القاهرة 24 مارس 2015 الساعة 02:20 م
1. في حفل متميز لتدشين كتاب السراب للمفكر الإماراتي جمال سند السويدي أقامه مركز عيسي الثقافي - الذي يعد علامة مهمة للوجود الثقافي في مملكة البحرين بفضل حكمة القيادة الرشيدة صاحبة الرؤية الواضحة والثاقبة بإنشاء هذا المركز ليكون صرحا علميا وثقافية بأبعاد خليجية وعربية وعالمية - استمع حشد كبير من المثقفين البحرينيين من مختلف الطوائف والأعمار والأعراق و الجندر والخلفيات الوظيفية والثقافية ، إلي عرض رائع عن كتاب السراب بتصوير يكاد يجسم المأساة التي يعيشها عالمنا العربي والإسلامي في هذه المرحلة البالغة الحساسية والخطورة من تاريخه عبر العصور حيث يتم تشويه صورة الإسلام السمح بيد أبنائه وبما يعبر عن الرؤية العكسية لحقيقة الإسلام ويصوره دينا عدوانيا ووحشيا لاعقلانيا ولا منطقيا يتحرك في إطار الهوس الجنسي والشهوانية حيث يجتذب النساء والفتيات المراهقات من العديد من دول العالم في عمل دنىء يحمل اسما جميلا لا علاقة له بالحقيقة الإسلامية النورانية وإنما يعبر عن حالات اليأس والإرهاق السيكوباتي والبحث عن المغامرة لفتيات قاصرات ولشباب مراهق فقد البوصلة الصحيحة في العمل وانخداع بشعارات ظاهرها الحق وباطنها الضلال ، و للآسف فان هذه الشعارات خدعت مثقفين و أكاديميين وإعلاميين وبعض رجال الدين من إنصاف المتعلمين ومن الباحثين عن الشهرة والمناصب ومن ثم حملوا او رفعوا شعارات ما يسمي بالدولة الإسلامية أو المرجعية الإسلامية أو الحاكمية الإسلامية أو الجهاد أو الخلافة الإسلامية وجاهدوا جهاد الشر ضد إخوة مسلمين فاستباحوا الحرمات في أقدس أيام الله وهو يوم الجمعة حيث يجتمع المصلون ويأتي الإرهابيون باسم الدين ليدمروا ويلوثوا مكان عبادتهم ويفسدوا فرحتهم ، كما يقوم بعض المنافقين بالاتفاق مع أخواتهم في الوطن والقومية ثم لا يلبثون إلا قليلا ثم يخدعونهم ويخادعونهم وما يخدعون إلا أنفسهم ، ويفعلون غير ما يقولون ويتفقون عليه ناسين انه إذا تقاتل المسلمان فالقاتل والمقتول في النار كما ورد في الأثر ونتساءل كيف يبيح المسلم لنفسه أن يقتل المسلم لخلاف في الرأي أو التفكير أو التصور مستخدما قنابله وإرهابه ويعلقه في المشانق الوحشية التي تفوقت علي اعتي عصور البشرية توحشا وإساءة للدين القويم بل لكل القيم البشرية والإنسانية عبر العصور فكافة الأديان تنهي عن القتل وكافة الأديان تدعو للتسامح والاعتدال والصفح فيفعل هؤلاء الطائفيون المنحرفون المتوحشون عكس ما ينهي عنه الاستلام باسم الحاكمية والمرجعية والخلافة والدولة الإسلامية ، التي الإسلام برئ منها براءة الذئب من دم يوسف بن يعقوب. وهم في جوهرهم وحقيقتهم ليسوا إلا ثلة من المنافقين والعملاء الذين يعيثون في الأرض فسادا يقتلون النفس التي حرم الله قتلها بدعاوي التكفير وخلافه ومن اجل إقامة ما يطلقون عليه اسم الدولة الإسلامية والتي لا تمت للإسلام بصلة إذ أن محمد بن عبد الله لم يكن سفاحا يقيم دولة بل كان مبعوثا رحمة للعالمين ولم يبح الكذب قائلا آيات المنافق ثلاث منها اذا حدث كذب وهاهم اولئلك الناس يكذبون تحت شعارات ومسميات باطلة.
