القاهرة 02 مارس 2015 الساعة 02:22 م
كتبت : ميرفت عياد
يعد قصر الأمير محمد علي تحفة معمارية ذات قيمة كبيرة، ويقع بحى المنيل بجزيرة الروضة النيلية في القاهرة. تحيط به حدائق غنّاءة، ولا يزال يحتفظ بطرازه المتأثر بالعمارة المغربية رغم مرور الوقت. ويُستخدم اليوم كمتحف.
ومن هنا جاء اهتمام وزارة الآثار بترميم وتجديد المتحف وإعادة احيائه من جديد حيث شهد المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء فعاليات إعادة افتتاح المتحف أمام حركة الزيارة المحلية والعالمية، وذلك بعد الانتهاء من مشروع الترميم الخاص به والذي بدأته وزارة الآثار عام 2005 حماية لهذا الكنز المعماري الفريد
وصرح د. ممدوح الدماطي وزير الآثار بأن إعادة افتتاح المتحف أمام حركة الزيارة تعد خطوة جديدة نحو تحقيق خطة وزارة الآثار الموسعة في مجال حماية التراث الأثري وفتح المزيد من المزارات والمتاحف المصرية والتي تجذب الجمهور المحلي والعالمي لزيارتها والتعرف على ما تحويه من معالم وكنوز هائلة تشهد على عبقرية الحضارة المصرية بمختلف عصورها .
كما أشار د. الدماطي إلي أن هذا المتحف الأثري يعد تحفة معمارية في حد ذاته تنقل لزائريه طبيعة حياة الأمراء في تلك الحقبة من تاريخ مصر بمختلف تفاصيلها كما يؤكد على اهتمامهم بشتى أشكال الفنون، داعيا الجمهور بمختلف فئاته العمرية والمجتمعية لزيارة المتحف للتعرف على ما يتضمنه من طرز معمارية فريدة وما يستعرضه من مقتنيات أثرية وتحف نادرة حرص على جمعها الأمير من بلدان مختلفة ما دفعه إلي التوصية بتحويل مقر إقامته إلي متحف مفتوح بعد وفاته.
من جانبه قال أحمد شرف رئيس قطاع المتاحف إن المشروع اشتمل على إجراء أعمال الترميم المتكامل لجميع بيانات القصر بالإضافة إلي إعادة تركيب السقف الأثري بسراي العرش أحد أهم قاعات القصر والذي كان قد سقط نتيجة لعوامل الزمن، وأضاف أن المشروع اشتمل أيضا على إنشاء مبنى إداري جديد يضم معمل مجهز لأعمال الترميم الدقيق وقاعة للمحاضرات وأخرى لعرض المنسوجات.
وأشارت د. منال عبد المنعم مدير عام الترميم بمتحف قصر محمد على أن فريق مرممي المتحف قام بتنفيذ أعمال الترميم الدقيق والتي اشتملت على أعمال التنظيف اللوحات والزخارف وترميم المقتنيات الأثرية التي يضمها المتحف من المنسوجات والأخشاب والخزف والمعادن المختلفة .
وقال عزت محمد مدير عام المتحف إن المتحف يتكون من عدد من السرايا والقاعات والتي حرص الأمير على الإشراف على تنفيذها بنسفه كما كان لكل منها غرض محدد وهي قاعات الاستقبال والإقامة والعرش والقاعة الذهبية بالإضافة إلي احتواء القصر على متحف خاص بناه الأمير ليضم ما يحويه قصره من مقتنيات نادرة ترجع إلي الأسرة العلوية ككل، بالإضافة إلي متحف الصيد وحديقة القصر التي تعد متحف نباتي في حد ذاتها نظرا لما تضمه من نباتات نادرة حرص الأمير على جلب عدد كبير منها من بلدان مختلفة مغايرة للبيئة والمناخ المصري.
يذكر أن الأرض المقام عليها القصر كانت ملكا للأمير مصطفى باشا فاضل والأمير احمد باشا رفعت والذين باعوا ممتلكاتهم إلي خديوي إسماعيل الذي أسقط ممتلكاته بجزيرة الروضة للسيد الوي ماري جوزيف ، وفي عام 1888 تنازل الدوق ادمون عن ممتلكاته إلي أحد رعايا دولة فرنسا ويدعى جان كلود ارشيد ، وفي عام 1902 اشترى الأمير محمد على جميع ممتلكات السيد ارشيد والتي بلغت مساحتها حوالي 75.620 مترا مربعا ، حتى بدء الأمير في بناء قصره عام 1903 واستمرت أعمال التشييد حتى عام 1907.
