القاهرة 06 ابريل 2015 الساعة 02:53 م
كتب : حسام إبراهيم
بين نموذجين مختلفين لمبدعين هما الألباني اسماعيل قدري والأمريكية اليس والكر قد
تكون هناك إجابة لسؤال تردد طويلا :"هل تشكل اسرائيل بوابة لجائزة نوبل للآداب" ?!.
وخلافا لما يتصوره البعض من الكتاب في العالم مثل الروائي الألباني الأصل اسماعيل
قدري من أن "إسرائيل" تشكل بوابة نحو جائزة نوبل في الآداب التي تحولت الى "عقدة"
بالنسبة له , فان هناك مبدعين قابضين على جمر الإبداع ورافضين حتى لنشر أعمالهم
مترجمة باللغة العبرية في إسرائيل .
ففى حضور الذات المبدعة وتفاعلها مع اسئلة الواقع وحركته وتيارات التاريخ وأمواجه
ورفض الممارسات الشائهة لبعض المحسوبين على النخب الثقافية والمنخرطين فى صراعات
مشوهة بحثا عن جائزة نوبل , ثمة مبدعين مثل اليس والكر يجسدون نموذج "المثقف القابض
على الجمر والباحث عن الحقيقة "فى مواجهة "المثقف الرث الذى يضع الحقيقة رهن
إشارة المنفعة الخاصة !.
وعلى النقيض من الألباني الأصل اسماعيل قدري هاهي الكاتبة والشاعرة الأمريكية اليس
والكر الحاصلة على جائزة بوليتزر المرموقة للرواية عام 1983 ترفض طلبا باصدار اشهر
رواياتها "اللون الأرجواني" في طبعة إسرائيلية فيما أدانت إسرائيل كدولة ذات
نظام للفصل العنصري .
وحسب صحيفة " الجارديان" البريطانية فان اليس والكر رفضت مؤخرا طلب "دار يديعوت الإسرائيلية
لترجمة رواية اللون الأرجواني للعبرية واصدارها في طبعة إسرائيلية" مؤكدة
على أن سبب رفضها يرجع للممارسات القمعية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
واليس والكر شاركت بقوة في المظاهرات المناهضة للحرب التي قادتها أمريكا على العراق
واعتقلت في مظاهرة يوم الثامن من مارس عام 2003 قبالة البيت الأبيض فيما لا تبدي
ادنى قلق حيال إمكانية أن تؤثر مواقفها المناهضة بقوة للسياسات الإسرائيلية على
مكانتها الأدبية او تحد من إمكانية فوزها يوما ما بجائزة نوبل في الآداب.
وتقول اليس والكر التي ولدت عام 1944 انها شبت عن الطوق في ظل نظام عنصري امريكي غير
أن العنصرية الإسرائيلية أسوأ بكثير مما عرفته في الولايات المتحدة وهو رأي يتبناه
ايضا بعض قادة ورموز التحرر في جنوب افريقيا التي عانت بشدة من نظام الفصل العنصري
السابق , حيث رأى الأسقف ديزموند توتو الحاصل على جائزة نوبل للسلام أن العنصرية
الإسرائيلية اسوأ من العنصرية التي عانى منها في بلاده على يد الأقلية البيضاء.
وتؤكد اليس والكر على ضرورة بذل قصارى الجهد في مجابهة العنصرية لانقاذ الإنسانية
من "نزعة تدمير الذات" معيدة للأذهان انها كانت ترفض ايضا نشر أعمالها في جنوب افريقيا
ابان نظام الفصل العنصري وهو الموقف الذي تلتزم به الآن حيال اسرائيل
وتتبنى هذه الكاتبة والشاعرة الأمريكية الكبيرة نهج الأساليب الاحتجاجية السلمية كسبيل
للتغيير الاجتماعي المنشود فيما أوضحت في رسالتها لدار يديعوت الإسرائيلية للنشر
انها تتطلع لنشر كتبها وابداعاتها في إسرائيل في اليوم الذي يسعى فيه الإسرائيليون
لتحقيق العدل والسلام مع الفلسطينيين وستكون حينئذ سعيدة بأن يقرأ الإسرائيليون
وخاصة الشباب كل أعمالها مترجمة للغة العبرية.
وعلى النقيض من هذه المبدعة الأمريكية الكبيرة يأتي موقف الروائي اسماعيل قدري رغم
انه لا يجوز في خضم استنكار مواقفه التي تبدو نابعة من "عقدة نوبل" التقليل من أهمية
وأصالة إبداعاته الروائية وان كان إبداعه قد شحب بالفعل في السنوات القليلة
الماضية .