كتاب السراب لايمكن عرضه في سطور قلائل في مقال فهو موسوعة علمية تقوم علي البحث الدقيق والمراجع والهوامش المتعددة لتأكيد كل مقولة فيه بدون المجاملة التي تعني النفاق وبدون التجمل الذي يعني الخديعة . لقد حرص جمال السويدي أن يكون صريحا وجريئا وواضحا في بحثه وعميقا في تحليله لظاهرة ما يسمي بالإسلام السياسي وهي تسمية لا تمت للإسلام بشئ فالإسلام هو الإسلام وإنما هي ترجمة لمصطلحات اخذت من ثقافة غير ثقافة الإسلام الدين الحنيف وغير ثقافة العروبة التي ترفض العنصرية والصراع وتحبذ الوئام والتوافق وهي التي قبل الإسلام كانت تأوي الفقير وتجير الغريب وتطعم الجائع . في حين أن المنافقين من المثقفين و الإعلاميين والسياسيين يروجون عكس ذلك وينخدع بهم كثير من أصحاب النوايا الحسنة والثقافة الدينية المحدودة ومن بينهم أساتذة جامعات يسيرون كالمسحورين وراء رجل يدعي العلم الديني وهو لم يحصل سوي علي القشور وينسون العلماء الحقيقيين .
و مع إننا نعيش في عصر الحرية الثقافية والإعلامية فإننا أيضا نعاني كثيرا مما يحدث. في عصر أصبح الصوت المرتفع للفضائيات والمخادع لمن يقدمون الفتاوى في الدين وهم أبعد ما يكون عن العلوم الدينية الصحيحة أو فهم فقه العصر ومنهم مدرسو الألعاب الرياضة أو أساتذة جامعيين تخصصهم التخدير والكيمياء أو علوم الحيوان ويتولون قيادات ما يسمي بالإسلام السياسي ليتحدثوا عن الدين وليرشدوا المسلمين فإذا كان المرشد أعمي البصيرة محدودة الثقافة فكيف يرشد غيره والي أي طريق أو أي دين يقودهم بالتأكيد انه سيقودهم لغير دين الإسلام المتسامح الذي قال رسوله الكريم دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ولا هي أطعمتها" و الذي قال "دخل رجل الجنة لأنه وجد كلبا يلهث فنزل في البئر واخرج ماء و سقاه" هذا الرسول الذي جاء مبعوثا ورحمة للعالمين يتحول دينه علي ايدي هؤلاء القتلة إلي أعمال وحشية وعلاقات منحرفة سعيا نحو السلطة التي لا وجود لها في الإسلام الحنيف ، فالرسول رفض المال والجاه والسلطة والسلطان قائلا لعمه أبي طالب والله يا عمي لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي علي ان اترك هذا الدين فلن اتركه حتي يظهره الله او اهلك دونه . انه دين التسامح والصفح " فأعفوا واصفحوا ألا تحبون إن يغفر الله لكم". هذا الإسلام المتسامح المعتدل يحوله البعض إلي وحشية الذئاب الكاسرة ضد أخيه الإنسان مهما أعلن انتماءه للإسلام فتبا لهؤلاء الضالين .
إن كتاب السراب يفضح هؤلاء ويكشف سواءتهم ويبين ارتباطاتهم بالأعداء وسيرهم وراء أهدافهم الدفينة بهدف الإساءة للإسلام ورفع شعارات هو برئ منها.
إن تقييمي لهذا الكتاب بعد ليلة طويلة لتصفحه أن المؤلف الدكتور جمال السويدي بذل جهدا متميزا فأصبح الكتاب من العلامات الرئيسة في سبيل إيقاظ الغافلين و إنارة السبيل للساعين للحق والعدل والصفح والتسامح والاعتدال أو لمن يرغب في البحث عن الحقيقة في خلفيات هذه الفرق المتقاتلة المتصارعة. إن السويدي يتعقب نشأة تلك الفرق الحديثة التي هي في جوهرها استنساخ للفرق التي ظهرت في عصور الظلام في التاريخ السياسي الإسلامي حتى قال الشاعر:
يا ليت ملك(ظلم) بني أمية دام لنا و يا ليت ملك بني العباس ما كانا.