عادات وتقاليد المصريين في عصر محمد علي
ولكى نطل على القاهرة في عهد محمد علي دعونا ندخل الجمعية الجغرافية المصرية التي تأسست عام 1875 بمرسوم من الخديوي إسماعيل وتضم في طابقها الأرضي قاعات المتحف الإثنوغرافي، وقاعة إفريقيا وقاعة قناة السويس، وقاعة القاهرة التى بداخلها نعود إلى عهد محمد علي لنشاهد عادات وتقاليد وأزياء المصريين حيث نجد عدد كبير من الحلي تمثل خلاخيل وأساور من زجاج وعاج وأقراط، بينما نرى في جانب آخر أدوات التدخين التي تضم عدد من النرجيلات والجوزة والماشات والمقصات.
من أهم الأشياء التي نجدها بالمتحف ولم يعد لها وجود الآن "التختروان" وهي المحفة التي كانت تزف فيها العروس وهو مصنوع من أثمن أنواع الخشب، ويتكون من مقصورة واسعة لها بابان وستة شبابيك والجزء الأمامي للتختروان به مشربيتان لكل منهما 5 أوجه مما يسمح لراكبات التختروان بمشاهدة موكب الزفاف، كما نشاهد نموذج لكوشة الفرح وكرسي للعروس وشكمجيات متنوعة.
كذلك نشاهد "المحمل" وهو الموكب الذي كان يخرج من مصر كل عام حاملا كسوة الكعبة وظل هذا المحمل يخرج منذ عهد شجر الدر وعهد المماليك حتى بداية عهد جمال عبد الناصر، وبعد الحج كان يعود المحمل حاملا الكسوة القديمة للكعبة بعد إبدالها بالجديدة.
وبالمتحف مجموعة كاملة من الأدوات الفنية منها الآلات الموسيقية الشعبية كالعود والقانون والرق والناي والكمنجة، وصندوق الدنيا الذي يعرض من خلال ثلاثين صورة قصيرة قصة السفيرة عزيزة، وكذلك مجموعة من العرائس القطنية الصغيرة، بالإضافة إلى خيال الظل الذي كان يحكي قصصًا من التراث الشعبي.
كذلك نشاهد العديد من أدوات الإنارة والتي تضم من مجموعة الفوانيس الشرقية ذات الزجاج الملون، والمسارج والشمعدانات والمشكاوات والتي كانت تستخدم في الإضاءة الداخلية في المساجد والمنازل.
بإمكان الزائر أن يشاهد العديد من الحرف والمهن التي كانت سائدة في هذا العصر، فنرى السقا، خراط الخشب، حارس القنصلية، الأمشجي "سايس أفندينا"، ورافع الشادوف، ونماذج مصغرة لشيخ الخفر والعمدة. كما نشاهد الأزياء الشعبية المختلفة التي كانت ترتديها السيدات والفلاحات والتركيات والغجريات وغيرهن.
أول تعداد سكانى فى نهاية عصر محمد علي
وفى هذا الإطار كشف العدد التاسع من مجلة ذاكرة مصر المعاصرة، الصادرة عن مشروع ذاكرة مصر المعاصرة تفاصيل نادرة حول التعداد السكاني الذي أجري في نهاية عصر محمد علي في الفترة الممتدة بين عامي 1846- 1848.
ويقول الباحث سامح عيد إنه على الرغم من أن تعداد عام 1882 هو أول تعداد منشور، فإنه لم يكن بالفعل أول تعداد سكاني يتم إجراؤه في مصر؛ فقبل هذا التاريخ تمت عمليات حصر عديدة على فترات خلال هذا القرن ولعل أهمها ما أجري في نهاية عصر محمد علي في الفترة الممتدة بين عامي 1846- 1848، فهذا التعداد يحمل بين طياته بيانات أكثر دقة من تلك التي يمكن استخراجها من كثير من التعدادات السكانية التي نشرت لاحقًا في مصر نظرًا لأنه شامل لكل أسس نظام الإحصاء الحديث.
ويؤكد أن محمد علي كان مهتمًّا بحساب النمو السكاني، وقد تبلورت هذه الرغبة القوية لدى محمد علي في فكرة إجراء مسح شامل لجميع أنحاء القطر المصري لإدارة البلاد وتدبير أمور السكان وتوفير الأدوات اللازمة لبناء اقتصاد قومي واقتصاد اجتماعي جديد، خصوصًا بعد المتغيرات الكبيرة التي فرضتها معاهدة لندن 1840، وفرمان 1841 الذي حصلت مصر بمقتضاه على استقلال قضائها الإداري.