وحصل اسماعيل قدري على جائزة مان بوكر العالمية عام 2005 وعلى جائزة "امير استوريا"
الأسبانية عام 2009 وهاهي القائمة النهائية للمرشحين لجائزة مان بوكر هذا العام
تضم أسماء عشرة أدباء من بينهم اثنان من المبدعين الروائيين العرب هما الليبي ابراهيم
الكوني واللبنانية هدى بركات.
وفي مطلع العام الحالي كان اسماعيل قدري قد زار إسرائيل - التي اعتاد التردد عليها
- وشارك في حفل افتتاح "معرض اورشليم الدولي للكتاب" في القدس الغربية , وتسلم جائزة
في هذا المعرض مثيرا انتقادات من مثقفين وكتاب عرب اعتبروا انه يسعى لجائزة
نوبل في الآداب "عبر البوابة الإسرائيلية".
ومع أن اسماعيل قدري تجنب قدر الإمكان خلال زيارته لإسرائيل الخوض في السياسة واحجم
عن الإجابة مباشرة على اسئلة تتعلق بالنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني فقد كان من
الطبيعي أن تستثمر وسائل الإعلام الإسرائيلية زيارته بما يخدم أهداف إسرائيل .
ووسط عاصفة الانتقادات لقدري او "كاداريه" - كما يفضل بعض الكتاب العرب كتابة اسمه
- فان اهم أعماله ترجمت للعبرية مثل "العام السيء" و"جنرال الجيش الميت" و"الخليفة"
و"الهرم" و"العرس" , فيما نوهت لجنة التحكيم بالمعرض الإسرائيلي للكتاب اثناء
منحه "جائزة اورشليم الدولية" بأن اسماعيل قدري يتميز بالتعبير عن الحرية الإنسانية
في مؤلفاته و"هو روائي ساخر ومثير للغاية".
وفي خضم هذه العاصفة من الانتقادات التي هبت من صحف ووسائل إعلام عربية من بينها صحيفة
الحياة قال الكاتب محمد الارناؤوط في هذه الصحيفة أن كاداريه الذي دخل عامه
التاسع والسبعين قضى من عمره نحو 40 عاما "مرشحا مزمنا لجائزة نوبل" التي لم يحصل
عليها حتى الآن.
وأعاد الارناؤوط للأذهان أن أول من حصل على جائزة أورشليم بمعرض الكتاب الذي يقام
كل عامين في القدس الغربية كان الكاتب والمفكر البريطاني برتراند راسل ثم منحت لاحقا
لاسماء معروفة في الأدب العالمي مثل اوكتافيو باث وف.نايبول وماريو فارجاس وارثر
ميلر وميلان كونديرا وصولا للياباني هاروكي موراكامي والاسباني انطونيو مولينا
في عام 2013.
وفيما حصل بعضهم على جائزة نوبل في الآداب وينتظر البعض الآخر هذه الجائزة التي توصف
بأنها "ام الجوائز الأدبية العالمية" فان مشكلة قدري صاحب "الحصن" مع هذه الجائزة
كما يرى محمد الارناؤوط تكمن في ماضيه مع النظام الشمولي في البانيا "ولذلك كتب
وبالغ في الكتابة ضد الحكم الشيوعي في بلاده وضد الديكتاتور انور خوجا الذي كان
يمجده بما يكتب له من إهداءات على مؤلفاته".
وكان الكاتب الروائي المصري يوسف القعيد قد انتقد بشدة الزيارة التي قام بها اسماعيل
قدري مؤخرا للقدس المحتلة وحصوله على جائزة إسرائيلية معتبرا أن قدري قد بات في
زوايا النسيان و"يحاول أن يجد لنفسه مكانا في صفحات زماننا" .
ورأى القعيد أن إسماعيل قدري عاد لباريس سعيدا بأن الجائزة الإسرائيلية "ستكون مقدمة
لتحقيق حلم عمره بالحصول على جائزة نوبل في الآداب التي ظل مرشحا لها لسنوات ولم
يحصل عليها لدرجة انه سخر من نفسه قائلا :انه من كثرة ترشيحه لها يبدو أمام الناس
كما لو حصل عليها" !.
وفي طرح بجريدة الأهرام أعاد يوسف القعيد للأذهان ان الزعيم الشيوعي الألباني الراحل
انور خوجة والذي عرف بتطرفه في فهم و تطبيق الشيوعية ببلاده كان مهتما بالنتاج
الروائي لاسماعيل قدري ويتصور أن رواياته يمكن أن تصل للعالمية فيما استعاد القعيد
تجربة شخصية في منتصف ثمانينيات القرن الماضي عندما تلقى دعوة مع صديقه الكاتب
مجدي نصيف للقاء سفير البانيا في القاهرة والذي كان يبحث عن مترجمين لترجمة ادب
قدري.