وقال آخر
وظلم ذوي القربي أشد مضاضة علي النفس من وقع الحسام المهند
إن الملك لله سبحانه وتعالي ليس لهذا الفصيل أو ذاك ، وأما الملك الذي يسعون إليه فهو ملك سياسي بامتياز والصراع هو صراع سياسي ولا علاقة له بالدين ولا بالإسلام.هذا الدين الذي نهي رسوله الكريم عن المساس بالعقائد الأخري أو الرهبان أو النساء أو الأطفال أو الزرع والضرع يتحول علي أيدي هؤلاء إلي قتل بالجرم المشهود لأخوة في الوطن وفي الهوية أو إخوة في الدين بل والطائفة منهم مسلمين في مساجدهم وهم يؤدون الصلاة ومنهم آمنين في بيوتهم وفي أعمالهم . إن سلوك هؤلاء يعتمد للكذب الفاضح والنفاق والخداع وسوء الفهم للمبادئ والقيم الإسلامية والتفسير المنحرف للقرآن الكريم وآياته ولسلوك صحابة الرسول وأهل بيته وعشيرته وأنصاره و المهاجرين معه حيث كان يسود الإيثار والتسامح والعفو. إن المفارقة المحزنة في هذا الزمان إن بعض من ينتسبون للإسلام ويبشرون بانتصاره وهم لا يعملون ولا ينتجون ويسرقون ويكذبون ويعتمدون علي الخارج في طعامهم وكسائهم وفي أسلحتهم وهم لا يدركون كم هي الإساءة للإسلام التي يرتكبونها وهل يتصورون أن الإسلام انتصر بالسيف أو الحرب في تاريخه أو بالقتل الوحشي كلا ، إنه انتصر بالحكمة والموعظة الحسنة .
إن تعبير السراب هو تعبير دقيق عن الهدف الذي يسعي إليه هؤلاء حتي إذا جاؤه لم يجدوا شيئا إن هذه الظاهرة الطبيعية حولها جمال السويدي إلي تحليل اجتماعي وفلسفي لعل هؤلاء أو المخدوعين بأقوالهم يدركون حجم الخداع الذي وقعوا فيه ويتذكروا القول البليغ ألا في الفتنة سقطوا .وهاهو الإسلام يقول الفتنة أشد من القتل وهاهم يفتنون الناس مرارا وتكرارا ويقتلونهم وينتهكون كل القيم وكل الحرمات
تهنئة لجمال السويدي لكتابه "القيم "الذي يعد من أمهات الكتب التي تدعو بتحليل علمي لليقظة والصحوة الحقيقية للمسلمين ليثوبوا إلي رشدهم إنه بمثابة الصيحة لصحوة إسلامية صحيحة بعيدة عن الأهداف الدنيوية لأصحاب النفوس الساعين للسلطة أو العاملين لمصلحة الأعداء بوعي أو بغير وعي وبالنسبة لما يسمي بتيار جماعات الإسلام السياسي فقد كشف السويدي في السراب زيف ادعاءاتهم وبطلان مقولاتهم وارتباطاتهم المشبوهة وذلك من خلال منهجه القائم علي البحث العلمي والمراجع والهوامش في كل صفحة من صفحات كتابه ولذا سيظل هذا الكتاب علامة فارقة في مسيرة الفكر الاسلامي نحو هدفه النبيل بوسائل نبيلة، فالهدف والوسيلة صنوان لا يفترقان ، وليس هناك هدف نبيل يتوصل إليه صاحبه بوسائل لا أخلاقية أو بخروج عن القيم كما يفعل المنافقون من دعاة هذا الزمان الردىء الذين شوهوا صورة الإسلام بل وصورة كافة الأديان والعقائد
وختاما ندعو الله سبحانه وتعالي بأن يجزل للمؤلف عظيم الثواب ويمتعه بالصحة والعافية كما ندعو الله للضالين والمنحرفين بان يهديهم إلي سواء السبيل بالابتعاد عما هو سبيل الجور والظلم والخداع والنفاق والوحشية والتوحش. وشكرا لمركز عيسي الثقافي الذي يعد مركزا للتنوير وندعو العلماء والمثقفين من مختلف المذاهب للاحتكام للقران الكريم الذي لا ياتيه الباطل مطلقا وللسنة النبوية الصحيحة ويبتعدوا عن السير في ركاب الجهلاء او علماء الشر ودعاته أو أصحاب المطامع والأهواء الساعين للمناصب الدنيوية باسم الدين أو علماء فتاوى الفضائيات من الجاهلين. إننا في حاجة للمزيد من الباحثين والمفكرين الشجعان المدققين أمثال جمال سند السويدي وإلي مزيد من مراكز الثقافة المستنيرة أمثال مركز عيسي الثقافي.