وقام محمد علي بتقسيم البلاد إداريًّا لتنظيم عملية التعداد، فقسمت إلى مديريات ونواح ومدن كبيرة (القاهرة إلى عشرة أثمان، والإسكندرية إلى خمسة أرباع)، أما الجفالك والأبعاديات فقد اعتبرت وحدات قائمة بذاتها علمًا بأنها لم تكن تتمتع بوضع الناحية، ووزعت هذه القرارات الإجرائية في منشورات وأرسلت إلى كافة المديريات والدواوين للعمل بها إلى جانب لائحة التعداد لتنظيم العملية وإجرائها على وجه الدقة، وطبقًا لنظام المركزية الذي كان سائدًا في هذا العصر خضعت عملية التعداد لإشراف "الديوان الخديوي" الذي يمثل أعلى سلطة إدارية في البلاد.
ودخل مشروع التعداد السكاني في طور التنفيذ ووزعت لائحة التعداد على كافة دواوين المديريات. وتبدأ العملية الفعلية للعد من خلال تعاون مشايخ الحصص مع عدد من الكتبة الذين تم تخصيصهم لأجل هذه المهمة من قبل المديرية عن طريق ديوانها، فيبدأ النزول إلى القرى لحصر كافة سكانها واستيفاء جميع البيانات المطلوبة للتعداد، ويقوم مشايخ الحصص وشيوخ النواحي بالإشهاد الشرعي على أنفسهم بصحة هذه البيانات، ثم ترسل هذه الكشوف إلى متعهدي ووكلاء العهدة التابعة لها كشوفات هذه النواحي وبعد مراجعتها يقوم بختمها وإرسالها إلى ديوان المديرية.
وكان ديوان المديرية يقوم بالتحقق من بياناتها عن طريق أرباب المعرفة من النواحي وغيرها، وعند انتهاء هذه المرحلة تبدأ مرحلة أخرى من مراحل إجراء التعداد وهي تجميع البيانات الخاصة بالمديرية وقراها وكفورها وعزبها وأبعادياتها في سجل إجمالي لكل مديرية على حدة.
كان مشروع التعداد يحتل مساحة كبيرة من اهتمام محمد علي الذي أكد على ذلك في أكثر من مناسبة بالنسبة للشعب المصري، ويظهر ذلك من خلال المراسلات التي كانت تتداول بين دواوين وإدارات المديريات المختلفة على مدار ثلاث سنوات تم إجراء التعداد خلالها، وقد واجهته فيها العديد من المشكلات والصعوبات التي حاول التغلب عليها مرارًا وتكرارًا، نجح أحيانًا ولم ينجح أحيانًا أخرى خلال تلك الفترة؛ وأهم هذه المشكلات: حداثة الفكرة على المجتمع المصري، وتلاعب المسئولين عن التعداد، ومشكلة التسحب.
وعن سجلات تعداد النفوس، يبين الباحث أن السجلات وجدت في دار الوثائق القومية التي تحتوي على آلاف السجلات الخاصة بتلك الفترة والسجلات الخاصة بالعمليات الإحصائية التي أجريت في الفترات التي تليها أيضًا، وإن كان أكثرها هو الخاص بتعداد عام (1846- 1848). ويضيف أنه على الرغم من كثرة هذه السجلات فإن المجموعة الأرشيفية غير كاملة، كما أن أجزاء كثيرة من هذه السجلات قد فقدت أو تهالكت خلال الفترة الممتدة من عصر محمد علي حتى يومنا هذا، خاصة في تلك الفترة التي نقلت فيها هذه السجلات من دار المحفوظات بالقلعة إلى دار الوثائق القومية.
نظمت لائحة التعداد المنشورة في 13 ذي القعدة عام 1261هـ الإطار العام لاستيفاء البيانات المطلوبة، ويدل شكل سجلات تعداد النفوس على إتباع الكتبة والمسجلين لهذا الإطار المنصوص عليه باللائحة. والجدير بالذكر أنه قد تم تقسيم الشكل العام للسجلات، فهناك اختلاف بين سجلات الأقاليم وسجلات المدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية، ففي سجلات الأقاليم وضعت بيانات الأفراد أمام كل أسرة على حدة باختلاف معلوماتها، أما في سجلات المدن فقد قسمت إلى أعمدة ذات عناوين ثابتة تدون فيها البيانات الخاصة بالأفراد مثل الأصل والديانة والجنسية. ويرجع ذلك إلى التباين السكاني داخل هذه المدينة الكبيرة عكس القرى التي ينسجم فيها التواجد السكاني.
وبشكل عام تم التعامل مع جميع الأفراد المقيمين داخل القطر المصري على أساس التفرقة بين الأهالي التابعين للسلطة المصرية، وتم التعبير عنهم في سجلات تعداد النفوس بعبارة "داخل الحكومة"، والأفراد الذين لا يخضعون لسلطة الحكومة وهم الأجانب المقيمون بالأراضي المصرية ومنهم الأتراك تحت مسمى "خارج الحكومة".