ومع أن مشروع السفير الألباني لم ير النور فان هناك روايات لاسماعيل قدري قد ترجمت
للعربية في بيروت ودمشق كما يلاحظ يوسف القعيد الذي يضيف أن بعض إبداعات هذا الأديب
الألباني ترجمت ايضا في عواصم عربية أخرى فيما لم يترجم له في مصر سوى رواية
وحيدة هي رواية "العرس" التي صدرت عن هيئة الكتاب.
وفي الاتجاه ذاته - قال الناقد ابراهيم العريس - إن السفارة الألبانية في القاهرة
كانت قد اتصلت به في ثمانينيات القرن الماضي "لتأمين مترجم يقوم بترجمة روايات لاسماعيل
قدري دفعة واحدة".
ولاجدال أن إسماعيل قدري كان من نجوم البانيا في ظل الحكم الشيوعي المتطرف لأنور خوجة
وكان نائبا في البرلمان حينئذ وان هذا النظام الشيوعي سعى جاهدا لترجمة أعمال
قدري للغات الأجنبية كما يقول الكاتب محمد الارناؤوط .
وأشار الارناؤوط الى أن إسماعيل قدري ادرك بعد الزلزال السياسي في اوروبا الشرقية
انه في "سفينة غارقة" فغادر البانيا في شهر اكتوبر عام 1990 الى باريس ليعلن من
هناك "الانشقاق" عن النظام الذي كان على وشك الانهيار.
وقد تكون "عقدة نوبل" هي المشكلة الحقيقية التي تؤثر سلبا على التوهج الابداعي لاسماعيل
قدري الذي لا يمكن لمنصف أن يقلل من حجمه وقامته الابداعية الروائية رغم انه
يبدو كما لو كان مصرا على ظلم موهبته "بالهرولة وراء سراب إسرائيلي يزين له انه
الطريق الى جائزة نوبل" !.
ومع ظهور الطبعة الانجليزية لرواية "سقوط المدينة الحجرية" قال الكاتب والناقد الأرجنتينى
الأصل البيرتو مانجويل فى صحيفة "ذى جارديان" البريطانية إن قارىء رواية
اسماعيل قدرى يجد نفسه فى فى عالم الأحلام والواقع حيث التاريخ يسير جنبا الى جنب
مع الخيال ووقائع الحياة.
وكما اعتاد إسماعيل قدرى فى رواياته التى تجاوزت ال20 رواية أخرى فان رواية "سقوط
المدينة الحجرية" يحتشد فيها حضور الماضى وهو يصنع "البانيا التى يعرفها" ..الوطن
الذى يعانى من تعاقب أنظمة الحكم الاستبدادية : من الاحتلال العثمانى الى الغزو
الفاشى الايطالى فالهيمنة النازية الألمانية ثم الحكم الشمولى الشيوعى.
واسم الروائى الألبانى اسماعيل قدرى مطروح منذ سنوات على قوائم التكهنات السنوية لجائزة
نوبل للآداب ويبدو أن صاحب رائعة "جنرال الجيش الميت" لم يمل الانتظار فيما
تتوزع أعماله بين الرواية والقصة والمسرح والشعر وترجمت بعض رواياته الى نحو 30
لغة فى العالم.
وإبداعات قدرى تنطوي على توظيف مدهش للتاريخ والأسطورة ولغة شاعرة كما يتبدى فى روايته
"سقوط المدينة الحجرية".
وفيما ولد عام 1936 فى مدينة جيركاستير جنوب البانيا ودرس الأدب فى جامعتى تيرانا
وموسكو واضطر لنشر اغلب أعماله فى الخارج قبل لجوئه الى المنفى الباريسى عام 1990
تنطوي ابداعات اسماعيل قدرى على توظيف مدهش للتاريخ والأسطورة ولغة شاعرة كما يتبدى
فى روايته "سقوط المدينة الحجرية".
وفى رواية "سقوط المدينة الحجرية" التى ترجمها من الفرنسية للانجليزية جون هودجسون
تتجلى معانى المقاومة فيما تحول المقاومون الألبان من مقاومة المحتل الإيطالي الى
مقاومة المحتل الألمانى حيث ينتشر القناصة من رجال المقاومة لاصطياد راكبى الدراجات
النارية من الجنود فى الجيش الألمانى النازى.
والرواية تستدعى التاريخ وهدفها الحاضر..ففى عام 1943 وقعت ايطاليا الفاشية على اتفاق
تنازلت بمقتضاه لحليفتها المانيا النازية عن البانيا والمثير للضحك أن الجنود
الألمان فى الجيش الهتلرى دخلوا البانيا فى صورة محررين لهذا البلد الذى كان يخضع
للاحتلال الايطالى منذ عام 1939.
