيران.
ولماذا تقلق إسرائيل أو تعلق علي ما يجري والعرب يكفونها ذلك.. إنها فرصتها لكي يحارب بعضنا بعضاً ويقضي بعضنا علي بعض فهي الرابح الأكبر في النهاية لأنها تتفرغ لإقامة مزيد من المستوطنات في الأراضي الفلسطينية ولتنفيذ ما تبقي من خططها لتهويد القدس كلها وهدم المسجد الأقصي.
والاتفاق الأمريكي الإسرائيلي في هذا واضح ومعلن وليس مجالا للحاجة إلي استدعاء نظرية المؤامرة.. نتنياهو في حملته الانتخابية الأخيرة رفع شعار "لا دولة فلسطينية طالما أنا موجود في السلطة".. وتردد صدي الشعار في واشنطن بإعلان أوباما "لا أعتقد أنه ستكون هناك دولة فلسطينية خلال الفترة المتبقية لي في البيت الأبيض" وهي الفترة التي تنتهي رسمياً بتسليمه السلطة للقادم الجديد في البيت الأبيض في 20 يناير .2017
الدبلوماسيون فقط يتحركون هنا وهناك وفي الاتحاد الأوروبي للتخفيف من الآثار السلبية للتصريحين الإسرائيلي والأمريكي وليس للرجوع عنهما.. والمسألة بالنسبة للدبلوماسيين مع الاعتذار عن التعبير "أكل عيش".. فلو سلما بهذين التصريحين فلا معني بعد ذلك للدبلوماسية وجهودها ولا حاجة للدبلوماسيين وسفرياتهم.
ولذلك نجد توني بلير مبعوث ما يسمي ب "السلام" في الشرق الأوسط يعود للصورة ويأتي إلي القاهرة لبحث عملية السلام ولابد أنه يحمل معه بالتأكيد جهازاً للتنفس الصناعي ليضع عملية السلام الميتة إكلينيكياً عليه ولو إلي حين.
***
هل ظاهرة أن الكل في الشرق الأوسط الآن يحارب الكل ظاهرة عفوية؟! بالتأكيد لا.. بدليل أن هناك إصراراً علي ألا ينجو منها أحد وأن يتم جر كل ما تبقي من الجيوش العربية الكبري التي مازالت محتفظة بتماسكها وفي مقدمتها مصر والسعودية إليها.
إذن. لابد أن يكون هناك هدف نهائي ما لكل ما يجري وأن تكون هذه التشابكات المسلحة بمثابة ستار الدخان الذي يحجب الرؤية حتي يتم تحقيق هذا الهدف.. فإذا انقشع الدخان وجدنا أنفسنا أمام واقع جديد علي الأرض تم استخدامنا كأدوات في صنعه وتشكيله بمبررات رأيناها وقتها منطقية بينما نتائجه في النهاية تضرنا وتحقق مصالح واستراتيجيات غيرنا.
لقد كانت أوروبا هي ساحة الحربين العالميتين الأولي والثانية رغم امتدادهما إلي بعض آسيا وشمال أفريقيا ودفعت أوروبا ثمنهما دمارا وعشرات الملايين من القتلي فهل تقرر نقل الساحة إلي الشرق الأوسط ليكون مسرحاً لعمليات الحرب العالمية الثالثة وأن تكون شعوبه وقودها الأساسي؟!
إن أحداً في الحربين العالميتين الأولي والثانية لم يعلن قبلهما أو خلالهما أو يتصور أن هذه أو تلك حرب عالمية فالحروب العالمية لا يتم التخطيط لها مسبقاً.. إنها تبدأ بنزاع ثنائي ما يلبث أن تتسع دوائره حتي يشمل العالم كله أو قواه الكبري.
وما يجري في الشرق الأوسط الآن صورة مصغرة لحرب عالمية جديدة أو تمهيد لها فالقوتان العظميان أمريكا وروسيا ضالعتان فيه ولكن من خلال الأطراف المحلية استناداً إلي أن تقدم وسائل وأنظمة التحكم لدي القوتين تضمن ولو إلي حد معين عدم تورطهما في مواجهة مباشرة بينهما.
أتصور أن ما يجري في الشرق الأوسط ليس فقط صراع مصالح استراتيجية بينهما بل هو أيضاً مرحلة من مراحل عملية التفاوض الميداني علي الأرض حول مشكلة أوكرانيا والملف النووي الإيراني وغيرهما من المشاكل المتعلقة بتشكيل النظام العالمي والشرق أوسطي الجديد.
أمريكا تقود التحالف العربي الدولي ضد تنظيم "داعش" في العراق وسوريا.. وروسيا مع إيران تشاركان بطريقة ما في هذا التحالف.
أمريكا تساند عسكرياً ومعلوماتياً تحالف عاصفة الحزم العربية بقيادة السعودية ومصر ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.. وروسيا مع إيران ضد هذا التحالف وعمليته العسكرية علي طول الخط.
أمريكا تفرج عن المساعدات العسكرية المجمدة لمصر لتشجعيها علي مزيد من الانخراط في هذه الحملة العسكرية.. روسيا تفرج عن صفقة الصواريخ المتقدمة المجمدة لإيران لدعمها في مواجهة عاصفة الحزم العربية.
إنني أشك في نوايا ودوافع الدولتين العظميين معاً.. أمريكا وروسيا.. فنمو قوة الحوثيين وتقدمهم من معقلهم إلي العاصمة صنعاء ثم إلي عدن تم تحت سمع وبصر الدولتين أي أنهما شريكتان في صناعة الأزمة اليمنية بالتواطؤ العمدي أو بالصمت بينما ندفع نحن ثمن الخروج منها ودفع الخطر عن بلادنا ومصالحنا القومية.
ولدي شك أكبر في نوايا أمريكا ودوافعها في تشجيع ودعم عاصفة الحزم العربية.
إنني أطلب فقط أن نعود بالذاكرة إلي شهر أو شهرين مضيا ونسأل أنفسنا: لماذا تحفظت أمريكا علي الضربة العسكرية الجوية المصرية لقواعد تنظيم "داعش" في ليبيا عندما ذبح التنظيم أبناءنا هناك وكادت تدين هذه الضربة بينما تشجع وتدعم حملتنا العسكرية في اليمن؟! هل فقط لأنه لم يتم إخطارها في المرة الأولي وتم التشاور معها في الثانية؟!
ليس عندي غير تفسير واحد.. لقد استاءت أمريكا في الواقعة الأولي لأننا نجحنا في تحقيق هدفنا ضد "داعش" من خلال ضربة جوية خاطفة عادت بعدها طائراتنا إلي قواعدها سالمة دون أن تنجر إلي عملية عسكرية طويلة المدي تستنزف قوتنا وكانت تتمني ذلك.
وصفقت لنا أمريكا في عاصفة الحزم ودعمتها لأنها فرصة لكي تحقق ما لم تحققه لها في المرة الأولي في ليبيا فقد أصبحنا جزءاً من حملة عسكرية طويلة الأمد بدأناها ولا أحد يدري أو يقول متي تنتهي طالما أن الطرف الذي نواجهه وهو الحوثيون وإيران من ورائهم يلقي دعماً مماثلاً من القوة العظمي الثانية وهي روسيا.