وخضعت عملية تسجيل الأفراد داخل التعداد لثلاثة مقاييس مختلفة؛ المقياس الأول كان هو الفرد؛ حيث كان يعد الأفراد الموجودين بالقرى، والمقياس الثاني للعد كان المكان الخاص بمنطقة العد والحصر السكاني؛ حيث يذكر المكان بما يحويه من أفراد وحتى ولو كان غير مأهول بالسكان فيذكر أنه خالٍ، والنمط الثالث هو عد أفراد المؤسسات مثل "الاستباليات، السجون، المدارس، القنصليات، الجهادية" وأيضًا أفراد العمليات مثل العاملين في "القناطر الخيرية، وجبل طرة والمعصرة" فهؤلاء كانت ترسل بهم قوائم من قبل المسئولين عنها.
وبعد الانتهاء من البيانات الرئيسية يتم الانتقال إلى تسجيل بيانات الأفراد داخل كل أسرة منفردة بداية بالذكور وانتهاءً بالإناث؛ فيحدد السن والاسم وعلاقات القرابة والارتباط داخل الأسرة ثم المهنة وموقع الأصل حسب التقسيم العام للسجل ثم الديانة ثم بيان حالة العجز إن وجدت وأخيرًا الحالة القا
نونية "حر - عبد".
ويشدد الباحث على أن البيانات السكانية التفصيلية التي يقدمها تعداد النفوس في عصر محمد علي يقودنا إلى ضرورة مراجعة بعض المفاهيم التي شاعت حول هذه الفترة الهامة من التاريخ المصري والتصقت به لفترات طويلة، ولم تستند فيها على هذا المشروع الكبير الذي يعطي صورة متكاملة عن الطبيعة السكانية والنشاط الاقتصادي والنظام الإداري.
ويؤكد أن التعداد شامل ومتكامل لكافة سكان مصر تم تطبيقه بأسلوب مركزي وتنظيم عالٍ تطلَّب الدقة التي وضحت من خلال البيانات التي احتواها، وكانت القواعد التي تحكم عملية جمع البيانات وتسجيلها ومراجعتها أكثر دقة وموضوعية وتحديدًا للهدف الذي وضعت من أجله أو حتى لخلق تصنيفات جديدة للمجتمع وتحديد علاقة الفرد بالدولة والسلطة حيث الخضوع للحكومة المصرية وليس للدولة العثمانية تأكيدًا على مبدأ استقلالية مصر عن الدولة العثمانية، وإعادة تنظيم الهيكل الاجتماعي للمجتمع المصري، بالإضافة إلى إعادة توزيع قوة العمل على النشاطات والأشغال المختلفة بالدولة بغض النظر عن الهدف الشخصي لمحمد علي وإحكام قبضته على جميع مقدرات الشعب المصري، إلا أنه يكشف عن الكثير من مقومات الشعب المصري البشرية والمادية ويسمح بإعادة هيكل المجتمع في كافة مجالاته المختلفة.
ويبين أيضًا أن الغرض من هذا المشروع الكبير لم يكن موجهًا لجمع الضرائب أو محاولة لفرض ضرائب جديدة أو لخدمة القرعة العسكرية، إنما كان لمعالجة المشكلات الإنتاجية وتقييم الموارد البشرية المصرية؛ ولعل ذلك يدحض الفكرة السائدة بأن معاهدة لندن عام 1840 قد سجلت بداية انهيار الدولة المصرية من الداخل.
ويضيف أن التعداد الشامل يفتح الباب أمام العديد من الدراسات المختلفة لكافة العلوم والتخصصات؛ فنجده مجالاً مفتوحًا أمام علم الوثائق لدراسة هذه الكمية الهائلة من السجلات الوثائقية باختلاف أحجامها، وأيضًا علم اللغات لدراسة اللغة الإدراية التي كتبت بها هذه الوثائق وطبيعة إعطاء البيانات من جانب الأهالي بلغتهم الدارجة وطرق تسجيل هذه المعلومات بالأوراق الرسمية للدولة، ولا يقتصر الأمر على هؤلاء فقط بل يتعدى ذلك إلى الدراسات العمرانية من خلال ذلك التنوع الكبير لمنشآت هذه العصر التي وردت في سجلات هذا التعداد، وأيضًا الدراسات الإحصائية لدراسة الأسلوب الإحصائي والتنظيمات التي اتبعت في هذا التعداد، ويظل المجال مفتوحًا أيضًا أمام كافة العلوم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية لدراسة هذا العصر من خلال المعلومات الغنية والوفيرة التي يقدمها تعداد النفوس في مصر عام 1846-1848م