وكانت المحطة الأولى للجنود الألمان داخل البانيا هى مدينة جيروكاستير الحجرية فيما
حمل طبيبان فى المدينة الاسم ذاته وهو "جيوراميتو" وللتمييز بينهما اطلق على احدهما
اسم "الدكتور جيوراميتو الكبير" وسمى الآخر "بالدكتور جيوراميتو الصغير" كما
يحكى اسماعيل قدرى فى روايته التى حظت منذ نحو عامين بحفاوة فى الصحافة الثقافية
البريطانية.
ولدهشة الجميع فى المدينة الحجرية , تبين ان القائد النازى فريتز فون شفابل كان صديقا
قديما للدكتور جيوراميتو الكبير منذ أيام الدراسة ودعا هذا الطبيب صديقه القديم
على العشاء فى منزله فى وقت كان جيش الاحتلال الألمانى يحتجز فيه مائة شخص من
ابناء مدينة جيروكاستير كرهائن ردا على عمليات المقاومة.
ورغم كل شىء , يلبى القائد العسكرى النازى دعوة العشاء فى منزل "الدكتور جيوراميتو
الكبير" الذى يقنع صديقه القديم باطلاق سراح الرهائن ومن بينهم صيدلى يهودى عشية
مغادرة القوات الألمانية مدينة جيروكاستير .
ورغم عدم وجود اى منافسة بين الدكتور جيوراميتو الكبير والدكتور جيوراميتو الصغير
فان سكان المدينة الحجرية يشيدون بالدكتور جيوراميتو الكبير ويعتبرونه بطلا انقذ
مدينتهم بينما تكون السخرية من نصيب الدكتور جيوراميتو الصغير.
وتمضى الرواية الى ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية-حيث يتهم نظام الحكم الشيوعى
الجديد الدكتور جيوراميتو الكبير بالتعاون مع المحتل النازى , غير أن الطريف
أن السلطة الاستبدادية الجديدة لم تكلف نفسها عناء التمييز بين الدكتور جيوراميتو
الكبير والدكتور جيوراميتو الصغير فأعتقلت كلا الطبيبين وعذبتهما معا.
لم يقترف الدكتور جيوراميتو الصغير اثم دعوة القائد النازى على العشاء ولم يكن يعرف
الجنرال فريتز فون شفابل الذى قتل فى معارك الجبهة ومع ذلك فقد ذاق الوان العذاب
لمجرد انه يحمل اسم "جيوراميتو"..فالاستبداد لا يميز!.
إنها " البانيا قدرى" بحجارتها وحيث الميت والحى او الماضى والحاضر يتبادلان الأدوار
بينما تتطاول الأكاذيب فى ظل الطغيان وينتعش كل دعى وتروج تجارة الإفك ويرتاب
الناس فى بعضهم البعض وهم يؤخذون بالشبهات .
فالمدينة التى يحكمها الطاغوت كما يصنعها اسماعيل قدرى ببصيرة الإبداع هى مدينة الوشايات
والشائعات والمكائد والمؤامرات والخيانات فيما الحكايات القديمة الجديدة او
الجديدة القديمة تلقى بظلال الشك على كل شىء بما فى ذلك التاريخ ذاته.
هكذا لا أحد يعرف ما اذا كانت الفتيات فى القرى يتعرضن للخطف ويتم اقتيادهن الى مدينة
جيركاستير - كما يقال - أم أنهن جئن للمدينة الحجرية بغواية الانحراف فى انسياق
إرادى لنداءات الغواية وانصياع "لنداهة جيركاستير"..اى أحلام تراود تلك الفتيات
القادمات من الريف للحضر?!..هل يعشن داخل المدينة بمتاهاتها الحجرية فى حزن ام
سعادة ?!.
لا أحد يعرف الحقيقة رغم أن الكل يتجسس على الكل!..كأن الحقيقة ماتت فى ظل الاستبداد..لكن
حقيقة اسماعيل قدرى ساطعة!..مبدع كبير يظلم إبداعه بسبب عقدة جائزة نوبل
التي دفعته للهرولة نحو نظام في إسرائيل يرتكب أفعالا لا تختلف عن أفعال يندد بها
في إبداعاته !!..فهل يتجاوز اسماعيل قدري هذه العقدة ام يصر على تبديد وإهانة إبداعه
ليتحول الأديب الكبير الى مآساة?!..مآساة مبدع يمارس التواطؤ على الذات والابداع
!!..ليته يتعلم من المبدعة الأمريكية اليس والكر !.